|
الوهابية والسلفية الجهادية: أسئلة العلاقة
سمير الحمادي
الحوار المتمدن-العدد: 4461 - 2014 / 5 / 23 - 22:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، توترت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية من دون مقدمات واضحة. بعد أكثر من ستين عاماً من أجواء الصداقة الدافئة والتحالف الاستراتيجي بين البلدين في كثير من القضايا والسياسات (مكافحة المد الشيوعي في الشرق الأوسط وفي أفغانستان، كبح المد الثوري الإيراني...)، كان لافتاً أن يتهم الأمريكيون (والغرب عموماً) السعودية بالمسئولية الأدبية (وحتى المادية) عن هذه التفجيرات المروعة التي استهدفتهم في عقر دارهم، وأن تركز وسائل الإعلام المختلفة على بيان الروابط التي تجمع ما بين تنظيم القاعدة الذي يقف خلف التفجيرات، والوهابية: العقيدة / الأيديولوجيا الرسمية للدولة السعودية، حيث ظلت اللازمة التي تتردد باستمرار في كثير من الدوائر السياسية والإعلامية والبحثية الأمريكية، وتثير كل يوم مزيداً من الجدل، هي: «ابحث عن السعودية».
ولئن تم تجاوز هذه الأزمة سياسياً في حينها، وعادت العلاقات التي كانت على المحك إلى سابق عهدها، فإن الجدل حول الموضوع لم يتوقف، وظل مطروحاً ومحتدماً على المستوى الفكري والبحثي (الأكاديمي) خصوصاً، حيث بقيت حزمة واسعة من الأسئلة المهمة مفتوحة ومكشوفة على تعدد من الشبهات.. والاتهامات.. والاجتهادات.. والافتراضات.
في هذه الورقة الموجزة، سنحاول استعارة هذه الأسئلة وإعادة صياغتها من أجل استجلاء الحقيقة في ما يخص العلاقة الملتبسة التي تربط ما بين الوهابية: الأرثوذكسية الصارمة والمتشددة التي هي جزء أساسي من التيار الإسلامي السني الحديث والمعاصر، وتمثل في الوقت نفسه الاتجاه الديني الرسمي للدولة السعودية، والسلفية الجهادية: المصطلح الجديد والمثير الذي بات يعبر عن العقيدة / الأيديولوجيا المؤطرة لنشاطات «القاعدة» وأخواتها من التعبيرات الجهادية المنثورة على امتداد العالم.
إن الأسئلة التي تطرحها هذه الورقة هي: هل هناك ارتباط ما بين الوهابية والسلفية الجهادية؟ أين تتقاطعان / تتطابقان؟ وأين تفترقان / تتصادمان؟ وعلى أي مستوى يمكن التمييز بينهما؟
فرضية البحث
إن الفكرة / الفرضية التي تتبناها هذه الورقة تتلخص في أن السلفية الجهادية، في جوهرها: أي في بنية الخطاب، ليست سوى تعبيراً معاصراً عن التصورات والمعايير والمسالك (الأرثوذكسية) التي طرحتها الوهابية في صورتها النقية الصافية الخالصة: الوهابية الأصلية كما تتبدى في نصوصها التأسيسية، في صياغات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفي شروحات أولاده وأحفاده ونحوهم من أئمة الدعوة النجدية، فالسلفيون الجهاديون يبدون ملتزمين، بشكل كامل، وعلى جميع المستويات، بأساسيات / مسلمات الدعوة الوهابية، التي تمثل، بحواملها الفقهية، الجناح الأكثر تشدداً في المنظومة السلفية السنية، إن في جانب العقيدة أو العبادة، وهم، في أدبياتهم الراديكالية، وفي تحركاتهم، لا يسعون إلا إلى استعادة نموذج هذه الدعوة في أصولها الطهرانية الأولى: استعادتها بكل تفاصيلها وترجمة / تكييف رؤاها السلفية (الوثوقية) لما ينبغي أن تكون عليه حركة العالم الموضوعي في اللحظة الراهنة.
بعبارة أخرى، السلفية الجهادية هي، في الأساس، تكثيف عنفي لتعاليم / معتقدات السلفية الوهابية. إنها استدعاء / استنفار للمخزون الراديكالي (المسكوت عنه) في الوهابية، في بعديه الرمزي والمادي، أو لنقل إنها استقطار / اعتصار لثمالة الوهابية، وانعكاس لها على الصعيد التاريخي، فهي تتكئ على تصورات جهازها المفاهيمي، وعلى عوالم نسقها الاعتقادي، في صياغة خطابها الاعتراضي، وتحاول تمثلها وإعادة إنتاج أفكارها وتثبيتها حرفياً في فراغات اللحظة الراهنة، على اعتبار أنها وحدها تجسد الإسلام الحق: الإسلام الخالص المطلق في بساطته الأولى كما يتجلى في نصوص الكتاب والسنة.
إن هذه الفرضية لا تقدم إجابة مريحة بقدر ما تثير مزيداً من الأسئلة. إنها فرضية على درجة كبيرة من الإشكال، ليس في حد ذاتها، باعتبارها الفكرة النمطية السائدة في مختلف الجهود الرامية إلى تفكيك تعقيدات العلاقة القائمة بين الوهابية وتنظيمات العنف الجهادي في العالم المعاصر، في المجال التداولي البحثي والإعلامي الغربي، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإنما بسبب سياقات طرحها التي غالباً ما تتحكم فيها اعتبارات / انحيازات سياسية وأيديولوجية صارخة، ونشير هنا، على سبيل المثال، إلى كتابات ستيفن شوارتز، مؤلف كتاب وجها الإسلام: البيت السعودي من التقليدية إلى الإرهاب الذي يعد النموذج الأشهر في هذا المجال.
إن كتابات شوارتز تطرح أفكاراً مهمة حول «التواصل» أو «التنافذ» القائم بين الوهابية (كأصل) والسلفية الجهادية (كصورة)، وهو يقدم معطيات وشواهد كثيرة لإثبات أن الوهابية هي المرجع الفكري الذي يؤسس عليه الجهاديون رؤاهم الصدامية العنفية، وأنها هي الناظم الفعلي لنشاطات «القاعدة»، لكن ما ينال من مضمون هذه الأفكار ويجردها من كثير من عناصر حجيتها هو غلبة الطابع الانفعالي «العدائي» على لغة طرحها، فهي تبدو كتابات أيديولوجة «هجائية» أكثر منها أطروحات معرفية (يجب) أن يكون هدفها النهائي إنارة ظلام الفهم حول الإشكاليات محل البحث.
