أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسام شحادة - جلسة إستئناف.... لمحاكمة دسيس على اللغة















المزيد.....

جلسة إستئناف.... لمحاكمة دسيس على اللغة


حسام شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 1264 - 2005 / 7 / 23 - 08:31
المحور: المجتمع المدني
    


انتفض، اهتز، ثار، غضب، كَتب (المعرفة) حسب ادعائه بأنه معرفةً، وثيقة دفاع، بعد أن قدم طلب التماس للمبتدأ ملك اللغة، يطالبه فيه برغبته في الاستئناف في القضية محور الاتهام. وبعد مراجعة الطلب، قرر المبتدأ أن يعقدَ جلسة المحكمة، ودعا لها كل كلمات القاموس اللغوي، وكل أدوات اللغة. حينها أومأ المبتدأ للمتهم بالبدء في الحديث. انتصب (المعرفة) حسب تعريفه لنفسه وقال: يا سيادة القاضي، إنهم مرتزقة، مأجورين، إنهم طغاة ظلاميين تربوا على فتاتِ النفايات. قال ما قال، صال وجال، وحال دون أن يقال في غير هذا المقام ما قال، وفي دفاعه استخدم النكرة، والإعراب، والتذكير والتأنيث، والخبر، والفعل، والمفعول به والمضاف إليه.... الخ استخدمهم سوء الاستخدام، فطلب المبتدأ منهم شهادةً على ما جرى ورأيهم. فيما المعرفة روى.

فقال الخبر: إني أعلن على الملأ أني أستحي من أن يُخبرَ الناس بواسطتي نبأ لا يحتكم لأصالة النفس، وجودة الوجود في الوجود ذاته. وانبرى الإعراب معلنا وبشكل حاد غير مسبوق أن ما ادعاه المتهم باطل وفيه تطاول مجرور لكن ليس بفعل حرف الجر، وبناءً عليه أصدر الإعرابُ قراره إلى كلِّ علاماتِ التشكيل: فتح، وضم، وكسر، وسكونْ أن لا تتخذوا دوركم عند استخدامكم في مقال تعسٍ مدسوسٍ على لغتنا وإن تشابهت الحروف فما هي بتلك الحروف ولا هي عندنا بشيء مألوف.

أما عن المفعول به الذي دخل لتوه محراب المحكمة متعكزاًً على عصاه شامخاً الرأس، فقال إني ما زلت أرفضُ أن يجرَ اسمي ولقبي في غير مكاني. إن المعرفة لا تحسن استخدام الأدوات وبالتالي تقع دوماً في المحظور وعليه أطالب بانزال أشد العقوبة بالمتهم لعله يفيقُ ويرجعُ عن كلامه المبتور.

وعند ذلك ارتجفت المعرفةُ رجفةَ الموتِ الأخيرة، وقبل أن تغادرها الروح إلى دار الغد قالت: إني أتنكر لذاتي، كوني رضيتًُ أن أكونَ اسماً للمتهم، أغيثوني أرجوكم، فإن فعلتم سأكون لكم من الشاكرين. قالتها وهي تتسلل خلسةً بعيداً عن المتهم. حينها قفزت دمعةٌ من عين المبتدأ، وأمرها بالتنحي عن دورها رأفة بحالها، ولكن كيف يستمر التحقيق بدون اسمٍ للمتهم ؟!
أعتقد ما عاد في الميدان غير سيد الفرسان "النكرة" فكان هو الاسم الجديد.......... استمر الحوار بين مد جزر، وحين اقتنعت وتأكدت هيئة المحكمة وبشكل نهائي من إدانة المتهم وتورطه الواضح في القضية وتطاوله واستخدامه للغة في غير مكانها واستخدام الألفاظ البذيئة وقمامة الكلمات من أجل شتم الآخرين والتطاول عليهم واتهامهم بما لا يليق بأدب اللغة وقدسية كلماتها. ومحاولة الاستئناف ما هي إلا استخدام سيئ لأسرار قانون اللغة، عندها قررت هيئة المحكمة إبقاء الحكم قائماً إلا وهو طرد المتهم من قاموس اللغة، ولكن هذه المرة طال العقاب حراس القاموس أيضاً، كونهم سمحوا للمتهم بالتسلل بين صفحات القاموس وكونهم لم يتخذوا التدابير اللازمة لمنعه من دخول المملكة، فكان عقباهم أن أعيدوا تفتيش القاموس ورقةً ورقة، لعلكم تجدوا خارجين عن القانون، هذا واكنسوا كل القمامات الخارجة عن صف الأدب اللغوي.

