أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - بوحٌ في جدليات – 3 – حين أنطلق














المزيد.....

بوحٌ في جدليات – 3 – حين أنطلق


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4470 - 2014 / 6 / 1 - 04:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بوحٌ في جدليات – 3 – حين أنطلق

لم أعد أخشى الموت منذ أن أدركت ُ الحقيقة، سكون ٌ عجيب و اطمئنان ٌ مُشبع ٌ بجوهر "الاستيقاظ"، و كأني ولدت ُ حينما انعتقت، حينما أدركت ُ أن الألوهة و الأديان و النصوس هم العقل ُ العامل ُ في الإنسان، و أن كل الثوابت و المُسلَّمات و الغيبيات و قوانين العلاقة الشخصية بين الإنسان و الألوهة، و شروطها، ما هي إلا أنا أنظر ُ إلى نفسي، أو بالأحرى الإنسان البدائي الأول يتحدث ُ عن نفسه، عن ما اعتقده حقيقة، عن علمه الذي يفسر به الغامض و القوي و الفُجائي، في إطار ضعفه و عجزه و رعبه أمام هذا العالم.

لم أعد أخشى الموت، و لم أعد أفكر به، و باستعدادي، و بمدى طهارتي، و براءة قلبي، و قوة إيماني، و سلامة ً مسلكي، و درجة قداستي.

لم أعد أفكر في الخلاص. الخلاص مما؟ ماذا فعلت ً أصلا ً و لماذا أحتاج ُ الخلاص؟ و كيف يكون شكل ُ الخلاص ِ إذا أتى؟ و لم لست ُمخلصا ً؟ و إن كنت ُ مخلصا ً لم علي أن أتدنس مرة ً أخرى لأعود لأتخلص؟

لم أعد أفكر في الشيطان، هذا الكائن الممل التافه البغيض الذي لا شأن له سواي أنا و بني جنسي. ما أبشع ما وصفوه به، موسوس، خبيث، مكار، كاره، يدفعني للخطيئة، لأنه خسر النعمة، خسر الألوهة، باختياره، و يريدني إلى جانبه، و على أن أقاومة، مع أنني لا أفعل شيئاً، من الدار للشغل و من الشغل للدار، و نفس أرجيلة، و كاس كل أسبوع، و خلصنا، هاي خطايا؟ هيك بدو الشيطان؟ هل الشيطان شريك في مصنع المعسل و محل المشورب اللي بشتري منه العرق ؟

أصبحت ُ أكثر سعادة ً، أكثر صفاء ً، أكثر حرية ً، أكثر منطقية ً، أكثر انسيابا ً، أكثر طبيعية ً، زاخرا ً بالحياة، مفعما ً بالأمل في الغد، مفعما ً بالحب للناس، مليئا ً بالرغبة في الانطلاق، مليئا ً بالاندفاع من أجل ملاقاة الحياة، اعتناق اليوم، الإيمان ِ باللحظة، و الرجاء للمستقبل، إنساناً منذ ُ أن ودّعت ُ الألوهة َ و الأديان َ و النصوص.

صفى عقلي بكل طاقاته نحو عملي و أسرتي و نفسي، منذ أن توقفت ُ عن التفكير في شكل ِ الحياة ِ الأبدية، و ماهية الخلود، و مكان و زمان أو لا مكان و لا زمان العالم الآخر، و أسرار قوانينه و طبيعة ترابطات شبكات الفعل ِ فيه. وجدت ُ الكنز الأعظم في التفكير في هذا العالم و كائناته و قوانينه و إمكانياته و حاكمات ِ تفاعلاتِه و نتائجها، لأفهمها و اطوعها و أعمل بواسطتها لأحيا اليوم و هنا و الآن نحو مستقبل ٍ قادم ٍ بتخطيط ٍ معقول ٍ مدروس ٍ مقبول ٍ جميل يملأ على حياتي.

لم تعد طغمات ُ الملائكة تهمني بكثير ٍ أو قليل. لم أعد أفكر في أي الحلول ِ المنطقي أن يكون َ رؤساء الملائكة الثلاث هم من طغمة السيرافيم العليا أم من طغمة رؤساء الملائكة الثانية من الأسفل و الموكلة بالبشر. لم أعد أشعر بقليل ٍ من عدم الارتياح السابق لأنني أخالف توما الإكويني الرأي و أجعلهم سيرافيما ً موافقا ً غيره من القديسين مع أني أحبه أكثر منهم.

