|
مستقبل الطفولة في العراق
صابرين فالح
الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 19:02
المحور:
المجتمع المدني
تكمن ثروة الشعوب الحقيقية في الجيل الصاعد من ابنائها، في اولى مراحل أعمارهم الغضة، او ما يسمى بمرحلة الطفولة، وكيفما تعتني بهم، وبما من شأنه توفير كافة المستلزمات لبناء عقولهم وتنميتها، ستحصل مقابل ذلك على جيل قادر على بناء مجتمع متقدم حر وسليم. فكيف هو واقع الطفولة في العراق، وكيف يتعامل مجتمعنا مع ابنائه في سنين حياتهم الأولى، هذا ماسنحاول ان نلقي الضوء عليه لما لهذا الموضوع من أهمية عظيمة على مجتمعنا في حاضره ومستقبله. إن مشكلة الطفولة في العراق قديمة، لان النظرة إلى الطفل تتسم بأنه غير واع ومدرك لما حوله، وإدراكه يبدأ عند البلوغ، لذا فهو يتعرض إلى انتهاكات أخلاقية متعددة ومختلفة. ويساعد على ذلك عدم وعي الآباء والأمهات، بأهمية الطفولة في المجتمع وتأثيرها المستقبلي، وكثير من العوائل تترك الطفل للزمن، فهو كفيل بوجوده وديمومته وتوجيهه. وفي وقتٍ متأخر بدأ الاهتمام بالطفولة، لكنه تزامن مع الحروب والحصار الاقتصادي الذي شهده العراق قبل 2003، ثم العنف الطائفي الذي عصف بالعراق دون رحمة في الاعوام التي تلت التغيير، مما جعل الفرد العراقي، يكون ضحية الحرب والإرهاب، ودفع الطفل ثمناً غالياً في هذه الظروف. ويتعرض الأطفال خلال التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة إلى القتل او بتر أعضاء من اجسادهم وهذا يجعلهم غير قادر على ممارسة حياتهم، أو فقدان احدى حواسهم كالسمع والبصر. وبسب الظروف الاقتصادية التي تعيشها العوائل العراقية ينخرط الاطفال بالعمل مبكراً، ويشكل العمل المرهق نوع أخر من العنف الجسدي، فكثير ما يطلب من الطفل أن يقوم بأعمال تفوق قدراته الجسدية، أو العمل تحت أشعة شمس الحارقة وقضاء ساعات طويلة في العمل، مما يسبب له التعب والإرهاق، وقد يتعرض الطفل للشتم والإهانة والإذلال، كذلك يتعرض الطفل إلى العنف النفسي، بحرمانه من كل وسائل الترفيه، ليكتفي بالجلوس لساعات طوال أمام التلفزيون ليشاهد وقائع الحرب المرعبة، ويقدر له أن يشاهد بأم عينه الانفجارات والجثث، مما جعل الطفل لا يميل الى الألعاب السلمية، وإنما يفضل أن يلعب ادوار العنف أو يرسم صور تمثل الحرب والدمار والقتل، بعد أن كان يرسم شجرة وعصفور ونخلة. وبذلك بات الطفل العراقي، ضحية المجتمع الذي يتجاهل حقوقه، ويدافع عنها، ففي إحصائية لمنظمة اليونيسيف قدرت في عام 2008 نسبة العمالة بين الأطفال إلى 11% من الأيدي العاملة". وهذه النسبة زادت بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت على الشعب العراقي بعد ذلك التاريخ وظروف الحرب الطائفية والعنف. ان الاعمال الشاقة التي يقوم بها الأطفال قد تسبب لهم العوق بسبب التعامل مع الآلات الحادة الجارحة وظروف العمل التي لاتناسب هذه الشريحة. وتشير احصاءات وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الى ان عدد الاطفال الأيتام في العراق بلغ نحو اربعة ملايين ونصف المليون طفل بينهم 500 الف طفل مشرد في الشوارع كما تستغل المليشيات الأطفال وتسخرهم لإعمالها العدوانية كالقتل وزرع العبوات الناسفه وتفخيخ السيارات، ونشر النعرات الطائفية، لتترك تأثير سلبيا على نفوسهم الغضة الطرية ويصابون بأمراض نفسية، نتيجة الخوف والرعب الذي يتعرضون له، وفي دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2006 لشريحة من 1090 طفل أكدت إن 30% من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية و 47% يعانون من كوابيس واكتئاب وقلق، نتيجة صدمة كبيرة، كما إن حرمانهم من الدراسة ومن ذويهم وأصدقائهم، يجعلهم يعيشون في إحباط شديد، وهولاء الأطفال يفتقدون للرعاية للتغلب على الصدمة التي تصيبهم جراء فقدانهم أهاليهم وجيرانهم وبيوتهم. الطفولة في العراق تعاني من أمراض كثيرة، لابد من إيجاد العلاج الناجع لها، قبل فوات الأوان، من اليتم وفقدان الحنان الأبوي، والرعاية الامومية، ومن شحة في القدرات، على تلبية الحاجات الأساسية، ومن حرمان شبه كامل، من الأصدقاء ومن الهوايات، ومن تدهور الصحة النفسية، والجسدية نظرا لمعاناة طويلة، وحرمان من مصادر الدخل والأمان النفسي. فماذا يمكننا ان نفعل لإيقاف ذلك التدهور، الذي يعيشه مجتمعنا، وينعكس بالدرجة الاولى على الحياة الآمنة لأطفالنا؟ وكيف يمكننا إنقاذ مجتمعنا، مما يراد له، من يتم وتدهور، وحرمان من الحب والحنان والأمان، أليس من واجبنا أن نفكر، بإنقاذ طفولتنا البائسة، من واقع شديد التعاسة ؟ ونفكر ان نصنع المستقبل، عله يكون أكثر إشراقا، من ماض تعيس مظلم، على مفكرينا وكتابنا، ان يجدوا الطرق في إنقاذ طفولتنا، من سياسة التنكيل والحرمان، وان يعيدوا لأطفال العراق حياتهم الآمنة، وأسرهم المتعاونة المتآلفة، التي توفر كل حاجات الإنسان السوي، من حب وحنان، وتعليم اقتصاد وترفيه، ومن تعزيز الثقة بالنفس، التي سلبت، ومن نظرة مطمئنة الى المستقبل، الذي يجب ان يكون أكثر إشراقا، من الحاضر التعس، والأمس المظلم، لنفكر في إيجاد الطرق الناجعة، التي تعيد الحياة لأطفال العراق اجتماعيا، وسياسيا واقتصاديا، وثقافيا ونفسيا، وكل من هذه الميادين، تتطلب تضافر الجهود وإمعان الفكر، والرغبة الجادة. تعتني الأسرة بحياة الطفل، وتوفر له ما يحتاج له من أساسيات، وتغرس فيه حب النفس، واحترامها وتقدير الآخرين، وحب التعلم والوطن والرغبة في العمل والإحسان فيه، وان يدرب منذ الصغر على احترام الرأي الآخر، ليس نظريا فحسب، وإنما عمليا أيضا، بان يجد نفسه في بيئة تحترم اختلاف الآراء، وان نعود إلى ماضي تعليمنا العراقي، حين كانت هناك مكتبات عامة، في كل مدرسة، وكل منطقة سكنية، وان كان هذا الأمر مقصورا على العاصمة بغداد، فانه يجب ان يعمم، على كل العراق، لتكون الثقافة عامل بناء، ويتعلم الطفل العراقي كيف يقرأ الكتاب، ويطلّع على كل ماهو جديد، في حدود عمره، وامكاناته العقلية، وان تحترم المدارس عقلية الطفل ومداركه، وان تخلو الكتب المدرسية، من أفكار التعصب والتطرف والتشجيع على العداء للرأي الآخر، وتغليب القوة الجسدية، على القوى الروحية والعقلية والنفسية، كما يجب الاهتمام بالأنشطة اللاصفية، وان يقبل عليها الطفل طواعية، دون فرض او إكراه، وعلى المربين ان يشجعوا الإبداع بكل ألوانه، الأدب : شعرا ونثرا ،والفن، رسما وموسيقى ومسرح، الذي يجب ان يأخذ العناية الواجبة، من المسئولين عن تربية الطفل ،والقائمين عليها في العراق، وان تخصص المبالغ المناسبة، لتشجيع القدرات الإبداعية ونشر الجيد منها، وإعفاء الأطفال من التكاليف المالية، كما يجب الاهتمام بغرس المبادئ الجميلة التي تحترم الحياة وتدعو الى النضال، من اجل تحسين ظروفها، وان نبتعد قدر الإمكان عن ثقافة الموت والدمار او تشجيع سياسة العنف وإلغاء الآخر.ماديا ومعنويا، وقد ننجح وليس من المحاولة الأولى بأن نساهم قليلا في إنقاذ الطفولة العراقية.
#صابرين_فالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طموح المرأة للمساهمة في تغيير مجتمعها
-
هل تجد ربة البيت الفرصة للاهتمام بنفسها
-
هل يحترم ويقدر الرجل مسؤوليات زوجته العاملة
-
المرأة العراقية جديرة بالثقة
-
أثبتت كفاءة في اي مجال تخوضه المرأة العراقية جديرة بالثقة
-
كراهية المرأة! هل هي ثقافة تحرض عليها مجتمعاتنا؟
-
المرأة العراقية العاملة ومخاطر الطريق
-
الدعايات الانتخابية انعكاس لعبثية واقعنا السياسي
-
البرلمانيات العراقيات وتحديات المرحلة القادمة
-
الأم العراقية العاملة.. واقع وحلول
-
المرأة العراقية وساحة التحرير بين الرغبة والتردد في المشاركة
...
-
.شؤون المرأة وشجونها في رمضان
-
المرأة العراقية ونظرة المجتمع لها
-
التكنلوجيا وأثرها على المرأة
المزيد.....
-
نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو
...
-
زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن
...
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|