طلال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 1266 - 2005 / 7 / 25 - 05:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تموز هو الشهر الذي يحمل استثنائيته وخصوصيته بين اشهر السنة عند العراقيين ففي حره اللاهب وقع حدثان بارزان، اعطيا لتاريخ العراق ومصيره ملامح التكوين الحالي، وأسسا بدرجة كبيرة وحاسمة الصيرورة التاريخية لصورة النظام السياسي اللاحق وتجسيداته ، فالاحداث المتفاعلة ،وتكويناتها والترابط الجدلي بينها منذ تاريخ الحدثين، هوالذي مهد وبنى تاريخ التاسع من نيسان 2003 . كان الحدث الاول 14 تموز 1958 والثاني هو 17 تموز1968 وكلا التاريخين اسهما في تكوين و صنع تاريخ غير مصير بلادنا فالاول بنى جمهوريتنا الاولى ونال رضى الاغلبية من الشعب العراقي بوصفه ثورة، ولم يدخلنا الى عصر الحرية والاستقلال فقط بل ادخلنا في منعطف كان جسراً عبرت منه جحافل العسكرتارية ونظم الاستبداد والخراب التي حكمتنا تباعاً، والثاني جلب لنا البلاء والدمارومازلنا نعاني من تداعياته واستحقاقات شره ، ان سقوط هذين الحدثين السياسين بفعل العنف والقوة كما هما نشأا وتكونا بحمل مغزى تجذر ورمزية العنف والقوة في البناء التاسسي لمختلف كياناتنا السياسية المتلاحقة ، فثورة 14تموزبنت انطلاقتها على نهاية النظام الملكي وسقوطه الكلي بقيام الجمهورية الاولى برمزيتها وتأثيرها وهي وليدة هذا السياق ... وما نريد تسليط الضوء عليه هو المكانة التاريخية للنظام الملكي في تاريخ العراق السياسي الذي اسقطته ثورة تموزدوره، مسؤوليته، نتائجه . ومادمنا في شهر تموزفمن المفيد الكتابة عن النظام الذي كان سقوطه فيه مدوياً ومؤثراً مثل نشوئه وقيامه و الذي مازال الكثير من السياسين والمثقفين وحتى من عامة الناس يتحسرون على هذا النظام الملكي اعتقاداً منهم باًفضلية بقائه بديلاً مقبولاً ومناسباً عن كل الانظمة الاستبدادية التي حكمت العراق ولتجنبنا الكثيرمن هذه الكوارث وهذه الدماء والتضحيات وكل هذا الارهاب والموت العبثي , ويحظى هذا الرأي باهتمام ومتابعة من أنصار عودة الملكية والذين دأبوا على تقديم صورة مشرقة,لعهد يرون فيه وبنظامه الأفضل من بين كل النظم والعهود التي حكمت العراق, ويعتقدون انه قدم تجربة فريدة مازالت تلقى الثناء والتقدير ويعرضون محاسنه وا يجابياته,و يستعيرون من تاريخه وقائعاً وأحداثا وأمثلة تعرض سماحة وديمقراطية النظام الملكي وقدرته على إدارة البلاد بصورة ناجعة آنذاك؟ وينطلقون من مفاضلة أساسها المقارنة بين إيجابيات الملكية وسلبيات النظام الجمهوري, لأثبات وجهة نظرهم كمحصلة وهدف يدعم جهودهم الرامية الى عودة الملكية ( ربما), وقبل الدخول في صلب الموضوع,اقول إن عودة الملكية مازالت موضوع نظري لايمتلك ممكنات العودة ودواعيها ,رغم وجود حركة سياسية تحمل اسم ( الحركة الملكية الدستورية) .