المفارقة أن الأمر نفسه ينسحب على الفرضية / الأطروحة المضادة، التي تحاول أن تدفع عن الوهابية الشبهات والاتهامات التي تلاحقها، من خلال تقديم رؤية مغايرة للمألوف، مفادها أن المتن الوهابي، على مستوى الأصول والتطبيقات، ليس فيه أي نزوعات راديكالية أو محرضات على العنف، وأن ما يتردد بهذا الخصوص هو محض ادعاءات ومغالطات هدفها تشويه صورة الدعوة (= الوهابية) ومن ورائها الدولة (= السعودية) التي تتبنى هذه الدعوة، وهي ناتجة عن جهل مطبق بالموضوع أو عن دوافع خاصة مغرضة، وأن المشكلة ليست، على أي نحو، في أفكار محمد بن عبد الوهاب (الدينية)، وإنما هي في الذين يسيئون قراءة وتفسير هذه الأفكار. والنموذج الأساسي، هنا، هو ناتانا ديلونغ ـ باس، مؤلفة كتاب الإسلام الوهابي: من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي الذي بذلت فيه جهداً كبيراً لإثبات عدم وجود أي تماثل أو تقارب، من أي نوع، بين الوهابية والخطاب الجهادي في تجلياته القاعدية (نسبة إلى تنظيم القاعدة). بيد أن هذه الفرضية أيضاً عليها كثير من التحفظات بسبب نزوعها «التعاطفي» المفرط، إذ لا يمكن تجاوز النّفَس الوهابي في الخطاب السلفي الجهادي، أو الادعاء بأن مجرد سوء فهم (أولاد وطلاب محمد بن عبد الوهاب الذين صاروا متشددين بعد وفاته نسبوا إليه ما لم يقله) هو السبب في إقحام مفردات الدعوة الوهابية في مجريات الظاهرة الجهادية المعاصرة بهذه الدرجة، وعلى هذا المستوى، من الحضور والتأثير.
هناك فرضية / مقاربة ثالثة تحاول أن تمسك العصا من الوسط، يعبر عنها تيم نيبلوك، مؤلف كتاب المملكة العربية السعودية: السلطة والشرعية والاستمرارية. يفترض تيم أن الوهابية، بما هي مدار فكري / عقائدي خاص، يمكن تمثّل ومقاربة مدلولاتها (مجازاتها) من وجوه مختلفة، كما هو حال كل السرديات النظرية الفاعلة في التاريخ، التي غالباً ما ينطوي داخلُها على جملة من الخطابات والتوجهات (والحقائق) التي يمكن أن تكون (في جزئياتها) متوافقة ومتكاملة كما يمكن أن تكون متمايزة ومتنافرة، وأحياناً متناقضة. إنها قادرة على استلهام / استقطاب تعدد واسع من التعبيرات والمواقف، والتكيف معها جميعاً بحسب المعايير التي يطرحها كل نموذج.
تبدو هذه الفرضية جديرة بالتأمل، تؤيدها وقائع ومعطيات موضوعية، فضمن الإطار الوهابي، يصطف توجهان لاهوتيان مختلفان تباعد بينهما حزمة واسعة من الاختلافات / التناقضات البنيوية (في الموقف من السلطة السياسية تحديداً): السلفية الجهادية والسلفية الجامية. الأولى تؤسس خطابها على مبدأ «الخروج» على ولي الأمر، وتقدم ما يلزم من المسوغات «الشرعية» لتأكيد موقفها «الانقلابي / الثوري»، والثانية تؤسس خطابها على مفهوم «الطاعة المطلقة» لولي الأمر، وبدورها تعرض ما يكفي من الأسانيد «الشرعية» لدعم توجهها «المهادن».
لتجاوز هذا الإشكال وتساؤلاته، سنتقصى مفهومات وأفكار الوهابية من مصادرها الأصلية: من كتابات مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، وسنقارنها بما هو مبثوث في المنطوق السلفي الجهادي المعاصر لنقف على أوجه التقاطع أو التماثل النظري بينها. ولأن مساحة البحث لا تتسع لاستحضار كل مجالات العلاقة، والإغراق في تفاصيلها، فإننا سنركز على المفهومات والأفكار المرتبطة بالجانب الاعتقادي، وسنحددها في المسائل ذات البعد السياسي (مسائل الحكم والسياسات والعلاقات الدولية). ولتفادي إحراجات التأويل، سنقدم بعض النماذج النصية كاستشهادات تدعم فرضيتنا.
الوهابية والسلفية الجهادية: التباسات العلاقة
نستخدم في هذا البحث مصطلحي الوهابية والسلفية الجهادية ونحن ندرك كم التجاوزات (والانتهاكات) الذي يطبع تداول مثل هذه النوعية من المصطلحات الجدلية، بين من يكتب من داخلها (وهم الأنصار)، ومن يكتب من خارجها (الخصوم)، بغية تملك / احتكار معانيها ودلالاتها تعسفاً، ومن ثم فرضها كحقائق واقعية يمكن توظيفها كأدوات للصراع وتصفية الحسابات الفكرانية / الأيديولوجية.
من جهة أخرى، ندرك أن البنية السلفية، في مجالاتها الرئيسية: العقيدة، المعرفة، التشريع، ليست ثابتة وموحدة، وإنما هي بنية متشظية ومعقدة جداً، تتوزعها تيارات وتوجهات متعددة (متشددون / معتدلون ــ مقلدون / مجتهدون) بينها من الخلاف والتعارض في الرؤى والاجتهادات والمواقف ما يصل أحياناً إلى درجة الجفاء والمفاصلة / القطيعة وحتى التصادم والمواجهة. ذلك أن السلفية، وهي، تعريفاً، متابعة طريقة السلف الصالح (من أهل القرون الثلاثة الأولى) في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه، ليست جماعة أو طائفة أو حزباً، وإنما هي، في أساسها، منهج يمكن أن تتمثله / تلتزمه جماعات أو دول (النموذج السعودي) أو حتى أفراد مستقلون عن أي إطار تنظيمي محدد.
