حميد المصباحي
الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 21:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أية منطلقات تحكم الصراعات السياسية في العالم العربي؟
هي ضد أنظمة الحكم أم ضد الحاكمين؟لفهم مثل هذه الأسئلة,لابد من تحديد طرفي هذه الصراعات,ولابد من التلميح إلى التاريخي,دون تناوله,أو ادعاء الإحاطة به كاملا,فهو نفسه موضوع صراعات وتأويلات متعددة ومتناقضة في الوقت ذاته,منذ تأسيس الدولة الإسلامية,كان شخص الخليفة محددا لطبيعة المعارضين له,فالقرشي لايجرؤ على معارضته إلا من ينتمي لبطانته,أما غيره فلا يعتد بمعارضته,لكن الشخص,أي الحاكم لم يكن معزولا عن قبيلته وشيعته,فهو صورة مصغرة عنهم,إيمانا وزهدا وقرابة من أهل النبوة,لذلك,ظل الحاكم نسبيا حاضرا في الذاكرة الشعبية,تاريخا وانتماء أسريا ودينيا,ومع توالي الأيام غدا المجد والقدرة على العطاء حاضرا في استمالة الناس,وخصوصا ذوي العصبة والقوة واللحمة القبلية,هكذا جرت الأمور,وجرت معها صراعات,تداخل فيها الديني بالقبلي,والأسري بالفردي,فأثر على طبيعة السلطة في العالم العربي,فهي ميالة لخلق توازنات بين ذوي الجاه,بما هم عصبة,امتلكت العلم أو المال والأمجاد,فصار لها أنصار,وأـباع من الناس,ممن اعتادو الإستقواء بغيرهم,والتنافس على حظوة طاعة الأقوياء,في السلطة أو بالقرب منها,وفق التوازنات التي تخلقها أو تختلقها السلطة في العالم العربي,ربما لهذه الأسباب تتعارض الديمقراطية مع قيمهم,ويخشون وجود الديمقراطيين,بل يعملون على إبعادهم من أية مؤسسة ,خوفا من كونهم,تعلموا من الديمقراطية عدم الإعتداد بالشخصي في تدبير أمور السياسة,التي تحتاج لرجال علمتهم التجارب,السياسية العربية,عدم الحسم النهائي في القرارات التي يتخذون,فهناك هوامش للممراجعة,إرضاء لهذا الطرف أو ذاك,فطبيعة السلطة السياسية في العالم العربي,تؤكد أنها ليست سلطة المؤسسات بل الأفراد,أي الذين لهم القدرة على تمثيل جماعات متنفذة,لاتظهر إلا عندما يصلها خبر الرغبة في تطبيق الديمقراطية,بما هي سلطة القوانين التي تشرعها مؤسسات تمثيل الشعوب,إن اختارت فعلا من يحسنون تمثيلها والدفاع عن مصالحها,ترى هل يمكن تغيير هذه الدلالة؟هل استطاع الحراك العربي القضاء على هذه الصورة,أو على الأفل التأثير فيها؟
1العقلية العربية
تاريخ الإنسان العربي,عرف بوجود نظم,غير سياسية,بل هي اجتماعية عرفت بالنسيج القبلي,بما هو تجاوزا نظام لضمان التعايش بين الأفراد و الجماعات,خلق معايير للحكم على السلوكات و التحكم في التصورات و الخيالات المناقضة له,فقد كان تفاون الإعتبارات موروثا,و مدافع عنه بالموروث القبلي,باعتباره أنجع ما أبدعه الأجداد,و للحفاظ عليه ,أقيمت توازنات بين مختلف مكوناته الأسرية,تفاديا لأن تطغى عائلة على أخرى أو حتى قبيلة على باقي القبائل,رغم مشروعية العنف القبلي,وجدت أشكال للتحكيم من طرف محايد أو قوة قبيلية مهابة الجانب,فقد كانت لنظام القوة معايير وجود,و أحكام عرفية تدبير القوة و التحكم فيها في الوقت نفسه,و بذلك اعتبرت هذه المناطق موقع نفوذ تصارعت من أجل السيطرة عليه إمبراطوريات,أهمها الفرس و الروم,و لم تفكر في أن تجعله منظما سياسيا وفق مؤسسات الدولة كما عرفت في تلك الفترة من التاريخ,تخوفا من استثمار الموقع جغرافيا و تهديد مقومات العبور التجاري,التي لم تفد العرب,من حيث استفادتهم من تجارب الغير سياسيا,لاعتبارات كثيرة,منها التاريخي و الجغرافي و ربما النفسي العام و القيمي.
