|
المَزْمُورُ الثّانِي وَالْعُشْرُونَ، مَزْمُورُ (صَلَاةٍ) لِدَاوُدَ
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 18:18
المحور:
المجتمع المدني
سامي فريدي المَزْمُورُ الثّانِي وَالْعُشْرُونَ، مَزْمُورُ (صَلَاةٍ) لِدَاوُدَ "غَايَتِي أنْ أعْرِفَ الْمَسِيحَ وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَالْشِرْكَةَ فِي آلامِهِ، وَالْتَشَبُّهَ بِهِ فِي مَوْتِهِ، عَلَى رَجَاءِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَيْنِ الأمْوَاتِ!."- بولس الرسول مزمور22: 1 "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟ 2 إِلهِي، فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ، فِي اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوءَ لِي. 3 وَأَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4 عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ. 5 إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجَوْا. عَلَيْكَ اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزَوْا. 6 أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ. 7 كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ، وَيُنْغِضُونَ الرَّأْسَ قَائِلِينَ: 8 (اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ، لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ). 9 لأَنَّكَ أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ الْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي. 10 عَلَيْكَ أُلْقِيتُ مِنَ الرَّحِمِ. مِنْ بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلهِي. 11 لاَ تَتَبَاعَدْ عَنِّي، لأَنَّ الضِّيقَ قَرِيبٌ، لأَنَّهُ لاَ مُعِينَ. 12 أَحَاطَتْ بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ. أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ اكْتَنَفَتْنِي. 13 فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ. 14 كَالْمَاءِ انْسَكَبْتُ. انْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. 15 يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي. 16 لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِي الأدْنيَاءُ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. 17 أُحْصِيَ كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. 18 يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.19 أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، فَلاَ تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي، أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي. 20 أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الأدْنيَاء وَحِيدَتِي. 21 خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي. 22 أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ. 23 يَا خَائِفِي الرَّبِّ سَبِّحُوهُ! مَجِّدُوهُ يَا مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ، وَاخْشَوْهُ يَا زَرْعَ إِسْرَائِيلَ جَمِيعًا! 24 لأَنَّهُ لَمْ يَحْتَقِرْ وَلَمْ يُرْذِلْ مَسْكَنَةَ الْمَسْكِينِ، وَلَمْ يَحْجُبْ وَجْهَهُ عَنْهُ، بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ اسْتَمَعَ. 25 مِنْ قِبَلِكَ تَسْبِيحِي فِي الْجَمَاعَةِ الْعَظِيمَةِ. أوفِي بِنُذُورِي قُدَّامَ خَائِفِيهِ. 26 يَأْكُلُ الْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ الرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 27 تَذْكُرُ وَتَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ. وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ الأُمَمِ. 28 لأَنَّ لِلرَّبِّ الْمُلْكَ، وَهُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى الأُمَمِ. 29 أَكَلَ وَسَجَدَ كُلُّ سَمِينِي الأَرْضِ. قُدَّامَهُ يَجْثُو كُلُّ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى التُّرَابِ وَمَنْ لَمْ يُحْيِ نَفْسَهُ. 30 الذُّرِّيَّةُ تَتَعَبَّدُ لَهُ. يُخَبَّرُ عَنِ الرَّبِّ الْجِيلُ الآتِي. 31 يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرهِ شَعْبًا سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ!". سبع عبارات قالها السّيّد الفادي المخلّص على الصليب، واحدة منها هي صرخته "إيْلِي.. إيْلِي. لِمَا شَبَقْتَنِي!"