1 ــ الوهابية
إن الوهابية، اختصاراً، هي الدعوة / الحركة الإسلامية (السلفية) التي ظهرت في نجد مع بداية العصر الحديث (القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي) على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703ــ 1792م).
ولد الشيخ في بلدة العيينة (شمال غرب الرياض)، أخذ عن والده (وهو من العلماء) أساسيات الفقه الحنبلي، وقد استلفته منذ البداية الفقيه (السلفي) البارز ابن تيمية، فتأثر به كثيراً، على المستويين الفكري والشخصي، بعد ذلك غادر بلدته إلى المدينة المنورة والبصرة والإحساء لطلب العلم، وقد كان كثير المطالعة منذ نعومة أظفاره، ما أهله لاكتساب معارف دينية واسعة (بالمعنى الأرثوذكسي) في وقت قياسي.
كانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، لكن منطقة نجد خصوصاً كانت عبارة عن كيانات سياسية مستقلة، لكنها غير مستقرة، يحكمها أمراء متنافرون بينهم صراعات قبلية وعشائرية مستمرة، أما النظام الاجتماعي الديني السائد، وهو النظام الذي أثار حفيظة محمد بن عبد الوهاب، وكان السبب المباشر الذي جعله يكرس حياته كلها لمواجهته وتغييره، فيلخصه المؤرخ ابن بشر بقوله: «كان الشرك إذ ذاك قد فشي في نجد وغيرها، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والبناء عليها والتبرك بها والنذر لها، والاستعانة بالجن والنذر لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم، والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر».
قام العالم الشاب يدعو إلى تطهير الاعتقاد وإخلاص التوحيد لله تعالى ومحاربة كل مظاهر البدع والخرافات الراسخة في مجتمعه، وكان يمارس الحسبة مع عدد من أتباعه لإزالة آثار الشرك (هدم القباب القائمة على القبور، قطع الأشجار التي يتبرك بها العامة) وتنفيذ أحكام الله، فانتشر خبره في نجد وقراها، واختلف الناس في قبول دعوته ما بين مؤيد ومعارض، خاصة أنه كان متشدداً في أمور العقيدة والعبادة، حاداً وعنيفاً في نقد الأوضاع الدينية والاجتماعية المحيطة به، يعتبر أن الناس قد انسلخوا (ارتدوا) عن الإسلام بما أدخلوا على دينهم من بدع ومحدثات، الأمر الذي أوقعه في مشاكل مع مخالفيه (حتى من المقربين منه)، وعرضه مراراً للمخاطر، ولئن نجح في وقت ما في الحصول على دعم أمير بلدته العيينة، ما وفر له بعض الحماية، فإن هذا الدعم لم يستمر طويلاً، فاضطر إلى الرحيل إلى الدرعية طالباً الحماية والعون من أميرها محمد بن سعود، وكان رجلاً بعيد النظر يحمل طموحات سياسية جامحة، فبايعه على نصرة الدعوة، فكان تحالف / اتفاق الدرعية سنة 1744 بين المُحَمَّدَين: الشيخ الذي يبحث عن مظلة سياسية لحماية دعوته «الدينية» ، والأمير الذي يبحث عن مظلة دينية لمد سلطته «السياسية» ، الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى، التي تعد الدولة السعودية الحالية امتداداً تاريخياً لها.
ما يعنينا من هذا الملخص التاريخي هو بيان ما يلي:
ــ أن الوهابية في أصولها، أي في زمنها التدشيني، هي دعوة دينية طهرانية قامت لغرض أساسي هو إعادة «أسلمة» المجتمع النجدي بعد أن تفشت فيه مظاهر الشرك (التوسل بغير الله من أعمال الدعاء والاستغاثة والتمسح بالأضرحة)، وقد حاول محمد بن عبد الوهاب في البداية أن تكون هذه «الأسلمة» من أسفل، من خلال جهوده الدعوية الخاصة، لكنه واجه صعوبات / إكراهات واقعية كبيرة، ما دفعه إلى مراجعة إستراتيجيته والتفكير في «الأسلمة» من أعلى (أي من خلال السلطة السياسية)، فكان اتصاله الأول بأمير العيينة الذي ناصره ثم خذله وأجبره على ترك بلدته، وبعده أمير الدرعية الذي عقد معه اتفاقاً سياسياً ــ ثيولوجياً تم بموجبه توزيع / تقسيم السلطة (بشكل ضمني) إلى سلطة سياسية (زمنية) يتولاها ابن سعود (وورثته من بعده)، وأخرى ثيولوجية (دينية) يتولاها الشيخ (وورثته من بعده).
ــ لقد حدث التحول في الوهابية هنا، في هذه اللحظة، عندما تدخل الدين (المقدس / المتعالي) في مشروع الدولة (الدنيوي / الوضعي)، وأصبح حاضنة وقاعدة ومنطلقاً للعمل السياسي (السلطوي)، تُخاض تحت رايته الحروب / الفتوحات (من خلال تعبئة عسكرية يؤطرها مفهوم «الجهاد»)، وتُصمم الخطط والهياكل والسياسات: داخلياً وخارجياً، وتُفرض الأنظمة والقيم والثقافات، كل هذا في الإطار والاتجاه الذي يخدم حسابات / رهانات السلطة الحاكمة.
ــ لقد احتضن آل سعود الوهابية، كدعوة تتكئ على الدين (بمعناه التنزيهي)، واستفادوا منها في خلع المشروعية على حكمهم وتأمين سلطتهم وتبرير سياساتهم بكل ما تنطوي عليه من تجاذبات وتوترات (وانزلاقات)، حدث هذا مع الدولة السعودية الأولى (1744 ــ 1818)، والدولة السعودية الثانية (1840 ــ 1891)، وبعدهما الدولة السعودية الحالية (1932). وفي غمرة هذا التوظيف / الاقتناص السياسي، تحول اللاهوت الوهابي إلى محرك / محرض / محفز / مؤطر للطموحات والمشروعات السياسية، وإلى عون للدولة على معارضيها وأعدائها، وهكذا أخذ دوره / وظيفته كأيديولوجيا معيارية، يحكمها نمط القواعد والأهداف نفسه الذي يحكم كل المنظومات الأيديولوجية على مدار التاريخ.
