|
دعوني أتكلم- شهادة امرأة من المناجم البوليفية
دوميتيلا باريوس شانغارا
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 11:27
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
توفيت دوميتيلا باريوس شانغارا يوم 12 مارس من العام 2012 عن عمر ناهز 74 سنة. خاضت معركة طويلة مع مرض السرطان. أهدت هذه المرأة كل عمرها للنضال ضد الاستبداد و الطغيان ومن أجل أن يقبض الفقراء بالسلطة الحقيقة بأيديهم حتى تتحقق أمانيهم في العيش الكريم و العدالة الاجتماعية.
عاشت دوميتيلا و ترعرعت بوسط المنجميين، وانتبهت باكرا إلى أن الذين يعملون ببوليفيا لا يكسبون سوى النزر القليل في حين أن الذين لا يعملون يأخذون كل شيء. فكان أن باشرت نضالا حادا ضد أرباب العمل المنجميين إلى جانب زميلاتها من ربات البيوت(رفيقات المنجميين) عبر لجنة ربات البيوت منذ العام 1963.
شاركت سنة 1975 في منبر السنة العالمية للنساء الذي نظمته الأمم المتحدة بالمكسيك حيث تركت تدخلاتها أثرا عميقا في النساء المشاركات. في سنة 1978 نظمت إضرابا عن الطعام إلى جانب أربعة من رفيقاتها للمطالبة بإطلاق سراح رفاقهن المنجميين المعتقلين إثر إضراب. لم تثق دوميتيلا أبدا في الوعود المقدمة من قبل منظمي الانقلابات التي شهدتها بوليفيا وفي تلك المقدمة من طرف الحكومات المدنية.
لقد كتب الكاتب المعروف إدواردو غاليانو: "أتذكر أنه خلال تجمع عمالي، منذ زمن، ثلاثين سنة، نهضت سيدة، وسط الرجال و تساءلت عن عدونا الرئيس. ارتفعت أصوات مجيبة: الإمبريالية، الأوليغارشية، البيروقراطية ... لكن هي دوميتيلا شانغارا أكدت: لا، يا رفاقي. عدونا الرئيس هو الخوف، و نحمله بداخلنا. " يقول غاليانو " كانت لي الفرصة لسماعها ولم أنساها مطلقا".
يقدم موقع المناضل-ة في حلقات كتاب دوميتيلا " دعوني أتكلم" كشهادة منها على وضع العمال المنجميين ببوليفيا وتجربتها كربة بيت مناضلة من أجل سيادة الشعب الفقير على ثرواته.
لقد جسدت دوميتيلا ورفيقاتها في لجنة ربات البيوت الداعمة لنضال المنجميين هدفا واضحا ومحددا: نضال النساء بأنفسهن لا غنى عنه للتحرر من المجتمع الذكوري، وبأن تحرر النساء مرتبط بالتحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لفقراء الشعب.
موقع المناضل-ة
دعوني أتكلم
شهادة دوميتيلا، امرأة من المناجم البوليفية
*الطبعة العربية الثانية 1985، مؤسسة الأبحاث العربية ش.م.م
المحتـــويات
إلى القارئ..........................................7
دوميتيلا تتكلم........................................11
شعبها.................................................15
حياتها.............................................47
1976..........................................229
ملحق1987.........................................254
القسم الاول من الكتاب:
إلى القارئ
نشأت فكرة هذه الشهادة من وجود " دوميتيلا باريوس دو شنغارا "، في " محكمة السنة العالمية للمرأة "، التي نظمتها الأمم المتحدة والتي عقدت في المكسيك سنة 1975.
إلتقيت هناك بتلك المرأة من الأندز البوليفية. أنها زوجة عامل منجم وأم لسبعة أطفال،وقد أتت إلى "المحكمة " ممثلة " لجنة ربات البيوت في سيغلو 20 " وهي منظمة من زوجات العمال في ذلك المركز لإستخراج القصدير.
لقد استحقت، لسنوات نضالها، وللعهد الذي أخدته على نفسها،أن توجه لها الأمم المتحدة دعوة رسمية للمشاركة في ذلك الحدث. كانت المرأة الوحيدة من الطبقة العاملة التي تشارك بفاعلية في " المحكمة " كممثلة لبوليفيا، وتركت مساهمتها أثرا عميقا في نفوس الحضور. ومرد ذلك على الأرجح إلى أن " دوميتيلا عاشت مع النساء اللواتي تحدثت عنهن "، كما قالت إحدى الصحفيات السويديات.
أن هذا العرض، الذي تعتبره دوميتيلا " ذروة " عملها في " المحكمة "، هو صرخة شعب يعأني من الاستغلال. ويظهر أن تحرير النساء مرتبط أساسا بالتحرير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي للشعب، وأن مشاركة النساء في هذه العملية، تجب رؤيتها في هذا السياق.
أن ما أقدمه هنا، ليس مناجاة لدوميتيلا مع نفسها. أنه نتاج المقابلات العديدة التي أجريتها معها في المكسيك وبوليفيا، وبعض خطاباتها في "المحكمة "، وبعض نقاشاتها أيضا، وأحاديثها، ومحاوراتها مع مجموعة من العمال والطلاب والموظفين الجامعيين، ومع أشخاص يعيشون في وسط عمالي، ومع منفيين من أمريكا اللاتينية يعيشون في المكسيك، ومع مندوبين من الصحافة والإذاعة والتلفزيون.
كل هذه المواد المسجلة مع بعض المراسلات المدونة، رتبت، وراجعتها مع دوميتيلا، ونتج عنها هذا الكتاب من التاريخ الشفهي.
تتكيف دوميتيلا مع الظروف الواقعية التي توجد فيها ومع الجمهور الذي تتوجه إليه. أن أسلوبها في التعبير في أحاديثها الخاصة، يختلف عن أسلوبها في خطبها وفي التقديم الرسمي في الاجتماعات أو في تبادل الآراء مع مجموعات صغيرة. أن هذا يفسر تنوع الأساليب في الكتاب الذي قد يفاجئ بعض القراء.
لغة دوميتيلا لغة امرأة من الشعب، بتعابيرها واصطلاحاتها المحلية وبناء جملها، وتطبعها أحيانا لغة " الكويشوا" الذي كانت تتكلمها منذ الطفولة. لقد حافظت على هذه اللغة عن قصد، وهي جزء جوهري من شهادتها، ومساهمة في الأدب كنموذج أخر لغنى اللغة الشعبية.
إن الوثائق المدونة التي تتناول تجارب الناس العاديين والفقراء قليلة. من هذه الزاوية، يستطيع هذا العرض أن يملأ فراغا ويخدم كأداة لنقل الأفكار وللتوجيه، وبهذا يكون نافعا للنساء وللرجال الذين نذروا أنفسهم لقضية شعب بوليفيا والبلدان الأخرى، خاصة في أميركا اللاتينية.
إن هدا الكتاب هو أداة للعمل. لقد وافقت دوميتيلا على الإدلاء بشهادتها كأسلوب " للمساهمة بحبة رمل صغيرة، على أمل أن تخدم تجربتنا بطريقة ما الجيل الجديد ". وتقول :" أنه من المهم أن نأخذ التجارب من تاريخنا " وأيضا من "تجارب الشعوب الأخرى "، ولهذه الغاية " يجب أن تكون هناك شهادة " تساعدنا على أن " نفكر مليا في أعمالنا وننتقدها ".
لقد صهرت دوميتيلا في مدرسة الشعب. من عمل ربة البيت اليومي الشاق والروتيني في منطقة التعدين، اكتشفت أن العامل ليس مستغلا وحده، طالما أن النظام يطال ويستغل المرأة وعائلتها أيضا. دفعها هذا إلى المشاركة بفعالية في النضال المنظم للطبقة العاملة.ومع أخواتها عاشت مباشرة هزائم و انتصارات شعبها. و انطلاقا من هذه التجربة تفسر الواقع. كل ما تقوله هو الحياة و التغيير.
لا تدعي دوميتيلا أنها تقدم تحليلا تاريخيا لبوليفيا ولا لتحرك نقابة عمال المناجم، ولا " للجنة ربات البيوت في سيغلو 20 ".أنها ببساطة تحكي الوضع الذي عاشته، كيف عاشته، وما الذي تعلمته كي تتابع طريق النضال الذي ستتوصل الطبقة العاملة والحركة الشعبية من خلاله لتقرير مصيرها.
مع ذلك، هناك شهادات قليلة لرجال ونساء من المناجم ومن المعامل ومن الأحياء الفقيرة أو من الريف، لا يحكي المناضل فيها فقط الوضع الذي يعيشه لكنه أيضا يعي الأسباب والأجهزة التي تخلق هذا الوضع وتحافظ عليه، وينذر نفسه للنضال من أجل تغييره. بهذا المعنى، فإن شهادة دوميتيلا تحوي عناصر تحليل تاريخي بارع وعميق، لأنها أيضا تفسير للوقائع من وجهة نظر شعبية.
كي لا تنتقص قيمة هذا العرض، يجب أن ندع هذه المرأة من الشعب، تتكلم، يجب أن نسمعها ونحاول أن نفهم كيف تعيش، وما هو شعورها، وكيف تفسر الأحداث.
لا شيء مما يظهر هنا، مغاير للواقع البوليفي،لأن توجه دوميتيلا الشخصي هو جزء من المسيرة العظيمة للطبقة العاملة البوليفية وللشعب البوليفي.
لهذا السبب قسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء. في الأول : تصف دوميتيلا شعبها، ظروف عمل ومعيشة رجال ونساء المناجم، و اندماجهم في الحركة العمالية المنظمة. وفي الثاني : تحكي حياتها بارتباطها مع الحوادث التاريخية التي عاشها شعبها، وفي الثالث : نظرة شاملة إلى المناجم في العام 1976، خاصة بعد إضراب عمال المناجم في حزيران (يونيو ) وتموز (يوليو).