إلى هنا.. انتهت المحكمة قال المبتدأ..... حينها انبرى أحد حراس القاموس قائلاً: كيف لنا يا سيادة الملك أن نحذر الآخرين من الانزلاق في متاهات كهذه، كيف لنا أن نرشدهم، فما نحن بقادرين على أن ينزل بنا عقاب آخر. فكَّرَ المبتدأ وما لبث كثيراً حيث قرر إصدار رسالة تنبيه وإرشاد إلى كل سكان القاموس وغيرهم من خارج القاموس بموجبها دعا الناس إلى فن استخدام اللغة وطرائق التعامل معها فقال في نص الرسالة التالي: -

أيها المواطنون الكرام: على ضفاف، وهامش، وفي قلب القاموس اللغوي، وخارج إطاره، ندعوكم اليوم لتكونوا أكثر إشراقاً، أكثر تألقا، وأكثر لمعاناً. إذا همس لكم الخير فإتبعوه، وإن كان عصي الطريق، صعب المنحدر، فالخير أصل الإشياء والشر إستثنائي الوجود، يا كل من يكتب حرفا أو يهمس بشفتيه أن يدرك أن ما يقوله، ويكتبه ويستخدمه من أدوات اللغة، عليه أن يكون من أجل الخير.

كل الأشياء تتقزم أمام الصدق، فلست أنت من تملك الحقيقة وحدك، فالحقيقة لها عدة وجوه. لا تقبح وجهك بإستخدام كلمات أوجدتها الرذيلة بين ثنايا التاريخ الإنساني، لا تلوث عقلك بتفكير إعتباطي، لا تكن إتكالياً عن غباء، ولا غارق في متاهات التكتل، لا تسمح للكلمات القبيحة أن تغزوا ثنيا عقلك وروحك، لا تعكر صلاتك ووقوفك في المحراب المقدس أمام الله بهفوات لسانك، لا تقل عن الأشياء ما لا تعلم، ولا تنفي عن الإنسان صفته، أدِّبْ لسانك بقليل من الحب، أقمع غرائزك الدكتاتورية بقليل من العصا، حاول أن تتجاوز مسألة الذات.

لا تستخدم الحروف في تركيب كلمات قبيحة المنظر، ثقيلة المسمع، سيئة الطوية، فإن فعلت سوف تلعنك كل حروف اللغة وستأتي بك يوما لتَمثُلَ أمام الأفعال الكبيرة العظيمة، لتشعر بحالة التقزم اللامتناهي الدائم حتى العدم.

وقف المبتدأ برهة وبعنايةٍ واهتمام لكل الضالين قال:

صبراً، وحباً، شعرا،ً ونثراً، قصيدةً فيحاء الرائحة، مقالاً جميلَ الطلَّةِ، عصفورةٌ تغني بأعذب الألحان، قلبٌ يرقُ بحنان، يضمُ كلَّ الضالين إليه برفقٍ وهيام، يرضعهم حليبَ الخير يسقيهم ماءً مقدس، ويُطعمهم من خبزٍ مقدس، فتعالوا كي أسقيكم من خبزي وأرضعكم حليباً صافٍ، وأطعمكم خبزاً مقدساً، تعالوا قبل أن تجدكم مكانس حراس القاموس فتطردكم خارجه شر طردة، فتصبحوا على ما فعلتم آسفين.

إلي هنا انتهت الجولة الأخيرة من محاكمة........... على اللغة. فإن كان لا بد من إعادة الكرَّة من جديد دعوني أن أدعو من هنا كل الغيورين على صدق الكلمة وحب الناس، أن يتخذوا دورهم إزاء أفعال ناقصة، وحروف جر غريبة عن لغتنا. أما أنا فدعوني أسخرُ طاقتي لفعل عظيم، يضيف شيئاً ما لهذا الوجود الرائع إذا ما حذفت منه كلمات القبح والرذيلة. قال المبتدأ هذا وشبَّكَ يديه خلف ظهره، ومضى، ومن وراءه كل الأدوات تسير نحو هدفٍ واحد، وفعل خير واحد، فهل لنا أن نتبعه لفعل الخير، له ذاته سائرين، نحو الحب والأصالة متطلعين ؟!
أسدل الستار، وانقشع الضباب فبزغت الشمس، والسؤال مازال قائما هناك ؟! والتوبة بابها مفتوحٌ للضالين بين متاهاتِ الجملِ وحروفِ الكلمة، وسراديب لغة الحوار المتمدن.



#حسام_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساندويتش همبورجر تك أوي وإجري
- الأسرة وتكويناتها
- قراءة تحليلية لوقائع إنتخابات اللجنة التحضيرية للبرلمان الشب ...


المزيد.....




- السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق ...
- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4 ...
- فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان ...
- أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسام شحادة - جلسة إستئناف.... لمحاكمة دسيس على اللغة