ــ إن اختزال الديني إلى الأيديولوجي أو خفض الدعوة إلى حالة الأيديولوجيا يدفعنا إلى التمييز بين زمنين / نموذجين متعارضين يَتَمَوقَعَان داخل بنية الوهابية: النموذج الوهابي «الدعوي» الذي يركز على المجال العقدي، من خلال مفردات ومفهومات دينية عامة ومطلقة، لم تُختبر في أي تجربة سياسية، والنموذج الوهابي «الأيديولوجي» الذي أُنتجت وتبلورت قراءاته وتأويلاته في سياق تفاعلات الخبرة التاريخية للدولة السعودية، على امتداد عقود طويلة من التجاذبات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
ــ إن هذا التمييز، الذي يتحدد انطلاقاً من مستويات متعددة، ضروري من حيث أنه يساعدنا على تعيين أيّ نموذج يتطابق / يتماثل مع أطروحات وتمثلات السلفية الجهادية: إنه النموذج الأول: أي الوهابية الدعوية، من دون تلوين أيديولوجي: الوهابية في طزاجتها الأولى، قبل أن تُنتزع من سياق ظهورها الأصلي (وهو سياق محض ديني)، وتُقحم في أتون الرهانات والمشاريع السياسية الخاصة لنظام الحكم السعودي.
ــ إن السلفية الجهادية، في كل نضالاتها الداخلية والخارجية، إنما تحاول استعادة النموذج الذي تستوحيه وتتمثله، وهو النموذج الوهابي الديني / الدعوي (كما يبدو على حقيقته): استعادته بعد أن حُشر في الزوايا الضيقة للسياسة حتى فقد دوره المعياري، وتحول إلى مجرد تراث نظري غير فاعل أو مؤثر في مجريات / مسارات الواقع المعاصر، من هنا كان الصدام بينها وبين النموذج الآخر (الأيديولوجي) أمراً حتمياً، كان لا بد من أن تواجه الوهابية نفسها، لكن وهي في لبوس آخر.
لنلق الان نظرة على المفاهيم / المقولات الأساسية في الدعوة الوهابية، وسنركز على المفاهيم / المقولات التي تتناول موضوعات التوحيد، الطاغوت، الحاكمية، الولاء والبراء، الجهاد:
ــ أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه والبراءة منه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله تعالى والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله والبراءة منه، فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا.
ــ أصل العبادة تجريد الإخلاص لله تعالى وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
ــ العبادة هي التوحيد ومن لم يأت به لم يعبد الله.
ــ كلمة التوحيد لا تنفع قائلها إلا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها، إذ ليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، ولكن المراد: معرفة ما وُضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به.
ــ التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية (توحيد الله بفعله)، وتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات (وهو من جنس توحيد الربوبية).
ــ التوحيد الذي وقع عليه النزاع ليس توحيد الربوبية ولا هو توحيد الأسماء والصفات، فالكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلهم ونهب أموالهم واستحل نساءهم كانوا مقرين لله سبحانه بتوحيد الربوبية، وهو أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يُحيي ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا الله وحده، وكانوا أيضا يتصدقون ويحجون ويعتمرون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفاً من الله عز وجل، ولكن ذلك لم يُدخلهم في الإسلام، فالذي كفّرهم وأحلدماءهم وأموالهم هو أنهم لم يشهدوا لله بتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، فهذا الذي تفرق الناس لأجله بين مسلم وكافر، وهذا الذي به حُقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإيمان عن دار الكفر، وهذا الذي لأجله جُردت سيوف الجهاد. ــ توحيد الألوهية هو إفراد الله سبحانه بالعبادة والكفر بما يُعبد من دونه والبراءة منه، ولا بد أن يكون باللسان والقلب والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً.
ــ التلفظ بكلمة التوحيد ليس عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يُحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله (الطاغوت)، فلا يحصل التوحيد ولا يصير الإنسان مؤمناً، ولا يُعصم دمه وماله إلا بالكفر بالطاغوت.
ــ اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل، ويحسّنه، ويشمل أيضاً: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وكل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله.
ــ لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من الطواغيت وتكفيرهم.
ــ صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم.
ــ كل من خالف حكم الله فهو طاغوت.
ــ النظم والقوانين الموضوعة للتحاكم إليها، مضاهاةً لتشريع الله، داخلة في معنى الطاغوت.
ــ من حاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله (ص) في موارد النزاع، من القوانين والسياسات الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد، وارتضاها دون شريعة الله، فقد حاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به، ومن قدم شيئاً على شريعة الله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالفها، أو سهّل في التحاكم إلى غيرها، مع ما في ذلك من تسوية الخالق بالمخلوق، فهو كافر وظالم وفاسق يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير.
ــ لا يجوز استبدال الشريعة الإلهية بالقوانين الوضعية، ورد ما تنازع فيه المسلمون إلى أهل القوانين والآراء، لأنه من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله بالكفر به.
ــ لا يجتمع الإيمان بالله مع تحكيم غير شريعته.
ــ حكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية في الحياة والسياسة والاقتصاد والتجارة والعلم والحرب، في كل ناحية من نواحيها، ما ظهر أو لم يظهر بعد، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً، أو غير ذلك، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.
ــ ويدخل في الكفر بالطاغوت عداوة الكفار والتصريح لهم بالعداوة وعدم موالاتهم وتوليهم، كمحبتهم لدينهم، ونصرتهم وإعانتهم على المسلمين، والتحالف معهم ولو لم تقع النصرة فعلاً، ذلك أن الإنسان لا يستقيم له دين ولا إسلام، ولو وحد الله وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء ومقاطعتهم وحربهم وجهادهم والبراءة منهم، فإذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، وأعانهم ونصرهم وظاهرهم فإنه كافر مثلهم، يُحل ماله ودمه، ويجب قتاله، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم.
ــ لا يستقيم الإسلام، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرتفع علم الجهاد، إلا بالحب في الله والبغض فيه، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، فمقت المشركين وعيبهم، وذمهم، وتكفيرهم، والبراءة منهم، هو حقيقة الدين والوسيلة العظمى لرب العالمين.
ــ من قال: لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفّرهم، أو قال: لا أتعرض لمن قالوا: لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، فهذا لا يكون مسلماً.
