|
المكان حضن الهوية السياسية
سماح هدايا
الحوار المتمدن-العدد: 4463 - 2014 / 5 / 25 - 15:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكل مكان معناه ورمزيته انطلاقا من المعاش ومن المتخيّل.. المكان الذي شهد نشاط الشّعوب المتحركة في المنطقة العربيّة بتنوّعها وغناها ومتناقضاتها، يواجه واقعاً صعباً معقدا، ينسحب منه رويداً رويداً بحركة داخليّة وخارجيّة مفهوم الوطن؛ أمام هجمات المشروع الاستعماريّ والطغياني بصورتيه القديمة والجديدة؛ فتتمزّق صورة الاستقلال السياسيّ للأرض العربيّة ولجغرافيّتها ولسكانها. والآن تبرز في الخارطة الحاضرة للمكان وجهتان اثنتان متكاملتان، خارجيّة وداخليّة الوجهة الأولى الدّاخليّة( الهويّة الوطنيّة): وتتمثّل في السّعي المنهجي الحثيث إلى تفتيت الدّاخل المكانيّ وتفتيت الهويّة الوطنيّة الواحدة إلى هويات جزئيّة متناحرة متصارعة؛ مثل الهويّة الطائفيّة، الهوية العشائريّة، العرقيّة، الإثنية، المناطقيّة، التي تقسّم جسم الوطن الواحد إلى أجزاء، وتحولّه إلى أمكنة ضعيفة متمزّقة. ويمكن الرّجوع إلى كتاب الهويات القاتلة للكاتب أمين معلوف، من أجل تعرّف الإشكالات والمتناقضات المختلفة المتعلّقة بالهويّة. الوجهة الثانية الخارجيّة(السياسيّة لقوى خاريّة وعدم استقلال الأرض والقرار الوطن): وتتمثّل في الهجمات الاستعمارية والعدوانية عبر دول وجيوش وميليشيات؛ وما زالت البلاد، تحت سطوة وتبعية لقوى إقليمية ودوليّة أو سيطرة مباشرة من قوى الاحتلال. وقد تعاملت التجارب العدوانية في بلادنا، عبر تاريخها الطّويل، مع المكان من بعدين: الأوّل: احتلال الأرض وغزوها وسلب خيراتها واستغلالها واستباحة حرماتها، وتزييف تاريخها والتآمر على حركات تحركها ونهضتها. أو اغتصاب الأرض وسلخها من الكيان الكبير، وتلفيق تاريخ وجغرافيا جديدين لها، يوافقان أهداف المحتلّ المغتصب، ثمّ بناء المستوطنات العنصريّة والدويلات الإثنية. والثاني: احتلال العقل وسلب الثقافة والوعي بهدف استعباد الإنسان وإلغاء شخصيته وتذويب هويّته العربيّة الشاملة "احتلال العقل أشق بمراحل من احتلال الأرض"ص23، احتلال العقل؛ فكانت عملياّت التّتريك والفرنسة والتّهويد والأمركة، بالإضافة إلى عمليّات التّهجير والإبادة البشريّة التي تسعى إلى تغيير الخارطة البشريّة في أماكن أخرى. ثم إعادة إحياء اللهجات المحلية أو اللغات الإثنية للأقوام المختلفة في المنطقة من اجل خلق حالة صراع عرفي وقومي، علما بأن كل هذه اللهجات واللغات الفرعية يمكن تداولها ونموّها داخليا بشكل يتماشى مع اللغة الكبرى للجميع ، عندما يتاح مناخ الحرية والاستقلال السياسي وبناء دولة حرة ودولة المواطنة وقد أدّى هذا كلّه، بتراكم الواقع التّاريخيّ وانفجار الحروب، إلى تغيير الخارطة الجغرافيّة العربيّة باحتلال أجزاء من من الأرض العربيّة واغتصاب بعضها، وإلى انتشار مخيمات