أريد أن أعبر عن إعجابي وتقديري للمرأة في المناجم البوليفية، التي، بشخص دوميتيلا، تعطينا فرصة لكسب معرفة أوسع وفهم أفضل للطبقة العاملة البوليفية، وللنساء اللواتي،منذ أيام " بارتولينا سيسا "، و " جوانا أزوردي دوباديلا "،و "ماريا بارزولا "، يتابعن النضال من اجل الحرية الحقيقية لشعبهن.
أريد أيضا أن أعبر عن شكري لكل الأصدقاء والأخوات والإخوة الذين ساهموا، وبطرق مختلفة، في أن تصبح هذه الشهادة عملا واقعيا.
دعوا دوميتيلا تتكلم.
م.ف.
30 كانون الأول (ديسمبر 1976)
دوميتيلا تتكلم
شهــــــــــادة
لا أريد أن يفسر أحد، وفي أي وقت، القصة التي سأرويها على أنها شيء شخصي فقط. لأنني أعتقد بأن حياتي ترتبط بشعبي. ما حصل لي يمكن أن يكون قد حصل للمئات في وطني. أريد أن أوضح هذا لأنني أعرف أنه سبق لأشخاص أن قدموا أكثر مني للشعب، لكنهم ماتوا أو لم تتسن لهم الفرصة لكي يعرفوا.
لهذا أقول أنني لا أريد فقط أن أروي قصة شخصية.أريد أن أتحدث عن شعبي. أريد أن أكون شاهدة على كل التجربة التي اكتسبناها خلال سنوات عديدة من النضال في بوليفيا، وأن أساهم بحبة رمل صغيرة، على أمل أن تكون تجربتنا ذات فائدة للجيل الجديد، للشعب الجديد.
أريد أن أقول أيضا أنني أعتبر هذا الكتاب ذروة عملي في محكمة السنة العالمية للمرأة. كان الوقت ضيق لنقول ولننقل كل ما كنا نرغب به. وقد سنحت لي الفرصة لأقوم بذلك الآن.
أخيرا، أريد أن أوضح أن هذا العرض لتجربتي الشخصية مع شعبي الذي يقاتل من أجل التحرير- والذي أدين له بوجود - يجب أن يصل إلى أكثر الناس فقرا، الذين لا يملكون مالا، لكنهم بحاجة إلى بعض التوجيه، نموذجا يمكن أن يخدمهم في المستقبل. من أجل هؤلاء وافقت على تدوين ما سأرويه. لا يهم نوع الورق الذي سيدون عليه، لكن ما يهم هو أن يكون هذا العمل ذا فائدة للطبقة العاملة وليس فقط لأهل الفكر أو الذين يتخذون مثل هذا الإنتاج مهنة لهم.
شعبها
المنجــــم
أبدأ القول بأن بوليفيا تقع في المخروط الجنوبي في قلب أميركا الجنوبية. يسكنها فقط حوالي خمسة ملايين نسمة. نحن البوليفيين قليلون جدا.
نتكلم الاسبانية كمعظم شعوب أميركا الجنوبية تقريبا. لكن لغات أجدادنا كانت مختلفة. اللغتان الأساسيتان كانتا " الكويشوا "و "الايمارا ". لا يزال عدد كبير من الفلاحين والعديد من العمال المناجم يتكلمون هاتين اللغتين. وقد احتفظ بهما نوعا ما في المدن، بشكل خاص في " كوشابمبا" و " بوتوسي"، حيث يتكلم الكثيرون " الكويشوا "، وفي " لاباز "، حيث يتكلم الكثيرون " الايمارا ". كما أنهم تم الاحتفاظ بالكثير من تقاليد هاتين الثقافتين كفن الغزل والرقص والموسيقى التي لا تزال حتى اليوم تجذب الكثير من الاهتمام في الخارج، أليس كذلك ؟
أنا فخورة بالدم الهندي الذي يجري في عروقي. وأنا فخورة أيضا لأنني زوجة عامل منجم. أتمنى أن يكون الجميع فخورين بما هم عليه وبما عندهم وبثقافتهم وبلغتهم وبموسيقاهم وبأسلوب حياتهم وأن لا يتقبلوا التأثير الخارجي كثيرا، أو يحاولوا أن يقلدوا آخرين من الذين، في النهاية، أعطوا القليل لمجتمعنا.
وطننا غني جدا، خاصة بالمعادن : القصدير والفضة والذهب والبزموث والزنك والحديد. ويشكل النفط والغاز مصدرين هامين للاستثمار أيضا. عندنا في المنطقة الشرقية حقول واسعة حيث تربى المواشي، و عندنا الغابات والفاكهة، والكثير من المنتوجات الزراعية.
ظاهريا يملك الشعب البوليفي هذه الثروات. إن المناجم مثلا. و بشكل خاص الكبيرة، تملكها الدولة. لقد أممت وأخذت من مالكيها " باتينو" و "هوشيلد " و "ارامايو "، الذين كنا نلقبهم بـ" بارونات القصدير "، و كانوا مشهورين في كل مكان لثرواتهم الطائلة. يقال أن " باتينو " توصل إلى أن يكون واحدا من أغنى خمسة من أصحاب الملايين في العالم، أليس كذلك؟
هؤلاء السادة كانوا بوليفيين، لكنهم بوليفيون بقلوب شريرة حتى أنهم خانوا الشعب. لقد باعوا كل القصدير لبلدان أخرى وتركونا في بؤسنا لأنهم وظفوا كل رأسمالهم في الخارج، في البنوك والصناعة والفنادق وهذا النوع من الأشياء. وهكذا حين أممت هذه المناجم، لم يكن قد بقي في بوليفيا سو ى القليل. وبالرغم من ذلك دفعوا لهم تعويضا. ولسوء الحظ فقد نشأ أغنياء جدد ولم يجن الشعب أية فائدة من التأميم.
معظم سكان بوليفيا من المزارعين. ويعيش 70% منهم في الأرياف. وهم يعيشون في فقر مدقع، و حالهم أسوأ من حالنا نحن عمال المناجم، بالرغم من أننا نعيش كالغجر على أرضنا لأننا لا نملك بيوتا، باستثناء مساكن تعيرنا إياها الشركة خلال فقرة العمل.
الآن، إذا كان صحيحا أن بوليفيا بلد غني إلى هده الدرجة بالمواد الخام، لماذا يكثر فيها الفقراء ؟ ولماذا يكون مستوى المعيشة فيها منخفضا بالمقارنة مع البلدان الأخرى، حتى في أميركا اللاتينية؟
إن ذلك مرده لتسرب النقد. كثيرون من الناس أصبحوا أغنياء لكنهم يوظفون كل أموالهم في الخارج. و تسلم ثروتنا إلى نهم الرأسماليين، بأدنى أسعار ممكنة، من خلال اتفاقات لا نستفيد منها. لقد خصت الطبيعة بوليفيا بخيراتها، وبإمكانها أن تكون غنية جدا في العالم، ومع ذلك، مع أن السكان قليلون للغاية، إلا أن هذه الثروة ليست لنا.
قال أحدهم : " بوليفيا غنية جدا، لكن سكانها شحاذون ". وهذه هي الحقيقة، لأن شركات متعددة الجنسيات تسيطر على بوليفيا وتدير اقتصاد بلادي. والكثيرون من البوليفيين يفيدون من هذا الوضع ويبيعون أنفسهم بدولارات قليلة ويتعاونون سياسيا مع " الغرينغوس " ويساندونهم في حيلهم. إن ما يهمهم هو المزيد الذي يستطيعون الحصول عليه لأنفسهم فقط. بازدياد استغلالهم للعمال يزداد فرحهم. وهم لا يكترثون حتى لو أنهار العامل من الجوع والمرض.
ربما أستطيع أن أخبركم عن بعض تجاربنا في بوليفيا. بما أنني أعيش في مركز لاستخراج المعادن فإن عمال المناجم هم أكثر من أعرف.
إن 06 % من مدخول هذا البلد هو من استخراج المعادن. أما ما تبقى فهو من النفط ومصادر الاستثمار الأخرى.
هناك حوالي خمسة وثلاثين ألف عامل في مناجم الدولة، ولكن خمسة وثلاثين ألف غيرهم يعملون في المناجم الخاصة. اعتقد، إذا، أن هناك حوالي سبعين ألف عامل منجم في بوليفيا.
إن المناجم المؤممة تديرها " شركة استخراج المعادن في بوليفيا "، التي تتخذ مركز أساسيا لها في " لاباز " ومراكز محلية في كل مركز لاستخراج المعادن في البلاد. حيث أعيش مثلا، هناك مسؤول يدير مركز استخراج المعادن الذي يدعي سيغلو20_ كاتافي _ سوكافون _ باتينو _ ميرافلورز. هذا هو أكبر مركز في بوليفيا، تجاربه الثورية كثيرة، وفيه أيضا جرت معظم المذابح من قبل الحكومات المتعددة.
في الخارج، يعمل تقنيو الشركة وموظفوها، في المستودعات، وفي المصهر وفي المطحنة أو معمل تصنيع المعادن وفي مخازن الشركة *، وفي دائرة الخدمات الاجتماعية في الشركة.
داخل المنجم يعمل العمال. عليهم كل صباح أن يتوغلوا عميقا في الداخل، إلى مكان غير صحي لا يوجد فيه الهواء الكافي، وفيه الكثير من الغاز، والرائحة الكريهة التي تسببها المياه الناتجة عن غسل المعادن. وعليهم أن يبقوا هناك ليستخرجوا المعدن الخام لثماني ساعات.
