|
التأسيس لدولة النهب القانوني
محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 13:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تكن المحصلة على مدى سنتين ونصف ، بعد انتكاسة خطاب التحرير - المزعوم - الفضيحة ، سوى قبض الريح ؛ فالفرح ليس للفقراء والمفقرين والشرفاء في هذا الوطن المنكوب بالخيبات والخيانات ، و الفرح ليس لأصحاب الضمائر الحية من شباب الانتفاضة - الشعبوية – المختطفَة ؛ و قد سرقه منهم الوكلاء التجاريون (الكومبرادور) من الإخوان المسلمين والليبراليين الجدد وثورجيّي التمشيط ، بِاسم ثورة الربيع العربي المشؤوم ؛ فهؤلاء اللصوص الجدد - هم أيضا - يقرؤون كلمة : (ثورة) ، بإعادة ترتيب حرفيْ الوسط : (ثروة) ، وقد صادروا الاثنتين - الثورة و الثروة - معا .. لحسابهم الخاص ، بطريقة وضع اليد وفرض الأمر الواقع ، بقوة سلاح الميليشيات المتغوّلة ، من إرهابيي تنظيمات القاعدة و عصابات (الزوفرية) ، التي ورثت كل عناصر منظومة الاستبداد والفساد و الجعجعة الجوفاء ، عن ميليشيا اللجان الثورجية الإرهابية ، التي سادت حِقبةَ (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى ! .. الخطيرة) . و استمرارا و ترسيخا لسياسات (الانفتاح !) الراسمالي ، المبرمج لإلحاق الاقتصاد الوطني و دمجه في الاقتصاد الراسمالي العالمي ، على الطريقة الساداتية ، التي استنسخها النظام السابق - قبل انتفاضة فبرابر - ابتداء من أوائل تسعينيات القرن الماضي ، والتي اعتمدها فعليّا و شرع بتطبيقها خلال العشرية الأخيرة من حكم ملك الملوك ، فارضاً أيّاها على الواقع الليبي ، خارج مقتضيات الضرورة الاقتصادية للدول الأشد فقرا المثقلة بالمديونية ، فضلا عن كونها خارج سياق الطرح الفكري المعلن للنظام ، وبالتناقض مع دعاوى المشروع التنموي للتحول وبناء مجتمع النعيم الأرضي النموذج (تدليسا و تسويقا للأوهام) ؛ فإن حكام ليبيا الجديدة (!) ، في حقبة ربيع الغنائم و عهر العمائم ، ها هم يكملون ما بدأه أسلافهم ، لبناء دولة الوكلاء التجاريين و السماسرة ، تطبيقا لمشروع ليبيا الغد الأغبر ، فيرشحون (شبّوباً) بزنسمان لرئاسة حكومة ربيع التمشيط ، بمباركة فقه البلاعيط . و المرشح - المنتخب من قِبَل جسمٍ غير شرعي و بنصاب ناقص - تتوفر فيه المواصفات النمطية الأميركية لإدارة دول الأطراف بالريموت كونترول من غرف التحكم الرئيسة الخاضعة لحكومة وول ستريت ، فهو يجمع بين التأسلم والليبرالية الجديدة و الغطاء الجهوي المدجج بالدولار و الرشاشات الثقيلة . إنهم يؤسسون لسلطة السطو الاحترافي المنظم - بالقانون - على المال العام ، و النهب المشرعن بنظام الصيرفة الإسلامية ، وكله بما يرضي الله و أميركا ، خدمة لمصالح استحواذية طبقية ، تنحصر في فئة ما يسمى (رجال الأعمال) ، وما هم في حقيقة الأمر رجال أعمال ، بل هم مجرد لصوص كانوا قد احترفوا السطو المنظم على ميزانيات التحول ، بالشراكة مع حكام (الجماهيرية العظمى) من رجال الخيمة و أبناء النظام السابق و محاسيبه في مكتب الاتصال باللجان الثورجية (بؤرة الفساد والفاسدين) و بين قيادات الحركة و أعضاء الحكومات المتناسخة ، وهم من راكموا ثرواتهم السوداء بالرشوة و افساد الذمم و التهرب الضريبي و عقد صفقات زواج المتعة بين سلطة الاستبداد وراس المال الطفيلي ، و ساهموا بالقسط الأكبر - بعد عائلة القذافي و حاشيته و محاسيبه - في استنزاف الخزانة العامة و نزح ثروة الشعب الليبي إلى جيوبهم وحساباتهم المتورمة في بنوك