|
في اسباب التشوهات الأجتماعية في العراق وسبل الأصلاح ! 1 من 5
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تستدعي الظروف الأجتماعية المعقدة التي تعيشها البلاد، دراسة واستعراض ووضع اليد على اسبابها، لتسليط الضوء على ماهيتها وعمقها بعد طول زمانها، لمحاولة تقدير حجم الضرر الهائل الذي اصاب البنية الأجتماعية والفكرية في عموم البلاد، ومحاولة تشخيصه وبالتالي السعي لمعالجته . . بعد دكتاتورية دموية ارهابية حكمت خمسة وثلاثين عاما شعباً واعياً متنوع الثقافة، غزير المعارف، كثير الطموح . . تكبّد خلالها خسائر هائلة بالأرواح و الممتلكات، وتشوّهت عدة اجيال، رجالاً ونساءاً واطفالاً ومن كل الأطياف السياسية والقومية والدينية والمذهبية، سواءاً في الحروب والسجون والتعذيب البشع والأعدامات، او بمواجهة اجراءاتٍ واجهزة قمع متنوعة تغيّرت وتفاقمت مع اشعال الحروب، وبالتشريد والتهجير وفقدان الأحبة، بعد ان مسخت الحياة الأنسانية ومُثُلها الجميلة وقيمها، وبعد ان تشوّهت بنية المجتمع وتحطّمت الطبقات والفئات الوسطى وانسحقت فئات الكادحين بشكل اكثر واقسى، في وقتٍ صَمَتَ فيه العالم ودوله الكبرى وهيئاته واجهزة اعلامه عمّا كان يجري . ان البحث في ذلك يسلّط الأضواء من جانب آخر، على حقيقة ان علاقة الوعي بالمادة وحركتها (الأنتاج) هي علاقة كثيرة التعقيد وليست علاقة ميكانيكية او اوتوماتيكية. ويكشف عن ان التأثير الخطير الذي سببه ويسببه الأرهاب والديماغوجيا السياسية والأعلامية والتعتيم، في تشوّه الوعي الأجتماعي العام والهبوط به، يخلّ بشكل كبير بمعادلة التأثير الأيجابي لتطور التصنيع والتعليم والخدمات على تطوّر الوعي الأجتماعي للفرد والمجتمع . وبعبارة اخرى فأن البحث يؤكد مجدداً على ان اي تطوّر اقتصادي وتكنيكي، لابد وان يرافقه تطور سياسي ديمقراطي اجتماعي مصاحب له ومتناغم معه، اذا ما اريد فعلاً تحقيق تطوّر حضاري ورفاه اجتماعي منشود . ويصل عديد من العلماء والباحثين الى ان كثير مما يجري الآن باسم الأسلام السياسي والذي يدعوه القسم بـ (الصحوة الأسلامية)، الذي ان صحّ في مواقع عدد من الأوساط، الاّ انه قد لايصحّ في الأوساط الشعبية الواسعة التي تعاني من حالات معقدة متنوّعة، بسبب الخوف والعوز، عقود الظلامية والتشوه الثقافي والسياسي وتحدد الوعي، وبسبب حالات الضياع والنقمة على الوحشية والظلم الذي ابتلت به لأكثر من ثلاثة عقود، والذي لايزال مستمراً بفعل عصابات الأرهاب الأصولي وبقايا الدكتاتورية و مسلسل فقدان الأمن والبطالة واخطاء الأحتلال والقوات الأجنبية . . وبفعل التأثيرات الموروثة لتداخل المصالح الدولية والأقليمية والنشاطات التي قامت بها الدكتاتورية وهدفت الى استخدام العراق كمخلب عدوان في المنطقة طيلة عقود مضت . ويرى كثيرون ان تلك الجرائم لم تأتِ صدفة او بسبب اخطاء، وانما كانت في اقسام كبيرة منها مخطط لها(1)، وكان هناك اصرار عليها وعلى الأمعان فيها وبلا