شكري شيخاني
الحوار المتمدن-العدد: 1267 - 2005 / 7 / 26 - 09:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جاء الخطاب الذي ألقاه السيد الرئيس بشار الأسد في حفل افتتاح مؤتمر المغتربين معبرا شاملا" وجامعا لعديد القضايا الراهنة منها, والمستقبلية. فتكلم سيادته عن العلاقات السورية العالمية, والسورية العربية ,وعن الداخل السوري, وهذا ما سأحاول تناوله من خلال الكلمات التالية, وهو الشأن الهام الذي يستحوذ على جلّ تفكير المواطنين, سيما بعد عملية ترميم الوزارة, بمواطنين... أي أنهم قد مروا بمرحلة المواطنة, وعايشوا ظروفها بكل ما فيها من حلو قليل ومر كثير.
(( أيها الأخوة , لقد بدأنا في السنوات الأخيرة العمل على انجاز خطة إصلاح طموحة,نأمل في أن نتجاوز من خلالها حالات الخلل الذي تعانيه مؤسساتنا ,وقصور أدائنا عن تلبية الاحتياجات المتنامية للمواطنين , والتكيف مع المتغيرات العالمية المتسارعة من حولنا,اقتصاديا", وعلميا", وخدميا", وعملية التطوير هذه تنطوي على إجراء مراجعة شاملة لخططنا وأساليب عملنا ,وإجراء تقويم لما تم انجازه ))
هذا ما قاله السيد رئيس الجمهورية أثناء انعقاد مؤتمر المغتربين.
فمنذ تولي السيد الرئيس بشار الأسد السلطة في تموز من العام 2000 وهانحن نمر بالذكرى الخامسة وندخل إلى السنة السادسة والى هذه الساعة وهو يطالب جميع المسئولين وفي كافة مفاصل إدارة الدولة, بأن يتجهوا إلى نقطة البداية في مسيرة التطوير والتحديث , وإبداء أكبر قدر ممكن من الشفافية في سبيل إنجاح هذه المسيرة. ومنذ تموز 2000 تمت إجراءات عديدة ما بين تبديل , وتشكيل , وترميم , للوزارة أكثر من مرة ,ورافقت تلك الإجراءات , أمور إدارية من ونقل وتسريح وإعفاء ووضع تحت التصرف لأكثر من مسئول وعلى مختلف المراتب الوظيفية وفي سائر أركان الدولة بما فيها الجيش والشرطة .إلى أن توجت هذه الإجراءات بعقد المؤتمر القطري العاشر لحزب وما تلا ذلك من توصيا واقتراحات بدء العمل بالبعض منها وهنا أسأل .. لماذا لا يظل المسؤول مواطنا" بعد أن يتربع على كرسي المسؤولية, وزيرا" كان ,أم مديرا" عاما" أو ضابطا" من جيش وشرطة, أو حتى أي منصب ؟؟. أليس من الغريب حقا", بل ومن المدهش ,أن كثيرا" من القادمين إلى تولي مناصب من سبقهم في كافة المفاصل الحكومية , لم ينتبهوا إلى ما آلت إليه مصائر من سبقوهم ,عندما عاثوا فسادا" و عملوا( على وزن هبشوا ) ما استطاعوا إليه سبيلا ,وهم على سروج مناصبهم, وكأن مال الوطن الذي هو بالمحصلة مال المواطن ومقدراته هي( ملك من خلفهّم؟؟ ) , بل وأصبح لزاما على المواطن أن يدفع فاتورة فساد هذا المسئول أ وذاك الوزير أو المدير العام وذاك الضابط, وأن هذه التكايا مفردها (التكية) قد خصصت لهؤلاء والى أجل غير مسمى وأن على المواطن أن يذبح كل يوم ولدا" من أولاده لكي تزدهر منطقة الصبورة بالفيلات وتتبختر أمامها أفخر أنواع السيارات؟؟.
أغلب المسؤولين يتكلمون عن الشفافية وأغلب المسؤولين يتكلمون عن الفساد, بل ويجارون السيد الرئيس
( ظاهريا") حول مسيرة التطوير والتحديث , والأنكى من ذلك أنهم يحددون مراكز تموضع الفساد والفوضى .حتى أن عديد المسؤولين تخطت بهم الجرأة التي تحولت إلى وقاحة مبطنة في التكلم عن الشفافية عبر وسائل الإعلام وعلى شاشة التلفزيون وعلى صفحات الجرائد,وصار يحلوا لهم أن يقولوا يجب أن نعمل كذا .. وكذا.