في السابق، حين كان المنجم جديدا، كانوا يستخرجون القصدير الجيد فقط متتبعين عرق المعدن لكن الأمور تغيرت في السنوات العشرين الأخيرة لم يعد هناك الكثير من القصدير. هكذا بدأوا باستعمال الألغام في المناجم. يضعون الديناميت في الداخل، ويتسبب ذلك في انفجار جزء من سفح التل. يخرج عمال المنجم كل تلك الحجارة ويرسلونها إلى المجرشة ومن تم إلى المعمل حتى يستخرج المعدن الخام. من أطنان عديدة من الحجارة يمكن استخراج أطنان قليلة من المعدن الخام الصافي. هذا العمل في الألغام شاق وخطر، لأن كل شيء ينفجر، كل شيء يطير من حولك. و هناك غبار كثير، كثير لدرجة أنك لا تستطيع رؤية ما هو أمامك حتى على بعد متر. و تكثر الحوادث أيضا، لأن العمال، في بعض الأحيان يعتقدون أن كل الديناميت قد أنفجر ويتابعون عملهم، وفجأة يحدث انفجار أخر... و الناس، يستمرون في البقاء هناك، وينفجرون نتفا. لذلك لا أريد من زوجي أن يعمل في الألغام، مع أن أجور الذين يعملون هناك أرفع بقليل.
هناك أيضا أنواع أخرى من العمال " العرقيون " مثلا، وهم عمال مناجم يعملون لحسابهم الخاص ويبيعون المعدن الخام للشركة حوالي ألفي " عرقي "يعملون في مجموعات من ثلاثة أو أربعة عمال ولكل مجموعة قائدها. يحفرون حفرا يبلغ اتساعها مترا أو مترا ونصف المتر وعمقها خمسة عشر مترا، حتى يصلوا إلى الصخر. ثم يتدلون ممسكين بطرف حبل ويحفرون في الداخل أنفاقا صغيرة يجرون أنفسهم فيها، ويبحثون عن القصدير الذي استقر في تجاويف الصخر. لا حماية لهم، لا شكل من أشكال التهوية. أنه أسوأ عمل. الكثيرون من عمال المناجم الذين يقومون بهذا العمل هم رجال قد عزلتهم الشركة لأنهم مصابون بالتسمم السليكي، وهو مرض المهنة في المناجم. وبما أنهم لا يملكون أي مصدر عمل أخر، كان عليهم أن يجدوا وسيلة للبقاء. هناك أيضا فلاحون يأتون إلى لالاغوا و يبدأون كعمال مناجم يعملون مع " العرقيين "، لكنهم يستغلون بشكل فظيع، لأن " العرقيين " يدفعون لهم عشرة بيزوس في اليوم، أي نصف دولار.
" اللوكاتاريوس " هم عمال أخرون، يعملون أيضا لحسابهم الخاص ويبيعون المعدن الخام للشركة. لكن الشركة لا تعطيهم حتى المجارف أو المعاول أو الديناميت أو أي شيء. عليهم أن يشتروا كل شيء. ترشدهم الشركة إلى الأماكن التي تم استخراج المعدن منها حيث لا يزال يوجد المزيد من المعدن الخام، بكميات كثيرة أو قليلة، لكن هناك دائما شيء متبقيا. تدفع الشركة للوكاتاريوس حسب النوعية الجيدة أو السيئة للخام الذي يجدونه. ولكنها، كما أعتقد، تحتفظ دائما بأربعين بالمئة من حق استعمال الحقل.
أخرون هم " اللاميروس "، أي الذين يعملون في غسل المعدن الخام. في المعمل تضغط الشركة المعدن الخام وينتج عن ذلك سائل يترك، بينما تجري بقايا من القصدير وتتحول إلى نهر مياه عكرة وكثيفة. يجمع "اللاميروس " هذا القصدير ويغسلونه ويكثفونه ويرسلونه إلى الشركة. لكن " اللوكاتاريوس " يتميزون عن " اللاميروس " بأن لهم أماكن محددة، بينما يفتش" اللاميروس" هنا وهناك كيف أتفق. وهكذا فإنهم في مرات عديدة يعملون دون أن يجدوا شيء.
إذا هناك مجموعات مختلفة من الناس تعمل في مراكز استخراج المعادن.
حيث يعيش عمـــــال المناجم
إن " سيغلو 20 " هو مخيم لاستخراج المعادن، والشركة تملك كل البيوت. كثير من العمال يعيشون أيضا في قرية لالاغو المجاورة، وفي قرى قريبة أخرى ليست تابعة للشركة.
بيوت العمال في المخيم، وهي تعتبر قرضا بنظر الجميع، تصبح ملكا لهم بعد أن يتموا بضع سنوات من الخدمة. إن الشركة لا تعيرنا السكن مباشرة، لأن هناك نقصا. فمعظم العمال يعملون لخمس أو لعشر سنوات دون أي يحصلوا على بيت. إذا عليهم أن يستأجروا غرفا في إحدى القرى غير التابعة لشركة.
إن العامل يستطيع استخدام البيت خلال الوقت الذي يعمل فيه مع الشركة فقط. حين يموت أو يترك عمله لإصابته بمرض المهنة أو مرض المنجم، يرمون بالأرملة أو بالزوجة خارج البيت ويمهلونها تسعين يوما لتذهب إلى مكان أخر.
بيوتنا صغيرة جدا. أي لدينا غرفة صغيرة قياسها أربعة بخمسة أو بستة أمتار. إن هذه الغرفة هي غرفة جلوس وغرفة طعام ومخزن للمؤونة وغرفة نوم. بعض البيوت يتألف من غرفتين صغيرتين، إحداهما هي المطبخ، وفيها أيضا " ممشى " صغير. هكذا هي مساكن الشركة، الجدران الأربعة فقط، بدون تجهيزات للمياه أو تمديدات صحية. وعلى هذه الحال يجب أن نعيش مع أولادنا، مجتمعين. في بيتنا، نضع ثلاثة أسرة في الغرفة هذا كل ما تستوعبه. هناك ينام أولادي السبعة، وهناك يكتبون فروضهم، وهناك نأكل، وهناك يلعبون.
وضعت في الغرفة الخلفية الصغيرة طاولة وسرير حيث أنام مع زوجي. إن الأشياء القليلة التي عندنا يجب أن نكدسها فوق بعضها البعض، أو نعلقها في سقف " الممشى". و الأطفال، يجب أن ينام بعضهم على الأسرة، والبعض الأخر تحتها. في أي مكان.
البرد قارس في الجبال. لذلك علينا أن نضع على الأسرة فرش من القش أو فرشا تدعى " بايازاس " وتصنع في المقاطعة. إن الفراش الحقيقي يكلف من 800 إلى 1000 بيزوس، ومن الصعب علينا أن نشتري واحدا. معظم العمال عندهم فرش من القش. في بيتي مثلا، ليس عندنا فراش حقيقي واحد. و البايازاس لا تدوم طويلا لأنها مصنوعة من القنب وهي غير مريحة أيضا. لكن ماذا نستطيع أن نفعل ؟ إن فرش القش تتمزق من ناحية، وتتمزق من الناحية الأخرى، وعلينا أن نجد طريقة لنجعلها تدوم فنصلحها من هنا ومن هناك.
عندنا مصباح كهربائي في المخيم تعطينا إياه الشركة نستعمله لبضع ساعات في اليوم وخلال الليل. وعندنا أيضا مياه للشرب، لكن ليس في البيوت. توجد في الجوار مضخات مياه عامة، وعلينا أن نقف في طابور كي نحصل على المياه .
كما ترين، ليس عندنا وسائل راحة كثيرة. ليس عندنا مثلا حمام في البيت. هناك حمامات عامة بالطبع، لكن يوجد من عشرة إلى اثني عشر " دوشا " للجميع، لعدد كبير من الناس، للمخيم بأسره. تفتح " الدوشات " بالتناوب : يوما للنساء و يوما للرجال. وتعمل فقط حين يتوفر النفط، لأن المياه تسخن بواسطته.
ليس هذا فقط، لكن التجهيزات الصحية والمراحيض لا توجد إلا في بيوت الموظفين التقنيين في الشركة، ولا توجد في أي من بيوت العمال.
هناك مراحيض عامة، حوالي عشرة فقط لمنطقة بكاملها ! إنها تتسخ بسرعة فائقة ولا توجد فيها مياه جارية. في الصباح ينظفها عمال الشركة المكلفون بذلك، لكن فيما بعد، فإنها تبقى طوال اليوم قذرة. و إن لم تتوفر المياه تبقى قذرة لأيام عديدة. و مع ذلك علينا استعمالها كما هـي.
هناك مشكلات عديدة بالنسبة للمياه، خصوصا في القرى غير التابعة للشركة. إنهم يعانون هناك أكثر منا. عليهم أن يقفوا في طوابير طويلة. عليهم أن يأتوا من أماكن بعيدة جدا ليحصلوا على المياه. ليس عندهم في هذه القرى الضوء الكهربائي مثلنا. حياتهم شاقة حقا.
و بالرغم من النقص في وسائل الراحة في البيوت، فليس من السهل الحصول على بيت، لأن هناك نقصا. للحصول على بيت هناك نوع من التسابق : رفيق عمل لمدة عشر سنوات مثلا يحصل على عشر نقاط، لو كان عنده أولاد مع زوجة فإنهم يضعون له ثماني نقاط، إن كان يعمل داخل المنجم يحصل على نقاط أكثر. إذا، للحصول على بيت على العامل أن يحصل عددا معينا من النقاط : أن يكون له أسبقية في الشركة، وعنده عدد اكبر من الأولاد، ويعمل داخل المنجم. هناك ورفاق يصابون بمرض المنجم سريعا ويموتون دون أن يستفيدوا من البيت المستعار.
هناك شكاوى بالطبع. وتلك المشكلة تطرح دائما في المناجم. لكن الشركة تخبرنا أنها ستفلس وأنها لا تستطيع بناء المزيد من المساكن. و مع ذلك، فإن أكثرية البيوت في المخيم هي نفسها التي بنيت عندما كانت الشركة لا تزال خاصة (قبل 1952). بعد التأميم، بقي كل شيء كما هو تقريبا، وبنيت بيوت قليلة. إنهم يوسعون بعضها في المدة الأخيرة. بعد شكاوى عديدة وإضرابات أجبرناهم على إجراء بعض الإصلاحات في البيوت التي كانت على وشك الانهيار. رقعتها شركات البناء قليلا، لكن هذا لم يكن مفيدا في بعض الحالات. قليل من المطر، وتقع. هكذا تسير الأمور.