رادع، رغم الرفض والأستنكار ورغم المقاومة الضارية التي ابداها كل العراقيين رجالاً ونساءاً وعلى اختلافهم، لها . في وقت يتهم البعض فيه الشعب بكونه هو المتوحش، وآخر يرى ان الأحزاب العراقية هي التي جلبت افكار العنف وتسببت بتلك التشوهات، في الوقت الذي يوجد فيه شبه اجماع على ان حزب البعث بقيادة صدام، كحزب وحيد استلم السلطة وحكم العراق، هو الذي اساء وتسبب بارهابه ووحشيته ـ التي شملت حتى قسماً من اعضائه ـ ، في التشوهات الأجتماعية والقائمة اليوم، وهوالذي مسخ مفهوم ودور الحزب في المجتمع . . الأمر الذي شوّه بشكل هائل مفهوم الناس لدور الأحزاب في المجتمع ولما تنتظره منها، كوسيلة واسلوب لتحقيق مطالب عادلة لها . * * * تحرّك (البعث العربي) بعد تعديله لشعار " وحدة، تحرر، ثار" الى " وحدة، حرية، اشتراكية" وعمل على اساس (القومية المنغلقة، الدين، الطائفة، البداوة . . القوى المحرّكة للأصالة والتفوّق القومي بنظره)، واعتمده في نشاطه الفكري والسياسي واساليبه العنيفة والتآمرية، وعلى اساس خلق مرتكزات ثابته له في تلك الأسس الأربعة ـ وفي فئات هامشية متنوعة كما سيأتي ـ لتأمين الدعم له، اضافة الى كل ماشكّل مرتكزاً للمحافظة والعنف والأنغلاق في مجتمعنا، والتي نظّرَ لها ميشيل عفلق بديماغوجية لاحقا في (البعث والتراث) حين قال " لايمكن ان تكون دولة البعث العربي الأشتراكي الاّ اسلامية، واني (أي عفلق) في الواقع لايمكن ان اكون الاّ مسلماً ! "(2)، يوم اقيمت الندوات الأجبارية في المؤسسات ومناطق السكن في انحاء العراق لشرح مفهوم (البعث والتراث)، وكان اشارة لبدء هجوم وحشي واسع جديد على القوى الديمقراطية في الوسط والجنوب آنذاك . وفي الوقت الذي مثّل البعث العراقي في تاريخ العراق الحديث، الشريحة القومية الأكثر تعصباً وعُنفا وشوفينيةً، التي حاربت القوى الديمقراطية واليسارية والقومية التقدمية المتنوعة، والأسلامية المتنوّرة، وساهم ابرز فرسانها في احكام ربط البلاد ونفطها بالمستعمر وبالشركات المتعددة الجنسية باشكال متنوعة اضرّت بالمصلحة الوطنية، مقابل منافع وطموحات فردية . فأنه جاء الى الحكم عام 1968 ، بنجاح " جهود الكواليس " (3) بخطط مدعومة من جهات خارجية متعددة، تحت شعارات براقة صيغت لتلامس تطلعات ومطالبات ودرجات وعي وظروف تلك المرحلة . فبعد ان نجح بالخدعة، وبالأعتماد اساساً على عدد من كبار الضباط و على تشكيلات من مجرمين عاديين، اضافة الى العدد المحدود من الحزبيين الذي كان يتبع جناح البكر ـ صدام . . اتبع بوصوله للحكم نهجاً جديداً على المجتمع، نهج النفس الطويل و(تقبّل الآخر بداية) لتحطيمه لاحقاً ـ بعد ان غلب نهج المواجهة على الصراعات التي كانت تجري في العراق ـ . . وفي محاولة للتقرّب الى الشارع وكسب رضاه، تبنى مطالب الآخر السياسية (معارضة حكم عارف) وايّدها ، ثم اصدرها بشكل ديماغوجي كقرارات صادرة عنه هو، معتمداً مقولة " نحن الذين نقرر كما نقتنع وليس غيرنا، ولايستطيع احد ان يضغط على ارادة الثورة "(4) وتثبيتاً وفرضاً لزعامته منذ البداية، واظهاره بكونه العارف والقادر الوحيد على تقرير مصيرالمجتمع وكلّ الآخرين، ثم عمله على افراغ تلك المطالب من محتواها بعد تأمينه الصعود من خلال تبنيه لها، وعمله بلا هوادة للتضييق على الآخر المعني، بارهاب نشطائه واغرائهم اوتصفيتهم والسير في جنازاتهم، تهيؤأً للأنقضاض الكامل عليه بالعنف وبالأسقاط بانواع الأجهزة التي كانت تتشكّل بشكل سريع وبغاية السريّة، ضمن منطق دعى الى ان لاضرورة بعد لوجود ذلك الآخر لأن (الثورة) نفذّت مطالب فئته الأجتماعية، وان (خيمة الثورة تتسع للجميع) و (كلّ عراقي بعثي على طريقته الخاصة) . ضمن تكتيك خبيث رمى الى تحييد اطراف سياسية، للتفرّغ الى مواجهة الأطراف التي شكّلت خطورة جدية مباشرة عليه في الزمن المعني، وجعل تحطيمها امثولة للآخرين، في محاولة اخضاع المجتمع ككل وعلى مراحل، وبزرع متواصل للخوف والرعب فيه، لشلّه والسيطرة عليه وفرض اللجوء اليه وحده لأنه الكلي القدرة الوحيد، وسط كذب واعلام ديماغوجي مكثّف ووسائل جديدة لم يألفها المجتمع في السابق، كلفت مليارات من العملات الصعبة في الداخل والخارج، ودفعت المجتمع بذلك الأتجاه. الأمر الذي اوقع الحركة السياسية في اشراك وافخاخ واصاب جماهير عريضة بالحيرة والتردد من جدوى الأحزاب فالشعارات والأهداف التي كانت تناضل وتعبئ الناس من اجلها، (كان حزب البعث يتبنّاها ويعلن عن انجازه حلول لها ؟!) . وقد رتّبت خططاً استهدفت جريان امور من نوع غريب كضربات سايكولوجية جماعية، فاضافة الى المؤامرات التي كان يُعلن عنها لتصوير ان (الثورة) مستَهدَفة، لأضفاء طابع الثورة عليها وخلق جاذبية شعبية لها . . ظهرقاتل مخيف في بغداد اخذ يهزّ العاصمة رعباً بقتله عوائل بكاملها بطبر، سواءاً في الليل او في النهار، ولم تستطع اجهزة الشرطة والأمن العثور عليه رغم ملاحقتها له ؟! وبعد ان اشبع سكان العاصمة رعباً، اعلن منع التجوّل في الليل ليستمر اسابيع، وليعلن بعدها وبشكل مفاجئ عن منع التجول حتى اشعار آخر . . تمّ خلاله احتلال بغداد بالوحدات العسكرية، وجرت عملية تفتيش وتمشيط دقيق شملت كلّ منزل بدعوى البحث عن " ابوطبر" حتى القاء القبض عليه . وقد تبيّن بعد سنين انها كانت مسرحية (5)، اعدت بهدف ايجاد حجة لتفتيش العاصمة وجرد النشطاء السياسيين ولكشف البيوت السرية للأحزاب الوطنية التي ناضلت ضد دكتاتورية عارف . . بعد ان ارعبت الناس رعباً باشاعة اخبار ومناظر قتل عائلات مسكينة بطبر ! من جانب آخر،اعلن عن زيارة المصارع الأميركي من اصل عراقي "عدنان القيسي" وقُدّم على اساس انه بطل عالمي يزور بلاده بعد ان غلبه الحنين اليها، وقد اجرى عروضاً بل و( بطولات) مع مصارعين آخرين قدّموا على اساس انهم دوليون من امثال " كوريانكو" وغيره، وقد ازدحم بثّ محطات التلفزيون والراديو بنقل تلك النزالات وافلامها المسجّلة بمناظر الدم المتفجر وبالعنف