|
ماوتسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (1/3)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 13:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ماو تسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (1/3)
حين هاجمت خروشتشوف في العام 1963 أثناء تواجدي في المعتقل ظنتني قيادة الحزب الشيوعي الأردني آنذاك بأنني ماوي الميول، وزاد من ظنونها أنني وأثناء احتفالنا في المعتقل بذكرى ثورة أكتوبر السابعة والأربعين نهض يخطب مكلف من الحزب خطابا معداً له مسبقا وقال فيما قال " الكلب ماوتسي تونغ " فنهضت حالاً وخرجت من الاجتماع احتجاجا لأن الخطاب كان خطاب خروشتشوف بعينه . في المعتقل لم أكن أعلم بالطبع حيثيات خطاب الصينيين باستثناء موقفهم الصلب ضد تحريفية خروشتشوف والذي أيدته بقوة ؛ أما بعد خروجي من السجن ومفاجأتي بأقوال ماو عن الإمبريالية السوفياتية وتخبيصاته الأخرى أدركت أن ماو كان قد فقد رشده وأن الضرر الذي سيلحقه بالحركة الشيوعية قد يفوق الأضرار التي ألحقها خروشتشوف . فشل النهج الاشتراكي في الصين كان ماو منفرداً هو من تسبب فيه بعد أن فشلت خطته الإقتصادية في التنمية تحت عنوان قفزة كبرى للإمام (The Great Leap Forward) 1958 ـ 1962 وألحقت خسائر فادحة بالإقتصاد الوطني وبعد أن فشل فشلاً ذريعاً في قيادة الثورة الثقافية 1966 التي انعكست بتضاؤل ثقة الشعب بالحزب الشيوعي وبالاشتراكية مما سمح للملقب بخروشتشوف الصين، دنغ هيساو بنغ، أن يعود إلى قيادة الدولة تعززه أفشال ماو السياسية والإقتصادية والفكرية ليعكس توجه الصين نحو النمط الرأسمالي بدل الاشتراكي .
ما جعلنا نعود إلى هذه الوقائع التاريخية القديمة المتعلقة بماو تسي تونغ وأهليته في التنظير أو النقد الماركسي هو نقده السلبي الهدام لأطروحات ستالين في كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الاتحاد السوفياتي " الصادر في العام 1952 . بعد مرور ستة أعوام طويلة على صدوره فطن ماو في العام 1958 فقط إلى نقد أطروحات ستالين وأهميتها بعد أن لم يبقَ من ستالين شيء يستحق النقد في روسيا تبعاً لإدانته والفترة الستالينية إدانة عامة على لسان الأمين العام للحزب الشيوعي نيكيتا خروشتشوف بعد انتهاء المؤتمر العشرين للحزب في العام 1956 . صحيح أن ماو رفض هجوم خروشتشوف على ستالين رسمياً لكنه مع ذلك شارك فعلياً في الهجوم وفطن بعد عامين طافحين بالهجوم على ستالين ليس من قبل الإعلام الرأسمالي الإمبريالي وحسب بل والأنكى من قبل "شيوعيي" البورجوازية الوضيعة أيضاً من مثل تيتو وخروشتشوف ودنغ هيساو بنغ وأضرابهم من الخونة .
كان ستالين قد كتب مسودة كتابه " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الاتحاد السوفياتي " في العام 1951 تعليقاً على مناقشات الندوة التي عقدها الحزب في العام 1950 ، ووزع مسودة الكتاب على المشاركين في الندوة طالباً إليهم إبداء أية ملاحظات على مسودة الكتاب قبل الطبع . ولا أعتقد أن ماو لم يكن يعلم بمشروع كتاب ستالين ومعالجته لقضايا تطوير العمل الشيوعي وتوانى عن التعليق عليه، لكنه قطعاً علم بالكتاب بعد صدوره ولم يبد أية انتقادات لأية قضايا فيه قبل العام 1958 . فقط في العام 1958 وبعد أن بلغ سيل الهجوم على ستالين الزبا في مختلف وسائل الإعلام العالمية بمختلف توجهاتها استل ماو تسي تونغ خنجره ليطعن ستالين لكن القيصر كان تحت التراب قبل خمس سنوات ولم يصرخ بماو .. (Et tu Brute !) حتى أنت يا بروتس !
