شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4461 - 2014 / 5 / 23 - 18:22
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا يمكن التقدم كثيراً في طريق حقوق الإنسان،و محاولة فهمه فهماً أكثر عمقاً،إلا إذا اصطدمنا بمفهوم الدولة في كل ثنيةٍ من ثنياته،فإذا أمعنا النظر،وجدنا أن كليهما قد ارتبط بالآخر ارتباطاً جذرياً و في علاقة جدلية لا فكاكاً منها،و حينها يبات من العسير علينا،الحديث عن أحدهما منفرداً و في معزلٍ عن الآخر.
و حقيقة الأمر،أن الدولة لم تظهر في تاريخنا الإنساني إلا مع شروع الإنسان في استغلال أخيه الإنسان،و نمى و تطور و تعقد مفهوم الدولة،بقدر إيغال الإنسان في سلب الإنسان حقوقه ،و ليس من قبيل الصدفة إذن،أن لا تكون ثمة حاجة للدولة في المجتمع البدائي الأول أو حياة الشركة الأولى،فحينها لم يكن مفهوم الملكية الخاصة قد عرف سبيله إلى الإنسان أو عرف الإنسان سبيله إليه،إنما كانت علاقات الإنتاج قائمة على الملكية المشتركة،و لئن كانت هناك التقاليد و العادات التي تحترم سلطة الرئيس و التي انتقلت من الأم في هذه المجتمعات البدائية إلى الأب فيما بعد،غير أنه لم يوجد قط طائفة من الناس تفرغوا لحكم الآخرين لردهم قسراً إلى الحدود التي يرونها،بالاستعانة بالقوة المسلحة التي نعهدها في الدولة....بيد أنه لمّا بزغت علاقات جديدة للإنتاج قائمة على الملكية الخاصة،و سلب الآخرين حقوقهم،بات لزاماً أن تظهر الدولة إلى الوجود كقوة مسيطرة تخضع إرادة المستغَلين للمستغِلين.
فإذا عدنا للوراء بعض الشيء و إلى دولة الرق مثلاً، يظهر جلياً أن العبيد في مثل هذا المجتمع لم يكن ليرضوا أن يساقوا طوعاً إلى أسواق النخاسة،فلا مفر إذن،من استخدام القوة المسلحة للطبقة الأسياد المسيطرة من ناحية،و حرمان العبيد من حوزة السلاح من ناحية أخرى،فتعدم الطبقات المستغَلة من وسائل النضال، و في هذا يكمن مفهوم الدولة،و لبابه كما هو إلى يومنا هذا،و هو إن بدا بصورة و آلياتٍ أكثر نعومة الآن، فليس بأقل و حشية عمّا كان!.
و إيجازاً نقول،أولاً:الدولة لم توجد دائماً،ثانياً:لا تظهر الدولة سوى في المجتمع الطبقي،من مستغَلين و مستغِلين،فحسب رأي ماركس،لم تكن الدولة _و لن تكون:_(سوى منظمة للسيطرة الطبقية،و لاضطهاد طبقة على يد طبقة أخرى)(*)
و أحسب أنه بات واضحاً الآن، أن مفهوم الدولة على أهميةٍ،هذه قدرها في مقاربتنا و محاولتنا لفهم قضية حقوق الإنسان،لذا وجب علينا إلقاء المزيد من الضوء عليها،كمفهومٍ فلسفي و كنهها من وجهة نظر "الجدل الهيغلي "إزاء وجهة نظر "الجدل الماركسي"،و تجليات مفهوم الدولة في مستقبل حقوق الإنسان _من الحرية و الأمن و المساواة..ألخ_في الناحيتين.
...يتبع
.................
(*)لينين:الدولة و الثورة ص13
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