|
هزيمة حرب الربيع العربي نهاية هزيمة حرب 5 حزيران 1967
روبير البشعلاني
الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 21:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مثل هذه الأيام من حزيران 1967 سادت في الشارع العربي حالة من الضياع والغموض والصدمة تشبه إلى حد ما ما يعيشه الشارع اليوم بعد ترهل الربيع العربي وانكشافه. لحظتان تاريخيتان لا يجمعهما بالحقيقة إلا النتيجة وعمق الصدمة.ء ففي 1967 الصدمة جاءت من هزيمة مشروع ينجدل حول مشروع واقعي يقوم على فكرة إعادة تجميع عوامل العملية الإنتاجية الموحدة للدولة وعلى التحكم بمفاصل السيادة وبناء حياة داخلية متمحورة حول الذات. الصدمة كانت ثمرة هزيمة مشروع معروف ومحدد تعرفت الناس عليه وتعرفت به. كانت اللحظة لحظة خسارة كبيرة أطلقت العنان لتفكير عميق انتهى اغلبه بعملية جلد للذات والتفتيش عن اسباب للهزيمة داخلية وبنيوية. ولم يتوقف الناس عند موازين القوى ومواقف القوى الدولية التي كانت بمجملها، عدوة وحليفة، غير مرحبة بالمشروع الناصري بمعناه التوحيدي. في 1967 الهزيمة كانت إيذاناً بتوقف دينامية التوحيد ودينامية بناء الدولة العصرية الحديثة المستقلة وغير التابعة ونقطة تحول نحو دينامية التفتت واالعودة باتجاه الإنكفاء نحو العناصر الطبيعية الأولى للمجتمع، نحو القطر والقرابة الطبيعية، الرحمية منها ام الدينية. وفي رحم هذه الدينامية ولدت حركة التحرر الوطني الفلسطينية كردة فعل تنسجم مع دينامية التفتت بالرغم من المظاهر الخادعة والأوهام التي رُكبت على هذه الحركة الإنعزالية والانفصالية العربية. لقد كانت النخب بحاجة إلى موضوع تعلق عليه احلامها المكسورة فلم تجد أفضل من الركوب في مركب الهزيمة والتذرر بحجة قيام حركة الشعب المسلح بديلا للأنظمة الفاشلة. أكل الثور الأبيض يوم طلع القرار الوطني الفلسطيني ” المستقل”، البوصلة. يوم بدأ كل منا يفكر ب”ظهر حمار” لبناء دولته السايس-بيكوية. المشروع الناصري كان بتطوره المتدرج يستوعب عمق المشكلة وتعقدها ويحاول ان يجيب عليها بالتدريج حتى توصل الى جواب مركب. لقد ادرك هذا المشروع دور التجزئة في منظومة النهب الخارجي. كما ادرك دورها في تعميق النخلف الاقتصادي ثم الاجتماعي في بلادنا من خلال خلق الشروط المؤبدة له كل يوم. ولقد أدرك ان نهب الارض الفلسطينية لم يكن إلا “أثراً من آثار الاستعمار” لا تكفي محاربته لوحده للتحرر بل كان يركز في وعيه على شمولية المعركة للمنظومة ككل. فلا نصر ممكن بالنسبة له بدون التحرير وبدون التوحيد وبدون التنمية الاقتصادية وخلق مؤسسات الدولة الحديثة. لم يعمل ناصر على تحرير فلسطين كما لو كانت البوصلة. بل كان يعرف ان مشكلتنا العربية في ظل احتلال سايس-بيكو، الذي رعاه الاستعماران الفرنسي والانكليزي وتسلمه وواصله الناهب الأميركي من بعدهما، هي مشكلة بعدة ركائز قام الاستعمار ببلورتها لكي يسيطر اطول فترة ممكنة على هذه المنطقة المهمة. ء كان المشروع الناصري يعي أن الناهب الخارجي يعقد المشكلة عبر منظومة مركبة من التجزئة ، تشتمل على احتلال أرض فلسطين من خلال طائفة ضائعة في التاريخ، اليهود،تبحث عن ملجأ لها في الارجنتين ، او افريقيا، فخلق لاستعمار لها دولة هنا لكي يتم استعمالهم كوقود لمدافع الغرب الغازي. كان يعي إذا ان الناهب خلق التجزئة وعززها ب”دولة” أجنبية في قلبها تجعل من إعادة اللحمة امراً شبه مستحيل من الناحية العملية. كل ذلك ليس من اجل احتلال الأرض بل من اجل إخضاع شعوب المنطقة لمنطق نهب الثروات والموارد المحلية، تجويف الإنتاج وتعطيش السوق إلى الحاجات والبضائع الأجنبية. فهم ناصر ان التخلف الإقتصادي المقصود توأم احتلال فلسطين وتجزئة السوق العربية الموحدة. أدرك ناصر أهمية تسليم “كل بئر لأمير قرابي محلي” ، ناطور حراسة، كما جاء على لسان تشرشل في يوم من ايام التقسيم.