|
هل يجب أن نجرّم المهاجرين أم يجب أن نساندهم ؟
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 17 - 01:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هل يجب أن نجرّم المهاجرين أم يجب أن نساندهم ؟ " الثورة " عدد 333، 23 مارس 2014. أخبار " عالم نربحه " ، 10 مارس 2014. www.revcom.us بإستمرار يُقال إلى الناس الذين يعيشون فى الغرب و أماكن أخرى يقصدها المهاجرون أشياء من مثل " بلدنا تتعرّض لغزو المهاجرين " . و نادرا ما يمرّ يوم لا يستمعون فيه السياسيين و وسائل الإعلام ينظّمون هجمات عنصريّة ضد المهاجرين ، موبّخينهم على أنّهم سبب البطالة و أنّهم يسيئون إستعمال فوائد نظام الرعاية الإجتماعية و أنّهم عبء على دافعي الضرائب أو أنّهم يفرّخون الإجرام . و الطريقة التى تطلق بها عمدا السلط الهستيريا الحاليّة المناهضة للمهاجرين و التى ليست ردّ فعل عفويّ من ناس يجهلون الموضوع ، قد برزت فبلا فى شهر مارس فى ما يتعيّن أن يكون فضيحة مدوّية فى المملكة المتّحدة / أنجلترا . فعندما تمّ الكشف على نتائج دراسة أكاديميّة فيها إستعراض للأقران أنجزتها لجنة بطلب من الحكومة مفادها أنّه ثمّة إرتباط غير وثيق لفترة وجيزة فحسب بين الهجرة و البطالة ، ببساطة وضع حزب المحافظين الدراسة فى الرفّ و واصل حملته لإقناع البريطانيين بأنّه للحفاظ على مستوى عيشهم ، يجب عليهم أن يضيّقوا على تدفّق الأجانب. و تلصق الطبقات الحاكمة الإمبريالية الغربية و بلدان متقدّمة أخرى تجلب المهاجرين نعت "غير القانوني " بهؤلاء البشر بتجريمهم و تشريع مطاردة الساحرات ضدّ الذين قد عرفوا بعدُ عذابا نفسيّا و جسديّا وإقتصاديّا هائلا . و بطرق متنوّعة وإلى درجات متباينة ، حتى و إن كان عدد الذين يردون إلى هذه البلدان ظلّ تقريبا مستقرّا ، فإنّ الدعاية الخبيثة المناهضة للمهاجرين صارت عاملا كبيرا فى صياغة المشهد السياسي فى أوروبا الغربيّة و أستراليا وهو ما موضوع تركيز هذا المقال . ( و لأسباب تاريخيّة و ديمغرافيّة و غيرها من الأسباب و للأهمّية العسكريّة للحدود المجاورة لبلد سحقته الولايات المتحدة ، فإنّ مسألة الهجرة هناك تتمظهر بشكل مختلف ). ما الخطر الذى يهدّد اللآجئين و كيف توظّف الحكومات ذلك لفرض حكم الإعدام : بالضبط الآن ، آلاف الناس من كامل أفريقيا يعيشون فى أكواخ فى مخيمات فى جبال حول سبتا ومليلا وهما مقاطعتان من بقايا الإستعمار الإسبانيّ و هيمنته على المغرب . و نظرا لكون هتين المقاطعتين من الأرض المسلوبة قانونيّا جزء من أوروبا ، فإ،ّ كسب الدخول إليهما هدف هام بالنسبة للمهاجرين و اللاجئين . و فى السنوات القليلة الماضية ، إستخدمت الحكومات الإسبانيّة بصورة متكرّرة الشرطة لمهاجمة من يحاولون تسلّق الأسوار العالية من الأسلاك التى تحيط بهم ، و ذلك بالغاز المسيل للدموع وبالضرب بإطلاق النار عليهم . وفى الشهر القليلة الماضية ، مع إستشراء اليأس بصفة متصاعدة فى صفوف المهاجرين ، وجدت محاولات كثيفة لإقتحام الحواجز بمشاركة أعداد تبلغ 1500 شخص فى الآن نفسه ، و على الأقلّ نجحت واحدة من المحاولات . و فى 6 فيفري ، مع قتال مئات الأفارقة للشرطة فى محاولة منهم لتخطّى الأسيجة ، قفز عدد عير معلوم من الناس إلى المحيط من الجانب المغربي و سعى إلى السباحة حول السورالبحري نحو الجانب الإسباني. و أطلقت الشرطة الإسبانيّة الرصاص المطّاطي و قنابل الدخان على الرجال فى المياه و كذلك أطلقت النار على أهداف الرمي و عُلم أنّ 15 شخصا وقع إغراقهم. و نجح 23 مهاجر فى مسعاهم . و فى البداية أنكرت الحكومة الإسبانيّة إطلاق النار . ثمّ ، لمّا عرضت على اليوتيوب أفلام فيديو سجّلت الوقائع ، أشادت الحكومة بالشرطة و أوقفت إجراء تحقيق فىالمسألة . يمثّل هذا الحادث أفضل تمثيل وضع المهاجرين : اليأس الكبير الذى يدفعهم إلى إعتبار هذه الفرصة المميتة أفضل خيار لديهم ؛ و يمثّل من الجهة الأخرى وحشيّة السلط فى البلدان الإمبريالية التى لعبت دورا هاما فى إيجاد مثل هذا اليأس فى المصاف الأوّل . وفى إحدى أتعس المآسي الحديثة التى أصابت اللاجئين ، فى 5 أكتوبر من السنة الماضية ، غرقت سفينة كانت تحمل على متنها 500 لاجئ إفريقي من أفريقيا إلى أوروبا قرب لمبدوزا وهي جزيرة على مفربة من سواحل شمال أفريقيا و تملكها إيطاليا . و خسر أكثر من 300 شخص حياتهم . و الصيّادون الإيطاليّون و ليست السلط هم الذين قاموا بمبادرة إنقاذ الناس الغرقى ليس بعيدا عن السواحل . و قد نظّم سكّان لمبدوزا مظاهرة مطالبين السلط ببذل المزيد من الجهود لإنقاذ المهاجرين فى عرض البحر . و بعد بضعة أيّام فحسب ، فى 11 أكتوبر 2013 ، غرقت سفينة أخرى قرب لمبدوزا و كانت تحمل على متنها 200 مهاجر توفّي منهم 27 . و تقريبا فى نفس الوقت ، شهدت المصير عينه سفينة قرب الإسكندرية فى مصر ، و كان على متنها زهاء ال130 مهاجرا توفّي منهم 12 مهاجرا فلسطينيّا و سوريّا . و فى 31 أكتوبر ، عُثر على 87 جثّة فى صحراء النيجر و غالبيّتها جثث نساء و أطفال . و يُعتقد أنّهم كانوا فى إتجاههم إلىالهجرة و عائلاتهم بحثا عن شغل فى أوروبا . و يبدو أنّهم ماتوا عطشا بعد أن تعطّلت وسيلة النقل التى كانت تقلّهم . و بالكاد يمرّ أسبوع دون حادث كبير يطال المهاجرين الذين يخسرون حياتهم . و غالبيّة الأحداث المميتة يسكتُ عنها و لا تنشر أخبارها . فوفق إحصائيّات الإتحاد الأوروبي ، خلال فترة سنة 2012-2013 ، حاول أكثر من 30 ألف شخص عبور البحر الأبيض المتوسّط نحو إيطاليا غالبيّتهم كان يحدوهم أمل السفر من هناك إلى أماكن أخرى من أوروبا . و الكثير منهم لم يبلغوا الضفّة الأخرى . و وفق وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، حوالي 2000 شخص قد لقوا حتفهم فى البحر الأبيض المتوسّط منذ بداية 2001 . و تقدّر تقارير الإتحاد الأوروبي أنّ حوالي 20 ألف مهاجر حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسّط و ماتوا منذ 1998 . و يتّبع المهاجرون طريقا خطيرا آخر هو عبور المحيط الهندي نحو أستراليا . و كلّ سنة ، مئات السفن الحاملة لآلاف اللاجئين تتجه صوب أستراليا . و معظم المهاجرين من إيران و العراق و أفغانستان و سيريلانكا و بلدان آسيويّة أخرى . و حوالي 45 ألف باحث عن اللجوء السياسي قد وصلوا أستراليا منذ أواخر 2007 . و فى 27 سبتمبر الماضي ، غرقت سفينة قرب السواحل الأندونيسيّة و كان على متنها مهاجرون إلى أستراليا ما تسبّب فى وفاة على الأقل 21 إنسانا. و من ضمن هذه الحوادث البحريّة ، فقد العديد حياتهم جراء اللامبالاة أو ربّما التهاون المتعمّد للسلط البحريّة المتردّدة فى إنقاذ اللاجئين حتى حين يكونون فى حالة طوارئ رهيبة و يرسلون رسائل الغوث . و يذهب الكثيرون أكثر فأكثر إلى تفسير ذلك بأنّه تكتيك رسميّ رسمه أعلى المسؤولين الأستراليين لردع موجة الهجرة . و يروى رجل أُنقذ و بلغ فى النهاية أستراليا التالي : كان و عديد المهاجرين الآخرين فى سفينة فقدت محرّكها فى عرض البحر . و سرعان ما نفذ غذاءهم و ماءهم . فإستخدموا هاتفا يشتغل بالأقمار الصناعيّة للإتصال بالسلط الأستراليّة مقدّمين لها بدقّة موقع السفينة . فقيل لهم : " نعرف أين أنتم و سنكون هناك فى غضون ساعتين من الزمن ". و إستطرد الرجل قائلا : " و ترقبنا لمدّة أربع ساعات فأربعة و عشرين ساعة و ما من أحد جاء ... و لم نكفّ عن الإتّصال بهم و إعلامهم بأنّه ليس بحوزتنا غذاء و أن الماء قد نفذ منذ أيّام ثلاثة و أنّ بمعيّتنا أطفال إلاّ أنّه لم يأتى إلينا أي كان ، لا أعلم لماذا . كّنا ستّين شخصا و بتنا أربعة و عشرين ، فقدنا عائلاتنا . و فقد رجل آخر تسعة من أعضاء عائلته و فقد آخر كافة بناته الثلاث و زوجته ..." ( حوار فيديو كليب ، موقع " سيدني مورنغ هيرالد " ، 28 سبتمبر 2013 ). ثمّ هناك هذه القصّة التى يرويها رامين وهو طفل إيراني عمره 11 سنة :" كنّا لمدّة خمسة أيّام و أربعة ليالي على متن السفينة . و كان الطقس باردت فلبست ثياب أمّى و إستلقيت لأنّ البحر كان مضطربّا . و حينما لطمت موجة سفينتنا لطمة قويّة ، قذفت بى إلى مياه البحر . وجدت نفسى بضعة أمتار تحت سطح الماء و علقت قطعة من ثيابي فى قضيب مشدود إلى السفينة . و جاء أبى لينقذنى و حرّر ثيابي . و لمّا بلغنا سطح الماء ، لطمت موجة أخرى رأس أبى الذى إصطدم بجانب من السفينةفطفق الدم يتدفّق من أنفه و مضى تحت سطح الماء ... لاحقا ، نُقلت إلى مستشفى ... و لم أتلقّى أخبارا عن أسرتى . كنت آمل أن يكونوا قد أنقذوا . و كنت لأترقّب أن يزورنى أبى لكن ما من خبر . وقبل خمسة أيّام من الآن ، عُرضت عليّ صورة جثامين أمّى و أبى و أختى . و فى البداية لم أتعرّف عليهم . لمّا رأيت جثامين أبى و أمّى لم أبكى و لكن لمّا رأيت جثّة أختى بكيت ." ( موقع البى بى سى بالفارسية ، 15 نوفمبر 2013). رامين هو الإيراني الوحيد من 28 شخصا قد ظلّوا على قيد الحياة عندما غرقت سفينة على متنها حوالي 100 مسافر ، قرب السواحل الأستراليّة . طوال أيّام خمسة فى البحر ، طلبوا من البحريّة الأستراليّة أن تساعدهم لكنّها لم تحرّك ساكنا . تبلغ المسافة بين جافا فى أندونيسيا و جزيرة كريسماس فى أستراليا 250 كلم . و بات المكان حقلا لموت اللاجئين . قال حسين وهو لاجئ من أفغانستان و فى محاولاته بلوغ أستراليا ، ركب السفن فى أربع مناسبات إلى الآن : طوال سنة من الآن ركب أخى و زوجته سفينة نحة أستراليا على متنها 26 شخصا . و آخر مرّة إتّصل فيها بعائلته لمّا كانت وسط البحر . و بعدئذ لم تعد لدينا أيّة أخبار ..." ( موقع البى بى سى بالفارسية ، 15 نوفمبر 2013). و مثلما فى أوروبا و الولايات المتحدة ، أصدرت السلط الأستراليّة قوانينا صارمة لتقليص الهجرة . و الذين تمّ إنقاذهم أو نجحوا فى بلوغ هدفهم يبعثون إلى بابوا غينيا الجديدة للحياة فى محتشدات سجون فى ظروف قاسية بينما يجرى النظر فى مطالبهم باللجوء السياسي . و ورد فى تقارير أنّ العديد من مثل هؤلاء اللاجئين قد إنتحروا فى المحتشدات . و فى 17 فيفري ، نظّم السجناء فى المحتشدات مظاهرة ضد إيقافهم فى جزيرة مانوس حيث عديد المحتشدات التى تديرها الحكومة الأستراليّة فى بابوا غينيا الجديدة . و هاجمتهم الشرطة الأستراليّة التى رمتهم بالقذائف و الرصاص الحيّ و هاجمتهم بالكلاب أيضا . وتوفّي رجل إيراني عمره 24 سنة ، رضا باراتي ، جراء جروح كثيرة بالرأس . و جرح 64 شخص آخر. و أطلقت إمرأة أستراليّة شابة تعمل بذلك المحتشد صيحة فزع بخصوصالأسباب الكامنة وراء ما أسمته السلط " تمرّدا " . قالت إنّه طُلب من الموظّفين أن يقولوا لطالبي اللجوء السياسي بأنّه على النقيض ممّا يقتضيه القانون ، لن يسمح لهم أبدا بمغادرة بابوا نيوغينيا ، سواء لأستراليا أو بلاد لجوء ثالث ، لكي يسحبوا مطالبهم للحصول على وضعيّة اللاجئ السياسي – و الأهمّ ، لأثباط عزيمة آخرين على محاولة دخول أستراليا . و إضافة إلى ذلك ، قالت إنّ " المحتشد " كان الهدف منه تجربة نشيطة للفظائع لتأمين " الردع " . و شرحت أنّ وفاة الشاب لم تكن نتيجة " أزمة " فى إدارة المحتشدات و إنّما " فرصة للمضيّ أكثر فى ذلك المنطق " ( الغوارديان ، 25 فيفري 2014 ). و جعل هذا الحادث الذى ليس الأوّل من نوعه الأستراليين يفزعون من حكومتهم . و حوالي 15 ألف إنسان و 750 مكان عبر البلاد ، من محطّات المواشي إلى المدن الكبرى ، نظّموا ليالي مضاءة بالشموع فى وقت واحد للتعبير عن التضامن مع الشاب الإيراني الضحيّة و غيره من المهاجرين و للمطالبة بوضع نهاية لما سمّاه أحد المنظّمين " ما يقومون به بإسمنا ". البلدان الأصليّة للاجئين دمرتها الحروب الرجعيّة و السوق العالمية : قصص الفظائع حول مسار اللاجئين لا تحصى ولا تعدّ . فى الكثير من الحالات ، كان المهرّبون ( الذين يمكن أن نطلق عليهم إسم " رجال الأعمال " أو " المقاولين " فى ظلّ ظروف أخرى ) يخدعون اللاجئين الذين عادة ما يدفعون لهم المال مضحّين بما إدّخروه طوال حياتهم ببيع كلّ ممتلكاتهم المنزليّة . و بصفة متكرّرة فى منتصف طريق السفر ، كان المهرّبون يبتزّون المزيد من المال أو ببساطة يختفون . و أكبر المجرمين مع ذلك ، هم الإمبرياليّون و الطبقات الرجعيّة الحاكمة الأخرى التى تخلق الظروف التى تقبل فيها هذه الأخطار و غيرها على أنّها الخيار العقلي الوحيد. و على حدّ اللجنة العليا للآجئين التابعة للأمم المتحدة ، هناك أكثر من 45 مليون نازح فى عالم اليوم . و