محمد خضر خزعلي
الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 15:53
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
بالنظر الى الفترة السابقة التي مثلت بروز الولايات المتحدة كقوى عظمى على الساحة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي , وهذا ما ظهر في شنها ست حروب متتالية وحربها ضد الارهاب في جو ساده عدم الممانعة الصينية او الروسية فأن الامر الان قد اختلف , ويظهر هذا جليا من ارتفاع لاءات الصين وروسيا كلٌ حسب مصالحه.
واستمرار النمو الصيني سيدفعها الى السيطرة على جنوب شرق اسيا مثلما سيطرت اميركا على النصف الغربي من العالم , وهذا الامر يمثل تهديدا للولايات المتحدة التي تسعى جاهدة لبناء علاقات ثنائية مع جيرانها في المنطقة لمنع الهيمنة الصينية.وهنا تظهر شكوك حول سلمية الصعود الصيني في اقليمها.
تميل الواقعية الى افتراض ان الدولة هي الفاعل الرئيسي في المسرح الدولي , ولذلك تسعى اي دولة لامتلاك القوة , ومنع الاخرين من امتلاكها ,ثن ان قوة الدول كالقدرات العسكرية والاقتصادية يمكن قياسها , اما النيات فلا يمكن التنبؤ بها دوما حتى لو استقر العرف الصيني على السلمية الكونفوشوسية.حيث ان معظم التاريخ الصيني يؤكد انها تسلك مسالك الدول العظمى وتسعى الى بناء قدراتها العسكرية بل وخوض حروب ايضا.
ويتعزز هذا المنطق بان الدول فواعل عقلانية اذا ما تعلق الامر ببقائها , حيث ان اهم كيان على الساحة الدولية هو الدولة.
هذه الافتراض مجتمعة تجبر الدول احيانا على التعامل الفوضوي في النظام الدولي , فالمصلحة مبدأ حاكم ....على الاقل في العقود المقبلة. فالقوة تزيل خطر زوالها ..تماما كالولايات المتحدة التي لا تجرؤ اي دولة في اقليمها على تهديدها.
- على الرغم من ان الرقعة الجغرافية الصينية كبيرة فهي ليست بحاجة الى اثبات صعودها وهيمنتها كما الولايات المتحدة , سواء بالغزو او بضم رقع جغرافية اليها , لكن ما زالت الصين تعاني من ست مشاكل لم تحل بالدبلوماسية مع جيرانها , على رأس هذه المشاكل مشكلة تايوان , وعدم فاعلية الحل الدبلوماسي قد تدفع الصين باتجاه الضم , فقد تضم الصين في السنوات المقبلة تايوان , ومما يؤكد هذا الامر , هو عدم جرأة تايوان حاليا على تأكيد استقلالها عن الصين , خصوصا بعد الضم الروسي للقرم , وعدم فعالية السياسة الخارجية الامريكية.
اما مشاكل الحدود التي لم تحل بالدبلوماسية مع الجيران , فأن الصين ترى بالقوة احد الحلول , ليس بشن الحرب , لكن من خلال الهيمنة على المدى البعيد الامر الذي يجعل من الجيران في موقع ضعف بالنسبة لها.
ويبدو ان طموح الصين ليس تحقيق هيمنة على العالم بقدر ما هي هيمنة على الاقليم , لذلك تدفع ببناء علاقات مع كندا , البرازيل , المسكيك , حتى تشتت الولايات المتحدة جهودها في شرق اسيا للاهتمام باقليمها كما تهتم الصين باقليمها.
ولو لم يكن صعود الصين محفوف بالمخاطر ما وضعت واشنطن خطة لاحتوائها حسب مفاهيم الحرب الباردة , ولذلك وضعت واشنطن عدة بدايل للاحتواء:
1- ضربة استباقية تكسر انفة الصين , وهو ما يظهر في ارتفاع الانتشار العسكري الامريكي في اقليمها المحيط مع انسحاب تدريجي من الشرق الاوسط: لكن هذا احتمال بعيد لان كلا الدولتين نوويتين , وهنا بتوازن الرعب لن يجدي نفعا .
2-فرض عقوبات اقتصادية او سياسات تبطأ من النمو الصيني : وعلى الرغم من جاذبية هذا السلوك في الاعراف الامريكية الا انه سيضر بالجانب الامريكي نظرا للترابط الكبير بين الاقتصادين الصيني والامريكي.
3- قلب انظمة الحكم الموالية للصين : مثل نظام الحكم الباكستاني , وبناء تحالفات ثنائية مع دول المنطقة لكن هذه التحالفات ستدفع واشنطن عليها اكثر مما ستكسب نظرا للفرق الشاسع بين التنين الصيني وهذه الدول , وستسعى الولايات المتحدة الى تطويق المنطقة بحريا بالقطع البحرية حتى تمنع الصين من الوصول الى الشرق الاوسط.
احتمالية الحرب:
تشير دراسة رصينة للاستاذ نيد ليبو الى الى ان الفترة من 1648 - 2008 تميزت بأن الاتجاه العام والتاريخي للحروب يتميز اولا : بأن احتمالية البدء في الحرب دائما ما بين القوى العظمى والصاعدة والضعيفة دائما ما تكون من القوى الصاعدة و فالبدء الفعلي وليس التقني يكون دائما من طرفها ضد دول ضعيفة او دول افلة , مثل بروسيا في عهد بسمارك الذي احتل فرنسا , ثم من ناحية اخرى تشير البيانات الدراسة الى الهدف من الحرب هو نزع اعتراف دولي بها كقوى عظمى او مهيمنة ان كانت عظمى على العالم او على اقليم معين.
اما ان عن فرضية الاعتماد المتبادل بأنه سيقلل من احتمالية النزاعات فأن هذا الامر لا ينطوي على كثير من الصحة , فبرأي ميرشايمر فحتى في الحروب تستمر الدول في المبادلات التجارية , وفرضية ان الصين تهتم بالاقتصاد والجوانب المدنية فقط والسلمية في علاقاتها الدولية امر مشكوك به , حيث تشير بيانات معهد ستوكهولم الى ان الصين احتلت المركز الخامس كمصدر للسلاح متفوقة على بريطانيا , ومن الفترة 2008-2013 ارتفعت الصادرات الصينية من الاسلحة الى حدود 162% بالمقارنة مع الفترات السابقة. وتسعى الصين الى بناء علاقات عسكرية مع دول الشرق الاوسط مثل السعودية وتزويدها بالسلاح مما يدلل على ان التجارة العسكرية مهمة بالنسبة لها كدولة صاعدة كما التجارة المدنية .
لكن نظرا الى ان كلا الطرفين يتمتعا بقدرات نووية فأن الحرب هنا قد تكون في غير فائدة الطرفين , لكن الصين ليست الدولة النووية الوحيدة , فهناك الهند , واليابان التي قربت من امتلاك قدرات نووية وكوريا الشمالية ثم ان روسيا تسعى الى استعادة دورها مما يعني النظام الدولي سيكون متعدد القطبية , وهنا قد يكون الصراع الغير مسلح على اشده لاكتساب كل دولة من هذه الدول مكانة اقليمة معينة. فالتعددية الصاعدة هذه تجعل من احتمالية الحرب اكبر والتي من المحتمل ان يكون ضحاياها الدول الضعيفة وتايوان واحدة منهما.
يشير تقرير مجلس الاستخبارات الامريكي الى ان العلاقات في العالم حتى عام 2030 , ستحددها الدول المفاتيح , هذا التعبير يعني الدول الصاعدة كالصين وروسيا , ومدى تقبل الولايات المتحدة لشكل علاقاتها , ويضع ثلاثة سيناريوهات لهذه اعلاقات على الشكل التالي:
1- سيناريو الانفتاح وبناء التحالفات : كأن تقلل روسيا من احتمالية تهديدها بنزاع مسلح مع احدى الدول الضعيفة , وكذلك الصين , وسير باتجاه سلم دولي يعود بالفائدة على الجميع.
2- بروز صراعات جديدة مبتكرة في الجانب التكنولوجي والتجسس والجوانب الاقتصادي واساليب الابتلاع الدولي بهدف نزع مكانة دولية او طمعا في الهيمنة على الاقاليم.
3- او الجروب الشاملة التي تعود بالدمار على الجميع.
ولهذا فأن السلوك الصيني في سيعرف في الايام المقبلة سلوكيات من نوع الابتلاع الدولي , وستكون الدول الضعيفة هي المرشحة للابتلاع , ومن ناحية اخرى فأن الولايت المتحدة ستكون امام خياران الاول : ان تغض الطرف وتتعامل مع الصين على اساس القوة الاقليمية الاولى تجنبا لمخاطر الحرب الشاملة التي ستكلفها هي وحلفائها كاليابان الكثير , ومن ناحية اخرى حفاظا على ما تبقى من اقتصادها المرتبط بالاقتصاد الصيني , وسيشهد النظام الدولي تحولا كاملا في نبيته , من احادي الى تعددي , والقوى المرشحة هي الصين , روسيا برؤيتها الاورواسية , والولايات المتحدة . هذا على صعيد بنية الهرم الدولي.
#محمد_خضر_خزعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