توقفت ُ تماما ً عن التفكير في معضلة الشيطان كوكب الصبح المنير الذي ارتضى عارفا ً و عالما ً بنهايته أن يعصى الألوهة و يتحداها و يحكم على نفسه بالهلاك ثم لا يتوب، ثم لا تُقبل توبته حتى لو تاب، كيف هذا و هل هذا معقول؟ طالما سألت، لكني لم أعد أسأل.

أصبحت ُ أفكر أكثر في وطني الحبيب، في جيراني، في أهلي، في أصدقائي، في معارفي، في المجتمع، في قوميتي، في الأدب، في العلم، في الفن، في الموسيقى، في مباهج الحياة، في أشكال الأنظمة ِ الاجتماعية، في الفلسفة، في أصول الأشياء، في طبيعة الكائنات المادية، في الوعي، في الدماغ، في السيالات الداخلية التي تحكمنا، في تطوير نفسي، في تطوير من حولي.

أصبح عقلي نهما ً شرها ً لا يشبع من القراءة، مصابا ً بصداع ٍ دائم قافزا ً من كتاب ٍ لكتاب ٍ لكتاب ٍ مثل المجنون، حتى إني أراها و أنا نائم، مثل الذي أتوا به من العصر الحجري إلى القرن الحادي و العشرين فأراد أن يجمع ما فاته في يوم ٍ واحد!

استيقظت ُ حينما شاهدت ُ ظلم النساء، موت َ الأطفال، استغلال َ العمّال، موت َ الأمل ِ في قلوب كبار السن، انكسارهم أمام المرض، و تمسكهم بالدعاء الذي لا يتوقف إلى الرب الذي لا يظهر و لا يجيب. جبروت الرب الصامت القاسي أمام ألم العالم هو أعظم ُ دليل ٍ عندي على لا وجوده، أو على رغبته أن لا يظهر، و الأمران سيان بل الثاني أبشع، فاخترت ُ له الأول تنزيها ً، أن لا يوجد حتى يبقى المحب الخير، فهو أفضل من أن يوجد شريراً محايدا، أي سخرية ٍ هذه؟

لم تكن سنة ً و لا سنتين و لا ثلاث لكن رحلة ً طويلة، و أنا الآن على وشك أن أطرق باب الأربعين أتمنى أن يكون ما ذهب هو نصف عمري، و أن ما تبقى هو نصف ٌ آخر أحياه في ملئ الحياة دون الألوهة و أديانها و نصوصها، فقط مع الإنسان و مع نفسي، حتى إذا ما حان وقت ُ انطلاقي، أغمض عيناي و أطلق نفسي الأخير، و أقول بسلام ٍ و انبهار: كانت تلك رحلة ً رائعة!

معا ً نحو الحب، معا ً نحو الإنسان!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ظاهرة التنمُّر المدرسي – مريم المغربية و وليم الأرد ...
- قراءة في الإنسان – 4 – في الصواب السياسي و توظيفه لخدمة الإب ...
- البابا فرنسيس في عمان – انطباعات
- بوح ٌ في جدليات - 2 - عين ٌ على مستحيل ٍ مُمكن ٍ مستتر
- هل سنبقى ندور ُ في حلقة؟
- بوح ٌ في جدليات
- قراءة من سفر التطور – 3 – بين الجين و البيئة و السلوك بحسب ا ...
- قراءة في الإنسان – 3 – في الهوية الدينية و الدفاع العصبي الم ...
- في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشر ...
- قراءة في الإنسان – 2 - وجها الوجود و الألوهة الناقضة لفعلها
- قراءة في الشر – 6 – الرجاء ُ في الألوهة، عتابُها و الدفاع ُ ...
- عندما ينتحب ُ هاتور
- قراءة في الشر - 5 - سفر أيوب نموذجا ً ثانيا ً.
- قراءة في الشر – 4 – سفر رؤيا أخنوخ نموذجا ً.
- على هامش إفلاس المحتوى – إضحك مع المناخ الروماني
- قراءة في الشر – 3 – الحكم البشري على أخلاقيات الألوهة
- قراءة في الشر – 2 - احتجاب الألوهة
- وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ
- عندما تجلس لتتعلم
- رسالة إلى رواد الموقع الكرام.


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الربضي - بوحٌ في جدليات – 3 – حين أنطلق