بعد ست سنوات وفي غمرة الهجوم الشرس على ستالين فطن ماو لأهمية موضوعات الكتاب، التي تعتبر حقاً إكنشافات جديدة تخص العبور الإشتراكي وإضافة جوهرية إلى علوم الماركسية، فخصص شيئاً من وقته الثمين لدراسة نقدية لتلك الموضوعات، ونشر خلاصة نقوداته في صحيفة (جم من جيباو) الرسمية لتكون بياناً لمنتقدي ستالين وأعدائه سواء بسواء . نحن اليوم ما كنا لنتعرض إلى نقد ماو تسي تونغ إلاّ لسفاهتها في التشكيك بجدوى الخطة الخمسية الخامسة التي أقرها المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي بحضور ستالين في نوقمبر 1952، والتي كانت ىستنقل المجتمع السوفياتي إلى عتبة الشيوعية برفاهية لا نظير لها في تاريخ البشرية حيث كان ستالين قد عزم على أن يثبت أن الشيوعيين السوفييت ليسوا عمالقة قي الحرب فقط، بوصف تشيرتشل، بل عمالقة أكبر في الانتاج السلمي . كانت معركة ستالين الأخيرة في مواجهة الرأسمالية الإمبريالية ستكون في المباراة السلمية في التطور الاجتماعي وتحقيق رفاهية المجتمع حيث ستبرهن الإشتراكية على أفضليتها على الرأسمالية ليس في الحرب فقط كما ثبت في مواجهة ألمانيا النازية بل وفي الإنتاج السلمي أيضاً .
يبدأ ماو حديثه السفيه في التشكيك بأهداف الخطة الخمسية الخامسة التي ألغاها الخونة أعداء الإشتراكية في سبتمبر 1953 حيث يقول .. " بدءاً بأول صفحاته وحتى الأخيرة لم يتحدث كتاب ستالين عن البناء الفوقي . تقتصر اهتماماته على الأشياء وليس الشعب . هل توفير السلع الاستهلاكية يشكل حافزاً لتطور الإقتصاد أم العكس ؟ كان عليه أن يتعرض لهذه المسألة على الأقل . هل من الأفضل توفير السلع الاستهلاكية أم لا ؟ يترتب علينا جميعاً دراسة هذا الأمر . وجهة نظر ستالين التي عبر عنها في رسالته الأخيرة هي بالإجمال خاطئة كلياً . الخطأ الأساسي يتمثل بعدم الثقة بالفلاحين " . تأخر ماوتسي تونغ خمس سنوات ليعيد خطاب عصابة خروشتشوف وجنرالات الجيش الذين ارتدوا عن الإشتراكية في العام 1953، ذات الخطاب بالتفصيل . في سبتمبر ايلول 1953 اجتمعت اللجنة المركزية للحزب وقررت تحت ضغط جنرالات الجيش إلغاء الخطة الخمسية الخامسة التي كان المؤتمر العام للحزب قد أقرها في نوفمبر 1952، تلك الخطة التي توجهت لمضاعفة إنتاج البضائع الاستهلاكية . تم إلغاؤها لحساب الصناعات الثقيلة كما ادّعوا زوراً حيث أن الإلغاء كان قد تم فعلاً لحساب إنتاج الأسلحة وهو الإنتاج الذي ظل ستالين يصمه بالمعادي للإشتراكية . وها هو ماو يؤيد الذين انقلبوا على الاشتراكية عن طريق معارضة إنتاج البضائع الاستهلاكية لصالح الصناعات الثقيلة التي لم تكن سوى الأسلحة . ثم كيف يسمح ماو لتفسه أن يدعي بأن ستالين لم يهتم بالشعب بينما هو يؤكد التوجه إلى إنتاج البضائع الاستهلاكية التي تصب فقط في رفاه الشعب ورغد العيش . ما كان ماو لبنزلق إلى مثل هذه السطحية إلا لأنه كان يضمر أهدافاً أخرى لا يليق إعلانها بماركسي يعمل على أن يكون المرجع الأعلى للفكر الماركسي . ثم كيف لماو أن يصف ما ورد في رسالة ستالين الأخيرة، التي يشير إليها ماو على أنها " بالإجمال خاطئة كليًاً " !؟ الماركسي الحقيقي لا يقبل مثل هذا التعبير الغائم الملتبس والمبهم كيما يوفر مهرباً دون مواجهة الحقيقة . أكد ستالين في رسالته الأخيرة في الكتاب على تصنيف القوانين في ثلاثة أصناف (أ) قوانين الطبيعة التي لا حيلة للإنسان على تغييرها مثل تعاقب الليل والنهار أو تعاقب الفصول (ب) قوانين للطبيعة يمكن تغييرها مثل تحويل مجرى الأنهر وإقامة السدود عليها لفائدة الإنسانية، ومثل تجفيف الشواطئ كما هي أراضي مملكة هولندا، ومثل مقاومة التصحر وزراعة الغابات (ج) قوانين ظرفية من صنع الإنسان نفسه مثل القانون الدستوري. اشتباهنا فيما يضمره ماو تسي تونغ من نقده لكناب ستالين ينبثق من نقودات أقل ما يقال فيها على أنها سطحية أو حتى سمجة . فأن يصف ماو هذا التصنيف بالخاطئ كلياً بدعوى أن القوانين التي يسنها الإنسان لا بد وأن تكون ظرفية أي أن