بسبب النقص في المساكن، يعيش بعض الناس مع من عندهم الحق في الحصول على بيت. إنهم يسمون " اغريغادوس " أو مستأجرين إضافيين. بالنسبة لي مثلا، جاءت أخواتي الثلاث ليسكن معي، فوضعت سريرا في المطبخ وحولته إلى غرفة لهن. ووضعت المطبخ في الخارج، تحت سقف صغير منحن من الزنك. وعشنا كذلك لسنوات عديدة.
المستأجرون الاضافيون ليسوا دائما من الأقارب. من الممكن أن يكونوا أصدقاء. عندما جئنا إلى " سيغلو20" مثلا عشنا كمستأجرين إضافيين، لكننا لم نكن نعرف الذين عشنا معهم. كان زوجي قد التقى بالرجل في العمل. كان رجلا طاعنا في السن، وكان زوجي جديدا في الشركة. أخبرت الرجل كم هي سيئة المرأة التي نعيش في بيتها وكيف تقفل الباب علينا وأشياء من هذا القبيل. فقال لرفيقي " تعالا إلى بيتي ". وذهبت و زوجي لنعيش هناك. عشنا معهم لمدة سنة كنا عروسين. كان عندهما ثلاثة أولاد، وكانت تعيش هناك أيضا أخوات الرجل الصغيرات. سارت الأمور على ما يرام، وكنا نتناوب الطبخ. نطبخ في قدر ضخم كبير للجميع. هكذا يعيش الكثير من الناس لسنوات عديدة.
هناك بالطبع قوانين الشركة التي تنص على وجوب تأمين المساكن للعمال، لكن هذه القوانين غير مجدية. وعمال المناجم الذين يشكلون إلى حد كبير دعامة لاقتصاد البلاد، لا يملكون في النهاية بيتا صغيرا.
كيف يعـــــــيش العمال
في المناجم نظامان للعمل : واحد للتقنيين والأخر للعمال.
لا يتوقف العمل في المناجم. إنه يستمر ليلا نهارا. ولهذا قسموا العمال إلى ثلاث نوبات. البعض يغيرون نوبتهم كل شهر، وقسم أخر كل أسبوعين، وقسم ثالث كل أسبوع. رفيقي مثلا، يغير نوبته كل أسبوع .
هناك ثلاث نوبات في اليوم. آخذين بالاعتبار الوقت الذي يتطلبه العمال للدخول إلى المناجم في القاطرة وليتركوا مدخل المنجم، تدخل النوبة الأولى في السادسة صباحا وتترك في الثالثة بعد الظهر، تدخل الثانية في الثانية بعد الظهر وتترك في الحادية عشرة ليلا، وتدخل الثالثة العاشرة ليلا وتخرج في السابعة صباحا.
حين يكون العامل في النوبة الأولى، علينا نحن النساء أن نستيقظ في الرابعة صباحا لنحضر فطور رفيقنا. يعود في الثالثة بعد الظهر من المنجم بدون أن يكون قد تناول شيئا. لا توجد أية طريقة لإدخال الطعام إلى المنجم. هذا غير مسموح به. وعلى أية حال فأنه سيفسد وهو يمر في أماكن عديدة داخل المنجم. هناك الكثير من الغبار ودرجة عالية من الحرارة، إلى جانب الديناميت المتفجر، إنهم حتى لو استطاعوا أن يتناولوا أي طعام على أية حال فأنهم سيتناولون طعاما سيئا بالنسبة لهم. يجب أن يعاد ترتيب كل الأمور على غير هذا النحو. تقول الشركة أن هذا مستحيل. إنها تستطيع، إذا أرادت، أن تضع غرفة طعام نظيفة وصحية في الداخل. لكنها غير مهتمة بالأمر. إن الشركة تتعامل بهذا التمييز مع التقنيين فقط. أن ساعات عمل المهندسين مثلا، حتى الحادية عشر والنصف يكونون قد تناولوا غذائهم داخل المنجم. لو كانت الشركة تريد أن يتناول العمال غذاءهم، لكانت منحتهم الامتياز نفسه. لكن لا. يبقى العمال، وقد تناولوا طعام الفطور فقط، من الخامسة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر، حين يعودون إلى بيوتهم. والذين يعيشون في أماكن بعيدة مثل " أونكيا " عليهم أن يستيقظوا في الثالثة صباحا ويتوجهوا إلى ميرافلورز، باتينو، سوكافون، وغيرها من مداخل المنجم العديدة البعيدة حقا.
كيف يستطيع العمال تحمل المنجم إذا ؟ بمضغهم الكوكا ممزوجة مع "اللاي ". إن الكوكا ورقة نباتية فيها نكهة مرة نوعا ما، لكن ذلك ينسيهم جوعهم. " اللأي " هو رماد من جذوع " الكينوا " * ممزوج بالأرز وبزر اليانسون، يمضغه العمال كي يتنشطوا وكي يستطيعوا تحمل الجوع.
العمل في المنجم مرهق. يصل رفيقي إلى البيت مثلا، وينام دون أن يغير ثيابه. ينام مدة ساعتين أو ثلاث ثم ينهض ليأكل.
إن النوبة الأسوأ و الأكثر قسوة هي نوبة الليل.يعمل العامل طوال الليل ثم يعود إلى البيت لينام خلال النهار. لكن بما أن البيت صغير، والبيوت في المخيم محاذية لبعضها البعض، لا يوجد مكان ليلعب فيه الأولاد، ولذلك هم ملزمون بالبقاء هناك وإثارة الجلبة. والجدران غير سميكة لدرجة أنه حين يتحدث الجيران تظن أنهم بجانبك. إذن لا يستطيع العامل أن ينام، فيتناول طعامه ويخرج من البيت. لا يستطيع حتى أن يرتاح هذه هي ابغض نوبة عند زوجي وهي كذلك بالنسبة لمعظم العمال بشكل عام. لكنهم مجبرون على العمل في تلك النوبة. عليهم أن يطيعوا قوانين الشركة و إلا يطردون.
إن رفيقي يعمل على هذا النحو منذ حوالي عشرين سنة. يعمل كل العمال ثماني ساعات تامة داخل المنجم. الوقت نفسه لكل النوبات.
أن المعدل المتوقع لحياة عامل المنجم هو بالكاد خمس وثلاثون سنة. حتى ذلك الحين يكون مصابا تماما بمرض المنجم. بما أن هناك العديد من الإنفجارات لاستخراج المعدن الخام، فأن ذرات الغبار هذه تستنشقها الرئتان من خلال الفم و الأنف. ينفذ هذا الغبار إلى الرئتين وفي النهاية يقضي عليهما. تصبح أفواه العمال سوداء وأرجوانية. و يتقيأون أخيرا قطعا من الرئة ثم يموتون. هذا هو مرض المهنة في المنجم ويدعى بالتسمم السيليكي (داء رئوي ) .
يعاني العمال من مصيبة أخرى : فبالرغم من أنهم يدعمون الاقتصاد الوطني بعرقهم ودمائهم، فإنهم خلال حياتهم مكروهون من الجميع، لأن الناس يرتعبون منا ويظنون أننا سننقل إليهم مرضنا مع أن هذا غير صحيح. لكن هذه المعتقدات سائدة في الريف وفي المدينة، ولهذا يرفض الكثيرون أن يؤجرونا بيوتا، يظنون أن مرض المنجم الذي يصاب به رفاقنا سوف يخترق الجدران و يعدي الجيران. وبما أن العمال يمضغون الكوكا لتساعدهم على عملهم اليومي، فإنهم يقولون أن العمال مدمنو مخدرات، و مجانين المناجم. وهكذا ترى أن مشكلتنا جدية.
هؤلاء الذين يعيشون في مخيمات استخراج المعادن هم في الغالب من الفلاحين الذين تركوا الجبال لأنهم لا يكسبون ما يكفي ليسد جوعهم.
هناك ينتجون محصولا واحدا في السنة : البطاطا. بالإضافة إلى ذلك فالإنتاج قليل. تمر سنوات يكون فيها محصول البطاطا جيدا، لكن تمر أخرى سنوات بالكاد ينتج فيها شيء، ولا يستطيع الفلاحون حتى أن يستعيدوا ما زرعوه. عندها تذهب العائلة كلها إلى المدينة أو إلى المناجم. وحين يصلون إلى هنا فإنهم يجدون الوضع الذي وصفته.
إن دعاية الحكومة، بالطبع، تظهر وكأننا نعيش حياة سهلة، وحين يتكلمون عم عمال المناجم يقولون أننا نملك حتى مساكن مجانية، ومياه شرب مجانية، وكهرباء مجانية، وتعليما مجانيا، و بقالة رخيصة وغير ذلك، لكن ليأت من يريد إلى " سيغلو 20" وسوف ير ى الحقيقة بنفسه : المساكن فظيعة، بالإضافة إلى ذلك فهي لا تعطى، إنها تعار فقط، عندنا الماء في المضخات العامة فقط، والحمامات العمومية، عندنا كهرباء في الأوقات التي تختارها الشركة فقط، التعليم مرتفع التكاليف بالنسبة لنا لأن علينا أن نشتري الملابس المدرسية، ولوازم المدرسة، وأشياء كثيرة أخرى. والبقالة الرخيصة التي يقدمونها هي جزء من أجور رفاقنا !