النّازحين واللاجئين والمهجرين عبر حروب داخلية وحروب خارجيّة، وما رافق ذلك من تغيير مكانيّ واجتماعي وسياسي، بإضافة مواقع فقر وحرمان وجوع وفوضى وصراع اجتماعي ومجتمعي. كما أدّى، في نتائجه، إلى تكوّن صورتين متناقضتين في المكان. صورة التّجذّر في الأرض، بالدّفاع عن الذّات والثّقافة والوجود، وخوض الحرب، بحركة المقاومة والجهاد من أجل استقلال الأرض وحريّتها وحماية أهلها، وما رافق ذلك من دماء وتضحيات ودمار. وصورة من يقبل بواقع الحال كما هو، ويستسلم عن ذل ويسوّغ ذلك بضعفه وسوء الحال، أو عن خوف ومسايرة للقوي وقبول، التبعيّة إلى المستعمر والمعتدي والغازي والمستبد، ويعمل، من قصدٍ أو دون قصد على تكريس الخارطة الحاضرة من خلال مفاهيم مزورة ومؤسّسات رسميّة وأهليّة ممولة من جهات معادية. ونفترح بعض الأفكار : 1- تأكيد مفهوم ارتباط الإنسان بالأرض فلا كرامة مع أرض ذليلة أو مع عيش ذليل . 2- تطوير مفاهيم الوعي بالوطن وبالمكان السياسيّ إعلاميا وتربوياً وثقافيّاً وأخلاقيّا وتقوية الالتزام في تطبيقها واقعيا وعمليّا . 3- تهذيب أدواتنا في المقاومة والنّضال وخطابنا الوطني وتطويرهما دفاعاً عن استقلال المكان ووحدته وكرامة أهله واحتراما للعقل الجمعي . 4. تثقيف الفرد منذ صغره سياسيّاً واجتماعيّاً وتاريخيّاً، من أجل تكوين شراكة سياسيّة متطوّرة بين الفرد والأمّة من جهة، وبين جماعات الأمّة من جهة ثاتية، بهدف إنتاج وحدة اجتماعيّة سياسيّة فاعلة خلاقة وفيّة 5. العمل على تطوير صورة العدالة السّياسيّة والاجتماعيّة: أخلاقا ومفهوماً اجتماعيا وفكراً وعملاً، بما يخدم الإنسان كإنسان ثم كمواطن في مواطنة عادلة، وتطوير كل الممكنات لتحقيق العدالة، خصوصا في ظل نمو أجواء الفوضى والعنصريّة وتفاقم الظلم والعدوان وما ينتج من حقد ومفاهيم ثأر وانتقام. المكان ليس مجرد خيار، بل قرار نتجذر فيه ويتجدر فينا..زغير ذلك يصبح مجرد محطة عبور...ودرب هامشي لا يكوّن خريطة وصورة وفلسقة. د. سماح هدايا
#سماح_هدايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نصنع الحضور في ظل الغياب؟
-
لا مجال لاستجلاب الهزائم إلى المعركة
-
حرب استقلال أم حرب طائفيّة؟
-
حين يصيبنا الجّرح في الجذور
-
إعادة البناء...لا ترميم المتداعي
-
عندما يصير العطر ذاكرة قارصة وحلما دافئا
-
ليس بسخاء الرثاء والتعاطف...بل بالعدل
-
التحليق خارج منظور الأقفاص
-
يحترقون...بدماء الضحايا
-
شاركهم رغيفك
-
اللعبة الطائفية
-
نساء بين سقف وسماء
-
قناعات وعقائد واحتياجات..ومشاريع في ظل التهاوي والهيمنة
-
لماذا...خوف الأقليات من الثورات؟
-
ماذا وراء الغضبة الشعبيّة القطيعيّة؟
-
الظلام الطائفي في لبنان
-
بناء التغيير
-
ثقوا بالثورة واتركوا روحها تقودكم
-
المثقفون والثورة
-
المرأة ودورها في الثورات العربية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|