ءهذا الادراك جعل ناصر يعمل بمنهجية ودراسة للأولويات. فقرر البدء ببناء مركز للدولة الموحدة، مركزاً قطباً يعمل من خلاله على البدء بكسر أواليات التبعية وبناء الاقتصاد الوطني في ذات الوقت الذي عمل فيه على بناء قوة عسكرية لتحرير فلسطين باعتبارها جزءا لا يتجزا من الأمة الواحدة، من الدولة والسوق الموحّدين. كما عمل ناصر على جبهة النواطير القرابية وحاول إسقاطها بالقوة. كان المشروع الناصري شاملا إذن لكل مرتكزات منظومة سايس-بيكو، او لنقل شاملا لبنية التشكيلة الاجتماعية التي بناها الاستعماران الانكليزي الفرنسي بروية ودقة على شكل دول “مستقلة” بحدود ” نهائية”. أدرك المشروع التوحيدي حدود ومضمون المنظومة الاستعمارية وعمل على تهديمها قطعة قطعة عبر أولوية بناء المركز والاقتصاد المستقل.ء أطلق المشروع الناصري ايضاً ما عرف فيما بعد بمشاريع الدول الصاعدة. لقد دفع ناصر ثمن ريادته في هذا المضمار. لقد جاء قبل زمانه وآوانه ربما. جاء في زمن كانت الامبريالية فيه ما تزال متماسكة وقوية وكان بوجهها قوة صاعدة تعاني كثيراً من صعوبات الصراع. فكانت تقدم التنازلات احياناً هنا وهناك من اجل حماية الأساس. كان المشروع الناصري أحد هذه الأثمان ربما، كلياً او جزئياً. على اي حال شكل المشروع الناصري أول دينامية تاريخية صاعدة يومها، وفرصة ودرساً لشعوبنا الممزقة دولا وقبائل وطوائف في كيف يمكن الخروج من المستنقع. وكما شكلت هزيمة ال67 نقطة تحول من الدينامية الصاعدة والموحدة الى دينامية التفتت والتراجع والتبعية. من دينامية الدولة الى دينامية الدويلات الطائفية والقبلية المعلنة او شبه المعلنة، وكما كانت الهزيمة يومها نقطة تحول تاريخية، فإن هزيمة الربيع العربي اليوم هي على الأغلب نهاية الدينامية التفتيتية التي بدأت انطلاقتها يوم هزيمة ال67. الربيع العربي كمشروع دواخلي لتفتيت المفتت وخلق نزاعات على السلطة بين الجميع والجميع انتهى اليوم في سوريا وهو في تراجع سريع في الكثير من الدول الأخرى. الدينامية التفتيتية في نزعها الأخير بالمنطقة. مشروع تعزيز المفتت ببنى قرابية طائفية جديدة لم يمش. مشروع خلق شروط نزاع طويلة بين الطوائف ولا سيما الشيعية والسنية منها قد فشل اليوم وهذا هو سبب الضياع الحالي. ضياع اليوم صحي اما ضياع ما بعد الهزيمة فكان مَرَضياً.ء ضياع اليوم ناتج عن وهم الظن بأن المشروع الديمقراطي قد فشل بينما الحقيقة ان الظروف لم تكن مهيأة لهذه المرحلة وما فشل ليس الا دينامية التفتيت التي وصلت إلى نهايتها، إلى سقف احتمالاتها التاريخية. وكما حصل في الفترة التي تلت هزيمة ال67 من انقسامات ونشوء قوى سياسية جديدة وانحلال اخرى ، وكما جرى في حينها على الصعيد الفكري والبرنامجي والرؤيوي من تغيرات جذرية يتوقع اليوم ان تبدأ التغيرات كرجع صدى لنهاية مرحلة تاريخية كبيرة بدأت في 1967 وانتهت بالعام 2014. ينتظر أن يعود الفكر الرؤيوي إلى العمل لإنتاج ما تحتاجه الشعوب من اجوبة تستجيب لتحديات اليوم . الصدمة، صدمة الربيع العربي، ومهما كان نوعها واسبابها، سوف تترك آثاراً عميقة وتصدعات فكرية وسياسية من دون شك. فما حصل ليس ثانوياً في تاريخ شعبنا. ولم يكن حدثاً طارئاً بل لحظة في صيرورة التحول التاريخي لهذه المنطقة. المشاريع الفكرية والسياسية