ان معالجة هذا الموضوع الشائك والمعقد بصورة مبسطة ولينة لا يمكنه ان يقدم فهماً ومسعى واقعي يقنع الشعب العراقي ,بان النظام الملكي الذي حكم العراق من عام 1921 الى 1958 مثل حلا امثل لجوهر النظام السياسي في بلادنا .ان اغلب المعالجات التي تناولت هذا الموضوع انطلقت من تفكير أحادى الرؤية وانتقائي عندما يتعلق الامر بالتحليل والموقف السياسيين.ولم يقدم أنصار الملكية أو من يؤيدهم ، على الارجح فهماً مقنعاً ومتوازناً الى المعترضين والمحا يد ين يدعم حججهم.ان فقدان الديمقراطية وانعدام مؤسسات التفكير الحر قد أخرا الى حد كبير ظهور وتبلور التفكير الموضوعي في الممارسة السياسية العراقية,و بخاصةً ما يتعلق بمسار التاريخ السياسي ووقائعه لبلادنا ,رغم تكون انعطاف بطئ نسبياً نحو انبثاق ثقافة سياسية خارج نطاق القمع الرسمي ,تتسع لمدلولات ومفاهيم سياسية واجتماعية موضوعية تقترب وتلامس جزءً من تاريخنا السياسي ووقائعه بصورة عادلة ومنصفة الى حد ما من خلال مراجعة قام بها مسؤولون سابقون وشخصيات سياسية مختلفة رغم تواضعها,وانطلاقاً من هذه التوطئة الموجزة أقول ,إن طرح صورة الملكية ونظام حكمها البرلماني المعتدل مجتزئاً، استناداً الى مبدأ المفاضلة بين النظامين الجمهوري والملكي سيقودنا حتماً إلى نزعة تمجيد الحالة التاريخية وتقديس وقائعها بوجهة منحازة, وهذا ما جسدته رؤى ومواقف انصار الملكية, عندما اصطفوا امثلة بيضاء جرت في العهد الملكي وجعلها منطلقاً وحجةً تسوغ أفضلية النظام الملكي وتتمنى عودته.ان اختزال موضوعاً خلافيا ومهماً من خلال امثلة ومواقف وتصرفات فرد ية سميتها منافذ السماحة في بنية النظام الملكي لا تقدم شهادة منصفة الى اجيال ثلمت ذاكرتها,من خلال معالجة سطحية تبتعد عن جوهر الموضوع تماماً ,ولعل اغلب أنصار الملكية,مازالت تستحوذ على تفكيرهم الصورة المضيئة للنظام الملكي وإيجابياته بشخصياته ورموزه المختلفة, فالعقل السياسي العراقي عموماً, مازال مفتوناً بالنظام الذي يستهويه و بصورة الحاكم الشهم أو الزعيم ا لملهم, او بتلك المواقف الفردية النبيلة لهذا ا لمسؤول اوذاك,فصورة( الحاكم الطيب) مازالت تحظى بمنزلة رفيعة في التحليل السياسي،نعم كان الباشا نوري السعيد متواضعاً وبسيطاً,والكثير من السجا يا المتوهجة في شخصية الحاكم قد تحد من غطرسة الحاكم او تثني نوازع التعصب السلطوي الى حد معين عنده, لكن الوقائع التاريخية أكدت بالملموس ان قيادة البلاد وادارتها لا تتعلق بسجايا الحاكم رغم أهميتها,فالأمر مرهون أساسا بوجود نظام ديمقراطي جوهره وجود مؤسسات حرة تتيح للشعب تقرير مصيره وانتخاب ممثليه بصورة ديقراطية في ظل تعددية سياسية تنشط و تعمل في ظل القانون, وهذا ما يشكل منطلقاً لفهم مضمون اى نظام سياسي وا لحكم على مصداقيته ,ولا معنى جوهري لأي معيار أخر ما قيمة أن يتواضع المرحوم نورى السعيد؟ ليقابل طلبة معتقلين ويأمر بإطلاق سراحهم,أو يحمل المرحوم عبد الإله مواطناً مقطوعاً ليوصله بسيارته ؟