أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار جاف - خطاب يقود الى الهاوية















المزيد.....

خطاب يقود الى الهاوية


نزار جاف

الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 08:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في التأريخ الانساني محطات کثيرة تستوجب أکثر من مجرد نظرة عادية إليها، تلک المحطات التي ليست بالضرورة أن تکون جلها إيجابية بل و على العکس من ذلک تماما. الانسان الذي سعى جاهدا و على مر تأريخه الطويل على الکوکب الارضي، أن يرسخ مفاهيم و قيم تباينت مع مرور العصور، وجد نفسه ذات يوم وبعد أن إستطاع أن يخضع الطبيعة و حتى الفضاء لسلطانه، أنه قد بدأ فعلا آخر مرحلة من مراحل صراعه عبر التأريخ، وهو صراعه مع نفسه، مع ماهيته و کنهه الانساني. وقد تجلت النظرة التشاؤمية لکولن ولسن في کتابه"سقوط الحضارة" حول هذه النقطة بالذات، ذلک أن الانسان بعد أن فرغ من تطويع الواقع الموضوعي لسلطانه، وبعد أن تشبع بفکرة الصراع من أجل البقاء و السعي للأفضل، لم يجد مناصا من خوض جولته الاخيرة ضد إنسانيته. إن ولسن حين يبصق على حاصل تحصيل الحضارة الانسانية عبر التأريخ، فإنه في الواقع يبصق على إنفصام الانسان عن إنسانيته و سعيه المجنون الذي صيره في النتيجة"مسخا" يتتراوح بين شکل إنساني مثقل بمساحيق الزيف و التمويه وماهية حيوانية ضارية يخفيه ذلک الشکل بين جوانحه. لکن ولسن في رفضه لما آلت إليه الحضارة الانسانية، لم يقدم البديل المرجو الذي يطمح إليه، وهو حين لم يقدم ذلک فإنه لم يدعو في نفس الوقت الى هدم الحضار?ة أو محاربة قيمها بمجموعة مفاهيم متباينة تماما لما هو متداول، بل هو إکتفى بتبيان رفضه الشديد أملا في أن يساهم هذا الرفض في دفع الآخرين للبحث عن ماهو أفضل. وعلى الرغم من سعي الثقافة الليبرالية الى ترسيخ مفاهيم تدعو الى توسعة فضاءات الحرية الانسانية و منحها مجالات تحرک أرحب، غير أنها تصطدم في الوقت نفسه بتداخل غير عادي مابين بنيانها الفکري ـ الاخلاقي و بين بنيانها السياسي ـ الاقتصادي، إذ تجنح الرکائز البراغماتية الاساسية التي شيدت عليها الفسيفساء الحضارية للتعارض مع المعطيات الاستاتيکية التي تحاول جاهدة إخفاء ذلک الجوهر الحقيقي الفج أو لنقل تجاوزه دون طائل. وحقيقة لم يکن إنهيار التجربة الاشتراکية و سقوط أنظمتها الفکرية ـ السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية إنتصار مبين للجبهة الليبرالية بقدر ماکان إخفاق آخر للإنسان في سياق بحثه عن فردوسه المنشود على الارض. وقد تکون حالات الحنين التي تعتري شعوب بعض الدول التي إنسلخت من الکتلة الاشتراکية، للعودة الى سابق عهدها، نوع من الاحساس باللاجدوى من تغيير قشور أنظمتها السياسية ـ الاقتصادية، ولکنها وهي تشعر بهذا الحنين فإن ذلک لايعني بالمرة إنها باتت مقتنعة بنظامها السابق أو إنها تکفر بنظامها الحالي، لکنها تريد أن تصرخ بأنه قد فسر الماء لها بالماء! لکنها"أي هذه الشعوب"، لم تجنح الى سلک سبل غوغائية و عنيفة لتثبيت موقفها الآنف، وإنما حاولت و تحاول السعي الى ذلک عبر طريق حضاري من دون المساس بالبنى الحضارية الموجودة. وفي هذا الخضم، يحاول الانسان الشرقي"المسلم"، بثقافته المتنازعة بين بعدي الآنية و المقدس وعدم تمکنه من تخطي البعد الاخير، أن يجد مسلکا يستطيع من خلاله إثبات حضوره کذات حضارية أمام البعبع الليبرالي. إنه يحاول لملمة حالات التقهقهر و النکوص و تلافي الذوبان في الاخر الماثل أمامه بکل إقتدار. إنه في وضع يبدو في کثير من الاحيان کما صوره الدکتور علي شريعتي في کتابه"العودة الى الذات"، يسعى لإسترداد معالم شخصية ذات أبعاد فکرية و حضارية ثرة مسخت بفعل أسباب متباينة و متداخلة لاتقع الاعباء فيها على الغرب لوحده. إن الدکتور شريعتي الذي يتحدث في سياق کتابه الآنف عن محاضرة ألقاها في جامعة السوربون الفرنسية أمام جمع من الاساتذة و الادباء و المفکرين الفرنسيين حول ثورة الحسين أبن علي في کربلاء، کيف أن هؤلاء قد إنبهروا بحديثه حول هذه الثورة و أنصتوا له بکل إهتمام، وفي هذه اللحظة بالذات يقارن الدکتور علي شريعتي بين هؤلاء و بين جمهور المستمعين في بلاده لو ألقى ذات المحاضرة هناک حيث يؤکد أنه لن يلقى هکذا أسماع مطلقا، ويستدرک بإلقاء تبعات ذلک على التشويه الذي تعرضت له المفاهيم الثقافية و التأريخية فحرفت في الاذهان عن معانيها الحقيقية. أن المثقف المسلم يجد صعوبة لشرح موقفه الحضاري من تلک الممارسات التي تقوم بها القاعدة وکل التنظيمات المشابهة لها ضد الغرب و الانظمة