ــ ويدخل في موالاة المؤمنين نصرتهم والجهاد معهم والهجرة إليهم.
ــ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام.
ــ من خرج مع المشركين لقتال المسلمين، طوعاً واختياراً، وأعانهم ببدنه وماله، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر.
ــ إن مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، بيد، أو بلسان، أو بقلب، أو بمال، فهذا كفر مخرج من الإسلام.
ــ الله أمر بقتال المشركين على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خُلي سبيلهم، ومتى أبوا عن ذلك أو بعضه، قوتلوا إجماعاً، ولو قالوا: لا إله إلا الله.
ــ لا يجوز اختلاط المؤمنين بالكافرين دون حاجز الولاء والبراء.
ــ الكافر يُبغض ويُعادى من كل وجه.
ــ البلدة التي تجري عليها أحوال الكفر ولا تظهر فيها أحكام الإسلام بلدة كفر.
ــ البلد التي يُحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام، تجب الهجرة منها.
ــ يجب الهجرة من كل بلدة تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويُعلن فيها بالمحرمات، والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم.
ــ وجود بعض الطاعات مع انتشار الشرك وعلو شعائره لا يمنع من وصف الدار بالكفر والحكم على أصحابها بالشرك.
ــ مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
ــ وعلى هذا يتم الدين ويُقام علَم الجهاد.
إن المفاهيم / المقولات التي أوردناها هنا، بتكثيف شديد (مع بعض التكرار في اللفظ لتأكيد المعنى)، هي مفاتيح اصطلاحية يمكن من خلالها قراءة الدعوة الوهابية بوضوح كامل، في منطوقها الحرفي، فهي تمتد عبر نصوصها كلها، لا تتغير مفرداتها ولا تراكيبها الدلالية، إن في كتابات محمد بن عبد الوهاب أو في شروحات من أتوا بعده من أئمة الدعوة النجدية، باعتبارها مفاهيم / مقولات محمولة على الوحي، فهي معبرة عن الحق / اليقين (الديني) المعلن ومطابقة له، في صورته النهائية الخالدة، وأي خروج عليها هو، في جوهره، خروج على صحيح الدين (= تمام الإيمان).
إن التوحيد والدعوة له هو الأساس الذي تقوم عليه الوهابية. في هذه التيمة يمكن اختزال النص / الخطاب الوهابي في كل حالاته ومساراته وتحركاته، بما هو نص / خطاب سلفي أرثوذكسي (بالمعنى الدوغمائي الضيق) لا يرضى بأقل من الانصياع الكلي لطروحاته / حقائقه وأخذها كاملة على محمل القبول والتسليم (والاجترار)، بيد أن التوحيد لا يؤخذ في الوهابية بشحنته الثيولوجية (التنزيهية) فقط، وإنما هو مفهوم يفترض / يستحضر مجموعة من الاشتراطات / المقتضيات الموضوعية الصارمة ليتحقق معناه بشكل فعلي وواضح في حركة / صيرورة الواقع، هذه الاشتراطات / المقتضيات تُختزل في أربعة أساسية:
ــ الكفر بالطاغوت (كل ما عُبد من دون الله)
ــ الحاكمية (إفراد الله وحده بصفة / حق التشريع)
ــ الولاء والبراء (موالاة أهل الدين والإيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال)
ــ الجهاد لمدافعة أهل الكفر وتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته في الأرض.
إن التوحيد، إذا اعتمدنا هذا المستوى من القراءة والفهم والتفسير، يمكن أن يتحول بسهولة من مفهوم ثيولوجي خالص (له هيبته الخاصة) إلى شعار أيديولوجي / سياسي ذي طابع سجالي (صراعي)، قادر، بفعالية كبيرة، على بناء وتبرير أي فعل اعتراضي / احتجاجي يَتَمَوضَعُ ضمن دائرة الأيديولوجيا، بما هي الدائرة الوحيدة التي تتحقق فيها، بشكل كامل، معادلة الانصهار (أو التماهي) بين الديني (المتعالي) والسياسي (الزمني) ليشكلا معاً سلطة واحدة، ليس في معناها الشمولي فقط، وإنما في تعبيراتها الميكرو فيزيائية / الفوكوية أيضاً: سلطة تدعي أنها وحدها من يمثل الإرادة الإلهية (= الأصل) في حرفيتها، وبالتالي فهي صاحبة الحق في الانفراد بكل مشمولاتها الروحية والرمزية، واحتكار تجسيد / إسقاط قيمها وأنظمتها على الأرض وتحيينها في التاريخ.
لنأخذ، مثلاً، الكفر بالطاغوت، بما هو ركن التوحيد الأول الذي لا يتحقق / يتم الإيمان إلا به، ولنتوغل قليلاً في التفاصيل لنعرف إلى أي مدى يمكننا الوصول: الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة، وكلها يُبطل التوحيد وينافيه.
ما يعنينا هنا هو النوع الأول: أي طاغوت الحكم.
تقرر المدونة الوهابية أن كل حكم بغير كتاب الله وسنة رسوله، في أي مجال من مجالات الحياة، مهما كانت صوره ومبرراته، هو طاغوت يجب اجتنابه والبراءة منه واعتقاد بطلانه ومعاداته والكفر به جملة وتفصيلاً. بمقتضى هذا المعنى، تدخل الدساتير والقوانين والحكومات والبرلمانات والديمقراطية والأحزاب والانتخابات وصناديق الاقتراع والاستفتاءات والقضاء والمحاكم وحقوق الإنسان والحريات والقانون الدولي والشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، كل هذه النظم والتشريعات الوضعية تدخل في مسمى الطاغوت وتنطبق عليها أوصافه وأحكامه، من حيث أنها تنازع الله في ألوهيته (حق التشريع)، وتفرض وتُلزم وتحتم على الناس ــ أفراداً وجماعات ــ أحكاماً مناقضة لشريعة الإسلام يرجعون إليها عند الخلاف (أي أنها تفرض حاكمية معارِضة لحاكمية الله)، فلا يجوز، إذاً، المشاركة فيها أو الإعانة عليها أو تولي أهلها أو القبول بها أو التحاكم إليها أو الجدال عنها، بل يلزم الاعتقاد بكفرها ابتداء (= التوحيد النظري) وتسفيهها وإعلان عداوتها والبراءة منها والخروج عليها والعمل على هدمها وكسرها وإبطالها لإقامة دين الله الحق وتمكين حكمه الشرعي في الأرض (= التوحيد العملي).
