سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1263 - 2005 / 7 / 22 - 11:13
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تطرح أحداث العنف المؤسفة التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية في قطاع غزة على مجموع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، سؤال إلى متى يبقى الشارع الفلسطيني أسير هذه الثنائية الحادة في الاستقطاب " حماس ـ فتح " والذي يدفع ثمنها من رصيده الكفاحي وصموده الذي راكمه على مدى سنوات الاحتلال ويزيد .
بديهية الحراك
ويبدو أن أولى البديهيات التي غُيبت والتي كان يجب أن تتعامل معها القوى السياسية الفلسطينية بكل ألوان طيفها السياسي والفكري باعتبارها واقعا ، هو أن حراكا سياسيا واجتماعيا قد حدث على صعيد حضور القوى السياسية في الشارع الفلسطيني في السنوات الأخيرة ، وأن هناك إزاحات باتجاهات مختلفة تمت على رصيد كل القوى في الشارع الفلسطيني ، لم تعد تجدي معه قراءة الحاضر بالجلوس في الماضي وإصدار الأحكام والفتاوى ، وإذا ما سلمنا أن هذا الحراك قد جرى بالفعل فإنه والحال هذه ليس بمقدور أحد أن ينكره، إلا لمن فقد القدرة على قراءة الحراك الاجتماعي في حركته وتطوره بعيدا عن الإرادوية والتقييم الأخلاقي لهذا الطرف أو ذاك ، وهو حراك يجب أن تجري قراءته من منطلق ، أن هذه حقائق الحياة في عدم سكونها .
لذلك لا يمكن لأي قوة أن تتعامل مع الواقع بخفة فكرية وسياسية على قاعدة " أنا لا أفكر إذن الآخر غير موجود " بل يجب أن تتم قراءة الواقع في حركته ، بما يعطي للآخر مكانا في الرؤية ، بل واحترام وجوده لأنني عندها أحترم عقلي أولا ، كون وجوده شيء موضوعي ، ولا يرتبط بإرادة أحد . وعليه فبدلا من نفي الآخر " ذاتيا " ، يصبح من صميم واجب كل طرف يشعر أن هذا الآخر قد أخذ مساحة كان يشغلها غيره ، أن يسأل نفسه لماذا تقدم الآخر وتأخر هو ؟
إنه بالتأكيد السؤال السهل الصعب ، حيث تصبح أول خطوة باتجاه الخروج من رجم الآخر بالبحث عن مثالبه ، هو أن يتم التفتيش وبما يتطلبه ذلك من نزاهة فكرية وأخلاقية عن أوجه الخلل والتقصير في الذات ، على قاعدة أن لا أحد طاريء على الوطن ، وربما يكون " طارئا " بالمعنى النسبي على الفعل الكفاحي والسياسي ، إذا ما أخذنا عمر التجربة الكفاحية للثورة الفلسطينية ، غير أن الأمور هنا لا تقاس براهنيتها ولا أحد من ثم يستطيع أن يعيش في التاريخ وعلى التاريخ .
الشراكة في الوطن
فالتاريخ لا يحتفظ لمن يفقد القدرة على التطور ومواكبة الحياة بدورة ، لأن أي دور لأي قوة سياسية هو فعل يومي قادر على نسج علاقة جدلية في الواقع ومع التاريخ في حركته ، وبقدر الحضور والفعل والتكيف الإيجابي باعتباره " فاعل " في التاريخ في محطاته المختلفة ، بقدر ما تستطيع أي قوة ، ليس الحفاظ على الذات وحسب بل وفي أخذ مساحة في الواقع والتاريخ في راهنيته تتساوى وحجم الطموح ومقدار الفعل الذي قامت به .
ويكاد يكون من أولى البديهيات التي يجب أن تستقر في وعي كل إنسان فلسطيني ولدى كل القوى السياسية أن لا أحد يستطيع أن ينكر على أحد الشراكة في الوطن ، وكذلك حقه في العمل انطلاقا من أبجدية هذه الشراكة من أجل ذلك ، لكن وفق قواعد العمل الوطني المشترك التي تقبل التعددية السياسية والفكرية والتي ناظمها مصلحة الوطن كما أقرتها الثوابت الوطنية والإجماع الوطني الفلسطيني على مدار عمر الصراع مع الكيان الصهيوني .
وعلى ضوء ما جرى مؤخرا يكاد يكون مجافيا للحس الوطني أن يجري تكريس التعبئة والتثقيف التنظيمي والسياسي والفكري للأعضاء من قبل أي قوة سياسية من منطلق تضخيم " الذات " والإطلاقية الفكرية والسياسية على حساب الآخرين مهما كانت الحجوم والأوزان ، لأن ذلك يعني في جوهره مصادرة للعقل ليحل محلها ثقافة " آمين " القسرية التي تستلب الإنسان الفلسطيني لتجعل منه رقما تحركه منظومة سياسية وفكرية لا تحترم عقل المواطن الفلسطيني ، أكان منتميا لأحدى تلك القوى أو غير منتم ، حيث يجري التعامل مع العمل السياسي وكأنه تحضير لانقلاب على الواقع ، وليس انتقالا سلميا تقرره الجماهير الحرة من كل ضغط أو إكراه بالمعنى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري ، ساعة يطلب منها ذلك .