التي قامت على قاعدة دينامية التراجع والتفتيت وصلت الى منتهى الطريق. المشاريع التي لا تحمل اجوبة للمشكلة المتمحورة حول الدولة المنهارة بسبب هيمنة منظومة النهب القائمة على التجزئة كأوالية رئيسة، وصلت الى طريق مسدود بعد أن اصطدمت بالبنى المحلية المتناقضة. المشاريع السياسية القائمة على مشاريع جزئية وقطرية قرابية وصلت الى مداها التاريخي. فهي لم تستطع ان تنتصر كما لم تستطع ان تقدم نموذجا للدولة العصرية. صلاحية مثل هذه القوى قد انتهت وانفتح عصر الدولة ومشاريعها. المشاريع الناطورية اي القطرية التي تقوم على قاعدة هيمنة إحدى القرابات الرحمية أو الدينية بدعم خارجي قد انتهىت الى غير رجعة. فالراعي الدولي، الناهب، يهتز هو نفسه تحت ضربات الدول الصاعدة وهو لم يعد قادرا على حماية مثل هذه الكيانات الإصطناعية ولا هو بقادر على المساعدة في خلق كيانات منها جديدة. سوريا البرهان الأخير. التشكيلة الإجتماعية التابعة التي خلقها استعمار سايس-بيكو، وواصلها الأميركي الناهب من بعده، وصلت الى مأزقها التاريخي بسبب التغيرات الديمغرافية الهائلة وما فرضته طفرتها مؤخراً من حاجات جديدة وتحديات كبرى لا تستطيع منظومة الناهب والهمينة أن تجيب عليها على نحو عقلاني. كما أنها صارت تشكيلة مهتزة لاهتزار عمادها، فهي تعتمد بالأصل على حام وراع اجنبي بدأ اليوم يعاني من منافسة قوية جعلته في وضع غير مريح إطلاقاً. ء العرب لم يعودوا موضوعيا قادرين على السماح لقوة عالمية متابعة عملية النهب التي بدأت رسميا في نهايات القرن التاسع عشر وتواصلت خلال القرن الماضي وحتى اليوم. الطفرة السكانية تحتاج الى هذه الثروات. التجزئة لم تعد قادرة على العيش بسبب اهتزاز حاميها الدولي من جهة وبسبب ضغط الحاجة الى التوحد لأسباب اقتصادية وحياتية ودفاعية وامنية ووجودية. النموذج القطري يترنح في اغلبية الدويلات السايس-بيكوية ولم يعد يستطيع إنتاج تسويات مؤقتة بغياب المعلم الكبير. المخفر الاسرائيلي تلقى في العقود الأخيرة ضربات موجعة أودت بدوره الوظيفي الردعي فانقلب من رادع الى مردوع يبحث هو ايضا عن حام خارجي. والسوق بدوره يتعرض الى اختلالات جذرية بسبب دخول منافسين جدد وتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية الدولية. إذن وبالمختصر وصلت منظومة هيمنة النهب أو تشكيلة سايس-بيكو الإجتماعية إلى حدها الأقصى. ومع فشل المحاولة التفتيتية الأخيرة، الربيع العربي، انفتحت أمام شعوبنا آفاق جديدة لن يطول الزمن قبل ان نشهد إرهاصاتها الأولى.
#روبير_البشعلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما معنى اليسار شَلَحْ
-
صعلوكيات/ ما قبل الهاوية
-
في احتقار الإجتماع العربي/ صعلوكيات
-
الهوى والشباب والأمل المنشود
-
«اليسار لبس» بعد «اليسار شلح»/ صعلوكيات
-
بين الحرية والتفتيت
-
مأزق اليسار
-
بعد القصير: نابليون ضد بونابارت
-
غَزْلُ الأوهام أو الخروج من المأزق الطائفي
-
صعلوكيات/ ولكن من هو العدو ؟ أسرائيل فقط ؟؟؟؟
-
صعلوكيات/ -الارثوذكسي- نعمة أم نقمة على لبنان ؟
-
اليسار إبن تركيبته الإجتماعية
-
السياسوية -علم- الرغبات
-
صعلوكيات / -إعلان دمشق- وجبهة النصرة : زواج العقل ؟
-
فلسطين ,كرسي القش و-سفريات ابو عساف-
-
الثورة الخرساء في سوريا ليست من اجل الحرية
-
الطائفة مقولة فلسفية أم جسم اجتماعي قرابي حديث ؟
-
اليسار شلح السوري يخوِن اليسار الفرنسي
-
الاستبداد والحرية اوهام العمران البشري
-
صعلوكيات / بيان من أجل الدولة العربية
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|