السياسية في المنطقة حين يجابه بالسؤال هنا في الغرب. ولکن يجب الاستدراک هنا أنه هناک في نفس الوقت نوع من التباين و عدم تطابق الآراء بين المثقفين المسلمين ذاتهم حول هذا الموضوع، إذ يتفهم الکثيرون منهم للمبررات و المسوغات التي يطرحها قادة القاعدة لطبيعة صراعهم مع الغرب خصوصا حين يجدون أذنا غربية صماء عن المطالب العربية قبالة أذنا مرهفة السمع للدولة العبرية، فيما يرى البعض الآخر أن هذه المبررات لها عمق شرعي يتجلى بعدم مقدرة أي فقيه مسلم على تکفيرها أو رفضها بدعاوي من الکتاب و السنة، وهو أمر ملفت للنظر و يدعو للتوقف والتأمل مليا في تداعياته المتباينة. وهناک شريحة اخرى قد تتفق مع تقاطع هذه المنظمات مع الغرب من زوايا غير دينية إطلاقا بل قد تکون سياسية أو عرقية أو أي شئ من هذا القبيل، وتحاول هذه الشريحة الثالثة بشتى الطرق الانتصار لمثل تلک الممارسات و منحها کل المبررات التي تجعلها قادرة على الوقوف على قدميها بوجه المعترضين. وفي أسفل القائمة يقبع القسم الاخير من المثقفين الذين يرفضون لا ممارسات تلک المنظمات فحسب، وإنما حتى يشککون في شرعية تواجدها في الساحة، لکن هؤلاء لايشکلون سوى ثلة قليلة تکاد تتواجد في خارج العالم الاسلامي. وإذا کانت الهجمة الغربية"الفکرية ـ الاجتماعية"، شديدة الوطأة على العالم الاسلامي ولاتتساوى کفتيها إطلاقا، فأن ردة الفعل المباشرة التي أخفق في أدائها النظام السياسي العربي"المتلبس بمسوح الثورية" إخفاقا ذريعا، منح نوعا من الحق للاجيال الشابة المندفعة في البحث عن بدائل اخرى للتمترس خلفها في عملية المواجهة مع الغرب. وقد لايکون من الهين أن نقنع مثل هذه الاجيال بالتراجع عن مواقفها من دون التأمل في قناعاتها الفکرية التي مافتأت تتغذى عليه عقودا بعد عقود. قناعات ترکز على الحضارة العربية الاسلامية وکيف أنها کانت ذات يوم منبع و مصدر الحضارة و الفکر وکذلک إنتصارات صلاح الدين الايوبي في الحروب الصليبية وحتمية إنتصار الحق الاسلامي ضد الباطل الغربي"کما يحلو للعديد من الاقلام أن تسمي ذلک". إن محاولة ثني هذه الاجيال عن معتقداتها دون البحث في ماهياتها و سبر أغوارها هو عمل لاطائل و لاجدوى يرتجى من ورائه. من هنا کان من المهم و الضروري جدا أن يعاد النظر في صياغة"النبرة التوجيهية المباشرة" في الخطاب الموجه بذلک الخصوص. إن التأکيد على التأريخ و أمجاد الماضي هو حق لکل أمة و شعب، ولکن يجب التوخي من خلط الماضي بالحاضر و إعتبار ماکان مناسبا للأمس هو مايوافق متطلبات اليوم! إن منطق الخطاب الفکري الموجه في عموم مدارس المنطقة هو يقوم أساسا على جعل الماضي قرينا و بديلا للحاضر، بل وحتى أن کل"حاضر" يأتي سوف يکون رهينا بهذا الماضي وأسيرا له. وهذا الامر قد يشکل مکمن الداء و جوهر المشکلة ومن الواجب البحث فيه و في متعلقاته. إن هذا المنطق هو منطق الرفض الواضح للآخر من دون أن يکون هناک أية مرتکزات سياسية ـ إقتصادية ـ إجتماعية ـ فکرية يستند عليها. إن الرفض لوحده لايکفي، إذ حين أرفض رأيا أو موقفا لک، لابد أن يکون لدي البديل، وإن البنية السياسية ـ الاقتصادية ـ الفکرية ـ الاجتماعية للمنطقة برمتها تشهد على إنعدام المقومات الاساسية التي تؤهلها کي تکون بديلا حضاريا مطلوبا في وجه الغرب. لقد کانت المغامرات الانقلابية للعسکريين في المنطقة والتي سموها جزافا"وحتى ظلما" ثورات وهي لم تزد عن کونها مجرد إنقلابات عسکريـة لاغير، هي الاخرى إنعکاس آخر لتداعيات ذلک الخطاب الحماسي الذي دفع شخصا مثل عبدالکريم قاسم أو حسني الزعيم أو جمال عبدالناصر أو جعفر النميري أو القذافي للخروج بالجيش من ثکناته و إستخدامه کدرج للصعود الى منصة الحکم والتوهم في غمرة حماس و فوران عاطفي بأنه في مقدور کل منهم أن يأتي "بما لم تستطعه الاوائل". وقد تکون نکسة الخامس من حزيران بحد ذاتها من إنعکاسات ذلک الامر الذي ألمحنا إليه آنفا. وإذا حاولنا التفکير و البحث أکثر في نکسة الخامس من حزيران و محاولة إستشفاف النتائج السلبية المتمخضة عنها، لکان رکام تنظيم القاعدة أو مايشابهه فکرا و تطبيقا، واحدة من أهم تلک النتائج السلبية. إن تلک الطبول التي قرعت في الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الامريکية و أعيد قرعها في لندن أخيرا، هي أشبه بتلک الضحية التي تستعجل صيادها في إصطيادها و سلخها، فتقوم بإصدار أصوات تکشف عن مخابئها! وأن کل اولئک الذين يستبشرون خيرا بها ينجرفون من حيث لايعلمون خلف متاهات و دروب ملتوية يخنقها الضباب و الدخان ولاتقود سوى الى مفترق واحد تنتهي کل طرقه الى الکارثة.