- (متى 27: 46) وهي عبارة آرامية - لغة فلسطين في تلك الفترة- معناها(إلهي.. إلهي.. لماذا تركتني!)كما أوردها البشير متى، ووردت لدى البشير مرقس "ألْوِي.. ألْوِي.. لِمَا شَبَقْتَنِي"-(مر15: 34) بنفس المعنى.وفي ذلك يرى الأب متى المسكين أن [إيلي/ Eli]باللفظ الآرامي، و[ألوي/ Eloi]كما في الترجوم. هذه العبارة هي موضع جدل وخلاف لدى المعترضين، باعتبار أنها تنفي (لاهوت) السيّد المسيح، وهو ينادي ربّه هكذا. بيد أن هذه العبارة -المفتاحيّة- تذكر بالمزمور الذي يصف حالته على الصّليب ومغزاه وعاقبته. وكان اليهود يقرأون المزامير في صلواتهم. ولقراءة المزامير مراسيم وأنظمة متعارفة، ما زالت بعض الكنائس التقليدية تتبعها،حيث يتشارك الكاهن أو قائد الإنشاد تلاوة مفاتيح المزمور والشعب يكمل. ورد في تقديم المزمور الثاني والعشرين أنه [لقائد المنشدين. على أيّلة الصّباح]أي أن قائد المنشدين هو الذي يبدأ التلاوة ويقوده. وقد كان السيّد المسيح نفسه هنا (قائد الإنشاد)على أمل أن يكمل الشعب المُجْتَمِع عند قدمي الصليب بقيّة المزمور الذي يتضمن وصفا للجلجثة والتعريضات التي انطلقت من أفواه البعض. وكان موعد قراءة المزمور أول الصباح، وهو ما يفسّر القول: "وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟"- (متى27: 45- 46). وكأن الظلمة أرّخت ولادة نهار جديد، أستهلّه المسيح الفادي بصرخة المزمور هذا. وبقدر ما كان السيّد المسيح الفادي ينطق عن مشاعر وآلام ذاتية محضة، فأنّ الصوت المسموع له وظيفة رئيسة تستهدف إسماع الجمهور، وإلا فقد كان يمكن أن يقول ذلك في نفسه. وهنا نعود إلى موقف إقامة ليعازر وما يفصح عنه السيّد المعلّم."فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. قَالَ يَسُوعُ: ارْفَعُوا الْحَجَرَ!. قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ!. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟. فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي!. وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!. فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ!"- (يو11: 38- 44) فهو لم يترك فرصة أو لحظة لم يستخدمها لدعوة الناس للايمان والتوبة والخلاص، مستخدما في ذلك كلّ ما يناسب الموقف من أقوال وأمثال ونصوص وإشارات، تسهّل تقنيات التوصيل والتلقي وإصابة الهدف. ان العدد (21) في المزمور يمثل نقطة تحول في نصّ الخطاب -بحسب القس ديريك كدنر. والخطاب في المزمور ينقسم إلى قسمين: الأول [22: 1- 21]يخصّ اللحظة الآنيّة (على الصليب)، والثاني [22: 22- 31] يخصّ اللحظة الآتية المفتوحة نحوالأبديّة، وهي القيامة الانتصارية والحياة الأبديّة؛ وهذه يمكن تفصيلها في نقطتين: 1- "يَأْكُلُ الْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ الرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى الأَبَدِ. تَذْكُرُ وَتَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ. وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ الأُمَمِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ الْمُلْكَ، وَهُوَ الْمُتَسَلِّطُ عَلَى الأُمَمِ!."- (مز22: 26- 28) 2- "يُخَبَّرُ عَنِ الرَّبِّ الْجِيلُ الآتِي. 31 يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرهِ شَعْبًا سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ!."- (مز22: 30- 31) ان صليب المسيح كان مفتاح قيامته، وقيامة المسيح كانت مفتاح سكيب الرّوح القدّس في المؤمنين (أع2)، وسلطان الروح القدُس كان شرارة اعلان رسالة الخلاص للعالم أجمع. وبهما تحقق أمران: انتشار رسالة الخلاص في كلّ أنحاء الأرض (متى24: 14)، والأجيال المتعاقبة تخبر ببرّه شعبا سيولد(2بط3: 14، 15). ويرى الأب متى المسكين (أن معرفة الله التي تتبعها الأمم تكون بواسطة شهادة أعماله في الخارج، وعمل الضمير في الداخل)، وذلك بحسب (أرميا16: 19- 20):"إِلَيْكَ تَأْتِي الأُمَمُ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا وَرِثَ آبَاؤُنَا كَذِبًا وَأَبَاطِيلَ وَمَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ. هَلْ يَصْنَعُ الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ آلِهَةً وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟!". يقول الدكتور منيس عبد النور: (لم يكن الصّليب نهاية المسيح، ولا كان الألم نهاية المزمور الثاني والعشرين، لأنّ المزمور في جزئه الأخير يهتف بانتصار المسيح. ولا يمكن أن نذكر صليب المسيح وآلامه الفدائيّة، دون أن نذكر قيامته قيامة عزيز مقتدر. فنقول مع الرسول بولس "أسلمَ من أجل خطايانا، وأقيم من أجل تبريرنا"- (رو4: 25))*.