هل الله فعلا خلق البشر للعبادة فقط ؟

داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يقول القرآن :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات / 56
وتصدمنا هذه الآية بعدة علامات استفهام :
العلامة الاولى : انها قدمت الجن على الانس ، والعكس هو الصحيح ، فالإنسان افضل مخلوق - على الاطلاق - قد فضله الله على جميع مخلوقاته وزوده بجوهرة العقل ، هذه الجوهرة العظيمة التي لا يمتلكها سوى الانسان ، وعندما يفقدها ويتصرف وكانه حيوان ، فالبشر يقاس بها وفاقدها يقال له مجنون ، والمجنون لا يحاسب على تصرفاته ، ففي الحديث (والمجنون حتى يعقل ) فهو مرفوع عنه القلم . وفي آيات اخر وبعض الاحاديث المنسوبة الى النبي ان حرمة الانسان افضل من حرمة الكعبة ، ولم يقل حرمة الجن . يقول الفخر الرازي : ((تقديم الجن على الإنس لأية حكمة نقول ... هو أن العبادة سرية وجهرية وللسرية فضل على الجهرية لكن عبادة الجن سرية لا يدخلها الرياء العظيم وأما عبادة الإنس فيدخلها الرياء فإنه قد يعبد الله لأبناء جنسه وقد يعبد الله ليستخبر من الجن أو مخافة منهم ولا كذلك الجن )) {راجع تفسير ذيل الآية 56 من مفاتيح الغيب} . واقول من يقول ان عبادة الجن ليس فيها رياء ؟ وكيف نثبت ذلك ؟ طالما يوجد فيهم الكافر والمؤمن والمنافق والمعاند ! كما في بعض الاحاديث النبوية . اذن كلام الرازي ليس صحيحا وفيه نظر.
العلامة الثانية : ما هو الجن ، وما هي حقيقته ؟ . كلنا نؤمن بالعلم الحديث ، وما بعد العلم الا الجهل ، وقد جاء لنا العلم بحقائق ونظريات كبيرة جدا ، في الطب والتكنولوجيا والهندسة والعمران والرياضيات والفيزياء والكيمياء ، ولم يثبت لنا ما هو الجن وما حقيقته ؟ واذا قيل انه قد سكت عن ذلك ، يثبت لنا ، ان الجن ليس له وجود خارجي معلوم ، وتترتب عليه جوانب اخرى ، بمعنى انه ليس لوجوده حقيقة ، الا في الفكر الديني ، وكلنا يعلم ان الدين – أي دين – يبني نظرياته على الكثير من الخرافات ، مثل الحجر الاسود الذي قيل عنه انه مقدّس ، وهو قول جميع المسلمين ، وبحسب عمر بن الخطاب انه حجر لا يضر ولا ينفع (راجع كتاب الاسلام والطقوس الجاهلية – لكاتب هذه السطور) .
العلامة الثالثة : تريد الآية ان تقول لنا : ان الله لم يخلق جميع هذا البشر الا لغرض العبادة ليس الا ! . والسؤال : هل ان الله محتاج ان نعبده ؟ . واذا كان الجواب : نعم ! فالمحتاج لا يصلح ان يكوم الآه ، والله غني عن العالمين بتعبير القرآن نفسه ، وثمة آيات كثيرة ومتعددة وصفت الله بالقدرة والعظمة والكبرياء والجلالة والبقاء والدوام والتنزيه . وهذا تناقض واضح ! واذا تساءلنا رمونا بالجهل وقالوا : (ان القرآن حمّال اوجه ) ، لكن الآية واضحة .
العلامة الرابعة : هل ان العبادة هي الصلاة والصوم والزكاة وحج البيت فحسب ، كما هو معروف لدى المسلمين ؟ ام ثمة امور اخرى قد نوه عليها العرفاء ؟ فاذا كانت العبادة هي ما ذكرناه فان الله لا يحتاج الى ذلك قطعا ، بل نحن المحتاجون .
العلامة الخامسة : اعتقد ان الله ليس بمحتاج الى البشر ولا الى عبادته ، انما العكس هو الصحيح . يقول الفخر الرازي : ((أن الإنسان أفضل من سائر الحيوانات وليست تلك الفضيلة لقوته وصولته فإن كثيراً من الحيوانات يساويه فيها أو يزيد عليه فأذن تلك الفضيلة ليست إلا لاختصاصه بالمزية النورانية واللطيفة الربانية التي لأجلها صار مستعداً لإدراك حقائق الأشياء والاطلاع عليها )) . {راجع مفاتيح الغيب تفسير سورة البقرة }. لكن المتدينين افترضوا ذلك على الله افتراضا . انما الله تفضل على البشر بمنحه الحياة بما فيها من مغريات ليستمتع بها حتى يثبت الانسان عظمة الخالق الذي خلق كل هذه الاشياء لأجل الناس ، وهو الغني ولا يحتاج الى البشر قطعا .
العلامة السادسة : قول الفخر الرازي ((حكاية عن الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله تعالى ذكرني عبدي وإذا قال الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله عظمني عبدي وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله مجدني عبدي )) . {راجع تفسير الرازي سورة الحمد } اقول الكلام غير صحيح ، لان الله لا يحتاج الى ذلك كما اسلفنا ، فهو يعطي الذي يعترف بوجوده والذي لا يعترف ، حيث لا يفرق بين احدا .
العلامة السابعة : قوله الا ليعبدون ، قول جزم ، أي سوى العبادة لا شيء ، بمعنى ان الله فقط خلق الناس للعبادة ، والواقع يقول عكس هذا تماما ، فالحياة فيها جوانب كثيرة افضل من العبادة . ففي حديث منسوب الى النبي ، يقول ان التفكر ساعة خير من عبادة سبعين عاما .

#داود_السلمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات