سامية الفريقي
الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 18 - 18:26
المحور:
المجتمع المدني
لصديقي قصة طويلة مع السجائر، فهي رفيقته في عزلته، و رفيقته في عمله، و رفيقته مع أصدقائه.
ينهكها كلما أنهكه التعب، يستنزفها كلما استنزفه القلق و يدمنها كلما أدمنه الاكتئاب.
تشاركه مغامرة طويلة المدي و قصيرة في آن فأحلام يقظته أطول من أن تنتهي
، و عمر سيجارته أقصر من أن يطول .
حينما يشعلها، تبدأ في الاحتراق فيحترق معها الضجر و تحترق مأساته أيضا و لكنه يحترق معهما.
و هو عالم بذلك و لكنه غير مبال و غير مهتم فالمهم أن باله مرتاح في تلك اللحظة، المهم أنه مستمتع.
هو في تلك اللحظة ليس موجودا معنا علي أرض الواقع. ربما هو الآن علي مركب يعج بالفارين نحو إيطاليا ، نعم إيطاليا و ليس لمبدوزة ، فليس للمبدوزة وجود علي خارطته ، ما دامت تزخر بالعرب المنسيين سواء الأحياء منهم ، الذين وصلوا إلي تلك الأرض بصفعة حظ، و ماتوا فيها..، أو الأموات منهم ، الذين بلغوا مقابرهم البحرية قبل أن يلجوا إلي هذه الجزيرة ببضع أمتار، فأمرهم سيان. و لا وجود لهم في خارطته.
و ربما هو الآن مع رفيقته الشقراء في تونس، رفيقته الفرنسية صاحبة العينين الزرقاوين و القوام الممشوق، رفيقته الفرنسية التي أحبته و ستتزوجه هذه الصائفة و تأخذه إلي فرنسا، نعم فرنسا، الأمل الجديد بعد وفاة إيطاليا.
و ربما هو الآن بكل بساطة، مستلق، والدته الحنون تجاوره، يتحدثان و يضحكان بعيدا كل البعد عن أوجاع الحياة و مشاكلها..
ها قد انطفأت السيجارة، و ها قد عاد إلي واقعه الممل، واقعه الميؤوس منه، واقعه الذي تتسارع معه دقات العمر المخيفة.
مازال في عنفوان شبابه و لكنه يسرع الخطي نحو الشيخوخة دون أن يدرك
و ها هو يشعل سيجارة أخري و يعود إلي ما كان عليه متخيلا حلما جديدا ليس مختلفا كثيرا عن أحلامه السابقة..
#سامية_الفريقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