السرية المصرفية ؛ فها هم - إذن - يفبركون حكومة على مقاسهم ، و ها هي أبواقهم المبحوحة تسوّق للطفل المعجزة : معيتيق شاب ! معيتق طموح ! معيتيق رجل أعمال ناجح ! معيتيق من أسرة طيبة ! معيتيق مناضل (؟!) معيتيق وطني ! معيتيق غراندايزر !!! و المصيبة والكارثة والداهية الدهياء ، أنْ (يهرف) بهذا الهراء الأجوف و (المحايد) ، الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة طيبة ، مَن كان يفترض بهم أن يكونوا أكثر وعيا بقوانين الصراع الاجتماعي ، و من ثم فهم اكثر قدرة على مقاربة الواقع الليبي المحكوم بالتمايز الطبقي الحاد .. على خلفية الفساد . أما الأسوأ و الأكثر مدعاة للسخط و الغضب و الاحباط و البكاء ، فهو أن يهذي بهذا السخف من يحسبون أنفسهم على المثقفين و النخبة و اليسار و القوى الوطنية الديمقراطية المستنيرة ! وجرّاء هذا الخلط و فقدان الاتجاه ، و حتى يكون الناس البسطاء على بينة من امرهم حيال الخطر الداهم القادم ؛ فإنه لا صغر السن ، ولا المستوى التعليمي العالي ، ولا النجاح في إدارة المشاريع الاستثمارية الشخصية و تكديس الثروات ، ولا النسب العائلي المعتبر على مقياس القبيلة .. تصلح أن تكون معايير رجل الدولة ، أو أن تكون أساسا لإدارة شؤون المجتمع والدولة . بل إنها بالذات قد تكون وبالاً على الدولة و المجتمع ، عندما يصل إلى السلطة (لص) ذكي جدا .. صغير السن ، هاي إديوكيتد ، كائنا ما كان شخصه أو تأهيله الأكاديمي أو موقعه الاجتماعي . فخوسيه موخيكا ، رئيس جمهورية الأورجواي ، عمره 79 عاما ، وهو أفقر رئيس جمهورية في العالم ، يقود سيارته الفولكس (الخنفوسة) القديمة بنفسه ، و يتبرع بـ 90 % من مرتبه البالغ 12 الف دولار للعمل الخيري ، و قبل انتخابه للرئاسة عام 2010 ، كان عضوا في حركة (توباماروس) الثورية اليسارية المسلحة ، التي ناضلت خلال ستينات و سبعينات القرن الماضي لإسقاط الدكتاتورية في الأورجواي . فمثل هذا الرئيس (العجوز) هو من يستحق الاحترام .. لوطنيته وعفته وتفانيه في خدمة شعبه .. و نضاله و ثوريته (الحقيقيّيْن) . و لويس لولا دا سيلفا ، رئيس جمهورية البرازيل السابق ، لم يكمل مرحلة التعليم الأساسي (لا يحمل الاعدادية) ، و عندما استلم الرئاسة عام 2003 كانت البرازيل على حافة الافلاس ، أما عندما ترك السلطة عام 2011 ، كانت البرازيل قد غدت تاسع اقتصاد على مستوى العالم ، بعد أن نجح في تسديد الديون المتبقية بذمة البرازيل لصندوق النقد الدولي ، وأطلق في ولايته الثانية برامج (تسريع النمو) متحديا كل العقبات الروتينية ، التي كانت تقف بوجه التنمية ، وسعى إلى المواءمة بين القطاعين (العام والخاص) فدمجهما في سياسة الشراكة .. تحت توجيه الدولة ، واستطاع أن ينتشل أكثر من عشرين مليون برازيلي من مخالب البطالة ، و هي البلد التي يعيش فيها ما يربو عن 170 مليون نسمة ، حتى اطلقوا عليه لقب (زعيم الفقراء) و قد صار الفقر في البرازيل = صفرا . وهو الرئيس السابق الذي استدان من أصدقائه مالاً بعد انتهاء فترة رئاسته ، لكي يرمم كوخه الريفي . فمثل هذا الرئيس (غير المؤهل تعليميا .. و غير المنحدر من اسرة مشهورة) هو من يستحق الاحترام .. لنضاله و ثوريته (الحقيقيّيْن) و وطنيته و نزاهته و تفانيه في خدمة بلده وشعبه . وحتى لا نقتصر الكلام عن المناضلين و اليساريين ، فإن جون ميجر ، رئيس وزراء بريطانيا من حزب المحافظين (خلال الفترة 1990 – 1997) ؛ ترك المدرسة في سن مبكرة ، دون اتمام مرحلة التعليم الأساسي ، لكنه بالخبرة التي صقلتها الممارسة و بالإخلاص في خدمة الوطن .. كان أحد أكفأ من حكموا بريطانيا العظمى ، و هو من مهّد لتحقيق السلام في بلاده بعد حرب طويلة مع الجيش الجمهوري الارلندي . أرأيتم ان معايير رجل الدولة الناجح ، و الكفء لتحمل مسؤولية الحكم ، هي تماما غير ما يهرف به الكَتَبَة و المغرضون و المرجفون في الأرض أو ما (يُهتْري) به من يسمون أنفسهم (نخبة) في ليبيا ؟ أما وقد فعلها ما يسمى المؤتمر الوطني العام (ممثلو تحالف الكومبرادور من تيار الإسلام السياسي و الليبراليين الجدد) ، فمرّر مؤامرة تنصيب حكومة يرأسها رجل أعمال لا رجل دولة ، فليتذكر الفقراء و المفقرون و كل الشرفاء في هذا الوطن المختطف .. أنهم سيجوعون ؛ ذلك أن رجل الأعمال الشاطر معيتيق ، الذي أتوْا به رئيسا للحكومة ، لن يخرج في الحكم عن كونه ممثلا للوكلاء التجاريين و سماسرة المشروعات العامة ، وهو حتما سيتجه في سياساته الاقتصادية والاجتماعية إلى اعتماد آليات النهب الراسمالي ، و الانحياز إلى الأقلية من الأثرياء ، ضد مصالح الأغلبية الساحقة (المسحوقة) من المفقرين المحرومين من ثروة المجتمع . و سيذهب إلى إعادة إنتاج مشروع ليبيا الغد الأغبر لسيف القذافي (النسخة المُليّبة من الليبرالية الجديدة في طبعتها الأميركية الأشد يمينية) ، مع تفعيل روشتة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، المصاغة أصلا لإعادة هيكلة الاقتصادات العاجزة و المتحولة ؛ و ستعمل حكومته على خصخصة القطاع العام و بيع أصول الدولة الليبية لأغنياء الفساد و غسيل الاموال ، بدءً من خصخصة الشركات و المشاريع العامة الناجحة .. كشركتي ليبيانا و المدار و شركة ليبيا للاتصالات و التقنية ، حتى تؤول أرباحها الفلكية إلى جيوب الراسماليين ، بدلا من أيلولتها الى الخزانة العامة للدولة الليبية . و سيتم رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية و الوقود ، مقابل زيادة محدودة للمرتبات (هي زيادة وهمية) ، و ذلك بدعوى مكافحة التسرب و التهريب (بدلا من مكافحة الفساد) ، و سيتم اعتماد قوانين السوق - بما في ذلك تحرير الاسعار - و ربط الاقتصاد الليبي ربط تبعية مطلقة بالاقتصاد الراسمالي العالمي ، و سيصار لاحقا - عاجلا أم آجلا - الى إلغاء مجانية الرعاية الطبية و مجانية التعليم .. جزئيّاً أو كليّاً، و سيتم تقليص أو إلغاء دور الدولة الضامنة . و ستتسع و تتعمق الفوارق الطبقية بين الليبيين ، وستختفي نهائيا الطبقة الوسطى ، وتشتد و تتسارع وتيرة الاستقطاب الطبقي .. بين أقلية ضئيلة من المترفين و أغلبية ساحقة من المعدمين . و حتى لو لم يتمكن معيتيق من إعادة إنتاج مشروع ليبيا الغد الأغبر (تحت يافطة الاقتصاد الإسلامي و الراسمالية الوطنية) ، برعاية روح القديس آدم سمت ، و التزاما بمراعاة تقاطع المصالح بين الراسمالية الطفيلية المحلية و الراسمالية العالمية ؛ فهوحتما سيضع الأسس القانونية لتطبيقه . و .. سيذوق الليبيون طعم الجوع كما لم يذوقوه قبلا ، وهم أصلا أفقر شعب في أغنى دولة .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النبي والنساء
-
الناسخ والمنسوخ والمفقود والمرفوع
-
المارشال السيسي و سؤال الهوية
-
أم ريكا مستاءة و ريكا غاضبة
-
الأسطورة و الدين
-
انتبهو ! الشعب يمهل و لا يهمل
-
أردوغان و مسمار جحا العثمانيّ في سوريا
-
ظاهرة السيسي
-
مات الملك .. عاش الملك !
-
فصول من تراجيديا الربيع العربي
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|