والصراخ من الآلام، اضافة الى عروض خاصة لعرض الضربات القاتلة بالمرفق (عكْسيّه) وبالركل، التي اخذ العديد من المراهقين يقلّدوها متسببين باحالة ضحاياهم الى المستشفيات . . الأمر الذي اثار الأوساط الرياضية العراقية وصحفييها ومعلقيها ووصفت تلك النزالات بالدجل، الأمر الذي ادىّ الى اعتقال عدد منهم واشباعهم ضرباً، والى طرد عدد آخرمن العراق واجبار آخرين على الأعتذار وعلى تقديم تعليقات وتغطيات خبرية كاذبة، في الوقت الذي رافقت المصارعين فيه قواّت خاصة عائدة لرئيس الجمهورية ونائبه !! وقدّمت لهم هدايا لم يكن ابطال العراق يحلمون بها او يتصوّروها، وسط استهزاء، عدم فهم واستغراب اوساط واسعة بما فيها الأحزاب السياسية. وقد بدأ مسؤولو البعث ومنذ 1969 يضغطون على الطلبة من المحيطين بهم اولاً، ثم ممن جرى اختيارهم بالترغيب او بالأرهاب والضغط عليهم، للأنتماء لـ " قوات الأمن القومي" (6)التي جرى تشكيلها، مقابل رواتب مغرية . . للقيام بدوريات مسلحة ليلية لحماية مرافق الدولة من المتآمرين (من صهاينة وفرس احتلوا جزر طنب الكبرى والصغرى وابوموسى) ـ كما جرى التبليغ وصياغته بداية ـ ، الاّ انها كانت قد كلّفت سراً بمداهمات دون ضجيج لمنازل من كان يشم منه رائحة نشاط سياسي مغاير او نشاط ثوري من القوى الديمقراطية والكردستانية واليسارية، اضافة الى القيام بتنفيذ خطط اغتيالات، وحضور وتنفيذ احكام الأعدام سراً، ثم المشاركة في عمليات تعذيب المناوئين في دور عادية اعدّت لتلك الأغراض . كانت تلك الظواهر تتوسع دون ضجيج، في وقت بدأت فيه حملات جادة لأعادة ترقيم الدور والمحلاّت بارقام جديدة انيقة، وصدرت اوامر عليا بأجبار كل من يريد تشييد بناية من اربعة طوابق فما زاد، ان يقوم ببناء ملجأ لحماية المدنيين من احتمالات القصف الجويّ الأسرائيلي ! ( الذي لايتورّع العدو الصهيوني من القيام به لأيقاف عجلة الثورة)، على حد تعبير التعليمات التي نشرتها وسائل الأعلام آنذاك، وقد بدأت عملية انشاء الملاجئ لحماية المدنيين منذ عام 1969 شاركت في تغطيتها وسائل الأعلام بشكل ملفت، خاصة في البث الأذاعي الجديد آنذاك " صوت الجماهير"، الذي لعبت فيه البرامج العسكرية لمديرية الأعداد المعنوي التابعة لوزارة الدفاع دوراً كبيراً، محوّلة العراق نفسياً الى ساحة حرب كما لو كانت قائمة فعلاً او وشيكة، للرد على هزيمة 5 حزيران 1967 ؟ . . زيادة في الأعداد النفسي للعنف والحرب لتحقيق اهداف متنوعة. ثم شكّلت شرطة خاصة باسم (شرطة الأخلاق) من عناصر لااخلاقية وضيعة لحماية الأخلاق العامة! فقامت بمطاردة والتحقيق مع اي شاب وشابة سائرين معاً، للتحقق من ثبوتية انتمائهما العائلي لبعض، وفي حالة افتقارهم لتلك الثبوتية، يشرع بضربهما وتمزيق ملابسهما وسوقهما الى مواقف خاصة، مع المجرمين العاديين ومع ذوي سوابق لااخلاقية، للأساءة اللااخلاقية لهما. الأمر الذي اشاع خوفاً وانكماشاً بين الطالبات خاصة وعموم الشابات من السير حتى مع