وهنا ..لا بد من التذكير بأن الصدمة عندما تقع, نرى العكس تماما. فما أن تبدي رغبة في زيارة أحد من هؤلاء المسؤولين, ترى انقلاب الصورة الذي شاهدتها للتو؟؟ فالمسؤول يحيط نفسه بهالة من الفخامة والأبهة والعظمة وينتقي مديرا" لمكتبه, حاصل على دكتوراه باللؤم والخسة في معاملة الجمهور, وسكرتيرة تتمتع بالوقاحة والفجور أكثر ما تتمتع باللباقة والكياسة, وهذه المديرية التابعة لهذا الوزير أو المدير تعمل بضوء أخضر,على طريقة المثل الشعبي ( يا أرض اشتديّ ما حدا قديّ ), ونسي هذا المسؤول أو تناسى تماما ما كان يقوله على الملأ , من نقد بناء وهدّام ,وقد يكون ممن امتهنوا مهنة ( الّنق .. نقّ .. ينقّ من نقاّق ) على ألفاضي والمليان, عندما كان خارج منصبه ,.وهذا المسؤول يعرف أن المواطن لم يعد يأكل من هذه التصريحات ,وأنها ( أي تصريحاته) أصبحت قديمة وبالية لأنها.. خلبّية..!! أما إذا كان هذا المسؤول أو ذاك يرمي من خلال تصريحاته وتشدقه بعبارات التطوير والتحديث الفارغة من أي مضمون حقيقي لهذه المصطلحات, والهم الوحيد لهذا المسؤول أن يسمع صوته إلى القيادة التي وثقت به ووضعت بين يديه مقدرات الوطن والمواطن , ويحاول أن يظهر نفسه بمظهر المسؤول الذي يتعامل مع المواطنين بالشفافية ومظهر المسؤول المتطور والمحدث لوزارته أو إدارته, فهو مخطئ في تفكيره, واتجاه هدفه وأفقه محدودين, لأنه لم يرى أبعد من أنفه ولم يسمع أو يرى مصير من سبقوه وتعّدوا على مال الوطن ولو بعد حين ؟؟
وطبعا كما في كل مرحلة من مراحل التبديل لوزير أو مدير عام, نرى تغيير لوجود شلة الأنس من المنافقين
( وماسحي الجوخ وملمعيّ الأحذية ) هذه المجموعة غالبا" ما تكون مصابة بداء العظمة ,وهي التي ترافق هذا المسؤول أوذاك, وأغلب هؤلاء وأمثالهم كثيرون, هم من كانوا أحد الأسباب في تأخر البلاد واستعباد العباد على جميع الصعد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, وإذا بقيت في مواقعها ناشرة الفساد والترهل والروتين ستعطي انطباعات سيئة عن صورة هذا المسؤول أو ذاك, وعن صورة المؤسسات والوزارات وهذه الآفة موجودة في كل بلدان العالم ولكنها في بلادنا أرى أنها تنمو وتزدهر بسرعة فائقة,؟؟
ولنتكلم في وضوح أكثر.. يوجد في نفوس أغلب المسؤولين خوف من التغيير.. خوف من قبل المسؤول المنتفع , ومن قبل الكوادر الإدارية المنتفعة فهي تنام خائفة وتصحو مرعوبة من أن تمس يد التغيير والإصلاح مصالحهم , هذه الشريحة الفاسدة المرعوبة على مصالحها. نجدها في أغلب مفاصل العمل الحياتي في الدولة هي التي أسست أطرا" للفساد أو لنسميها المتحالفة مع القطاع الخاص وقواه الاقتصادية المخترقة لمصالح الإدارات الحكومية بالتعاون مع آليات الفساد القائمة في هذا البلد, حتى أصبح لدينا قطاع خاص يعيش على حساب قطاع مخصص بدلاً من أن تستعمل قطاع عام ؟؟ والأمثلة كثيرة ومتعددة , لسبب بسيط جدا" وهو أن المسؤول أقل انفتاحا" على التغيير من المواطن.
التغيير في سورية إداريا ومعرفيا" ليس بالمستحيل, ولكنه صعب ومعقد, ولأن القوى التي تقاوم التغيير كثيرة.
1 - منها أن العقل التقليدي مستحكم , وهو في الأن نفسه مقاوم شرس للعقل ألتغييري المعرفي في تطوير العمل والذي هو بالأساس مركونا" على الرف لم تأتي مرحلة استخدامه بعد!!
2 - تشبث أصحاب المصالح والمكاسب وبقائهم لمدد طويلة بمواقعهم, وخاصة من هم في مناصب إبرام العقود ( دراسة وتنفيذ) مما أدى إلى اكتساب هؤلاء معارف سلطوية وجهوية داعمة لهم في السراء والضراء على قاعدة تبادل المنافع,هذا الأمر أدى الى الضعف في إبداء الرأي واتخاذ القرار.