إذن لكي يحتفظوا بنا في حالة بائسة، يدفعون للعمال أجورا زهيدة. إن زوجي مثلا، الذي يعمل في قسم خاص داخل المنجم، يحصل الآن على 28 بيزوس في اليوم، أو حوالي 740 بيزوس في الشهر. كانوا يدفعون له في السنة الماضية 17 بيزوس يوميا، أي حتى أقل من دولار في اليوم. ولنا إعانة عائلة بحوالي 374 بيزوس، مع علاوة السكن التي وضعتها الحكومة بسبب تخفيض قيمة العملة، وهي أكثر بقليل من 135 بيزوس في الشهر. هناك أيضا زيادة في الأجر مقابل العمل الليلي. إذا جمعت هذه كلها، يستطيع رفيقي أن يحصل على 1500 إلى 1600 بيزوس شهريا. لكن بسبب حسومات الشركة لتمويل الضمان الاجتماعي و البقالات وابنية المدارس، وغيرها، لا نحصل إطلاقا على كل ذلك المبلغ. إن زوجي يحصل أحيانا على 700 بيزوس، و أحيانا على 500، و أحيانا ينتهي بنا الأمر بأن نكون مدينين للشركة. من هذا المبلغ يجب أن تعيش عائلتي التي تتألف من تسعة أفراد. لكن هناك عمال يعيشون في وضع أسوأ من ذلك.
أحد قادتنا، وهو رجل عظيم وقد قتل، شرح لنا مرة، بأسلوب بسيط جدا، أسباب هذا الوضع. قال لنا :
" يا رفاق، إن العشرة آلاف عامل في " سيغلو 20" ينتجون شهريا 300 أو 400 طن من القصدير ". وأخذ ورقة وتابع : " هذه الورقة بكاملها تمثل ما ننتجه. هذه هي كل الأرباح التي أنتجناها في شهر، فكيف يتم توزيعها ؟ " ثم قسم الورقة إلى خمسة أجزاء متساوية وقال " من هذه الأجزاء الخمسة، أربعة تذهب إلى الرأسمالي الأجنبي. هذه هي أرباحه. تحتفظ بوليفيا بجزء واحد فقط.
" إن هذا الجزء الخامس يوزع أيضا حسب النظام الذي نعيش في ظله، أليس هذا صحيحا ؟ إذن تأخذ الحكومة منه النصف لتكاليف النقل والجمارك ونفقات التصدير، وهي طريقة أخرى لجعل الرأسمالي يحقق ربحا، أليس كذلك ؟ لأنه بالنسبة لنا، يجب أن نأخذ المعدن الخام إلى " غواكي " على حدود البيرو، في شاحناتنا التي نرهقها من كثرة الاستعمال. في البيرو مرفأ يؤخذ منه المعدن الخام بالمركب إلى بريطانيا، إلى مصهر وليامس هارفي ومن هناك يجب نقله بالمركب إلى الولايات المتحدة، حتى تصنع منه أشياء تشتريها فيما بعد البلدان الأخرى ومنها بوليفيا، بأسعار باهظة جدا. بفضل هذا كله، يحصل الرأسمالي ثانية على النصف تقريبا من هذا الخمس من الأرباح التي كانت لنا.
" ثم تعود الحكومة وتستولي على جزء من النصف المتبقي لصالحها ولصالح المجموعات التالية : للقوات المسلحة، ولرواتب وزرائها، ولتمويل رحلاتهم إلى الخارج. وهم يوظفون هذا المال في مدن أجنبية، فإذا فقدوا السلطة يستطيعون عندها الذهاب إلى بلد أخر، كأصحاب ملايين جدد، والمال قد تم تأمينه.
" وجزء أخر من ذلك يستعمل لإجراءات التمثيل، وللجيش ولدائرة المباحث الجنائية وعملائها.
" ومن القليل المتبقي تأخذ الحكومة جزءا أخر لخدمات الضمان الاجتماعي، وللصحة، وللمستشفيات، ولتمويل الكهرباء التي يستعملها الناس. ثم يؤخذ جزء صغير للبقالات الرخيصة، ليسعد عمال المناجم وليقتنعوا. ويجعلوننا نعتقد أنه بفضل " طيبة الحكومة " نحل على أربعة أصناف بأسعار ثابتة : الخبز و اللحم والأرز والسكر، ويقولون أنه " بفضل طيبتهم " تقدم لنا الحكومة الهبات. لكن الحكومة تنتزع كل ذلك من هنا، مما ننتجه، أليس كذلك ؟
" ومن هذا الجزء الاخر الصغير المتبقي، يأخذون أيضا قسما لمواد العمل، كالمجارف والمعاول. " وفضلا عن ذلك، فأنهم يأخذون لزوجاتهم ولزوجات الوزراء، حتى يستطيعوا تقديم الهدايا في عيد الأم وعيد الميلاد.
" وهكذا فأنهم يأخذون باستمرار. واسمعوا، من كل المال الذي يرد من القصدير، وبعد استنفاده في أمور عديدة، يبقى جزء صغير فقط، جزء صغير لأجور العشرة آلاف عامل الذين استخرجوا ذلك القصدير. وهكذا فنحن ننتهي بلا شيء تقريبا، أترون ؟ "
هكذا شرح لنا القائد الوضع.
سنحت لي الفرصة ذات مرة لأشرح هذا في مؤتمر دعيت إليه. كان ذلك في سنة 1974، كما اعتقد. كانوا في " التودي لاباز " ينظمون بعض الحلقات التدريبية لبعض الرفيقات اللواتي أسسن " إتحاد الأمهات ".
كان هناك بضعة شبان من الجامعة، علماء اقتصاد. كان حديثهم مهما جدا. شرحوا، على لوح أسود، للنساء مشكلات البلاد الاقتصادية، كيف أن المال كان يؤخذ إلى خارج البلاد وكيف توزع الثروة في بوليفيا.
لكن كان بين الحضور نساء عديدات لا يعرفن القراءة ولم يفهمن المسألة. ووقفت سيدة مسكينة فقيرة تحمل طفلا، وقالت: " أيها الشاب، لقد وضعت ارقاما عديدة هناك (على اللوح )، لكننا لم نفهمها. ولم تتحدث عن " الموتون" *...ما الذي حدث لـ " الموتون " ؟
ماذا تفعل الحكومة لـ " الموتون " ؟ عاد إبني من الجيش وأخبرني أن هناك حديدا في " الموتون " وأنه من الحديد تصنع الشاحنات. إذن للأجانب، حتى يستطيع أطفالنا، ربما، أن يجدوا عملا ؟ "
حسنا، بالرغم من ثقافتي البسيطة استطعت أن افهم ما كان يقوله أولئك الرفاق من الجامعة. كنت أرغب في تبسيط ما فهمته من كل تلك الأرقام التي كتبوها على اللوح. فتحدثت إلى رفيقات وشرحت لهن الأمور بلغتهن، تقريبا. بالأسلوب نفسه الذي علمنا إياه القائد.
غضبت النساء كثيرا. قلن أن رجالهن لا يعرفون ذلك، لكنهن سوف يخبرنهم عن كيفية معالجة المسائل الاقتصادية في بوليفيا. وسألن : " لماذا يفعلون ذلك ؟ " فقلت لهن : " حسنا، هذا ما يجب أن تسألن الحكومة عنه : لماذا تفعل ذلك ؟ "
إذن اعتقد الآن أنه لو وصل الشعب إلى السلطة وغير نظام الحياة هذا، لن تحصل تلك الأمور بفضل التدابير التي سنتخذها. سوف نعيش حتى لمدة أطول. لأن أول ما سنقوم به هو إصلاح الأوضاع في المناجم، وسنشتري آلات جديدة، مثلا، حتى نستطيع أن نعمل على نحو أفضل، ونجعل نظامنا الغذائي يتناسب مع الاستنفاد الجسدي الذي يجب أن يتحمله رفاقنا. إنني اعتقد، وبشكل خاص، أنه يجب أن لا يموت رفاقنا في المنجم بتلك الطريقة. يبدأ العامل بالعمل في المنجم حتى لا يعود باستطاعته بالفعل أن يرفع مجرفة أو معولا، وعندها فقط يحق له أن يعتزل و أن يحصل على معاش تقاعدي بسيط. ولكنهم لا يعطونه درهما قبل ذلك.
لو أن الدولة، من ناحية أخرى، اعتنت برأسمالها البشري، كان أول ما ستقوم به _ وحين تصبح السلطة في يدنا ذات يوم اعتقد أن ذلك سيحدث _ هو أن تصدر قانونا ينص على أن لايعمل عامل المنجم اكثر من خمس سنوات في داخل المنجم. وأثناء عمله هناك يجب أن تعلمه الشركة نفسها صنعة ما، حتى يستطيع أن يجد عملا أخر حين يترك المنجم بعد خمس سنوات، كنجار جيد أو إسكافي جيد مثلا. يجب أن يكون عند العامل حقل ما يكسب منه معيشته ولا يمضي بقية عمره في المنجم.
لأنه، في النهاية، إذا بقيت الأمور على ماهي عليه فمتى سيكون لدينا مجتمع معافى ؟ وإذا إستمرينا في معاملة الناس كآلات بشرية يجب أن تنتج ثم تموت، وعندما يموتون يتم استبدالهم بقوة أخرى، أي إنسان أخر، هو سيدمر أيضا...، بهذه الطريقة يضيع الرأسمال البشري وهو أهم ما في المجتمع، ألا توافقونني الرأي ؟
كــــيف تمضي زوجة عــامل المــنجم يومها
يبدأ يومي في الرابعة صباحا، خاصة عندما يكون عمل زوجي في النوبة الأولى. أحضر له فطوره. ثم علي أن احضر " السالتيناس"*، لأنني اصنع كل يوم مئة واحدة منها تقريبا وأبيعها في الشارع. أفعل ذلك كي أعوض عما لا يغطيه أجر زوجي من الضروريات. نحضر العجينة في الليل وفي الرابعة صباحا أعد الفطائر وأنا أطعم الأولاد، وهم يساعدونني : يقشرون البطاطا والجزر ويحضرون العجينة.
ثم على الذين يذهبون إلى المدرسة في الصباح أن يستعدوا لذلك، بينما أنا أغسل الثياب التي تركتها " منقوعة " طوال الليل.