,او يصطحب المختار الشرطة لتحري دار سياسي او اعتقال ذوي الرأي, او يتسامح القاضي ليطلق سراح موقوفين الخ.... ان اصطفاء الوقائع المتوهجة واخذها مؤشراً على أفضلية النظام الملكي أو الوقائع السوداء لإدانته وجعلها معياراً لتحليلنا السياسي, ستنأى بنا عن جوهر الموضوع وهو لماذا اخفق النظام الملكي في أداء رسالته في حكم العراق بصورة عادلة وإنسانية ولماذا انهار بكل هذه السهولة؟ رغم وجود دستور,وفصل بين السلطات,ووجود مجلس الأمة بأعيانه ونوابه الخ.ان هذا هو لب الموضوع وهو ما ينبغي تسليط الضوء عليه.لا أُريد التكرار النمطي لتناول هذا الموضوع الذي دأب على بحثه الكثير من السياسيين جمهوريين كانوا آم ملكيين, فهذا لا يضفي شيئاً ذو قيمة إلى تحليلنا,ان تسليط الضوء على المحاور العقدية في بنية النظام ومختلف آلياته السياسية, وأدائه, سيمنحنا الوسائل العلمية والعملية,لفهم أسباب إخفاق النظام الملكي وسقوطه؟ بدءً اقول ليس من الإنصاف تجاوز الانجازات التاريخية التي تمت ولا الدور السياسي الذي لعبه النظام الملكي في تاريخ العراق، عندما مهد للعراقيين السبل لتجاوز وضعهم كسكان في بلدهم الى شعب حي,,فأعطى بذلك للهوية العراقية بعداً روحياً وسياسياً,وهي نقلة نوعية كبيرة ,اقترن ذلك بنشوء كيان سياسي معترف به هو الوطن العراقي و دولته بحدودها الحالية ,أن استثنائية هذا الإنجاز جاءت في ظل ظروف دولية خارقة التعقيد لاسيما الصراع مع تركية حول مدينة الموصل العراقية ,وهو تتويج لكفاح العراقيين,وبخاصة في ثورة العشرين,وجاء إصدار القانون العراقي الأساسي عام 1925 نقلة نوعية أخرى في حياة العراقيين, فمنذ شريعة حمورابي لم يصدر تشريعاً وطنياً يوجز واجبات وحقوق العراقيين ,رغم إخفاق والتباس العديد من تطبيقاته. بيد إن قيمة هذه الإنجازات بقيت بدون إطار ديمقراطي ضامن وبلا تطوير يستجيب لمشكلات العراق الملحة آنذاك,و هو ما اضعف تماسكها وتأثيرها لاحقاً ,إن كل ما ذكرناه يشير ان الدولة العراقية بنظامها الملكي كانت تمتلك الكثير من المقومات الدستورية والياتها لانشاء نظام ديمقرطي حقيقي متدرج,قادر على بناء عدالة اجتماعية تتولى مؤسساته المختلفة مهام بنائها , و الذي يعني البدء بإنجاز ابرز , الاستحقاقات التي على النظام القيام بها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, في بلد يكابد من ظلم تاريخي مركب ينتظر معالجة وحلاً ,وبدلاً من فهم هذا الواقع ومتطلباته جرى تجاوز ه وحتى الاستخفاف به دون تقدير سليم من قبل حكوماته المتعاقبة,كان على النظام الملكي مواجهة, أهم التحديات والمعضلات المتمثلة بوجود النظام الإقطاعي البغيض بتجسيداته ا لمعرقلة وضرورة إيجاد حلولاً ملحة, توقف معاناة وظلم الفلاحين من نظام انتاجي متخلف أذاقهم مر العذاب و شكل عا ئقاً أمام تطور العراق من خلال استغلال وهيمنة قل نظيرها,في بلد 70% من سكانه