|
العسكرجية شرٌّ لابد منه
علي الخليفي
الحوار المتمدن-العدد: 4468 - 2014 / 5 / 30 - 10:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه الإحتفاليات بالعودة الظافرة للعسكر ، والتي نراها في كل الساحات ، التي شهدت ما اصطُلح على تسميته بربيع العرب ، هذه الإحتفاليات ليست بمُستغربة لعدة أسباب ، سنأتي عليها لاحقاً .
ولكن المُستغرب والمُستهجن ، والذي يُثير العَجب العُجاب ، هو محاولة بعض من ينسبون أنفسهم للتوجه الليبرالي والعلماني ، بتصوير هذه العودة للعسكرجية ، على أنها إنتصار لإنتفاضات الشعوب ، وتحقيق لأحلامها التي تظاهرت ، وأسقطت الأنظمة السابقة لأجلها.
هذه الشِرذمة القبيحة ، ممن يُقدمهم الإعلام الهابط، على أنهم صَفوت مجتمعاتهم ونخبتها ، هي الخطر الأكبر على الأجيال القادمة ، لأنهم يقومون بتزييف الواقع ، تمهيداً لتزيف الوعي عند الأجيال القادمة.
هذه الشرذمة التي لا ضمائر لها من العلمنجيه والليبرلجيه ، ليسو بأقل سوءً من الإسلامجية ، الذين ينتقدونهم ، فكلاهما ينطلق من ذات المُنطلقات وسيصل بنا إلى ذات النتائج.
لافرق بينهما ، فهذا الطرف يتاجر بربه وبدينه، والطرف الآخر يتاجر بالمبادئ والقيم ، التي يدعي أنه يؤمن بها ، كلاهما يستغل ما يؤمن به ، لتحقيق مصالحه الشخصية الضيقة .
أن يقوم الإسلامجي بالمتاجرة بربه لأجل أن يكون في السلطة ، أو في أقل الأحوال أن يكون خادماً للسلطة ، ليس بالأمر المُستغرب ، فهو ينتمي لثقافة جاهلية ، تم التأسيس لها قبل ألف وأربعمائة عام ، زرعت في عقله فكرة الخضوع للحاكم ، وتقبيل نعله ، على أساس أن نعله ، هو نعل ظل ربه في الأرض ، وهو يجد في تعاليمه الدينيه التي يعتنقها ، ما يأمره بالخضوع والذل للحاكم ، ولو جَلد ظهره ، وسلب ماله ، وأنتهك عرضه ، وهو يحتسب ذلك عند ربه ، ليجزيه عليه الجزاء الأوفى يوم قيامته المُفترضة . لذا فليس بالشاذ ولا المُستغرب ، أن يسير الإسلامجي على هُدى أسلافه ، ويواصل نهج خضوعهم وذلهم .
المُستغرب ، والذي لايمكن فهمه ، هو أن ينتهج أدعياء الإنتساب لثقافة الحداثة ، نهج ذاك الإسلامجي ، ولا أحد يدري أين وَجد هؤلاء الأدعياء في ثقافة الحداثة ، ما يدعوهم ليتحولوا إلى سعادين ترقص على أنغام طبول العسكر ، وتمسح بمؤخراتها على بياداتهم المغموسة بدماء أبناء وطنهم.
عودة العسكر ، لا يمكن أن يُنظر إليها ، إلا من باب أنها شرّ لابد منه ، فالجهل والأمية وترسخ ثقافة الإقصاء في وعي شعوب هذه المنطقة ، بسبب الميراث البدوي القرشي ، الذي تعتنقه هذه الشعوب كدين تدين به ، كل تلك الأسباب مُجتمعة، مَنعت أن تتحول هذه الهَبات الشعبية والتمردات إلى ثورات حقيقية ، تكون لها القدرة على تغيير البنية التحتية لتفكير هذه الشعوب.