اقاربهن من الشباب، في سابقة مفجعة واجهها البلد آنذاك. واتخذت اجراءات قاسية من ضرب مبرح وقص شعر مهين في الشوارع ضد اصحاب الشعور الطويلة بدعوى ( محاربة الميوعة والخنفسة(7) والأستعداد لمعارك العرب الكبرى!) وكذا من تمزيق ملابس وصبغ الركبتين والضرب والكلمات الجارحة ضد من لبست او اشتبه بلبسها " الميني جوب "، وسيق قسم منهن الى السجن. وصدرت اوامر عليا بوجوب لبس الزي الجامعي الموحد ( لتحقيق المساواة بين الطلبة الفقراء والأغنياء في الحرم الجامعي ؟ ) على حد الأوامر . . اضافة الى مجموعة اجراءات حددت الحرية الشخصية بالعنف، واهانت الشباب من الجنسين وادّت الى احتلال الكليات والمعاهد بانواع الأجهزة، واحكمت مراقبة وضرب وحصر نشاط وحركة نشطاء الطلبة واشغالهم وعزلهم عن الفئات الشعبية الواسعة التي كانت تكره البعثيين بعد التجربة المرة في انقلاب شباط الدموي عام 1963 ، في وقت رأى الحكام الجدد في الحركة الطلابية النشيطة ـ اضافة الى العمالية ـ وتنظيماتها السرية وفرقها المسلحة وانتشار مفاهيم حروب التحريرالشعبية وافكار جيفارا وهوشي مينه بينها، التي غذتها انتصارات الثورة الكردية في كردستان العراق وبدايات تصاعد حركة المقاومة الفلسطينية، وتصاعد حركات الطلبة في اوروبا الغربية . . رأوا فيها خطراً لابد من القضاء عليه ، رغم الشعارات البراقة المنافقة التي حملوها . وكان ان صدرت اوامر عليا وكلفت فرق حزبية في المحلات السكنية بالقضاء على الكلاب والقطط السائبة ـ رغم وجود اكثر من دائرة متخصصة في ذلك سواء كانت عائدة لأمانة العاصمة او لدوائر البيطرة والصحة ـ دُفع فيها عن الكلب القتيل ضعف ما كان يُدفع عن القطة القتيلة، بدفع كان يعتبر مغرياً آنذاك، وباسلوب مكّن من حاز على سلاح ان يحصل على اطلاقات لذلك الغرض . . الأمر الذي ادىّ الى حملات وحشية صاخبة في المحلات الشعبية، اشاعت العنف والدماء استمرّت اسابيعاً، وكانت من جانب آخر، فعالية استهدفت التدريب على الرمي الحقيقي واصابة الأهداف داخل الأحياء السكنية، وكانت غطاءاً استهدف قتل معارضين وتصفية حسابات وعداوات في الظلام ووسط الضجيج. وقد لعبت المعسكرات الألزامية (8) للطلاب والطالبات، للعمل الصيفي العسكري الطابع بالملابس العسكرية، التي نظّمها (الأتحاد الوطني لطلبة العراق) دوراً خطيراً في اشاعة افكار العنف وممارسته، وسط اجراءات امنية وعسكرية مشددة، بعد ان جرى تخصيص ملايين الدنانيرـ بحساب ذلك الزمان ـ لها والعمل حثيثاً على افتتاحها، والترويج لها بشكل كثيف في كل اجهزة الأعلام، وسط الأناشيد والحماسيات والمارشات العسكرية . وقد تضمنت برامج الطاعة الصارمة، القوة، المصارعة، الأحتمال، صيد الحيوانات البرية كالثعابين والأرانب والجرذان وقتلها وسلخها باليد دون ادوات، ثم شويها واكلها او اكلها نيّئة، في معسكرات بعيدة عن مناطق السكن سمح فيها للطالب بزيارة اهله مرة في الأسبوع . وقد كان ذلك ترويجاً غير مسبوق للعنف وللروح