عبدالحليم محمد عبدالحليم
الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 08:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحن على موعد مع حلقة جديدة من مسلسل " بين الإسلام والفقهاء " ، هذا المسلسل الذى شارك فى كتابته كل المفكرين الإسلاميين المنصفين العقلانيين ، الذين عرفوا الدين من مصدره السليم – القرآن الكريم - فعادوا إليه كلما أرادوا بيانا لأمر ما ، وكيف لا يعودون إليه والله تعالى قال لنبيه : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ " ، ومسلسلنا يشارك فى بطولته من يمثل وجهتى النظر المتباينتين ، القرآن الكريم يمثل صحيح الدين ، وآراء الفقهاء تمثل الشطر الثانى للمسلسل حيث الاصطدام مع القرآن أحيانا ، وأحيانا أخرى تكون آراءا لا تجلب للدين إلا المشاكل والاتهامات وأحيانا بمثابة طريق للكفر والإلحاد !!!
حلقة اليوم تدور حول موضوع " الردة " ، وهو موضوع من الأهمية بمكان بحثه ، ولا ننكر أن ما ألجئنا للبحث اليوم هو ما طالعتنا به وسائل الإعلام المختلفة من خبر الحكم على الدكتورة السودانية مريم يحى إبراهيم بالإعدام بتهمة الردة !!! ، فالدكتورة مريم قد نشأت – مسلمة الأب مسيحية الأم – فى رعاية أمها ثم تحولت للمسيحية وتزوجت من رجل مسيحى وأنجبت منه طفلا وتستعد لوضع طفل خر ، وهذا الحكم يذكرنا بالماضى السودانى ، فما أشبه الليلة بالبارحة ! ، الحكم على الدكتور السودانى محمود طه بالإعدام بتهمة الردة أيضا ، وكأن السودان قد تناست مشكلاتها وخيبة أملها بعد التقسيم وما تعانيه من أزمات متعددة لتقوم بمحاكم تفتيش عن العقائد الدينية ، ولأن الأمر يتلق بالشريعة فسنفتح هذا الموضوع – حد الردة – ونناقشه بهدوء كعادتنا مباينين بين صحيح الدين وآراء الفقهاء .
الردة لغة : الرجوع عن الشئ ، وشرعا : الرجوع عن الإسلام بعد الدخول فيه ، وهى حرام بنص القرآن الكريم حيث قال تعالى : " وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ، هذا كله من المتفق عليه ، لكن الموضوع الأهم : هل هناك عقوبة – حد – دنيوية للمرتد ؟ ، إجمالا أقول : القرآن على أن عقوبة المرتد أخروية ، والروايات والفقهاء على أنها دنيوية ، فأيهما نصدق !!!
( 1 ) إن النصوص الإلهية دالة على عدم قتل المرتد ، وعدم إجبار الناس أو إرهابهم للبقاء فى الإسلام ، فحرية العقيدة أصل من أصول الشريعة ، قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " ، والملاحظ المدقق يجد أن الإكراه ورد منكرا فى سياق النهى فيفيد العموم ، أى النهى عن كل صور الإكراه سواء أكان قبل دخول الإسلام أم بعده . ( 2 ) أيضا قوله تعالى : " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ-;- فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ-;- إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ-;- وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ-;- بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا "يدل على حرية العقيدة ، وأن الله يعاقب الكافر على كفره يوم القيامة .
( 3 ) وينهى الله نبيه عن إكراه الناس على الدخول فى الإسلام ، والحد لا شك إكراه على الدين ، قال تعالى مستنكرا " أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" .
( 4 ) بل إن القرآن الكريم قد حدد عقوبة المرتد فى سورة آل عمران وبين أنها أخروية لا دنيوية فقال تعالى " كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ-;- وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أولَٰ-;-ئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰ-;-لِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " ، فهذه الآية قد بينت عقوبة المرتد وأنها أخروية ونفت أن تكون هناك عقوبة دنيوية بدليل قوله تعالى : " إلا الذين تابوا " ، فبنص القرآن المرتد يترك على ردته دون قتل حتى يتوب أو يلقى الله كافرا ، والله وحده يتولى حسابه .
( 5 ) النبى محمد صلى الله عليه وسلم سمح بالردة فى صلح الحديبية فى العام السادس للهجرة وذلك دون ذكر عقوبة دنيوية وكان بعد قيام دولة المدينة المنورة.
( 6 ) صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله بعدم قتل المرتد المتمرد بعد القدرة عليه، وذلك في قصة الرهط من بني بكر بن وائل .
( 7 ) لو كان المرتد أسوء حالا من الكافر الأصلى لاستوجب ذلك علينا ونحن نقوم بالدعوة إلى الله أن نبين لمن نقوم بدعوتهم عقوبة المرتد : " ستدخلون الإسلام فإن فكرتم الخروج منه فالقتل هو الحل " .
هذه جملة من آيات القرآن المحكمة وصحيح أفعال النبى صلى الله عليه وسلم ، لكن فقهائنا – كعادتهم – تركوا القرآن المتواتر المحكم لأجل روايات آحاد يزعمون أن النبى قالها ، وأنا لا أصدق مخالفة النبى لصريح القرآن وصحيحه ، فرواية " من بدل دينه فاقتلوه " تلقى بأقرب سلة مهملات لأن تصطدم مع قول الحق : " لا إكراه فى الدين " ، ورغم ذلك وجدنا فقهائنا يتركون صريح القرآن ويضربون بع عرض الحائط ويجمعون على وجوب العمل بهذه الرواية التى تصطدم جملة وتفصيلا مع القرآن ، ومن هنا كان الكهنوت الفقهى حائلا دون رحابة الإسلام وإعطائه الحق لكل فرد باختيار دينه الذى سيحاسب عليه وحده بين يدى الله يوم القيامة ، يوم لا ينفع فقيه ولا كهنوت إلا من تعبد الله بحرية واقتناع : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ-;- وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ-;- إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " .
إن حكما كهذا يخلق جيلا من المنافقين ، والإسلام غنى عن هؤلاء ، والدكتورة مريم يحى إبراهيم لها الحق بنص القرآن أن تختار معتقدها دون إرهاب أو إجبار ، فالإسلام غنى عنها وعن كل إنسان لا يقبل به دينا ، وأنا كمسلم متبع للقرآن ورافض للكهنوت الفقهى الذى خالف القرآن فى موضوع الردة أعلن تضامنى مع الدكتورة مريم وأرفض تدخل الدولة السودانية فى علاقة الإنسان بربه ...
#عبدالحليم_محمد_عبدالحليم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