3 – التلاعب وعدم المصداقية من قبل المسؤول ( وزيرا" – مديرا" – موظفا" – ضابطا" ) وخوف هذا المسؤول من كل جديد, ومحاولة الحفاظ على آليات ومكاسب قائمة ( على أساس أن تكية القطاع العام من موارد وإمكانيات وامتيازات مفتوحة له ولعائلته, وقد يستفاد منها مستقبلا"؟؟ ).
وبما أننا عرفنا الخلل أين يكمن ,وعرفنا تموضعه ,ومن وراءه ( داعما" ,ومنفذا" ) علينا بالاتجاه نحو المناقشة ومحاولة وضع أسس يمكن الارتكاز عليها,ولمعرفة الواقع والوصول إلى مواطن الخلل يجب علينا تدارك أمور عدة منها:
1 - التكلم عن واقع القطاع العام بصوت عال, و يجب أن تتم مناقشة هذا الواقع بصورة جدية وحقيقية, ووضع النقاط على الحروف وفي كافة المجالات. قد تبدو هذه الدعوة للوهلة الأولى, مستهجنة, ومكررة.
نعم هذا القطاع وضعه صعب وغير مرضي عنه على الإطلاق.
2 - أين الدور الحقيقي والفعال للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش, بل أين هي هذه الهيئة أساسا
3 - أغلب هؤلاء المتشبثين بمناصبهم, هم بلا أدنى شك منتفعين, والطريف أيضا" أنهم لا يتمتعون بالخبرة أو الكفاءة العلمية العالية وحالهم هذه لا تناسب المرحلة الإصلاحية القادمة.
4– رصد الواقع , وتوصيف الأداة ,وتحديد الإمكانات من علامات النجاح في أي عمل يقوم به المسؤول أنى وجد, هذا إن أراد المسؤول ذلك؟
5 – هذا النداء الذي صدر مؤخرا" عن السيد رئيس الجمهورية, يتطلب منّا, صحوة سريعة, صريحة وصادقة لتضافر الجهود والإمكانات لإنجاح العمل ورأب الخلل, سيما والكل يعلم بأن الوزير ,أو المدير أو أي موظف كان لا يستطيع أن يأتي بمعجزة دون الاعتماد على الآخرين وفي كل المواقع والمفاصل, وهذا أيضا" لا يتم بدون أن يزود المسؤول بمعلومات دقيقة عن واقع ,الوزارة ,والمؤسسة ,والشركة,حتى أصغر وحدة إنتاجية,للتعرف على نقاط الضعف والقوة فيها وبالتالي يتمكن هذا المسؤول من اتخاذ قرارات اسعافية علاجية . فالشفافية في تقدير الإمكانات ووضع الحلول الناجعة لها من أولويات مهام المسؤول في ميدان العمل,حيث أن النوايا لوحدها لا تكفي مهما كانت صادقة إذا لم تتحول إلى واقع ملموس وهذا التحول لا يتحقق إذا بقيت العقلية البيروقراطية والروتين أمام عجلة التطور والتحديث الواقع.
فتح الأبواب أمام الصحافة لتأخذ دورها بفعالية وتعمل بجد لتكرس عملها وهو أن تكون أحد أهم المصادر في الرقابة الشعبية وتسهيل دور الصحافة أيضا" بشكل فعلي وعملي لتتمكن من رصد الواقع وتشير إلى الأخطاء والتعامل مع الصحافة بكل شفافية ومرونة وعدم حجب الصحافة وإعطاءها المعلومات التي يطلبونها لأنها صحافة الوطن التي تتدخل للإصلاح والنقد البناء ,وتصحيح العمل وتقويمه. وأن ينتبه هذا المسؤول أو ذاك لمدير مكتبه أو لسكرتيرته أو حاشية المديرية التي تتبع له بشكل عام لأن عمل هذه المديرية ,هو المرآة التي ينظر إليها المواطن .
وبهذا يمكن أن نبرهن بأن تغير الأشخاص مع تغير الأساليب لا بد أن يعطينا ثمارا" ويحقق أهدافا" اقتصادية واجتماعية ,لأنه لا مستحيل تحت الشمس إذا ما توافرت إرادة صادقة وعمل جيد وتصميم أكيد على
أن يبقى اسم الوطن عاليا"في ظل ظروف وضغوط دولية مرعبة و متكالبة على هذا القطر لا تستثني أحد.
#شكري_شيخاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