أخرج في الثامنة لأبيع. يساعدني من يذهب من الأولاد إلى المدرسة في فترة بعد الظهر. علينا أن نذهب إلى مخزن الشركة وأن نحضر الحاجيات الأساسية. أمام المخزن صفوف طويلة جدا، فعليك أن تنتظر هناك حتى الحادية عشر كي تستطيع أن تحصل على ما يلزمك. تقف في الصف من أجل اللحم ومن أجل الخضار ومن أجل الزيت. هناك صف ومن بعده صف... بما أن كل شيء في مكان مختلف، هكذا هي الحال. إنني أبيع الفطائر واقف في الصف لأشتري لوازمي من المخزن، أركض إلى طاولة البيع لأحضرها وادع الأولاد يبيعون، ثم يقف الأولاد في الصف وابيع. هذا ما نفعله.
بقية الأعمال يجب أن تقوم بها في الليل. يحضر الأولاد كثيرا من المفروض معهم من المدرسة. وهم يكتبون ويدرسون في الليل، على طاولة صغيرة، أو على كرسي، أو على علبة صغيرة، وفي بعض الأحيان يكون لدى الجميع فروض وهكذا يحتاج احدهم أن يكتب على صينية أضعها له على السرير.
عندما يعمل زوجي في الصباح، ينام في العاشرة ليلا، و الأولاد أيضا. عندما يعمل بعد الظهر، يمضي معظم الليل خارج البيت. وعندما يعمل في نوبة الليل، لا يعود إلا في اليوم التالي. هكذا علي أن أتكيف مع تلك الأوقات.
عموما لا نستطيع أن نعتمد على احد أخر ليساعدنا في البيت. ما يكسبه الزوج قليل جدا، ويجب أن نتعاون كلنا، كان أعد الفطائر مثلا. بعض النساء يعاون أزواجهن بواسطة الحياكة، وبعضهن بخياطة الملابس، والبعض الأخر يصنعن البسط، أو يبعن أشياء في الشارع. ويصبح الوضع صعب بالفعل أن لم تستطع بعض النساء المساهمة في مساعدة أزواجهن.
إن سبب ذلك هو عدم وجود مجالات للعمل. ليس فقط بالنسبة للنساء، بل أيضا بالنسبة للشبان الذين يعودون من التجنيد. والبطالة تجعل أولادنا غير مسؤولين، لأنهم يتعودون الاعتماد على أهلهم، على عائلاتهم. يتزوجون في الغالب قبل أن يحصلوا على عمل، ثم يعودون مع زوجاتهم ليعيشوا مع أهلهم.
هكذا نعيش إذا. هكذا نمضي يومنا، أنام عادة عند منتصف الليل. أنام أربع أو خمس ساعات. تعودنا ذلك.
حسنا، أظن أن هذا كله يثبت أن عامل المنجم يستغل مرتين، أليس كذلك ؟ لأنه بأجر صغير كهذا، على السيدة أن تعمل أكثر بكثير في البيت. وهذا بالفعل عمل غير مدفوع الأجر نقوم به لرب العمل. أليس كذلك ؟
وهم باستغلالهم لعامل المنجم، لا يستغلون زوجته فقط، لكن هناك أوقات يستغلون فيها حتى الأولاد. لأن هناك عملا كثيرا في البيت، فحتى الأولاد الكبار عليهم أن يعملوا، عليهم مثلا أن يحضروا اللحم، ويجلبوا المياه. وفي بعض الأحيان عليهم أن يقفوا في الصف لوقت طويل، طويل جدا، حيث يحشرهم الآخرون و يتدافعونهم. وهذه الصفوف تطول أن نقص اللحم في مخيم المنجم، ويموت الأولاد أحيانا في الازدحام وهم ينتظرون ليحصلوا على اللحم. هناك جنون رهيب. عرفت أطفالا ماتوا هناك، وقد تكسرت أضلاعهم ولماذا ؟ لأن لدينا، نحن الأمهات، عملا كثيرا في البيت فنرسل أطفالنا كي يقفوا في الصف. وأحيانا يكون الازدحام مرعبا لدرجة أنهم " يسحقون " الأولاد. حدثت عدة حالات كهذه في السنوات الماضية. كما أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضا الضرر الذي يلحق بالأولاد الذين لا يذهبون إلى المدرسة لأن عليهم أداء بعض المهمات. عندما ننتظر اللحم ليومين أو ثلاثة أيام ولا يصل، هذا يعني الوقوف في الصف طوال النهار. ويتغيب الأولاد عن المدرسة طوال تلك المدة.
إنهم، بكلمة أخرى يحاولون ألا يعطوا العامل أي شكل من إشكال الراحة. عليه أن يتدبر ذلك بنفسه. وهكذا تسير الأمور. بالنسبة لي مثلا أعمل أنا وزوجي، واشغل أولادي، إذا يعمل عدد منا لنعيل العائلة. وأرباب العمل يزدادون غنى وأحوال العمال تزداد سوءا.
لكن بالرغم من كل ما نقوم به، فأن الفكرة التي ما تزال سائدة هي أن النساء لا يعملن، لأنهن لا يساهمن اقتصاديا في البيت وأن الزوج هو الذي يعمل لأنه يحصل على اجر. لقد واجهتنا هذه الصعوبة غالبا.
خطرت لي ذات يوم فكرة وضع جدول، فوضعنا كنموذج أجرة غسل قطع الثياب بالدزينة، وحسبنا كم دزينة من قطع الثياب كنا نغسل في الشهر، ثم اجر الطباخ والحاضنة وأجر الخادمة. حسبنا كل ما نقوم به نحن زوجات عمال المناجم كل يم وجمعنا كل ذلك، فتبين أن الأجر الذي ينبغي أن يدفع لنا لما نقوم به من أعمال في البيت، وذلك بالمقارنة مع أجور الطباخ والمرأة التي تغسل والحاضنة والخادمة، هو أكثر بكثير مما يتقاضاه الرجال من المنجم كل شهر. وبهذه الطريقة أفهمنا رفاقنا أننا نعمل حقا، وحث أكثر منهم من زاوية معينة. وأننا نساهم أكثر بالنسبة للعائلة بما نوفره. إذا، مع أن الدولة لا تعترف بما نقوم به في البيت فأن البلاد تفيد منه لأننا لا نتقاضى شيئا مقابل هذا العمل.
وطالما أننا نعيش تحت ظل النظام الحالي، فأن الأمور ستستمر دائما على هذا النحو. لذلك اعتقد أن كسب تلك المعركة الأولي في البيت مهم جدا بالنسبة لنا نحن الثوريين، وهي مساهمة المرأة والرجل والأطفال في نضال الطبقة العاملة، حتى يتحول البيت إلى معقل لأيتمكن العدو من التغلب عليه.لأنه إن كان عدوك داخل بيتك، فهو سيكون سلاحا أخر يستطيع عدونا المشترك استعماله للوصول إلى نهاية خطيرة. لذلك فإنه من الضروري حقا أن تكون لدينا أفكار واضحة حول الوضع ككل وأن نتخلص نهائيا من تلك الفكرة البورجوازية القائلة بأن المرأة يجب أن تلازم البيت وأن لا تتورط في أمور أخر ى، في مسائل سياسية أو نقابية مثلا. لأنها حتى ولو كانت في البيت فقط، فهي على أي حال جزء من نظام الاستغلال كله الذي يعيش فيه رفيقها، عاملا في المنجم أو في المصنع أو في أي مكان _ أليس هذا صحيحا ؟.
منظــــــــمة العـــــــــمال
نحن مدينون بشكل أساسي للخط النضإلى العريق للطبقة العاملة البوليفية، التي لم تدع النقابات في أيدي الحكومة. يجب أن تكون النقابة دائما منظمة مستقلة وأن تتبع خط الطبقة العاملة. هذا لا يعني أنها غير سياسية. لكن النقابة لا تستطيع تحت أية ذريعة أن تضع نفسها في خدمة الحكومة، فإذا اعتبرنا أن حكوماتنا الرأسمالية تمثل ارباب العمل، وتدافع عنهم إذا يجب أن لا تكون النقابة أبدا في خدمتها
الطبقة العاملة في المناجم منظمة في نقابات. حيث يسكن مثلا، توجد خمس نقابات : عمال مناجم " كاتافي "، " اللوكاتاريوس "، " 20 تشرين الأول (أكتوبر ) "، " العرقيون "، و " اللاميروس ".
ويتم تجميع النقابات بدورها على مستوى وطني في " الاتحاد النقابي لعمال المناجم في بوليفيا ". لكن هناك أيضا نقابات عمال البناء، وعما ل المصانع، وسائقي الشاحنات، و الفلاحين، وعمال السكك الحديدية الخ... ولكل تجمع نقابي اتحاده أيضا.
كل هذه الاتحادات تتجمع في " نقابة عمال بوليفيا ". كل التجمعات النقابية منظمة جيدا من خلال القرارات المشتركة والمؤتمرات. فإذا كان عمال المناجم مثلا يواجهون مشكلة خاصة وعمال المصانع يواجهون مشكلة أخرى تدون كل المعطيات ويعلن في المؤتمر : سنفعل كذا من أجل عمال المناجم وكذا من أجل عمال المصانع، وسيشارك كل واحد منا، ومتكاتفين سنحل هذه المشكلات. هكذا تعمل " نقابة عمال بوليفيا "، فهي عندما يهاجم عمال المصانع مثلا، وتوجه ضربة لهم، تدعو إلى مسيرة لكل القطاعات لدعم عمال المصانع. وإن كان عمال المناجم في مأزق فهي تدعو أيضا النقابات الأخرى والكل يشارك.
أعتقد أن " النقابة " و" الاتحاد " و " نقابة عمال بوليفيا "، تمثلنا وهي صوتنا، لذلك يجب أن نحافظ عليها كأهم ما نملك.