بعبارة أخرى:
ــ كل حكم أو نظام لا يكون له أساس من الدين (الكتاب والسنة) فهو طاغوت وباطل.
ــ التشريع والتحريم والتحليل من خصائص الألوهية، فمن يجعل لله شريكاً يضاهيه في خصائصه فقد كفر، يستوي في ذلك المشرّعون للقوانين والنظم الوضعية (البرلمانات)، والمحكّمون لها (الحكومات)، والمتحاكمون إليها (المجتمعات).
علينا الآن أن نوضح كيف أن السلفية الجهادية تحذو على هذا المثال، وأنها ليست نفياً أو تجاوزاً للوهابية ولا خروجاً عليها، وإنما هي محاولة عملية لتنزيل / توليد مفهومات وإيحاءات نسقها الاعتقادي، بمدلولها الحرفي، على مجريات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي المعاصر.
2 ــ السلفية الجهادية
إن السلفية الجهادية مصطلح معاصر يشوبه كثير من الغموض، ولم يتحقق أحد عن أول من أطلقه في المجال التداولي البحثي والإعلامي، فالجدل بشأنه ما يزال دائراً، وإن كان معظم السلفيين الجهاديين لا ينكرونه في المطلق، ويجيزون استخدامه على المستوى الإجرائي، منهم أبو محمد المقدسي الذي يعرف السلفية الجهادية بأنها تيار «يجمع بين الدعوة للتوحيد بشموليته والجهاد لأجل ذلك في آن واحد، أو هو تيار يسعى لتحقيق التوحيد بجهاد الطواغيت.. فهذه هي هوية التيار السلفي الجهادي التي تميزه عن سائر الحركات الدعوية والجهادية.. فبعض الحركات السلفية تقزم وتحصر دعوة التوحيد على شرك التمائم والتوله والقبور، ولا تتعرض من قريب أو بعيد إلى شرك الحكام والمشرعين والقوانين والقصور... كما أن بعض الحركات الجهادية تبوثق جهادها وتحصره في منطلقات وطنية، وترفض رفضاً جازماً وحاسماً أن تتعدى بجهادها حدود الوطن فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء، ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته، وفي كل مكان، فحيث وُجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته، وحيث وُجدت هذه الدعوة وُجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها ولا بد..».
كان الظهور الأول للسلفية الجهادية في مصر في نهاية ستينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد هزيمة يونيو 67، في ظل تفاعلات الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام الناصري الذي بدأ بشكل فعلي في 1954، وكان سيد قطب، الذي أعدمه الرئيس جمال عبد الناصر في 1966، هو صاحب الدور الأساسي في صياغة الأطروحات الأولية / المبكرة الناظمة للفكرانية السلفية الجهادية، وذلك من خلال منشوره الأشهر معالم في الطريق (1962 ــ 1964).
في السبعينيات، برزت السلفية الجهادية بشكل فعال مع المجموعات الإسلامية المسلحة ذات النزوع السلفي التي تناسلت في عهد الرئيس أنور السادات، وكانت تهدف إلى إطاحته حتى تمكنت من اغتياله في حادث المنصة في أكتوبر 1981. وخلال هذه الفترة، في سنوات السبعينيات والثمانينيات، تبلورت الخطابة السلفية الجهادية بشكل أكثر تفصيلاً في مجموعة من الكتابات التي ما تزال حتى اليوم مهمة وحاضرة، كمراجع موثوقة، في المتخيل السلفي الجهادي: رسالة الإيمان (صالح سرية، 1973)، الفريضة الغائبة (محمد عبد السلام فرج، 1980)، كلمة حق (عمر عبد الرحمن، 1982)، ميثاق العمل الإسلامي (الجماعة الإسلامية، 1984).
هذا وقد جاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان (1979 ــ 1989) ليعطي للسلفية الجهادية دفعة جديدة على نطاق عربي ــ إسلامي واسع، من خلال تطورات / تفاعلات ظاهرة «الأفغان العرب» التي ارتبطت باسم الداعية الفلسطيني عبد الله عزام (قتل في باكستان في 1989)، ومن بعده أسامة بن لادن الذي كان ما يزال يتحسس طريقه.. إلى 11سبتمبر.
في سياق الجهاد الأفغاني، وفي مدينة بيشاور الباكستانية: مركز تجمع «الأفغان العرب» ، كُتب النصان الأهم في التراث الجهادي الحديث والمعاصر: ملة إبراهيم (أبو محمد المقدسي، 1985) و العمدة في إعداد العدة (عبد القادر عبد العزيز، 1988).
بعد ذلك جاءت أزمة وحرب الخليج الثانية (1990 ــ 1991) لتشكل المنعطف التاريخي الحاسم في مسار السلفية الجهادية بالنظر إلى ما أفرزته أحداثها من تحولات عميقة في البنية الإسلاموية عموماً، والسلفية، الجهادية تحديداً، بصورة خاصة.
لقد وضع القرار الرسمي السعودي (9 / 8 / 1990) بخصوص الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت، ومواجهة احتمالات أي عدوان عراقي على دول الخليج الأخرى، النظام الحاكم في الرياض في مأزق سياسي حقيقي.
ذلك أن هذا الإجراء، وإن بدا مفهوماً ومبرراً من ناحية التفكير السياسي (الإستراتيجي)، فإنه في حالة نظام الحكم السعودي، الذي يؤسس شرعية وجوده، بشكل كامل ومطلق تقريباً، على المنظومة الوهابية (اللاهوتية)، فجر إشكالية دينية مزدوجة على درجة كبيرة من الإشكال: فمن جهة أولى، أثار الأسئلة حول شرعية استعانة دولة مسلمة (السعودية) بدولة كافرة (الولايات المتحدة الأمريكية) لقتال دولة مسلمة (العراق)، ومن جهة ثانية، أثار الأسئلة حول شرعية تواجد قوات عسكرية أجنبية، لأول مرة، على أرض الجزيرة العربية التي لها وضع «ديني» خاص يميزها عن غيرها من البلدان.