دور يبحث عمن يقوم به
هنا يصبح على القوى خارج دائرة ثنائية " حماس ـ فتح " أن لا تقف في موقع المتفرج وخارج نطاق الفعل السياسي والتنظيمي والفكري ، ذلك أن حضور هذه القوى ليس مصلحة ذاتية تخص تلك القوى فحسب ، بل هو في الأساس مصلحة وطنية في الصميم حتى تستجيب لشرط التنوع السياسي والفكري والاجتماعي في الواقع الفلسطيني ، وهي بالضرورة يمكن أن تشكل محفزا لنقل الصراع من هذه الثنائية المجافية إلى فضاء التنافس الأرحب بمشاركة كل القوى السياسية الفلسطينية.
والمعني بذلك هي قوى التيار الديمقراطي المشتت والمشرذم والذي يجب أن يغادر عقلية الحسابات الفئوية الضيقة إلى تحدي الواقع الراهن التي تفرضه الضرورة الوطنية ، لأن هذا الحريق الذي اشتعل الأيام الماضية ، وإن تم إخماده إلا أنه قابل للاشتعال مرة أخرى ، إذا ما بقيت محاولات الإزاحة القسرية من كل للآخر ، وما بقي هذا الدور السلبي وغير الفاعل لهذه القوى باعتبارها وعلى مدار عمر التجربة السياسية الفلسطينية المعاصرة كانت صمام أمان الوحدة الوطنية .
ومن ثم إذا كان ما يدفع البعض إلى جر الساحة الفلسطينية إلى دوامة العنف هو الطموح باعتباره حقا مشروعا ، غير أن مشروعية ذلك هي رهن بموضوعيته وبمشروعية أساليبه ووسائله وأهدافه ، وبقدر استجابتها لشرط النظام العام ومصلحة المواطن التي يقرها مجموع الشعب الفلسطيني عبر قواه السياسية ومنظمات مجتمعه المدني ، ولذلك لا يجب أن يكون العجز وانعدام الإرادة السياسية والحسابات الصغيرة هو ما يكبل قوى التيار الديمقراطي عن القيام بدورها في هذه الأيام الصعبة ، والتي تنتظر استحقاقات مصيرية تمس مستقبل الشعب الفلسطيني أينما كان .
اللحظة التاريخية لا تنتظر
هذا التقاعس عن لعب هذا الدور الموضوعي يضع علامة استفهام حول مستقبل هذه القوى في الحياة السياسية الفلسطينية ، لأن فقدان الحس بالواقع والقدرة ،على التعامل معه من منطلق أنه ضرورة موضوعية لحماية المشروع الوطني بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية ، يحتاج إلى هذا الدور ، إلا أنه في الوقت نفسه يحتاج إلى من يؤمن به فعلا لا قولا .
ولا يمكن للّحظة التاريخية أن تنتظر من يجلس مراقبا أو متفرجا أو عاجزا ، أيا كان سبب ذلك كله ، ذاتيا كان أم موضوعيا ، خاصة وأن المشهد السياسي الفلسطيني وفق كل المعطيات يشير إلى أهمية هذا الدور ، وإذا ما استحضرنا القراءات التي تقول بأنه ما من أحد من القوى السياسية الفلسطينية بمكنته أن يشكل الحالة السياسية الوحيدة منفردا ، دون قيام تحالفات سياسية مع قوى أخرى ، بعد كل ذلك الحراك الذي شهدته الساحة الفلسطينية في السنوات الماضية ، لأدركنا كم هو مصيري وحيوي هذا الدور الذي يجب أن تقوم به القوى الديمقراطية .
لأنه يكاد أن يكون في حكم الثابت أن الحالة السياسية الفلسطينية على ضوء هذا الحراك السياسي الذي عاشته وتعيشه وبعد إقرار القانون الانتخابي الجديد قد غادرت منطقة " النصف زائد واحد " إلى حالة من التمثيل الأوسع للقوى السياسية ، الأمر الذي يفتح المجال أمام جميع القوى لنسج علاقات تحالف سياسية على أساس برنامجي يستجيب لشروط الواقع الفلسطيني ويكسر قاعدة التفرد والهيمنة من أي جهة أتت .
ولعله من باب التذكير القول بأنه غالبا ما تسعى وتعمل أي قوة من أجل الحصول على دور تاريخي تقوم به في المحطات المفصلية من حياة الوطن ، إلا أن المفارقة التي تلقي بظلالها على الواقع السياسي الفلسطيني الراهن ، هو أن هناك دور ينتظر من يقوم به ولا يجده ،غير أن ذلك الدور بالطبع لن ينتظر إلى ما لانهاية ، فهل من مجيب ؟
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