العسكرية من قبل الدولة للأجيال الجديدة للشباب منذ مطلع السبعينات، تحت شعارات تحرير فلسطين، ( ما اخذ بالقوة لايسترد الاّ بالقوة ) و ( نكسب الشباب لنضمن المستقبل )، الأمر الذي اجبر كل عائلة لديها طالب او طالبة، على الأشتراك في تقبّل العنف او العيش في دائرته، او ممارسته . من جانب آخر لعب خيرالله طلفاح (9) بعيد استلام البعث للحكم، دوراً سيئاً في (ضبط) دوائر الدولة لصالح الحزب الحاكم، وتمشيط منتسبيها من مختلف انواع ودرجات الموظفين والموظفات في العاصمة ـ في وقت كان ضبط العاصمة فيه يعني ضبط العراق ككل ـ وذلك من موقعه كرئيس " مجلس الخدمة العام" المشرف على كل موظفي الدولة، وقد اشاع اجواءاً من الفزع والرعب بعد حملات تشخيص الموظفين الذين لايناسبون خطط (الثورة) وحملات الضغط على المؤثرين منهم خاصة للأنتماء الى الحزب الحاكم او تلفيق تهمة عادية غالبا ما كانت اخلاقية لأبعاده عن عمله، اضافة الى جولاته في الدوائرواعتدائه على الموظفين والموظفات بالشتم والضرب بـ (عصا تأديب) كان يحملها بدعاوي (الأساءة للأخلاق وعدم الأحترام) ، الأمر الذي دفع عديد من الموظفين والموظفات ( ممن ساعدتهم عوائلهم او ظروفهم) الى تدبير وسيلة ما، ودفع مبالغ كرشوة لترك وظائفهم لتأمين سلامتهم، لأن ترك الوظيفة الحكومية كان يعتبر عملاً ( معادياً للحزب والثورة) . ومارس دوره ذلك كرئيس لـ " جمعية المحاربين القدماء" التي كانت تضم الضباط المتقاعدين، في بلد لعب فيه العسكريون دوراً هاماً منذ تكوين الدولة العراقية ثم توالو على حكمه بشكل مباشر طيلة عشر سنوات خلت قبل ذاك، وشهد الكثير من المحاولات الأنقلابية العسكرية، الأمر الذي ادىّ الى ان تكون مجاميع الضباط الذين حاولوا استلام السلطة في فترات سابقة او تبعوا من حاولها، في عداد الضباط المتقاعدين بعد ان انهوا محكومياتهم او اطلق سراحهم، والى ان تضمّهم تلك الجمعية التي كان من واجبها متابعة حقوقهم التقاعدية اضافة الى (حقوقهم) في شراء بضائع كان يندر وجودها في الأسواق، وباسعار متهاودة من محلات "حوانيت الجيش"، اضافة الى المكافئات وتوزيع الدور السكنية وقطع الأراضي . اي ان ادارتها ـ التي رأسها طلفاح ـ كانت تتصل وتدير شؤون انواع مجاميع الضباط ممن عارضوا يوماً، اضافة الى الضباط المسلكيين المتقاعدين . . فشكّلت آصرة هامة في تأمين وضبط الجيش ذاته، من خلال تشابك العلاقات الأجتماعية للضباط المتقاعدين مع من كانوا في الخدمة او مع من كانوا في منافٍ باشكال وصفات متنوعة . وصار لـ طلفاح ركن ثابت مدفوع الأجر في الراديو والتلفزيون، اضافة الى عقد الندوات، قام فيها وبشكل متصّل وكثيف، بطرح افكاره المشبعة بالشوفينية العروبية والطائفية والأستهزاء بالمثقفين وبالأفكار الحديثة كأفكار مستوردة، اضافة الى الأستهزاء بالفنون والفنانين ووصم المجتهدين والتقدميين بالشعوبية، وعرض فيها افكاره تلك بتفاصيل، واورد (مؤرخين وباحثين) مأجورين لمشاركته في بعضها، للتدليل