في محاولة منه للحصول على غطاء شرعي لقراره، عمد النظام السعودي إلى استصدار فتوى بجواز «الاستعانة بالكفار» من هيئة كبار العلماء (الفاتيكان الوهابي)، وكان يرأسها في ذلك الوقت عبد العزيز بن باز، إلا أن التمايزات الداخلية التي ينطوي عليها الحقل الديني في المملكة حالت دون إقرار موقف (ديني) موحد من القرار، ومن الفتوى التي استُصدرت خصيصاً لتسويغه، إذ سرعان ما اشتعلت شرارة الصراع بين المؤسسة الدينية الرسمية، وما بدا وقتها أنه «جيل سلفي» جديد اتخذ موقفاً معارضاً لأي تدخل عسكري أجنبي في المنطقة، مهما كانت مبرراته، وهو الموقف الذي اتسم بحدة فاقت توقعات النظام نفسه، خاصة بعد أن وصل الأمر إلى حد تكفيره على الملأ والدعوة إلى الخروج عليه.
ولكي نفهم كيف يتحرك / يتفاعل الصراع داخل الوهابية بين النموذجين: الدعوي (السلفي الجهادي) والأيديولوجي (السعودي الرسمي)، وكيف يتمخض الالتباس عن هذا الاشتباك، وتختلط الأوراق ما بين مقتضيات الديني (الدعوي) واشتراطات / إكراهات السياسي (الأيديولوجي)، نوثق هنا نصين قد يكونان الأكثر تمثيلاً واختزالاً للفرضية التي طرحناها في أول البحث: الأول للشيخ عبد العزيز بن باز، وهو أشهر من أن يُعرف، كان مفتياً للديار السعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، أي أنه يمثل أعلى سلطة دينية (وهابية) في عصره. والثاني للشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، الذي يعتبره الجهاديون من مراجعهم الموثوقة، وهو أيضاً من كبار العلماء، ومن تلامذة ابن باز، مارس التدريس الجامعي من 1957حتى 1987، وكان رئيساً لقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (فرع القصيم).
ومحور التركيز الموقف من استقدام قوات أجنبية إلى جزيرة العرب.
ومناط المثال / المقارنة: عقيدة الولاء والبراء.
أولاً: فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز بجواز «الاستعانة بالكافر على مسلم»
"نظرا لما جرى من حوادث في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر من شهر الله المحرم عام 1411 هــ من العدوان الأثيم والظلم العظيم من رئيس دولة العراق على دولة الكويت، وذلك باجتياحه بلاد الكويت بجيوشه مزودة بأنواع الأسلحة المدمرة، وما حصل بسبب ذلك من الفساد العظيم، وسفك الدماء ونهب الأموال، وهتك الأعراض، وتشريد الآمنين.
بسبب هذا كله، كثر السؤال عن هذا الحادث، وعما ينبغي نحوه، ورأيت أنه من الواجب إخبار المسلمين فيما يتعلق بهذا الحادث، وما يجب على المسلمين نحوه، فأقول:
لا شك أن هذا الحادث من رئيس دولة العراق حادث أليم وعدوان كبير على دولة مجاورة آمنة، يجب على جميع الدول الإسلامية وغيرها، وعلى جميع المسلمين إنكار ذلك وشجبه، وبيان أنه عدوان أثيم وظلم كبير.
...
وأما ما حصل من الحكومة السعودية لأسباب هذه الحوادث المترتبة على الظلم الصادر من رئيس دولة العراق لدولة الكويت من استعانتها بجملة من الجيوش التي حصلت من أناس متعددة من المسلمين وغيرهم لصد العدوان والدفاع عن البلاد، فذلك أمر جائز، بل تحكمه الضرورة. وتوجب الضرورة على المملكة من أن تقوم لأن الدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن حرمة البلاد وأهلها أمر لازم، بل متحتم، فهي معذورة في ذلك ومشكورة على مبادرتها لهذا الاحتياط والحرص على حماية البلاد من الشر وأهله، والدفاع عنها من عدوان متوقع قد يقوم به رئيس دولة العراق لأنه لا يؤمن لشعب ما حدث منه مع دولة الكويت، فخيانته متوقعة.
فلذلك دعت الضرورة إلى الأخذ بالاحتياط والاستعانة بالجيوش متعددة الأجناس حماية للبلاد وأهلها وحرصا للأمن، وحرصا على سلامة البلاد وأهلها من كل شر".
ثانياً: فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي بحرمة «الاستعانة بالكافر على مسلم»
"الاستعانة يختلف حكمها باختلاف حالاتها بالنسبة للمستعان بهم والمستعان عليهم ونوع الاستعانة، فالاستعانة بالكفار تارة يكون المستعان به دولة كافرة، وتارة يكونون أفرادا، وتارة تكون الاستعانة بهم في الحرب والقتال، وتارة تكون بالسلاح والمال. والمستعان عليهم تارة يكونون دولة كافرة، وتارة تكون دولة مسلمة، وتارة تكون طائفة مسلمة كأهل البغي، ويختلف حكم الاستعانة بالكفار حسب هذه التقسيمات. ...
ثانيا ــ حكم الاستعانة بالكفار على الدولة المسلمة أو الطائفة المسلمة كأهل البغي
أهل البغي طائفة من المسلمين تخرج على الإمام الشرعي بتأويل سائغ، ولا يكونون كفارا بمجرد خروجهم لأنهم ما خرجوا إلا بتأويل سائغ، بل ولا يكونون فساقا عند بعض العلماء... فلا يجوز له أن يستعين بالكفار على قتالهم، كما لا يجوز الاستعانة بالكفار لقتال الدولة المسلمة التي حصل بينه وبين حاكمها نزاع أو خلاف لأن في الاستعانة بالكافرين تسليطا لهم على المسلمين، ولا يجوز لأحد أن يسلط كافرا على مسلم (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا). وقد اتفق من يعتد بقوله من علماء الأمة وفقهائها على أنه لا يجوز للحاكم المسلم أن يستعين بالدولة الكافرة على المسلمين بأي حال من الأحوال، وذلك للأمور التالية:
1 ــ ما قدمناه من النصوص من الكتاب والسنة... من منع الاستعانة بالكفار على الكفار، فإن كان هذا هو الراجح ــ أعني منع استعانة المسلمين بالكفار على الدولة الكافرة ــ فمن باب أولى منع الاستعانة بهم على الدولة المسلمة.