وأعتقد أيضا أنه بالنسبة لمسألة تنظيم أنفسنا يجب أن نهتم بشكل خاص بإعداد القادة. في الماضي وبسبب استعدادنا المحدود، والنقص في تيقظنا الثوري، والنقص في تماسكنا، خان قادة عديدون القضية وانضموا إلى الحكومة. كان السبب في ذلك أحيانا اختيارنا السيئ لهم. كنا حين نلاحظ أن احدهم مثلا يتحدث بأسلوب جيد، نقول مباشرة :
" يا له من متحدث جيد ! لابد أنه قائد جيد ! " وهذا خطأ فادح كنا نرتكبه لأن ذلك لم يكن صحيحا في مرات عديدة. ليس كل من يتكلم جيدا يعمل جيدا، أليس كذلك ؟ وكنا نجد أحيانا شخص مستقيما وصادقا ويرغب في خدمة الطبقة العاملة، وبعد أن ننتخبه كنا ننساه ونتركه وحيدا في مواجهة الحكومة والشركة. وهم يسببون له الكثير من المتاعب، وما الذي يحدث في النهاية ؟ باع البعض أنفسهم للحكومة ! آخرون قتلوا أو ببساطة إختفوا. وهكذا لم يكن عندنا قائد جيد أبدا. لماذا ؟ كان هذا خطأنا نحن.
لكن السنوات علمتنا أهمية التضامن بالدرجة الأولى. وبعض القادة الثوريين الذين نذروا أنفسهم للنضال برزوا من صفوف الطبقة العاملة و بدأوا في قيادة الشعب بالشكل الصحيح. لقد استعملت الحكومات بالطبع القوة المسلحة كي تجبرنا على الاستسلام. وحدثت مجازر في 1942 ، و 1949 وأيضا في 1965 و 1967. مجازر بشعة حقا، فقد فيها المئات حياتهم.
لكن بدلا من أن يخيف هذا الأمر الشعب ويجعله يتراجع، فقد قواه أكثر فأكثر. وبتصحيح أخطاء الماضي في السنوات العشرين الأخيرة تم إعداد عدة قادة أقوياء، وتعلمنا أهمية تضامننا الواسع معهم، ومراقبتهم وتوجيههم، ودعمهم ونقذهم حين لا تكون ممارساتهم كما ينبغي.
هنا في المناجم، الرفاق يراقبوننا نحن القادة فعلا، وحين لا يقتنعون بعمل نقوم به، كان حتى أكثرهم تواضعا يلفت انتباهنا لذلك وينتقدنا. لقد جعلوني أبكي مرات عديدة. أترك أولادي في البيت، و أذهب وأنا كلي حماس لأعرض مسألة في اجتماع أو في الإذاعة، ثم يأتي إلي عامل وأنا في طريق عودتي ويقول : " ما هذا الهراء الذي كنت تقولينه من الإذاعة ؟ هراء !..." هكذا. وهذا يجرح، أليس كذلك ؟ لكنك فيما بعد تفكر في الأمر وتقول : " نعم، لقد طرحت الموضوع بشكل سيئ، كان ينبغي أن أفكر أكثر، علي أن أكون أكثر تأثير ". وبهذه الطريقة تتعلم.
وعندما يسجن قائد، أو قائدة، من المهم جدا أن يشعر أو تشعر أننا لسنا متضامنين معه أو معها شخصيا فقط، بل ومع عائلته أو عائلتها. إن أي رفيق يسجن يستطيع الاعتماد على هذا الموقف من جانبنا. أنك تنسى حين تعود إلى بيتك تعذيب الضرب الذي تحملته في السجن وتنسى التشويه في وجهك حين يقول الأطفال : " بابا، ماما، النقابة والرفاق أعطونا القليل من الخبز ". عندها أن كنت شريفا ومحترما، تنذر نفسك إلى الأبد لشعبك ولا توجد قوة على الأرض تستطيع أن تفرقك عن الذين أظهروا لك تلك الثقة وذلك التضامن.
لقد مررنا بتلك التجربة. كان عندنا رفاق فضلوا الموت على أن يخونونا. نفي قادة عديدون، وعذبوا، وقتلوا. أحب أن أذكر بعضهم : فديريكو إسكوبار زاباتا، و روزندو غارسيا مايسمأن، وسيزار لورا، وإسحق كماشو. أجبروا على الاختفاء في ظروف مختلفة. قتل " مايسمان " في مجزرة " سان جوان " سنة 1967، وهو يدافع عن النقابة. لحقوا ب " سيزار لورا " إلى الريف وقتلوه هناك. ألقي القبض على " اسحق كماشو " واختفى على يد رجال المباحث. و " فديريكو إيسكوبار " قتل : دفعوا أولا لسائق أن يقلب شاحنته، أصيب فديريكو بجروح وأخذ لإجراء عملية له في مستوصف في لاباز، مات في بداية العملية ولم يوضحوا حتى اليوم ملابسات وفاته. لا نزال نعتقد أنهم قتلوه.
هؤلاء القادة امضوا سنواتهم القيادية ليعلموا الطبقة العاملة كيف تنظم صفوفها جيدا، وتكشف المحاولات لخداعها. واليوم، وحتى لو قتلوا خمسين منهم، يظهر مئة آخرون، أو لو طردوا خمسمئة، لن تتمكن الحكومة من إخضاع الطبقة العاملة.
ما الذي لم يفعلوه كي يحطموا قوة النقابات، واتحاد الناس أولاد، قمعونا بشراسة، مرات عديدة، حتى أنهم ذبحونا في بعض المناسبات. ثم أرسلوا أشخاصا من منظمة العمل الإقليمية الأمريكية، لإلقاء المحاضرات في المناجم، أنها منظمة دولية تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وقد أنشأت بضعة " نقابات مستقلة " أو مؤسسات فرعية، التي، بدلا من أن تدافع عن العامل، تدافع عن الشركة و أرباب العمل.
إننا في بوليفيا نسميها " النقابات الصفراء ". لكن المنظمة لم تتمكن من إقامة هذه النقابات في المناجم. إننا اليوم نمر في مرحلة تتجاهل فيها الحكومة تماما منظمتنا النقابية وتريد أن تفرض علينا، نحن الأفراد العاديين، منسقين تنتخبهم وتوجههم بنفسها. لكن الطبقة العاملة رفضت ذلك. إن العمال، إما بوضوح أو بشكل سري يعرفون ما يريدون، ويختارون ممثليهم حتى يستطيعوا أن يقفوا متحدين في وجه المستغل.
إن القادة بالطبع ارتكبوا ويرتكبون الأخطاء.اظهر لي أحدهم أن القادة في مرات متتالية كانوا يتلاعبون بالعمال إلى حد ما.نعم، لقد كان هذا يحدث بالفعل أيضا. بعض القادة السياسيين لا ينظرون إلى البعيد ويعتقدون أن الطبقة العاملة يجب أن تكون في خدمة مصالحهم وخدمة حزبهم. لكنني اعتقد أن على القائد أن يظهر أقصى احترام للناس. وأن كانوا انتخبونا كقادة لهم، فيجب أن نكون نحن في خدمتهم، والعكس ليس صحيح.
من المحتمل أن تكون قد ارتكبت أخطاء، وأن يكون، بدون سبب فعلي أو موجب، قد لحق الأذى بالعمال، اعتقد أن هذا قد حصل غالبا بسبب النقص في التجربة. حين يرغب أشخاص في أن يسلكوا طريقا جديدا لا يعرفونه ولم يجربوه من قبل، لابد من أن يسقطوا دائما ثم يقومون بأنفسهم. لذلك نحن نحتاج أن نتعلم من التجارب، إما من تاريخنا، من النضالات السابقة في بوليفيا، أو من تجارب الشعوب الأخرى.
و يجب أن يكون هناك تسجيل للتجربة. لقد أخطأنا في عدم تدوين كل ما حدث. لم يدون سوى القليل. كالأدلة التي كانت عندنا في النقابة، أو في إذاعات المناجم، كالتسجيلات مثلا، لقد أخذها الجيش أو دمرها. كانت ستعود بفائدة كبيرة علينا، حتى لو فكرنا فقط بما كنا نفعله وانتقدناه، أليس كذلك ؟
هذا ما أقوله : لكي يستمر تنظيم الطبقة العاملة، يجب أن نكون حذرين وأن نختار قادة جيدين. ومن واجب الأفراد العاديين أيضا أن يوجهوا هؤلاء القادة. هذا أمر بالغ الأهمية كي نحضر أنفسنا لاستلام السلطة.
نحن لا نعرف بالطبع من سيكون رئيسنا حين نستلم السلطة، لكننا نثق بالطبقة العاملة ونعرف أننا سنجد واحدا. حربنا كبيرة وطويلة ومهمة للغاية. هناك ألاف القادة. ليس من الرجال فقط، بل من النساء والشباب، هناك أشخاص يتمتعون بشجاعة عظيمة، نرى البعض يبرزون من هنا ومن هناك ويدهشوننا بمعرفتهم الواسعة. إن الشعب هو معين لا ينضب من الحكمة والقوة ويجب أن لا نستخف بالناس مطلقا.
نحن النساء، رفيقات الرجال ونعمل معهم. لقد تربينا منذ الطفولة على أننا وجدنا للطبخ وللعناية بالأولاد فقط، وأننا نعجز عن تولي أعمال مهمة، وأنه يجب أن لا يسمح لنا بالتدخل في السياسة. لكن الضرورة جعلتنا نغير حياتنا. منذ خمس عشرة سنة في فترة واجهت فيها الطبقة العاملة مشكلات عصيبة تنظمت مجموعة من سبعين سيدة يطالبن بإطلاق سراح رفاقهن الذين القي القبض عليهم لمطالبتهم برفع الأجور. حصلت السيدات على كل ما طلبنه، بعد عشرة أيام من الإضراب عن الطعام. ومنذ ذلك الحين قررن أن ينتظمن ضمن مجموعة سمينها " لجنة البيوت في سيغلو 20 ".