غالبيّتهم الغالبة هم أناس يغادرون بلدانهم لأنّهم يعتقدون أنّه لا خيار آخر أمامهم . و العوامل الكامنة عادة معقّدة و عديدة ، منها عاملان بارزان : الحرب و التنقّل الإقتصادي و نعنى بذلك ليس مجرّد الفقر بل الخسارة الفجئيّة و الكارثيّة لأسباب العيش . و جاء أكبر عدد من اللاجئين عالميّا هو أفغانستان . و عدد الذين غادروا البلاد قد شهد تموّجا صعودا و نزولا لعقود ، فى ظلّ الإحتلال السوفياتي ، و الحرب الأهليّة و الإحتلال الذى تقوده الولايات المتحدة اليوم . البعض منهم قد هاجر ثمّعاد أدراجه ، فى حين أنّ عددا أكبر من الناس يغادرون اليوم . وحوالي 90 بالمائة موجودون الآن فى الباكستان و إيران . و سوريا هي الضحيّة الأهمّ الأخيرة لحرب أوعزت بها القوى العالمية و المناطقيّة . و مع تصاعد النزاع فى سوريا فى بعض السنوات الأخيرة ، يقدّر أنّ مليوني شخص نزحوا داخل البلاد . و نصف مليون قد هربوا إلى الأردن وحدها حيث يعيشون فى ظروف لا تحتمل سجنءا محتشدات لاجئين . و حتى أكثر منهم ذهبوا إلى مخيمات فى تركيا أو لبنان . و الذين بوسعهم – لأنّهم شباب بمافيه الكفاية أو لإنتلاكهم بعض المال – يحاولون الذهاب إلى أوروبا . و الشيء نفسه ، شهد العراق 1.3 مليون شخص يهربون من الحرب الأهليّة التى لم تكن لتصدّق قبل الإحتلال الأمريكي و الإنجليزي . و قد تسبّب تجدّد القتال فى جمهورية الكنغو الديمقراطية الذى أججته كذلك البلدان المجاورة التى تهيمن عليها القوى الإمبريالية ، فى نزوح 2.7 مليون شخص . وعدد اللاجئين الصوماليين يبلغ 1.4 مليون . و الحرب فى مالي الآن تثيرها الفيالق الفرنسية قد أجبرت أزيد من 227 ألف شخص على النزوح داخل البلاد . و تكشف الأرقام التى قدّمها مجلس الأمم المتّحدةلحقوق الإنسان مسألة كبرى . أوّلا ، 80 بالمائة من مجمل اللاجئين تستضيفهم البلدان المجاورة و ليس البلدان المتقدّمة . ثمّ يبحث بعض هؤلاء اللاجئين على الجوء السياسي للعيش فى بلد آخر ، أساسا بلدان متقدّمة لكنّه يمثّل نسبة مائويّة ضئيلة . و لئن " إحترقت " أية بلدان من الموجات الكبرى من اللاجئين فهي فى غالبيّتها بلدان فقيرة و ليست البلدان الإمبريالية . و مع ذلك فإنّ البلدان الإمبريالية هي التى تتحمّل المسؤوليّة الأكبر ( و ليست الوحيدة ) لإجبار الناس على التحوّل إلى لاجئين و مهاجرين بفعل تدخّلها فى الشؤون السياسية و هيمنتها الإقتصاديّة على بلدان العالم الثالث ماضيا و حاضرا . أزيد من 55 بالمائة من مجموع اللاجئين فى العالم مصدرهم البلدان الخمسة التالية : أفغانستان و الصومال و العراق و سوريا و السودان ، فلنلقى نظرة عليها بلدا بلدا . أوّلا ، هل أنّ أفغانستان و العراق قد غزيا الولايات المتحدة و المملكة المتحدة / أنجلترا و ألمانيا و روسيا ، أم العكس هو الذى حصل ؟ أمّا بالنسبة لسوريا ، فتقطّع أوصالها حرب أهليّة توفّر لها القوى الإمبريالية الغربية و روسيا و دول الخليج الرجعية كلّهم الأسلحة و التمويل بما يأجّج نار الحرب . و تهديد الرفع من " الدعم " العسكري الغربي أو التدخّل المباشر لا يمكن إلاّ أن يفرز كارثة أكبر بالنسبة للناس هناك. و يقف الغرب وراء تدخّل دول الجوار ملهبة القتال فى الصومال . و لعبت الولايات المتحدة و حلفاؤها كذلك دورا كبيرا فى تقسيم جنوب السودان وفصله عن بقيّة البلاد و التنافس الأمريكي / الصيني هناك يعدّ عاملا من العوامل الأخرى هناك . و فى حين أنّ تحليلا للدور الكبير و فى منتهى البشاعة لقوى إسلاميّة رجعيّة متنوّعة فى تلك البلدان خارج نطاق هذا المقال ، فإنّه قد قيل عن حقّ إنّه دون الجرائم التى إرتكبتها القوى الغربيّة ( و إسرائيل التابعة للولايات المتحدة )، حتى لا نذكر الهيمنة الإقتصاديّة ، فإنّ الفكر الإسلامي كان سيكون أقلّ قدرة على كسب الأنصار فى البلدان المهيمن عليها . مسألة " اللاجئين الإقتصاديين " : هناك ملايين البشر فى البلدان عبر العالم لم يعودوا قادرين على إطعام نفسهم و عائلاتهم . و ما الذى يجعلهم يتركون ديارهم و يقامرون بركوب سفر فى منتهى الخطورة ؟ هذا يتطلّب بعض الفهم لسير الإقتصاد الإمبريالي العالمي . لقد أعاد الإقتصاد العالمي الذى يُهيمن عليه رأس المال فى البلدان الإمبريالية ، نظرا لسيره و حاجياته و تبعا لمصالح القوى العظمى ، أعاد تنظيم إقتصاد البلدان المضطهَدة على طول أكثر من قرن ، لكن هذه النزعة تسارعت منذ الحرب العالميةّ الثانية و حتى أكثر فى العقود القليلة الأخيرة . و قد سرّعت الإصلاحات الزراعيّة التى موّلها الإمبرياليّون بداية فى ستينات القرن العشرين ، بأسماء مثل الثورة البيضاء فى إيران ، و الثورة الخضراء فى جنوب آسيا و الفليبين و التحالف من أجل التقدّم فى أمريكا الجنوبيّة ، سرّعت سيرورة نزوح الفلاحين و المزارعين الصغّار و عبّدت الطريق لأن تغرق أسواق هذه الإقتصاديّأت بالسلع و برأس المال القادم من البلدان الإمبريالية لأنّ تندمج أكثر فى شبكة الرأسمال العالمي . و قد أثار هذا التطوّر نزوحا هائلا لدى السكّان فى هذه البلدان ، أساسا من الريف إلى المدن . و شهد تطوّر الإقتصاد العالمي قفزة أخرى فى ثمانينات القرن العشرين و تسعيناته. و قد أثّرت عولمة الإقتصاد العالمي تأثيرا هاما على حياة مئات ملايين الناس عبر العالم بأسره ، مدمّرة العيش التقليدي و الفلاحة الموجّهة إلى السوق المحلّية و منتجة " فائضا من السكّان " عوضا عن تشغيل جديد . و قد نهضت المؤسسات الماليّة الإمبريالية للبنك العالمي و صندوق النقد الدولي دورا مركزيّا فى ذلك . و قروض صندوق النقد الدولي لبلدان العالم الثالث عادة ما تكون مشروطة ب : 1- إلغاء الدعم للمزارعين الصغار و للمواد الغذائيّة الأساسيّة و الطاقة و حاجيات أساسيّة أخرى للجماهير . 2- رفع كافة الحواجز مثل نسب التوريد و أداءاته التى تحمى هذه البلدان من أن تجد السلع الفلاحيّة الغربيّة و المنتوجات الغذائيّة الغربية تغزوها (وهي عادة مدعومة من قبل الحكومات الأمريكية و الأوروبيّة ) . 3- تيسير إستثمار الشركات الغربيّة المتعدّدة الجنسيّات و الإستثمارات الإمبريالية الأخرى ، بما فيها تلك فى الإنتاج الفلاحي . و وضعت إنعكاسات هذه السياسات ضغوطا كبرى على إقتصاديّات البلدان المهيمَن عليها و تجرّدها من إكتفائها الذاتي فى الإنتاج الغذائي و فوق كلّ شيء تعتصر الفئات الأفقر من الناس فى الريف ، جاعلة غالبا من غير الممكن بالنسبة لهم التمكّن من الحياة . وقد قلب هذا التطوّر رأسا على عقب حاة مئات ملايين الناس ليس فى الريف فحسب بل أيضا حياة قطاعات أخرى من المجتمع فى غالبيّة بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث . و كنيجة مباشرة للتدخّل الرأسمالي فى الأسواق الريفيّة وبالتالي حاجة المزارعين الباقين إلى التداين للمشاركة فى المنافسة ، فى الهند معدّل أكثر من 17.500 مزارع إنتحروا سنويّا ما بين 2002 و 2006. و هذه الإنتحارات لم تتوقّف . و رغم تراجع عدد المنتحرين ، لا يعزى هذا بالضرورة إلى تحسّن فى الوضع بما أنّ عدد المزارعين قد تقلّص . فقد غادر الكثيرون أراضيهم بحثا عن القوت فى حين أنّ أراضيهم تستغلّها الشركات المتعدّدة الجنسيّات . و فى الوقت الذي يُدفع فيه الملايين من الناس من الجزائر و المغرب و تونس و غيرها من البلدان الأفريقية إلى فرنسا ، يُدفع الملايين من تركيا و أفريقيا و أماكن أخرى من العالم إلى ألمانيا ؛ و يُدفع الملايين من الهند و الباكستان و بنغلاداش و بلدان آسيويّة أخرى إلى المملكة المتحدة / أنجلترا ؛ و يُدفع الملايين من المكسيك و بلدان أخرى من أمريكا اللاتينيّة إلى الولايات المتحدة ؛ و ينبئنا هذا بشيء عن العلاقات اللامتكافئة بين البلدان الإمبريالية و البلدان المضطهَدة و الهجرة التى تنتجها هذه العلاقات . مثلا ، فى 1994 ، جرى توقيع إتفاق التجارة بأمريكا الشماليّة [ نفتا ] بين الولايات المتحدة و الكندا و المكسيك . و كان هذا الإتفاق سببا فى بؤس المزارعين المكسيكيين الذين لم يقدروا على منافسة الذرة و المنتوجات الأخرى الأرخص المورّدة من الولايات المتّحدة . و مع سنة 2002 ، أفلس ثلث فلاّحي المكسيك العاملين فى تربية الخنازير. و لم يجد العديد منهم خيارا آخر سوى التخلّى عن مزارعهم و التوجّه إلى مدن المكسيك و البحث عن العمل فى المزارع و المصانع فى الولايات المتحدة . ما الحلّ ؟ فى الواقع ، ما تسبّب فى هذه الموجات من الهجرة من البلدان العالم الثالث نحو البلدان المتقدّمة ( رأس المال الإحتكاري / الإمبريالي ) هو النظام الإمبريالي و سيره . من المسؤول ؟ بالتأكيد ليس الناس الذين سُرقت منهم أرضهم و سرق منهم غذاؤهم دخلهم و عادة الحقّ فى الحياة بأمان . ليس المهاجرون هم المجرمين و إنّما المجرمون هم عصابات الذين يسيّرون العالم كما يوجد و يسعون للحفاظ على سيره على هذا النحو . من الأكيد أنّه من الضروري القتال ضد قيود التى تضعها الحكومة ضد الهجرة و ضد القمع الوحشيّ الذى يتعرّض له المهاجرون الواردين على أوروبا و شمال أمريكا و ضد الإجراءات اللاإنسانية و حتى اللاقانونيّة الهادفة لتجنّب موجات جديدة حتى و إن عني ذلك موتهم . من واجبنا أن نفضح و نعارض طريقة تشويه السلط الغربيّة لللاجئين و تجريمهم و شيطنتهم و محاولة نزع إنسانيّتهم ، هؤلاء اللاجئين الذين يُقدمون على أخطار يمليها عليهم وضع يأس بحثا عن قوت