2العقلية الإسلامية
كان أساسها ما هو عربي,ليس في كليته,بل في جوهره,أي اعتبار القيم الجديدة على مستوى المعايير الأخلاقية,في صيغتها الفردية,تعبدا و وحدانية و حياء,كمحاولة لبث روح التجمعات المقلصة من آليات الإحتكام للعنف في صيغته القبلية العرقية,و بذلك صارع الإسلام هذه الروابط,بحيث يصير معيار التفاضل هو الفعل و ليس العشيرة أو القبيلة,و هنا كان سر رفض زعماء القبائل لهذه الدعوة,و ربما التسرب إليها فيما بعد بدون الإيمان بها للإنقلاب عليها باسم القبيلة التي حاول الإسلام الروحي تقليص قوتها في أفق القضاء النهائي عليها ,فبعد موت النبي صلى الله عليه و سلم,حاول أصحابه,الحفاظ على لحمة الديني,مع تناسي القبلي بدرجات مختلفة و متفاوتة,غير أن العصبية انبعثت بحكم غياب مشروع سياسي للدولة,يضمن التوازنات بين القوى المتصارعة على الخلافة كنموذج تأويلي لسلطة دينية أريد لها أن تصير دنيوية بالإستناد لمنطق الطاعة و الخنوع بدل القناعة و انتظار الدور,أو الإستناد إلى الوراثة المؤسسة على عرق أو نسب مؤسس,يتفق المجتمع على استحقاقه لتزعم المجتمع و السيطرة المشروعة عليه,و هنا كانت العقلية الإسلامية,حاضرة في صيغة تحويلها لسلطة القبيلة إلى سلطة خلافة أو الدولة الدينية,كما تصورها الإنسان العربي,متأثرة بفهم الخليفة للدين الإسلامي,و بعلاقاته بقبيلته,و قيمها بل حتى رؤيتها لكيفيات الحكم و مستندات مشروعيته.
3سلطة الموروث
للدوافع السابقة الذكر تأثيراتها,فهي تشكل ذاكرة مشتركة,للسلطة السياسية في العالم العربي و المجتمع نفسه و إن تغيرت بعض مظاهرها العامة,فالمجتمعات العربية,لا تتصور وجود سلطة بدون قدرة على ممارسة العنف و القوة المنظمة,بما هي أيضا بعث للمقدس,سواء اتخذ بعدا عرقيا أو دينيا أو هما معا,إضافة للتاريخي,كتكثيف للمشترك في مواجهة الكفر أو العدو الحضاري أو حتى العرقي,في صورة المتآمر على وحدة الجماعة أو الأمة أو السلطة الممثلة للمجتمع و الحامية له من التسيب أو الفتن أو الخراب,و بذلك فإن كل سلطة في العالم العربي,لا تستطيع الإستمرار خارج التوجس من المجتمع,باعتباره قابلا للتمرد عليها و الطمع في سطوتها,و التي تصورها له كجريمة موجبة للعقاب و القتل,و المتتبع لطبيعة الدولة كسلطة سياسية في العالم العربي,يلاحظ أنها مشيدة إما على قاعدة المقدس الديني أو العرقي أو التاريخي الشبيه بالأسطورة في أحداثه وفق معقولية خاصة و مفروضة على الكل,مجتمعا و سياسيين,و إن ظهرت بعض التجارب التي سمحت بوجود التعدد الحزبي,فإنها حاولت استحداث النموذج الديمقراطي,حفظا للتوازنات و رغبة في التقرب من الغرب الرأسمالي لحماية سلطتها و ليس اقتناعا بهذا النموذج الذي تتحفظ على كل أبعاده الثقافية و الحضارية,أي أنها تختزله في التجربة التقنية كاقتراع متحكم فيه,بسلطوية سرية تلعب فيها الدولة دور المكيف للعمق الحضاري مع ضرورات التحديث العقلاني.
4ثورات العالم العربي
كانت تتويجا لانتفاضات شعبية ووجهت بعنف الأنظمة العربية,و قد كانت بمثابة محاولات للتغيير,غير أن القوى السياسية المعارضة لم تكن مؤهلة للحسم بها تجاه النظم السياسية القائمة,و إن حدث,فقد كانت تتنازل بموجبها الدولة عن بعض أعضائها أو تضحي بهم في سبيل إعادة التوازنات التي تضمن بها إعادة السيطرة من جديد على الأوضاع,إلى أن أزهر الربيع العربي,بسلمية في تونس,و مصر,و حتى اليمن,لتولد نظم سياسية تحاول التخلص من فكر السطوة الموروث,لكن المجتمعات العربية تثبت الأحداث أنها لازالت تحن لمنطق القداسة أو العنف السلطوي,رغم ما تبذله حركات التحديث السياسي من مجهودات لاستنبات الفكر الديمقراطي اجتماعيا و اعتباره مكسبا إنسانيا من حق كل الحضارات الإنسانية الإستفادة منه و تطويره نحو المزيد من الحريات و الحقوق.
خلاصات
يحتاج العالم العربي لثورة ثقافية تستوعب السياسي لا أن يستوعبها,و تفعل آليات التفكير العقلاني في مجالات السياسة,بخلق نخب جديدة متحررة من عبئ التاريخ و الخطابات الماضوية المقدسة للشخوص و التاريخ الحضاري للمجتمعات العربية,بما هي مجتمعات و سلط سياسية عليها تشييد لحظتها التاريخية و بناء نموذجها السياسي الديمقراطي و التحرري بعيدا عن كل أشكال الوصاية,سواء كانت دينية أو شكلية تشبهية بما تفرضه المجتمعات الحديثة,لترسيخ قيم المواطنة الفاعلة و المحاسبة للسلطة.
حميد المصباحي كاتب روائي
#حميد_المصباحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