|
ساندويتش همبورجر تك أوي وإجري
حسام شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:21
المحور:
المجتمع المدني
جميل أن تتناول ساندويش من الهمبورجر مع قليل من الكتشب بلونه الأحمر وبمذاقه المميز، والأجمل أن تتمتع بكوب من مشروب الكوكولا، وأنت تجلس في أحد محلات مكدونلز المكيفة. أما الأكثر متعة وأنت جالس أمام الشاشة المليئة بالمركبات والعناصر المثيرة، بمجرد ضغطة واحدة، تكون في عالم ما وراء البحار، أو ما وراء الوراء ذاته، تنسى أصدقاءك بعناصرهم الفسيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، لتبحث عن آخرين تراسلهم عبر برامج الدردشة ( التشات) وتكون غايتك في المتعة أن تشاهد صورهم على كاميرا الإنترنت أو تسمع صوتهم، وقمة المتعة هو أن تجلس ضمن مجموعة العائلة وأنت في نفس الوقت ليس معهم بفعل تأثير فيلم ثقافي أو ليس بثقافي يبث عبر الستالايت أو عبر قناة روتانا سينما التي حققت حلم المشاهد العربي ( كما ورد في نص الدعاية ).
ولما كان الإنترنت من أحد أهم هذه العناصر التي تسللت عبرالعظام فينا، عبر الدم، عبر حواجز الإحتلال من بيننا لتصبح بديل الإحتلال، فعلينا أن ندرك أننا أمام أحد أخطر المركبات الثقافية في العصر الحديث، فليس الإنترنت أن تجلس مثل شجرة ضربت جذورها عميقاً في الأرض فأصبح من العسير اقتلاعها من أمام جهاز الكمبيوتر وأنت تبحث عن نقيضك بالذات نقيضك لتحدثه في اللاشيء وفي اللامفهوم وأحياناً تتمتع وأنت تكذب وتغير في واقعك في شكلك، طموحك، عملك، فأنت عبر الشكبة ممكن أن تكون طبيب أو فنان أو مخترع ممكن أن تكون ما تريد ممكن أن تحقق حلم فاتك. ولكن أين كل ذلك إذا ما انقطعت الكهرباء فجأة أو فقدت الإتصال بالإنترنت بفعل فيروس مخرب ومجرم أو بفعل خلل تقني حقير نغص عليك لحظات الحلم الكاذب الجميل.
هذا من جانب ومن جانب آخر تفاجئنا على غفلة أو أثناء صحوتنا أكثر من 200 قناة فضائية تركز على الغناء الفاضح وتسميه فناً، ضاربة بعرض الحائط كل قيم وعادات وتقاليد المجتمع العربي، وتبث عجرميات تثير الغرائز، وتصنع لهز الوسط مدرسة وأصول ومناهج، وبخفة تتسلل إلى طقوسنا ومزاجنا الفني وذوقنا العام لتأتي لنا بهيفائيات تعكس لنا أحدث فساتين الموضة التي تدلل على أزمة القماش في السوق العالمية، إنها نقلت الكباريه والمرقص والبار وقمامات الرذيلة - من تعري ومتاجرة في اللحم الأبيض المتوسط - إلى البيوت دون أن تحتكم لأصول طلب الإذن بالدخول من أصحابها...... والمثير للانتباه أن مستوى الإقبال لدى المشاهد العربي لهذه القنوات في تنامي مستمر فهل نحن على أبواب الدخول في زمن الكفاح المشلح أم نحن غارقون فيه دون أن ندري.
إن ما يبث عبر الإنترنت والقنوات الفضائية ممتع ولذيذ، ولكنه مثل لحن ضبابي مسكر، يجعلك عنصر فردي إزاء واقع ومركبات البيئة التي تعيش فيها، فـإذا أرغمنا ضعف مصنعي الثقافة المحلية أن نطور سلوك يتماشى مع تنور مطور، أو كانون حديث الطراز، أو حكايات الجدة في شكل مختلف ينسجم وطبيعة العصر الحديث. فعلينا أن ندرك كيف عمل الآخر ليكون بيننا بمركباته الثقافية ويجعلنا أن نتعامل مع سلعه، دون أن يجبرنا على فعل ذلك، لقد فهم نمطنا اسلوبنا وكان منذ البداية يعلم كيف يمكن أن يستثمر مجمل عناصر إنتاجه بيننا، إنها ليست عقلية المؤامرة كما قد يفهمها البعض، لكنها ضرورة لمن يريد أن يسطر ينتشر يكون ذاته وثقافته يكون المصنع بخصائصه القوية لا المستهلك التابع في فكره وسلوكه.
حقيقة لست مطمأناً كثيراً إننا في العالم العربي سوف نغير واقع التردي الثقافي والانجرار وراء تفاهات العولمة بالتحديد، لا إيجابياتها المتمثلة في محاكاة العلم والتطور الصناعي والتكنولوجي، بل سيبقى الحال على ما هو عليه والمؤشرات المجتمعية والميول الفردية للأفراد في المجتمع تنحو باتجاه الانغماس أكثر في تفاهات العولمة حتى الذوبان والتحلل في جوفها، لكن لا مناص من القول أنه علينا أن ندرك وبشكل أساسي انه من الواجب علينا كأفراد في هذا الوطن العربي، أن نعلم أننا عبارة عن سوق للبضائع العالمية ولشركات عابرة القارات، أما عن رواد الثقافة في الوطن العربي ما هم إلا جوزات سفر لهذه البضائع. الفقر والجوع والرذيلة حصيلة أفراد المجتمع كوننا الحلقة الأضعف في دائرة الصراع القيمي والثقافي والاقتصادي، أما المال والسلطة، وغضب الرب، ولعنه الموت الأخيرة نصيب جوازات السفر، أما البضائع ستجد سوقها والشركات سوف تسيطر على مقدرات شعوب العالم. عزيزي المواطن عندما ترى جمال صبية تتمايل أو تتحايل على الملابس لتكون أقصر، وهي ترقص رقصة الهسهسة السيكوباتية، أو تأتينا خنفسائية الطلة لتقول لنا (مش حتقدر تغمض أذنيك)، عليك أن تعلم أن من يقود الدفة هو قرد بشع يجلس خلف منضده حديثة الطراز ويقامر بلعبة النرد على مقدراتنا، فهو يدرك وبشكل كامل كيف يمكن له أن يسحب باقي الراتب الشهري الحقير من جيوبنا ويحولنا إلى أفراد سطحيي التفكير نتمتع بقدر عالٍ من الخلل في الذوق العام وتشوه في المزاج، وعطب في منظومة القيم التي تشكل صمام أمان للفرد. فإذا لم يعد لدينا القدرة أن نجلس ونتربع ضمن مجموعة العائلة أو الأصدقاء على صينية مفتول أو كسكسي، فليس بالضرورة أن تتحول طقوسنا الغذائية لسندويتش همبورجر، ونمط حياتنا الثقافية لـ تك أوي و اجري.
#حسام_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسرة وتكويناتها
-
قراءة تحليلية لوقائع إنتخابات اللجنة التحضيرية للبرلمان الشب
...
المزيد.....
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|