على صحة آرائه المريضة، التي جمعها بعدئذ في كتاب عنونه " ثلاثة كان على الله ان لايخلقهم . . اليهود والفرس والذباب " والزم موظفي العراق بشرائه من خلال ضباط امن الدوائر، وعوقب من لم يشتريه بالطرد من الوظيفة بتهمة سوء السلوك. ثم صار طلفاح محافظ العاصمة " بغداد " واعاد تشكيل (شرطة الأخلاق) اللااخلاقية التي صارت بصلاحياتها ووحشيتها وما لديها من آليات واسلحة متطورة، نوعاً من انواع القوات الخاصة، قامت بضرب وملاحقة الشباب والطلاب من الجنسين بشكل خاص، بعد وصم اي مطلب او فعالية لهم بكونه " منافي للأخلاق " . وفي الوقت الذي اقام له فيه، سرادق بشكل ديوان عشائري (الأمر الذي لم يكن مألوفاً في بغداد ولا بين كبار الموظفين) اقامه على ارض مجاورة لبيته ( الذي كان وقتذاك في حي " جميلة " ـ قناة الجيش ) بعد ان استولى عليها من اصحابها، لأستقبال من لديه شكوى، كان يحلّها ان لم تكن (مخلّه؟) مقابل اثمان كانت ترتفع بمرور الوقت، على اساس ان ذلك جزء من (الأشتراكية العربية الرشيدة) و (الأخلاق العربية الأصيلة) في حل مشاكل المواطنين. وقد اشتهر بسرقة اجمل الأراضي على ضفاف نهر دجلة واجمل البسلتين، بعد اجباره اصحابها على تقديمها كـ (هدايا) له! او فرضه مبلغاً تافهاً حدده هو مقابلها! وقد نال مانال من رفض او اعترض، ولقبه اهالي بغداد بـ " حرامي بغداد " . ويتداول كثيرون انه هو الذي كان وراء قرار ( مجلس قيادة الثورة) الذي قرر الغاء الألقاب في التعامل اليومي آنذاك، وفي معاملات بيع وشراء العقارات والمشاريع واقامة المشاريع الجديدة، باسم تحقيق (المساواة اجتماعية وان لافرق بين سليل نسب معروف وآخر مغمور)، الاّ ان رجال الحكم الجديد في الواقع وبعد الغاء الألقاب، سرقوا كثير من القاب العائلات العراقية المعروفة وادعوها لهم، وخاصة لمن هم من تكريت . من جانب آخر وفي اطار خطة رمت الى مهاجمة الثقافة العصرية وكسب الفئات الأكثر هامشية في المجتمع، اخذت اغاني بنات الريف وحمدية صالح واطوار الغناء البدوي والغجري الأكثر بدائية تطغي على برامج الأذاعة ثم التلفزيون، بشكل تدريجي لم يلحظ الاّ قليلين بانه كان جزءاً من مخطط هابط كبير، رغم انه استثار اوساط الفنانين والمثقفين، واثار كثير من اهل المدن بكونه ( بوادر سيطرة عقلية الريف على المدينة). اضافة الى التضييق على الشعر الشعبي حتى منعه باسم (الحداثة)، باجراءات غاية في القساوة وصلت حد الموت والتغييب، بعد ان شكّل الشعر الشعبي سلاحاً ثقافياً ماضياً بيد القوى التقدمية والديمقراطية وحشّد اوساطاً شعبية واسعة ضد الظلم والطغيان . . في الوقت الذي غُضّ النظر فيه عن الشعر الشعبي الخليع والهابط ، بل وشُجّع. وفي ذلك الأطار، جرت عملية واسعة ربطت اصحاب المطابع بعقوبات وصلت الأعدام، ان جرى طبع اي مطبوع !! دون موافقة شعبة المطبوعات في المخابرات العامة، اضافة الى ربط شراء الورق بعملية امنية غاية بالتعقيد، وقلّص سوق الكتب الى المطبوعات