ولذا رأينا هذه النتائج الكارثية التي أنتجتها هذه الهبات والتمردات ، والمتمثلة في هذا الخراب والقتل والدماء بين أبناء الوطن الواحد ، مما جعلنا نُدرك حقيقية الأحقاد والظغائن بينها ، وهذا ما يجعلنا نؤيد عودة العسكر للحكم ، ليس طمعاً في أن يؤسس العسكر لدولة مدنية ، عِمادها الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ، فالقول بأن يقوم العسكر بالتأسيس لهكذا دولة ، هو أشد غباء من القول بأن يقوم الإسلامحية بذلك.
الدولة المدنية القائمة على المعرفة والعلم ، لا مكان فيها للعسكرجية ولا الإسلامجية .
تأييد عودة العسكر للحكم ، مرجعه فقط هو الرغبة في العودة بالأمور إلى ما كانت عليه ، بعد أن تكشفت لنا البدائل المُتاحة ، والتي كانت جميعها أكثر سوءً من حكم العسكر بمرات عديدة.
تأييد عودة العسكر الذي نراه ، سببه إدراك شعوب هذه المنطقة ، لحاجتها لمن يحميها من بعضها البعض ، ولمن يمتلك القدرة ، لقمع تغول بعضها على بعض ، فما حدث في ثلاث سنوات فقط منذ إنطلاق ذاك الحراك الشعبوي ، أُهرقت فيه من الدماء ، وأستبيحت فيه من الأعراض ، وحدث فيه من الدمار والخراب ، أضعاف ما حدث في نصف قرن من حكم العسكر ، مما يجلعنا نُدرك ، أن ما يضمره أبناء هذه الشعوب لبعضهم البعض من سوء ، هو أكثر بكثير ، من السوء الذي أضمره ويُضمره لهم العسكر.
ثقافة البداوة ، التي نتشربها منذ الولادة وتزرع في لاوعينا على أنها تعاليم إلهية ، تلك الثقافة تؤسس لمُستبد صغير في داخل كل فرد منا ، وهذا المُستبد الصغير يجب أن يتم قمعه بواسطة مُستبد أكبر منه، حتى لا يكبر ، ويتغول ، ويتحول إلى طاغوت لا حدود لطغيانه.
ليس هناك أسوء من الجبان عندنا يستأسد ، وهذه الشعوب الجبانة ، التي ولدت وترعرعت في الجبن تحت حكم البيادة ، عندما رُفعت عليها البيادة إستأسدت ، فأرتنا من البشاعات ما لا عهد لنا به.
فكان لِزاماً علينا أن نؤيد العودة الظافرة للعسكر ، ولكن تأييدنا هذا لا يعني أبدا ، أننا سنلدغ من ذات الجحر مرتين ، لا يعني أبداً ، أننا نشتري ما يُسوقونه من وعود ، أو نصدق إدعائاتهم ، أو أن نراهم كأبطال مُنقدين سيؤسسون لجنات وارفة الظلال تُزهر فيها الحُريات وتثمر فيها الحُقوق.
نحن نؤيد عودتهم فقط ليستلموا إدارة الإرث القذر للعسكرجية الذين سبقوهم ، بعد أن تأكد لنا أنه لا يوجد أحد ، يمتلك ما يكفي من القذارة ، ما يؤهله لإدارة إرثهم القذر ، أو حتى التعامل معه سِواهم .
#علي_الخليفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
Turd sandwich ~ سندويتش الغائط
-
بين النعل والبيادة
-
نُصوص بدوية ~ الإله الماكر والحياة الضنكا
-
نُصوص بدويه ~ شجرة المعرفة المُحرمة
-
نصوص بدوية ~ البركة المسروقة والمُغتصبة
-
البداوة والمواطنة _ 3
-
البداوة والمواطنة _ 2
-
البداوة والمواطنة
-
الفتاوى المُقرفة قد تهديك السبيل
-
دمشق العصّية
-
البحث عن الله بين أنقاض الأديان الفضائية
-
سرطاناتنا الحميدة
-
عذرا معشر الكلاب
-
من يتآمر على من في مصر؟
-
الثورة لا تخرج من جامع
-
دعوة إلى التشيع
-
ما الذي تبقى من إسلامكم؟!!
-
ديمقراطية الولي الفقيه
-
قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 2/2
-
قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 1/2
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|