#نزار_جاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة کوردية لمظفر النواب
- عبدالله بشيو..شاعر الحلم الکوردستاني
- الانثى...ملکة العدم المحاصرة
- الاتحاد الاوربي و أمريکا لايحبون الحصاد في الربيع
- ثقافة الحرية و حرية الثقافة
- حرية اوجلان..التنافس الاوربي الامريکي الضمني
- من رفع القران الى ترشيح جمال مبارک: کلمة حق يراد بها باطل
- المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت
- ترکيا و إعادة محاکمة اوجلان: خيارين لا ثالث لهما
- الاسلام السياسي و الارهاب:الدوافع و المبررات
- الرفسنجاني مجددا..فشل البدائل أم اللاخيار؟
- ولاية الفقيه..وجه آخر للإستبداد
- الکورد و الاستفتاء في الصحراء الغربية
- المرأة و الدين ...الخطيئة و الکمال
- الکورد و التيار الصدري..نقيضان وإن إجتمعا
- قسم البشير بين التنفيذ و إعادة التأويل
- أشبعناه سبا و فاز بالابل
- کرکوک.. لاتتعطل فيها لغة الکلام
- النظام العربي الرسمي و سراب الاصلاح الذاتي
- المرأة و التکنلوجيا..صراع الحديد و الاحاسيس


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نزار جاف - خطاب يقود الى الهاوية