منذ ذلك الحين، وهذه اللجنة تناضل مع النقابات وغيرها من تنظيمات الطبقة العاملة من أجل القضايا نفسها. لذلك هاجمونا نحن السيدات أيضا. لقد ألقي القبض على العديدات منا، واستجوبنا وسجنا، وقد فقدنا حتى أطفالنا لأننا نشارك في النضال مع رفاقنا. لكن اللجنة لم تمت. وفي السنوات الماضية شاركت أربعة ألاف أو خمسة ألاف امرأة في تظاهرة دعت إليها قيادتهن.
إن " لجنة ربات البيوت " منظمة كالنقابة، وتعمل تقريبا بالطريقة نفسها. ونشارك أيضا في " إتحاد عمال المناجم " ولنا مركزنا في " نقابة عمال بوليفيا ". ونعمل على أن تصبح أصواتنا مسموعة ونحرص على تنفيذ المهام التي تتبناها الطبقة العاملة.
إن موقعنا يختلف عن موقع الحركة النسائية ( التي تطالب فقط بالمساواة بين الجنسين ). نحن نعتقد أن تحرر بلادنا إلى الأبد من نير الامبريالية، ونريد أن يكون في السلطة عامل مثلنا، وتكون القوانين والتعليم وكل شيء تحت إشرافه. عندها، نعم ستتوفر لنا ظروف أفضل لنصل إلى التحرر الكامل بما في ذلك تحررنا كنساء.
المهم بالنسبة لنا هو مشاركة الرفيق والرفيقة معا. بهذه الطريقة فقط سنرى أياما أفضل، وسيصبح شعبنا أفضل، وسنوفر سعادة أكثر لكل واحد. لو استمرت النساء في الانشغال في البيت فقط، وبقين على جهلهن للجوانب الأخرى في واقعنا، لن يكون لدينا على الإطلاق مواطنون يستطيعون قيادة بلادنا. لأن الثقافة تبدأ من الطفولة. وإذا فكرنا في الدور الرئيسي الذي تلعبه السيدات كأمهات عليهن إعداد مواطني المستقبل، عندها، أن لم يكن على استعداد فأنهن سيعددون مواطنين عاديين يتلاعب بهم الرأسمالي أو رب العمل بسهولة. لكن، لو سيسن ودربن فأنهن سيلقين أطفالهن منذ الطفولة أفكار مختلفة، وسيكون هؤلاء الأطفال مختلفين.
هذه هي على وجه التقريب الطريقة التي نعمل بها. لقد أظهرت الكثيرات من أخواتي من خلال ما قمن به أنهن يستطعن أخذ ادوار مهمة جنبا إلى جنب مع العامل. وقد أثبتت لجنتنا أنها تستطيع أن تكون حليفا قويا من أجل مصالح الطبقة العاملة. قال أحدهم أن " الرصاصة لا تستطيع قتل أفكار وأمال الشعب ". أعتقد أن هذه حقيقة كبرى. لقد سقط العديدون، وسيسقط العديدون، لكننا نعرف أن تحررنا سيتم ذات يوم وأن الشعب سيصبح في مركز القوة.
إن هذا بالطبع لن يقدم لنا كهدية. أنه سيكلفنا الكثير من النضال والدم، كما حصل في بلاد أخرى. لهذا السبب أيضا فأن الاتصال بمن يعيشون في ظل الاشتراكية هو أمر مهم جدا بالنسبة لنا، لنتعرف على مكتسبات شعب قد تحرر من الامبريالية. لا لننقل تجربته، بل لنقارن بينها وبين واقعنا ونعرف إلى أي مدى تستطيع التجارب التي أوصلتهم إلى السلطة المساهمة في قضيتنا. نحاول في بوليفيا أن نفعل ذلك، ولقد تغلغلت الأفكار الاشتراكية بين صفوف الطبقة العاملة لدرجة أنه في المؤتمر الأخير لنقابة عمال بوليفيا، في عام 1970، صوت العمال لقرار يقول بأن " بوليفيا ستصبح حرة فقط عندما تصبح بلدا اشتراكيا ".
نعرف أن هناك نضالا طويلا أمامنا، لكن هذا هو خطنا، ولسنا بمفردنا. كم من الشعوب تناضل أيضا ! ولماذا لا نقول ذلك ؟ كل شعب يحتاج لتضامن الشعوب الأخرى، مثلنا، لأن معركتنا كبيرة. علينا وأن تمارس الأممية البروليتارية التي تغنى بها عدد كبير من الناس، واتبعتها بلاد كثيرة. تعاني بلاد عديدة أخرى من الاضطهاد وسوء المعاملة والجرائم والمذابح كبوليفيا. وكم هو ممتع أن نعرف أن لنا في الشعوب الأخرى إخوة وأخوات يؤيدوننا، وهم متضامنون معنا، ويعرفوننا أن نضالاتنا ليست معزولة عن بعضها البعض. وهذا التضامن يعني الكثير، ونحن في بوليفيا نعمل دائما على إظهاره.
كنا مثلا، في السنوات القليلة الماضية، متضامنين بشكل خاص مع تشيلي وفيتنام ولاوس وكمبوديا. فرحنا كثيرا لانتصار فيتنام التي استطاعت أن توجه ضربة أخرى للامبريالية. وعرفنا الشعب الفيتنامي بعدة أساليب أننا نؤيده حتى لو لم نذهب ونقاتل إلى جانبه.
عندما أطيح بأليندي احتجينا على ما كان يعاني منه الشعب الشيلي. ونحن نواجه مشكلة، لأن التشيلي قد اخذوا منفذنا على البحر (1)، ولكننا لا نكن للشعب التشيلي أية كراهية، مع أن الحكومات تحاول دائما أن تجعلها تبدو و كأنها قائمة. لأن ذلك أيضا نتيجة لنظام القمع الذي نعيش فيه. لم يكن الناس العاديون هم الذين سرقوا البحر منا. إن الحكام هم الذين قاموا بكل ذلك، لقد خططوا لكل شيء. والآن يريدون استعمال ذلك الشعار حين يكون مناسبا لهم. حين كان سلفادور أليندي في السلطة مثلا، جرت استعراضات عسكرية بالأسلحة الحديثة في شوارع لاباز وقيل : " سوف نأخذ منفذنا إلى البحر من التشليين بهذه الأسلحة ". لكن عندما جاءت حكومة " بينوشيت "، وهي الصديق الأكثر إخلاصا لحكومتنا الحالية، غيرت حكومتنا مباشرة لهجتها وبعثت من يبرم المعاهدات مع " بينوشيت " وتوصلت الدولتان معا في " شارانا " (2) إلى إتفاق.
تلك أسلحة يجيد العدو استخدامها بنجاح كي يبقينا في حالة نزاع دائم فيما بيننا، حتى لا نتوحد ونشكل جبهة واحدة، أليس كذلك ؟ أنهم يحاولون دائما السيطرة علينا بهذه الطريقة، يثيرون النعرات كي يفرقونا.
هذا الأمر لا يحدث مع الحكومة فقط، بل في المنظمات أيضا. في تلك المنظمات التي تكون على وشك أن تزداد قوتها قليلا وتصبح أكثر توحدا، يتواطأ العدو بدهاء...ينتبه بدقة للذي يستطيع أن يخدعه ويستعمله لإثارة الأحقاد و الخلافات. هكذا تغرق المنظمة، والعدو هو الذي يستفيد دائما. يجب أن نكون مستعدين جيدا لكل تلك الأساليب حتى لا نخدع بسهولة هكذا نستطيع أن نحافظ على حياة منظماتنا.
وأخيرا، أعتقد أنه من الأساسي أن نعرف أننا جمعيا مهمون في النضال الثوري... أليس كذلك ؟
نحن آلة ضخمة للغاية وكل واحد منا هو سن دولاب. وأن فقد سن واحدة، لا تستطيع الآلة أن تعمل. إذن يجب أن نعرف كيف نعين لكل واحد دوره أو دورها ونعرف كيف نقيمه أو نقيمها. البعض يجيد إلقاء الخطب. وآخرون يكتبون بأسلوب جيد. بعضنا الأخر يلعب من خلال حضوره دورا في زيادة عدد الجمهور. وعلى هذا النحو يجب أن نعمل كلنا معا.
وكما قال لنا قائد مرة : " لا احد بدون فائدة، لا أحد. لكل منا دوره في التاريخ. وسوف نكون بحاجة حتى إلى الذي يعرف كيف يدق المسامير في الحذاء جيدا، لأننا يمكن أن نخسر معركة أو حتى ثورة لهذا السبب فقط ".
إذن يجب أن لا يظن واحد أو واحدة أنه غير نافع، بطريقة أو بأخرى، نستطيع كلنا أن نشارك. كل منا لا غنى للثورة عنه. سيساهم كل منا بطريقته الخاصة. المهم أن نكون موجهين جيدا في نضال الطبقة العاملة وأن ينفذ كل واحد أو واحدة ما كلف أو كلفت به على أحسن وجه.
*تعرف هذه بـ " مراكز التموين " وتديرها الشركة، يباع فيها الطعام وغيره من المواد الضرورية للعمال على أساس نظام الحصص، و تحسم قيمته من الأجرة الشهرية.
* نباتات جبلية تنتج الحبوب.
* موقع فيه حديد لم يستخرج يقع في دائرة " سانتا كروز " على حدود البرازيل.
*فطيرة بوليفية صغيرة، تملأ باللحم والبطاطا والفلفل الحار وغيره من التوابل.
(1) في البحر مع تشيلي سنة 1879، خسرت بوليفيا منفذها على المحيط الهادئ وكان البوليفيون دائما يعتبرون هذا اغتصابا ويرغبون في استعادة شاطئهم،
(2) قرية بوليفية على حدود تشيلي حيث اعاد " بأنزر "و " بينوشيت" العلاقات الذيبلوماسية التي علقت في سنة 1963.
#دوميتيلا_باريوس_شانغارا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
وزارة المالية بالجزائر توضح حقيقة زيادة 15% على رواتب المتقا
...
-
اصابة مدير مستشفى كمال عدوان وعدد من العاملين بقصف مسيّرات ا
...
-
مراسلنا: إصابة مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية وعدد من
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|