أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - استعصاء















المزيد.....

استعصاء


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 10:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أسوأ احتمالات تطور الوضع السوري يكثفها التعبير الانكليزي ستيلميت stalemate، أي حالة من الاستعصاء أو الانسداد المتفاقم الذي تزيده تصرفات الفاعلين "روكبة" تعقيدا. يناسب لوصف هذه الحالة أيضا أن نستحضر مدركات الحركة في المكان التي لا تفضي إلى اي تقدم أو تغيير في بنية الحالة رغم أنها قد لا تخلو من جسيم الحوادث وعنيف التوترات والاحتكاكات. بل إن الحوادث والتوترات تسير بطريقة تفضي إلى تثبيت الوضع ذاته وتعميق الانغراز فيه كما تغرز سيارة في مستنقع طيني: محاولاتها للخروج تزيدها انغرازا. وفي ظل المعطيات الحالية ستعني الستيلميت إمعان أوضاع البلاد في الاهتراء مع ثبات الضغوط الأميركية على مستوى إرهاق النظام لا تنحدر دونه، ومع بقاء هذا أسير أولوية بقائه، عاجزا عن تغيير سبل تعاطيه مع الفاعلين الآخرين.
الفاعلون المقصودون هم النظام والأميركيون، وفي مرتبة اقل المعارضة الداخلية والإسلاميون السوريون. ويسهم تأويل كل منهم للأحداث ولتصرفات الفاعلين الأخرين في تثبيت الستيلميت. فانعدام الثقة بينهم يعوق بلورة تفاهم أو فتح باب للتغيير، وتمثيل كل منهم لمصالح (أو لمخاوف) حقيقية يجعل من المتعذر إلغاؤه أو القفز فوقه. وغياب أقنية الحوار والتفاعل المباشر يفاقم حالة عدم الثقة بين الأطراف الداخليين، وتغذي ردود أفعال كل منهم الاستعصاء. ويرتهن الجميع لبنية من ردود الفعل تعمق المأزق وتجعل الخيارات المتصورة متساوية في سوئها ولا جدواها.
قد تغري هذه العقدة الأطراف القادرة باللجوء إلى العنف، لكن من شأن العنف أن يعمق المأزق ويزيد العقدة تعقيدا بدل ان يحلها أو يحلحلها. يدرك الأميركيون ذلك في تعاملهم مع النظام، ولا يبدو أنه يهمهم كثيرا. ويدركه النظام ذلك في تعامله مع الداخل، لكنه خياره المفضل دوما. ما يعني أننا دوما على بعد حدث عارض أو "خطأ" عن تفجر عنف مدمر. مدمر لكن دون تغيير اختراقي حقيقي. في الأصل تعفنت واستنقعت الأوضاع في المنطقة بسبب الاستغناء بالعنف الوفير عن التغيير الاجتماعي والإقليمي.
النظام قوة ستيلميت، يملك القوة ووسائل السيطرة على الداخل ويضمن سلما أهليا، لكن مشروطا بهيمنته وحصانة موقعه، ويصون بقاءه بجعل التغيير مستحيلا أو بالغ الخطورة. سابقة التغيير العراقية أفادته كثيرا في هذا المجال. سابقة الإخوان المسلمين قبل ربع قرن كانت جمة الفائدة أيضا. كلتاهما جعلته نوعا من الحل: هذا هو المأزق.
الأميركيون قوة ستيلميت كذلك. فهم الفاعل الذي يحتكر القرار الجيوسياسي في المنطقة، وهم الطرف الذي يستطيع إفشال أو خنق اي تحول اجتماعي سياسي لا يناسبه، لكنه غير قادر أبدا على نيل قبول محلي بما يناسبه بسبب تطرف متأصل وانحياز بنيوي في السياسية الأميركية. وهذا هو سبب كون الأميركيين قوة جمود وليس قوة تغيير حقيقية في الشرق الأوسط. وإذا بدا أن الأمر نقيض ذلك بعد 11 ايلول 2001، وأن إسقاط نظام صدام يبرهن على تحول في السياسة الأميركية نحو التغيير، فإن الأمر مرهون ببناء نظام استقرار جديد في الشرق الأوسط، تعود بعده واشنطن بلا شك قوة محافظة ومدافعة عن استقرار نظام يمنحها موقع الهيمنة على تفاعلاته والسيادة العليا فيه. وستجدد الهيمنة هذه شروط الستيلميت الإقليمي وتزيدها عمقا، رغم ان آذاننا ستشنف كثيرا بأناشيد الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط في السنوات القادمة.
نريد أن نقول إن الستيلميت السوري الذي نخشاه يأتي على خلفية ستيلميت شرق أوسطي اعمق وأقدم وأرسخ . ونعتقد أن انتهاء التناقضات في المنطقة إلى الجمود والاستعصاء والانغراز وليس إلى اختراق تغييري هو خاصية شرق اوسطية أصيلة، منبعها عدم استقلال المنطقة بصراعاتها وسياساتها، وتحولها ساحة لمعركة الهيمنة العالمية، وامتلاك القوى المهيمنة (الأميركيون، إسرائيل، الدول العربية، وفي وقت سابق الاتحاد السوفييتي) قدرة اعتراض ( أو ممانعة) خطط بعضها دون القدرة على وضع خطط مستدامة للسلام والتنمية.
سوريا ضمن هذا النظام. نظامها يستفيد من النظام الشرق أوسطي لتطبيع ذاته وصيانة بقائه. فالنظام السوري ينسخ على النطاق المحلي بنية النظام الشرق اوسطي دون تعديل يذكر. والعلاقة بين السلطة والمجتمع المحليين هي صورة طبق الأصل عن العلاقة الشرق أوسطية التي تهيمن فيها الولايات المتحدة على المنطقة. والتكوين الولائي المحاسيبي للنظام يحاكي التكوين الولائي والمحاسيبي لنظام الهيمنة الأميركية الإقليمي(القذافي نموذج وزين العابدين نموذج وكثيرون غيرهما)، خلافا لما تتوهمه حماسات بعض الديمقراطيين الجدد. واللاعدالة المزمنة في المنطقة تثلم حس العدل الأصيل عند السوريين (وغيرهم)، وتقدم لنخبة السلطة تسويغا سينيكيا للدوس على حقوق مواطنيها داخل البلاد.
هناك لعبة ستيلميت محلية داخل لعبة ستيلميت إقليمية ودولية على غرار لعبة الأم الروسية. تتغذى اللعبة المحلية من انعدام ثقة عميق بين الأطراف. ويرسخها التوازن الحالي بين طرف قوي اعتاد تسييس الوطنية ولا يريد التغيير (ويجد في واشنطن سندا غير متوقع)، وأطراف أضعف تريد التغيير وعاجزة عن فرضه أو الدفع نحوه. علاقات الشك بين الإسلاميين والعلمانيين تثبت أيضا الاستعصاء السوري. ويعمق الشكوك والاستعصاء التلوث الطائفي العميق والخفي للسياسة والثقافة في سوريا.
ويبدو أن جملة الضغوط الأميركية القوية اليوم، التي تقف دون عتبة تغيير النظام، والتفاعلات الداخلية التي لم تبلغ بدورها عتبة التغيير، وسلوك النظام القائم على التكيف السلبي مع الضغوط الخارجية والتململ الداخلي، يدشن طورا جديدا ومقلقا من الاستعصاء والتوتر الجمودي. ثم إن ما يسعى إليه الأميركيون من عزل للنظام دون مخاطبة القضايا الأساسية في المنطقة، الاحتلال والتنمية والعدالة، لن يؤدي إلا إلى تجديد الاستعصاء السوري وتعميق الاستعصاء الإقليمي - مع كلفة باهظة. الأميركيون بالفعل ليس لديهم سياسة حيال سوريا. وهم على درجة من القوة والغرور تعفيهم من مشقة بلورة سياسة واضحة. فهم لن يخسروا شيئا، وحدهم السوريون معرضون لأن يخسروا كل شيء.
النظام، كذلك، ليس له سياسة واضحة في سوريا. هنا أيضا هو نسخة طبق الأصل عن المهيمن الأكبر. وهنا أيضا وحدهم السوريون هم المعرضون للخسارة.
لعل شرط الانسداد وتكافؤ الخيارات السيئة هذا، في سوريا وفي ما يسمى الشرق الأوسط، هو ما يعطي انطباعا دائما بأننا في مرحلة انتقالية لا تنقضي، وأننا نعيش حياة غير حقيقية. حياة بالوكالة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحيدا على قيد البقاء المطلق: حزب البعث في أسر السلطة
- هايل ابو زيد: آخر ضحايا نظام الاستثناء الأمني
- كلام على هيبة الدولة
- بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض
- مخرج عقلاني من وضع مقلق
- حزب الشعب الديمقراطي السوري وتحدي بناء الذات
- المـوت الضـروري لـسـميـر قصيـر
- شعارات حرب في شوارع المدينة!
- ديمقراطية وتنمية في الشرق الأوسط!
- ماذا يريد -الإخوان المستلمون-؟
- هيمنة بوجوه متعددة، لكن بلا روح
- أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟
- سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
- كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
- مبارك انتهاء الخط العسكري!
- الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - استعصاء