ونقول معه كذلك: "مَعَ الْمَسيحِ صُلِبْتُ، فَأحْيَا لَا أنَا، بَلِ الْمَسيحُ يَحْيَا فِيَّ."- (غل2: 20)ونقول أيضا:"الْحَيَاةُ عِنْدِي هِيَ الْمَسِيحُ. وَالْمَوْتُ رِبْحٌ لِي. وَلَكِنْ إنْ كَانَ لِيْ أنْ أحْيَا فِي الْجَسَدِ، فَحَيَاتِي تُهَيّئُ لِيَ عَمَلاً مُثْمِرَاً."- (في1: 21- 22). فهذه الصرخة ليست عن ضعف أو تراجع، وانما عن ايمان وقوّة المحبّة، صرخة إعلان وإنذار وتنبيه وإخبار، ومن له أذنان فليسمع!، العبارة التي طالما ردّدها المعلّم. والسمع هنا كناية عن العقل ودعوة للتفكّر، وليس السمع الببغاوي، ففي الواقع، جميع المخلوقات لها حاسّة سمع، ولكن ليس جميعها (يعقل)!. وعبارته الأخرى كانت: فتّشوا الكتب، فهي تشهد لي!. صرخة المزمور هذه -صلاة-، كما يرد في التقديم (صلاة لداود)، أي كان داود يردّدها ويُصلّيها، وداود هذا هو صاحب المقولة الشهيرة:"قال الربّ لربّي، إجلسْ عن يميني!". التي استخدمها المعلّم يسوع في حواراته مع قادة اليهود(لو20: 41- 44). والقول أنها صلاة، فهي تذكّر وتتصل بصلاة السيّد المسيح وهو يتهيّأ لدخول فصل الآلام، تلك الصلاة العظيمة والسّامية التي اصطلح عليها اللاهوتيون بـ(الصلاة الشفاعيّة)حيث يستأمن السيّد الخليقة بيد الآب السماويّ.."أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا، 2 إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. 3 وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. 4 أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. 5 وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. 6 أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي، وَقَدْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ. 7 وَالآنَ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَنِي هُوَ مِنْ عِنْدِكَ، 8 لأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. 9 مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لأَنَّهُمْ لَكَ. 10 وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. 11 وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. 12 حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ. 13 أَمَّا الآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ. وَأَتَكَلَّمُ بِهذَا فِي الْعَالَمِ لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلاً فِيهِمْ. 14 أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ، وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ، 15 لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. 16 لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. 17 قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَق. 18 كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ، 19 وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ. 20 وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، 21 لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. 22 وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. 23 أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. 24 أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ. 25 أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. 26 وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِم!ْ."- (يو17) وأما القول أنّها صلاة (العبد المتألّم)، ذلك العبد "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْم.ٍ"-(في2: 6- 9)فهي تتصل بصلاته في بستان جثسيماني في السّاعة الأخيرة قبيل القاء القبض عليه:"36 حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ!. 37 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38 فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي!. 39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ!. 