2 ــ الكفار أعداء للمسلمين عداوة عقيدة ودين، ومعلوم أن الكفار إذا مكنوا من قتال المسلمين انتقموا منهم واستأصلوا شأفتهم لما يضمرون لهم من البغضاء والعداء. قال تعالى: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءا ويبسطوا لكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون)، وقال سبحانه: (يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ــ إلى قوله ــ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ)، وقال تعالى: (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة).
3 ــ وبالنسبة لأهل البغي فالعلة في جواز قتالهم هي كفهم وردهم إلى الطاعة لا قتلهم وإبادتهم، وبهذا يعلم أنه لا حاجة إلى الكفار فلم تجز الاستعانة بهم.
4 ــ أن الاستعانة بالكفار في تلك الحال موالاة لهم وركون إليهم، وقد قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
5 ــ ثم إن في الاستعانة بهم تعزيزا وتقوية لبعض المسلمين على بعض وإشعالا للحروب بينهم ودافعا لهم على التنازع على الرئاسة والملك، وذلك ما لا يقره الشرع بحال، بل إنه يدعو المسلمين في تلك الحال إلى الإصلاح فيما إذا كانوا جميعا طلاب حق أو ملك أو رئاسة، فإذا كانت إحدى الطائفتين المتحاربتين هي المحقة، فالمقصود من قتالها للأخرى دفع بغيها لا إبادتها، وذلك يتحقق بدون الاستنصار بالكفار.
6 ــ والاستعانة بالكفار تمكين لهم في كسر شوكة المسلمين والقضاء عليها، بل ربما إبادتهم أو طردهم من بلادهم والاستيلاء عليها، وكفى بالتاريخ شاهدا على ما نقول. فالمسلمون في الأندلس مثلا وقعت بينهم الفتن العظيمة، واستنصر بعضهم بالنصارى على إخوانهم المسلمين حتى هلكوا جميعا وزال سلطان المسلمين هناك، والأمر لله من قبل ومن بعد.
7 ــ والاستعانة بهم كذلك سلم لهم للتدخل في شؤون المسلمين الخاصة والاطلاع على عورات المسلمين ومكامن الضعف والقوة فيهم، الأمر الذي قد يجعلهم سادات وحكام يحتكم إليهم المسلمون، بل ربما يصل الأمر بأولئك إلى حشد جيوشهم وسلاحهم في بلاد المسلمين باسم المحافظة على الأمن وفض النزاع ونصرة المستضعفين والمظلومين، وذلك بمجرد توجيه أدنى إشارة إليهم للنجدة والنصرة من بعض من في قلوبهم مرض من المسلمين".
من خلال هذين النصين اللذين تعمدنا إثباتهما حرفياً (مع بعض الاختصار)، يبدو التناقض صارخاً بين موقفيْ / منطقيْ الرجلين، على الرغم من أنهما ينطلقان من مرجعية واحدة: السلفية، ويَتَمَوقَعان داخل الدائرة نفسها: الوهابية. فالأول: الشيخ ابن باز، يتجاوز بوضوح كامل المنظور الوهابي (الصارم) لعقيدة «الولاء والبراء» كما هو مبثوث في مدونات أئمة الدعوة النجدية، بل إنه يصطدم معه جملة وتفصيلاً، محكوماً بموقعه السلطوي الذي يفرض عليه أن يعبر عن سياسات وتوجهات (ومصالح) النظام الذي يمثله. أما الثاني: الشيخ الشعيبي، فيبدو متفقاً ومتسقاً ومتوحداً تماماً مع صحيح المتن الوهابي، يقرأه ويتمثل مفرداته ومراجعه كما هي في أصولها، دون أي تأويل أو تصرف، كلي أو جزئي، تماماً كما فعل في وقت سابق جهيمان العتيبي (وهو من تلامذة الشيخ ابن باز)، عندما أسس «الجماعة السلفية المحتسبة» لمحاربة البدع والمنكرات (بدعم من الشيخ)، فانتهى به المطاف، في نوفمبر 1979، إلى القيام بأول تمرد ديني مسلح في التاريخ السعودي المعاصر: احتل مع أتباعه الحرم المكي لهدم نظام «الحكم الطاغوتي»، ما اضطر الحكومة السعودية إلى استقدام قوات فرنسية وألمانية لتحريره (بعد استصدار فتوى من 32 من كبار العلماء بجواز ذلك)، وكما فعل بعده أسامة بن لادن وأتباعه من جهاديي تنظيم القاعدة (الفرع السعودي تحديداً)، الذين لم يترددوا في إشعال حرب شوارع (بالمعنى الحقيقي للكلمة) ضد النظام من أجل إسقاطه بدعوى أنه «يحكم بغير ما أنزل الله» و«يوالي الكفار والمشركين»، فهو، إذاً، من «الطواغيت» التي أوجب الله اجتنابها والكفر بها ومعاداتها وقتالها في كل زمان ومكان.
خاتمة
لقد حاولنا في هذه الورقة الموجزة أن نوضح أن ظاهرة السلفية الجهادية، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس خلال السنوات الأخيرة، شرقاً وغرباً، لا يمكن أن تُقرأ إلا من خلال اللاهوت الوهابي في صورته الأصولية الناجزة، قبل أن يجري إخضاع / تطويع مفهوماته ومقالاته، وإقحامها، بل والتلاعب بها في إستراتيجيات الحكم والسلطة (كما حدث في حرب الخليج الثانية)، وتبقى المفارقة الصارخة في الموضوع أن السلفيين الجهاديين، في اندفاعهم المحموم إلى تحرير الوهابية من إسار الأيديولوجيا، لا ينتبهون إلى حجم التناقض الذي يقعون فيه، ذلك أن ما ينكرونه ويحاربونه هو بالضبط ما يحاولون تدبيره: استقطاب وتقنيع / أدلجة الوهابية من جديد، لكن في الاتجاه المعاكس (العنفي) الذي يخدم توجهاتهم ورهاناتهم الراديكالية: هم فقط.
إنهم يريدون تحرير الوهابية ليعيدوا مصادرتها لصالحهم
هنا بالتحديد تتحرك خيوط التعارض.. والصراع
وعلى قاعدة هذه المفارقة يلتقي الطرفان / النموذجان.. ويفترقان.
#سمير_الحمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|