فلاحين تَحََكَم فيهم قلة من الإقطاعيين يملكون 60% من الأراضي الزراعية, وربما كان الوضع في الجنوب اكثر قسوة على فلاحيه وكاد حيه خاصةً الذين كانوا لا يملكون شيئاً و يعانون من مظلومية قاسية دفع أبناؤه ثمنها جوعاً ومرضاً وموتا ,دون ان يقدم النظام الملكي حلاٌ عادلاً ينهي معاناتهم أو يوقف اضطهادهم, بالطبع لم يكن إنهاء العلاقات الإقطاعية في الريف العراقي بالأمر اليسير لكن إصرار النظام الملكي على بقائها دون حل واقعي واستمرار تحالفه غير المقدس مع الإقطاعيين جعله الشريك الأكثر مسؤولية في هذا الظلم بوصفه حاكماً . ولم يكن مو قفًه من حقوق ألا كراد والجماعات القومية الاخرىمنصفاً,فاستبدل الحل الانساني والحضاري,بسياسة القمع المنظم دون التفكير بعواقب نهجه وسلوكه, كان يريد عرا قاً حراً موحداً بدون عراقيين أحرار ,لست راغباً في تعدادالانتهاكات وتفصيلها كمعيار مفترض ,لاتهام و إدانة النظام ا لملكي,لكن المرجح, ان تلك الانتهاكات التي جرت في اواسط الثلاثينيات,ضد انتفاضات الآشوريين النساطرة وحركة البرزاني الأولى والثانية وايزيديين,إضافة الى الانتفاضات الفلاحية السبع في الفرات الأوسط والجنوب وما تلاها ,والتي قمعت بقسوة ووحشية بالغتين ,كانت انعكاساً لعقيدة سياسية موجهة,وليست اضطرارات أملتها ظروف طارئة قد تواجهها أي سلطة فتية.وبالتوازي مع الأمثلة المذكورة بدى ان هذه العقيدة استكملت رؤاها في سياق تعاملها اللاحق مع الحركة السياسية التي واجهتها,بذات العنف والقسوة وبهذا التوجه أعطت للتطرف السياسي في بلادنا مرتكزات مادية وسايكلوجية,اجبرت الفكر السياسي المعارض وأحزابه مدنياً كان ام عسكرياً نحو بناء ذاته وخطابه السياسي في بيئة سرية تبنت مبدأ تغيير النظام الملكي بالقوة ,و كان أول ( ضحاياها) النظام الملكي نفسه لاحقاً,في ظل هذه الظروف انبثق مفهوم المعتقل السياسي,وسياسة النفي الإجباري وتكونت المعتقلات السياسية, ومكاتب التحقيق,الشرطة السرية ,وغدى التعذيب منهجاً لاخذ الاعترافات السياسية وتكرر قتل المعتقلين السياسيين, وهم في ذمة الحكومة قانونيأ وأخلاقيا,أو إطلاق النار على المتظاهرين,أو تعليق جثث ذوي الرأي في الشوارع لساعات, كرسالة رعب وإرهاب لكل معارض, إنها سياسة إقصاء الأخر ورفض مبدأ الاختلاف معه, لقد مهدت هذه السياسة الخرقاء ,الطريق أمام التجاوزات و التعديات , وزرعت بذور العنف,ومحضت لثقافة القسوة ,واعطت للانتهاكات مسوغات قانونية,وبالتالي خرقت بنود الدستور الذي كان يحرم انتها ك حقوق المواطنين,وأذكر هنا إن 27 مرة جرى فيها خرق الدستور من خلال مراسيم وقوانين استثنائية من سنة 1931 إلى 1958 لصالح تشديد قبضة السلطة وتبرير انتهاكاتها وتجاوزاتها ضد المواطنين لقد كثر الحديث عن نزاهة واستقلال القضاء في العهد الملكي وقدمت صورة احادية الجانب عنه وسط مبالغات منفرة،تجاوزاً على حكمة تقول ( ان نزاهة القضاء واستقلاله مرهون بسلامة النظام الموسساتي ومصداقيته ونزاهته) واتسائل هنا اين دور هذا القضاء النزيه والمستقل...؟؟؟ عندما حكم على الالاف سجناً ونفياً وعلى البعض اعداماً من منطلق سياسي بحت ومن امر بتعليق اجساد المحكومين السياسين في الشوارع لاشك انه القضاء المرتهن للارادة السياسية للحاكمين، لاانكر ان هنلك بعض من القضاة ممن تعاملوا بنزاهة وشرف مهني خارج نطاق الهاجس السياسي وبعده. ,إن المعاينة الدقيقة لسلوك النظام وموقفه من معارضيه ومبدأ تمسكه بالسلطة مهما كان الثمن,تؤكد إن العنف بمختلف آلياته صار خيارا رئيسياً وتعبيراً عن إرادة سياسية استكملت كل مقوماتها الفكرية والسياسية,وظهر إن فكرة بناء مجتمع يسودهُ مبداْ العدالة والمساواة جرى اختزالها,بخطوات وإجراءات شكلية, لم تغير من جوهر المشكلة في العراق.إن فكرة بناء العدالة هي قضية أزلية ولا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها في بلد كالعراق وهي قضية معقدة,ولا نريد إلقائها في وجه النظام الملكي,كحجة لتسويغ إدانته,لكن المشكلة ان النظام أبقى ودعم مرتكزات الظلم في مختلف المجالات التي ذكرتها,فوجود الظلم وعدم المساواة ضمن وجود الكثير من المساوئ والانتهاكات,وخلق بيئة متطرفة تذكي كل عناصر التعصب,والكراهية, وهذا ماجرى تجاهله من قبل النظام,وإذا ما سلطنا الضوء على مجمل النظام المؤسسا تي فلا شك سيجد المراقب الكثير من منافذ السماحة والمرونة في التعاطي مع المواقف المتعارضة مع سياسة الحكومة وستجدمواقف في البرلمان تتعرض وتحتج وتستقيل, لقد كانت هنالك صحافة وحيزاً شكلياً للحرية ولكنها محكومة بخطوط حمراء محذور تجاوزها فاغلب أعضاء البرلمان أما كان معيناً او جاء تزييفاً ,ناهيك عن واقع الاحزاب الكارتونية التي يجري تكوينها حسب قوانين العرض والطلب السياسيين فا لحديث عن الديمقراطية وحتى نظام شبه ديمقراطي كما يحلو للبعض لا يستقيم مع الواقع والممارسة , فشعبنا لا يعرف آنذاك معنى الانتخاب ولا كيفية اختيار ممثليه بطريقة حرة كان شعباً مغيباً أغلبيته من الأميين يعاني من الظلم والإهمال لم يعرف حقوقه ولاواجباته, كانوا يزيفون إرادته عبر مؤسسات مزيفة وشكلية, إن انتهاك مبدأ العدالة والمساواة عبر مؤسسات شكلية وكاذبة لايقل خطورة عن انتهاكها من قبل نظام دكتاتوري عبر مؤسسات صورية تافهة. ان تداعيات هذه البيئة المسمومة وانعكاساتها بنت ثقافة الغش و الخداع وأسست أساليب إفساد الضمائر وشراء الذمم, ماذا يعني إن تسمع بتعيينك نائباً عن الشعب من الراديو دون ان تعرف؟ لقد كانت هنلك فئة متحكمة في مصير البلاد استحوذت على مقدرات الثروة والجاه وانتفعت من عائدات االنفط بصورة واسعت كانت فئة متميزة في المجتمع تجاهلت فقر المجتمع وبؤسه ونهبت ثروة لم تكن ملكها ولم تساهم في صنعها، ومن قرأ او شاهد احزمة البؤس وساكنيها واكواخهم التي تحيط ببغداد كصورقاتمة لبشر استنزفت انسانيتهم تحت وطاة الفقر والمرض والحرمان والتهميش، وهذا كان وضع العراق عموماً. سيدرك اسباب ذلك التأييد الجارف، والنقمة التي حملتها تلك الجماهير الواسعة في يوم 14,تموز، ولعل مشهد العنف المنفلت ضد رموز العهد الملكي والتمثيل بجثثهم جزءأ من مكنوونا ت العذاب والحرمان الذي لاقوه ،رغم افتقاده للمبررات الاخلاقيةوالانسانية وعدالة القصاص، رغم الحديث عن ملكية دستورية مقيدة انذاك،لكن ذلك لايمت الى الحقية بصلة فهي ملكية على النمط الشرقي تحكم من خلال بلاطها وحاشيتها ونفوذها وهي العامل الاكثر ثقلاً في مكونا ت الارادة وفكرها ولم تنأى بنفسها عن روح الاستثار والاستحواذ والتملك ،فكانت العائلة المالكة تملك ست مزارع ضخمة في انحاء مختلفة من العراق وتمتلك بعض العقارات في انكلترا والاموال والمجوهرات والمخصصات العالية ،ولم تكن هذه الثروة قليلة في مقاييس ذلك الزمن، لقد كانت هنا لك محاولات من إصلاحيين متنورين وقادة فكر وسياسين معتدلين لاصلاح الوضع السياسي في نطاق النظام, لكنها فشلت لاصدامها بالعقليات المحافظة التى رفضت فكرة التغيير والإصلاح, لم يدرك النظام عواقب احتقان الوضع السياسي وامكانية انفجاره والشيء المحير هو وجود نوري السعيد كعقبة كأداء في وجه إي حل أو مبادرة وطنية ولعل تغافل النظام عن تحجيمه او أزاحته يتر ك , علامات استفهام جدية حول دور النظام وعقيدته السياسية في إبقائه كجزء من تحالف لقوى محافظة إقطاعية وأرستقراطية وعسكرية لضمان هيمنة هذه القوى على الحكم وفقاً لرؤيتها ولايمثل نوري السعيد او الوصي اوغيرهما حالة شاذة في بنية النظام السياسي للملكية فهو جزء منه وامتداد له.و لعل إشكاليات العلاقة مع بريطانيا ومسيرتها المعقدة وا لمشبعة بذكريات ومواقف معادية لها في الوجدان الوطني العراقي والعلاقة السياسية غير المتكافئة معها, والتطرف في إبقائها بدون ضوابط واضحة وخضوعها لمعايير غير واقعية والدخول في تحالف مع الغرب(حلف بغداد)ليس للعراق فيه مصلحة اومبرر. ان هذا الوضع بتعقيداته ,قد خلق مشكلة كبيرة أمام النظام, وطرح موضوع حرية البلد واستقلاله وتفريط النظام بهما, كحجة مقدسة بيد المعارضة السياسية ومنها الجيش لإسقاطه ،ومع الاسف لم تتكون ممحضات لنشوء ثقافة معتدلة في البناء السيلسي العراقي عموماً ولم يتكون علم اجتماع عراقي يقدم الدعم والتحليل للذهنية السياسية المستنفرة، كانت هنالك نخب سياسية تتحرك كاحزاب راديكالية واخرى لبرالية وحركات اجتماعية من وحي منطلقاتها الايديلوجية مختزلة اماني الجماهير المسحوقة بشعارات ومطالبات ربما بدت تعجيزية في ذلك الظرف ازاء سلطة مسترخية .