40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟. 41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ!. 42 فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ!. 43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 45 ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا!، هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 46 قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!."- (متى26: 36- 46). أما الروح فنشيط، إشارة للاهوته السّماويّ (ابن الله)، وأما الجسد فضعيف، إشارة لناسوته البشريّ (ابن الانسان). أما أنه - حزن واكتئب- كإنسان، فأنّ الذي وضع نفسه وبذلها من أجل الناس، لا يهتمّ لنفسه بل للناس، (إذ حوّل الشفقة على نفسه إلى السفقة على الناس)/- كدنر/م.س./ص134- وهو ما قاله بنفسه للنساء الباكيات حوله في طريقه للجلجثة:"26 وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ أَمْسَكُوا سِمْعَانَ، رَجُلاً قَيْرَوَانِيًّا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ. 27 وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ. 28 فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ، 29 لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ!. 30 حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا! وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا! 31 لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟."- (لو23: 26- 31). نعم، هذا ما فعلوه بالعود الرطب - ابن الانسان البارّ الذي جال وعمل خيرا-، فماذا يجري للعود اليابس، للخليقة الضعيفةالمحكومة بالجسد. وكم من الملايين سارت على طريق الجلجثة وتعذبت على أيدي الطغاة والجلادين في كلّ زمان. يسوع المعلّم بكى أيضا من أجل ليعازر الانسان، وهو في القبر. وعندما قام قال عبارة واحدة غنية في معناها (حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ!). الحلّ هو الحرّيّة. فالقيامة من الموت في المسيح هي ثالوث الحرّيّة. الكلمات الثلاثة [حلّوه- دعوه- يذهب] تؤكد الواحدة منها الأخرى. والحرّيّة الحقيقيّة هنا معناها أن لا تكون تحت سلطة إنسان، تكون حرّا بذاتك، ولا يحكمك غير ضميرك!. ونتمعّن أكثر في صورة ليعازر/ الانسان:"الْمَيْت وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل!."، لاحظ دقّة الوصف، - يداه، ورجلاه، ووجهه، مع بقيّة الجسد- مربوطات بأقمطة ومنديل، حتى عندما يموت الانسان يشيّع بعلامات العبوديّة والمهانة. عبودية ومهانة في حياته، وعبوديّة ومهانة في موته. تستعبده الحاجة، الخطيئة، البشر، فيعيش ويموت في دائرة من القيود والأغلال والأربطة والعادات والتقاليد والقوانين والخطوط الحمراء والوصايا والارشادات في كلّ جزئيات الحياة. حالة تدعو للرثاء. لكن كثيرين لا يشعرون بهذا. والبعض ينظرون لسواهم وقد يتأثرون ويتألمون لهم، ولكنهم لا يعرفون أنهم مثلهم. عندما يذهب أحدنا ألى بلد ويشاهد مظاهر الفقر والشحاذة فيه، يتألم لأجل ذلك المجتمع، وعندما يكون في مجتمع تنتشر فيه مظاهر القسوة والعنف والوحشية يتألم أيضاويشكر الله أنه لا يعيش في تلك المجتمعات. وبعضنا كان جزء من مجتمعات الفقر والعنف والتخلف، وأحسسنا بضرورة التغيير ومساعدة الناس وخلاصهم من الظروف والمعاناة غير اللائقة بالمدنية. ولكن عندما شعرنا ان الواقع أكبر منا، وسيناريو الخراب التاريخي يتجاوز الراهن والجهد الشخصي، فكّرنا بأنفسنا وذهبنا إلى بلاد أخرى ننعم فيها بالحرية والكرامة والخبز الشريف. أما المسيح، فقد عمل العكس، عندما تنازل عن عليائه وتواضع"مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيُحَرّرَ بالْفداء الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ (بفدائه) جَميعَاً مَقامَ أبْنَاء الله!."- (غل4: 4-5). ومن هذا المنظور يكون حزن يسوع المسيح أو بكاؤه علامة مشاركة واشتراك واتحاد مع البشر فيما يعانونه. "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقًّا لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ."- (عب2: 14- 18) * يرى الأب متى المسكين أن المزمور الثاني والعشرين (أول وأعظم مزامير الآلام)- (كتابه- م2/ ص228). فيما يعود وصفه بمزمور (العبد المتألم) إلى ترجمة (جلينو): (العبد المتألم يربح خلاص العالم)/ (كدنر- ص133). ويعتبر المزمور هذا مع الاصحاح الثالث والخمسين من سفر أشعياء أبرز شهادتين/ نبوءتين تتعلقان بصليب السيّد المسيح المخلّص. ولا يمكن فهم المزمور الثاني والعشرين بغير الاستعانة بالاصحاح الثالث والخمسين من سفر أشعياء، والعكس أيضا. فكلاهما يتعلقان بشخص واحد وقضية واحدة هي قضية الخلاص التي تبدأ بالآلام والتعريض من الناس وتسليمه بأيديهم للموت وتفاصيل مشهد الجلجثة عبورا إلى القيامة والانتصار على الموت والحياة الجديدة ببرّ المسيح ونعمة الروح القدُس. أما مدى علاقة نص المزمور بحياة داود وما تعرّض له من مهالك وصعوبات، فلا يبلغ الحدّ الأدنى مما مذكور - بحسب كدنر-. ففي (1صم30: 6): "وَتَفَاقَمَ ضِيقُ دَاوُدَ لأنّ الرّجَالَ، مِنْ فَرْطِ مَا حَلّ بِهُمْ مِنْ مَرَارَةٍ وَأسَى عَلَى أبْنائِهُمْ وَبَنَاتِهُمْ، طَالَبُوا بِرَجْمِهِ، غَيْرَ أنَّ دَاوُدَ تَشَبَّثَ وَتَقوّى بِإلَهِهِ!". ويرى متى المسكين أن استخدامه من قبل الربّ على الصليب لا يمنع أن يكون له مبدئيا وجود تأريخي يشير إليه. فيما يتفق كثيرون على اعتباره من المزامير والنبوءات المسيّانيّة الواضحة (أع2: 30- 31). يتفق كلّ من كدنر والأب متى المسكين على ظاهرتين مميزتين في هذا المزمور.. 1- خلوّه من أي اعتراف بالخطيّة. 2- خلوّه من أي دعاء أو دعوة بالنقمة أو الانتقام. ويضيف الأب المسكين لذلك، اقترانه بيوم الجمعة العظيمة./ كتابه: م2/ ص231 بينما يرى ديريك كدنر (كتابه: ص13، 137) أن المزمور يتضمّن رؤية عريضة تجمع أمم العالم أجمع (ع27)، وتشمل الأحياء والأموات (ع29) ويمتدّ للأجيال الأتية (ع30). ان المزمور الثاني والعشرين في وصفه المهانة والمذلة والتعذيب (ع 16- 18) يتجاوز ما يرد في (أش53: 3، 9) بذكره التفاصيل البينية وكانها تنقل عن واقع حيّ. ان أشدّ درجات المهانة والاسفاف هو تجريد الشخص من ثيابه وتركه عاريا -مثل دودة أو حيوان-، لكن وصف المزمور يتجاوز التعرية إلى المزاودة على الثياب والاقتراع عليها. حيث اقتسمها الجلادون والجنود إلى أربعة أقسام فيما بينهم، ولم يشاءوا تمزيق القميص فاقترعوا عليه (مز22: 18). والسمة الثانية الخاصة بالمزمور هي ذكره "ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ."- (مز22: 16). يقول الشاعر توفيق زياد - ابن ناصرة الجليل- [1929- 1994] في قصيدته المغناة الشهيرة، مترسّما ملامح الفادي الأعظم.. أنَاديكُمْ.. أشُدّ عَلَى أيَاديكُمْ أبُوسُ الأرْضَ تَحْتَ نِعَالِكُمْ.. وَأقولُ أفْديكُمْ وَأهْدِيكُمْ ضِيَا عَيْنِي.. وَدِفْءَ الْقلْبِ أعْطِيكُمْ فَمَأسَاتِي الّتي أحْيَا.. نَصِيبِي مِنْ مَآسِيْكُمْ أنَادِيكُمْ.. أشُدّ عَلَى أيَادِيكُمْ أنَا مَا هنْتُ فِي وَطَنِي.. وَلا صَغّْرُت أكْتافْي وَقَفْتُ بِوَجْهِ ظُلّامِي.. يَتِيمَاً، عَارِيَاً، حَافِي حَمَلْتُ دَمِي عَلَى كَفِّي.. وَمَا نَكّسْتُ أعْلامِي وَصِنْتُ الْعُشُبَ الأخْضَرَ فَوْقَ قُبُورِ أسْلافِي أنَادِيكُمْ.. أشُدّ عَلَى أيَادِيكُمْ!.. ــــــــــــــــــــــــ - الأب متى المسكين- المزامير.. دراسة وشرح وتفسير- م2- دير أنبا مقار- ط1/ 2003 - القس ديريك كدنر- التفسير الحديث للكتاب المقدّس/ ع ق/ سفر المزامير- ج1- تر: د.منيس عبد النور- دار الثقافة/ القاهرة 1993 - د. ق. منيس عبد النور- تأمّلات في سفر المزامير/ ج3- القاهرة
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صَرْخَةُ الْسّاعَة الثّالثَة!..
-
يَسُوعُ.. الكَاهنُ الأعْلَى
-
رجلُ أوجاع ومختبرُ الحزن
-
هَذا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ..!
-
يسوع .. حبّة الحنطة!..
-
أعماله.. وأعمالهم..
-
قالوا.. وقال..
-
البارّ بين الأثَمَةِ
-
الصَّلِيبُ عَثْرَةُ لِلنّاظِرِ
-
خرستوس آنيستي.. آليسوس آنيستي
-
سايكولوجيا الحرف- 18
-
سايكولوجيا الحرف- 17
-
سايكولوجيا الحرف- 16
-
سايكولوجيا الحرف- 15
-
ساسكولوجيا الحرف- 14
-
سايكولوجيا الحرف- 13
-
سايكولوجيا الحرف- 12
-
سايكولوجيا الحرف-11
-
سايكولوجيا الحرف -10-
-
البنت.. البنت/ الولد.. الولد..
المزيد.....
-
أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج
...
-
بين لهيب الحرب وصقيع الشتاء.. الجزيرة نت ترصد مآسي خيام النا
...
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|