الإنسان لا يسنها إلا إذا كانت موائمة للظروف المحيطة، هو ما أكد عليه ستالين بالقول أن كل القوانين التي يسنها الإنسان هي ظرفية بطبيعتها، لها بداية ولها نهاية، ولم يجد ستالين سبباً لأن يشير إلى أن بعض القوانين التي يسنها الإنسان تخالف شروط الحياة القائمة من مثل قوانين الفاشية والنازية اللتين عادتا لقوانين روما في استعباد الشعوب الأخرى وليس قوانين الرأسمالية الإمبريالية القائمة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين . ومن النقودات السمجة التي يوجهها ماو لستالين هو القول بأن الخطأ الأساسي في كتاب ستالين هو " عدم الثقة بالفلاحين " !! بل إن هذا النقد يتعدى السماجة ليصب في طاحون الرجعية . الفلاحة هي وسيلة إنتاج متخلفة حتى على النظام الرأسمالي فما بالك بالاشتراكي . نعود هنا إلى لينين يخاطب مؤتمراً للفلاحين في روسيا حيث أكد أن توزيع الأراضي على الفلاحين إنما كان لتحقيق أحد الأهداف الرئيسية للثورة البورجوازية في شباط 1917 بالرغم من أنه معاكس لروح الإشتراكية . في الندوة الكبرى التي عقدتها قيادة الحزب الشيوعي البلشفي في العام 1950 كان الرأي الغالب فيه وبقيادة فياتشسلاف مولوتوف هو إلغاء طبقة الفلاحين من المجتمع السوفياتي من خلال مرسوم فوقي ترسمه قيادة الحزب مرعي التنفيذ في الحال . عارض ستالين بقوة كل الإجراءات الفوقية وكان رحيما بالفلاحين، ربما لأنه تذكر توصية لينين إلى المؤتمر العام الثاني عشر محذراً من المساس بطبقة الفلاحين، ومذكراً أن الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي قامت على ساقين إحداهما البروليتاريا والأخرى الفلاحون ولذلك فإن الاستغناء عن إحدى الساقين سيعرض مصائر الثورة إلى الأخطار . أعاد ستالين كعادته قول لينين وأضاف أن إلغاء طبقة الفلاحين لا يتم بمرسوم فوقي بل بسياسات اقتصادية تستغرق عدة سنوات يتم خلالها تحسين حياة البروليتاريا بصورة ملموسة وهو ما سيؤدي إلى تخلي الفلاحين عن الفلاحة طوعياً والإنضمام إلى طبقة البرزليتاريا . الخطة الخمسية الخامسة التي أقرها مؤتمر الحزب العام في نوفمبر 1952 وألغتها اللجنة المركزية في ايلول سبتمبر 1953 متجاوزة كل الأصول والأحكام كانت تهدف لهذا الغرض، وكان أن قرر مؤتمر الحزب التاسع عشر حذف كلمة " البولشفي " من اسم الحزب التي كانت تشير أصلاً إلى تحالف العمال والفلاحين وهو ما كان سبب الخلاف بين البلاشفة والمناشفة منذ العام 1903 . لا يجوز أن تتقدم الاشتراكية إلى مرحلة متقدمة قبل أن تتخلص من إنتاج الفلاحين الذي هو بطبيعته إنتاج بورجوازي . وأن يصور ماوتسي تونغ نفسه نصيراً للفلاحين بوجه ستالين المعادي لهم ذلك لا يعني سوى أن ماو لن يعبر الاشتراكية وهو ما حدث فعلاً، ويشير بالتالي إلى أن ماوتسي تونغ لم يتطهر تماماً من الروح البورجوازية .
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديموقراطية السوفياتية المثلى
-
السياسيون لا يُستشفَون
-
الحزب الشيوعي يخون الثورة مرة واحدة فقط
-
تفاقم المديونية إنّما هو إنعكاس لانحطاط المجتمع حتى الإنهيار
-
إلى الرفيق عبد الرزاق عيد
-
ماذا وراء تهرؤ النقود حتى الإنهيار
-
الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد
-
حصن الماركسية الحصين (4)
-
حصن الماركسية الحصين (3)
-
حصن الماركسية الحصين (2)
-
حصن الماركسية الحصين (1)
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين (الأدلجة)
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين )النقد - (Money
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين ( عبور مختلف إلى الإشتراكية
...
-
رسالة إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإقتصاد)
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإشتراكية)
-
الرأسمالية انهارت لكن على أعينهم غشاوة
-
تخلّف الخطاب السياسي ( وحدة اليسار )
-
تخلّف الخطاب السياسي (سور برلين)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|