ان اللبرالية الإنكليزية التى راهن عليها النظام الملكي وصورة الغرب المضيئة لم تجد لها انعكاساً في مؤسسات الحكم ولا في التطبيق السياسي في العراق, فحقيقة هذه اللبرالية فكرها وقيمتها في ذهن المؤسسة الحاكمة كان أشبه بمن يعلق ا اطاراً بدون صورة , من جانب اخر لايمكن الادعاء بان النظام قد تحكم با لموقف بصورة كلية, فالأمر تعلق أيضا بعوامل داخلية وخارجية ساعدت على توسيع الهوة بين النظام ومعارضيه كالصراع الدولي بين المعسكر الشيوعي والغربي و بروز المشروع القومي كتحدي جديد واجهه النظام, وكل هذه العوامل أعطت زخماً استثنائياً للتشدد السياسي في المواجهة بين النظام وخصومه, لم يدرك النظام أهمية إعطاء فرص آمان للمجتمع العراقي من خلال مبادرة وطنية تمنحه املاً في إصلاحات اقتصادية أو سياسية تنتشله من دائرة الفقر واليأس التي كانت تطبق عليه ,لقد تعمقت الغربة بين النظام والشعب العراقي,وغدت الدولة وسلطتها كائناً غليظاً ينظر إليه بالكثير من الربية والشك,واذا كانت تجربة الشعب العراقي مع الأنظمة اللاحقة قد تخللتها الكثير من المظالم والانتهاكات وتحت وطئتها وجورها, ترحم الناس على النظام الملكي كأفضل من الجمهورية, فأن ذلك لم يكن في مصلحة النظام الملكي ولاثقة ضائعة به, فترحم الناس على نظا م لم ينصفها ولم يوفر لها العدالة هو جزع ويأس لاتمسكاًبه ولاندماً عليه,لقد وقف النظام الملكي في منتصف الطريق وخسر جهد البداية,واخفق في إنصاف شعبه والصدق معه .فمثلما سقط النظام الجمهوري لانه توهم انه بالا مكان تحقيق العدالة بدون مؤسسات العدالة,فان النظام الملكي سقط لانه بنى مؤسسات شكلية للعدالة, بدون تحقيق العدالة وذا توقفنا عند اوجه الشبه بين جمهورية عبد الكريم قاسم والنظام الملكي فأن كلاهما خرقا مبدأ العدالة والمساواة بغض النظر عن النوايا والتبريرات .أما مقارنة النظام الملكي بنظام صدام حسين فلايوجد وجه للمقارنة فنظام صدام الوحشي هو حالة استثنائية ولايمكن وصفه بطريقة نمطية فهو نظاماً استبدادياً فريداً لانظير له، و يبقى حاملاً استثنائيته المركبة التي تحتاج الى دراسة وتحليل تتجاوز الطريقة السائدة في علم الاجتماع السياسي. عندما اعيد تسليط الضوء على التجربة التاريخية للنظام الملكي وحكمه،فليس ولعاً بالتاريخ وتفاصيله كمتعة ذهنية مجردة، بل لتناول مكونات تلك الثقافة السياسية ومنطلقاتها الضيقة ورؤيتها المحدودة في التعامل مع تاريخنا السياسي ، وذهنية تقديس الوقائع التاريخية البعيدة والقربية . ويبدو ان اسقاطات هذه الثقافة الفجة نجدها الان حاضرة في( الخطاب الدينوي ) في واقنعنا العراقي الحالي اكثر لجاجة وديماغوجية وبالذات بعد( التاسع من نيسان)، لاسيما بعد ان توفرت له ممكنات وارتكازات تسويق هذا الخطاب من خلال يسر الاعلام المفتوح وقنواته المختلفة بدعم وساندة الاحزاب الاسلاموية المختلفة. من الناحية الاخرى لايبدو التمسك بأ ذيال تجربة نافقة مجدياً وعملياً في اعقاب فشلها واخفاقها عندما كانت تحكم العراق ولم تقدم للعراقيين ما كان منتظراًمنها ولوفي حدوده الدنيا،ويبقى للناس حرية واختيار مايؤمنون به ويقولونه
#طلال_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