لعائلاتهم . و من المهمّ للغاية أن ندعم المهاجرين فى قتالهم من أجل الحقوق الأساسيّة و من أجل حياة يستحقّونها . بيد أنّه من الأساسي أن نربط هذه النضالات العادلة بالكفاح فى سبيل القضاء على النظام الإمبريالي الذى يتطلّب سيره و تعزيزه سحق الشعوب عبر العالم قاطبة . و لا يمكن فصل النضال من أجل حقوق المهاجرين عن النضال ضد هذه العصابات وهو نضال عالمي يخدم مصلحة الغالبيّة العظمى من شعوب العالم . و النضالات التى يخوضها المهاجرون ليست ليست " المشكل " بل هي عامل إيجابيّ جدّا من أجل الثورة . ----------------------------------
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المجرم يحطّم كوكبن
...
-
مقدّمة كتاب : مقال - ضد الأفاكيانية - و الردود عليه / الماوي
...
-
خلافات عميقة بين الحزبين الماويين الأفغاني و الإيراني - الفص
...
-
النساء فى مواجهة النظام الأبوي الذى ولّى عهده : الرأسمالية –
...
-
8 مارس 2014 : لنناقش هذه المقولات لبوب أفاكيان رئيس الحزب ال
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ منهم عم
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ من هم ع
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
أساليب التفكير و أساليب العمل - الفصل 22 من - مقتطفات من أقو
...
-
فهارس كتب شادي الشماوي- ( الماوية : نظرية و ممارسة - من العد
...
-
طريق إفتكاك السلطة فى إيران - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني
...
-
عن بعض أمراض المجتمع - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( المار
...
-
الخطوات الفورية و إرساء إتجاه التغيير-- برنامج الحزب الشيوعي
...
-
طبيعة الثورة و آفاقها- فى إيران - برنامج الحزب الشيوعي الإير
...
-
بعض التناقضات الإجتماعية المفاتيح - برنامج الحزب الشيوعي الإ
...
-
الطبقات و موقعها فى سيرورة الثورة فى إيران - برنامج الحزب ال
...
-
لمحة عن إيران المعاصرة - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الم
...
-
السياسة و الثقافة و الإقتصاد فى المجتمع الإشتراكي - برنامج ا
...
-
برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)
...
المزيد.....
-
غيثا البراد- عضوة المجلس الجماعي بوجدة (عن الحزب الاشتراكي ا
...
-
فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يدعو لجنة المالية والتن
...
-
الجبهة الشعبية تدعو إلى أوسع المشاركة يوم الغضب العارم والعص
...
-
أي مستقبل لحزب التجمع الوطني في حال إقصاء مارين لوبين من الر
...
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 07 أبريل 2025
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تجدد التأكيد على الرف
...
-
تركيا: أوزغور أوزيل يواصل زعامته لحزب الشعب الجمهوري ويطالب
...
-
حزب الشعب الجمهوري التركي يعيد انتخاب زعيمه
-
حزب الشعب الجمهوري التركي يعيد انتخاب زعيمه
-
م.م.ن.ص// محاكمة الطلاء الأحمر
المزيد.....
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
المزيد.....
|