المسموح بها فقط حتى ذلك الحين، التي شملت فكر البعث بكل ماتعلّق به، بحوث اللغة العربية والأدب العربي الكلاسيكي ومطبوعات الأثارة والعاطفة الهابطة، ونظّم سوقها بتعليمات من قانون المطبوعات الملحق بـ قوانين السلامة الوطنية والطوارئ ! واتخذت اجراءات صارمة رمت الى تحديد ثم منع السفر وخاصة للطلبة والشباب، بدأت بفرض اجور عالية على موافقات السفر بداية، ثم ربطه بكفالة شخصية ضامنة (10)، ومُنع طلبة عدد من الأختصاصات من السفر، كالطب والهندسة والرياضة والفن، ثمّ تقونن بقوانين تسمح بسفر من كان يُرسل من دوائر الدولة فقط، بموافقة الأمن العامة ثم موافقة منظمة البعث المعنية. وقد تعقدت معاملات الجوازات وازدادت شروط الموافقات الأمنية الى حدود غير مسبوقة في تأريخ البلاد، استطاع البعض تخطيّها بدفع رشاوي وعمولات باهضة، اضافة للوساطات لمن لديه قريب متنفّذ او ممن كان قريباً للقمة الحاكمة او في خدمتها . كانت تدور عملية مخططة بلا ضجيج وبتتالي سريع لايسمح بالتقاط النفس، لعزل تأثير الأحزاب الوطنية على الشعب بضرب مواقع تماسها به، ولتحطيم الفكر التقدمي والتآخي القومي والديني والطائفي، وقطع صلات الفرد وفكره وبالتالي المجتمع بالعالم، والأستفراد بالشعب لتطويعه بالخوف والرعب والقلق بمخطط على مراحل كما سبقت الأشارة، استهدف ارجاع البلاد الى الوراء بشعارات (مواجهة اعداء العراق) وبالحديث المنافق عن تحولات نحو الديمقراطية والعدالة الأجتماعية والأشتراكية، التي كانت الأماني التي تغزو الشارع، وعن ميثاق للعمل الوطني . . وهدف الى خلق (قيادة اسطورية) تعرف كلّ شئ، قادرة وحدها على كلّ شئ بـ (يد الثورة الطويلة) . (يتبع)
د. مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1. راجع وثائق " هيئات صناعة الأزمات" ومؤتمراتها الدولية الدورية في هولندة ، وثائق " بروتوكولات الحكماء" . 2. مجلة " افاق عربية " ، نيسان 1976 . 3. راجع مذكرات حردان التكريتي، فصل"البكر والكواليس" . مذكرات "فتحي الديب" مساعد الرئيس عبد الناصر . مذكرات طالب شبيب عضو قيادة البعث ، تصريح علي صالح السعدي امين سر القطر حول انقلاب شباط عام 1963، " تصريح روجر موريس" كبير الـ CIA وعضومجلس الأمن القومي الأميركي في ادارتي الرئيسين الأميركيين الأسبقين جونسون ونيكسون ، للـ"واشنطن بوست" اواسط نيسان 2003 . 4. من اقوال الدكتاتور صدام اواخر الستينات . 5. مسرحية رعب كان ابطالها اضافة لمن عرض في التلفزيون واعلن عن اعدامه؟ محيي مرهون، احد افراد عصابة " ابن ماهية " التي ضمّت صدام اواخر الخمسينات، وآخرين، كما اشارت عديد من الوثائق والكتابات بعد سقوط الصنم. 6. قوات خاصة انشئت على عجل، وزّعت عليها احدث الأسلحة الأوتوماتيكية الخفيفة وبدلات قتالية من نوع مثير غير مألوف سابقاً، شكّل جاذبية خاصة للشباب ومنظراً مرعباً للمدنيين، باسلوب شبيه بتشكيل " الحرس القومي " السئ الصيت عام 1963، وعلى غرار تشكيلات الحرس الأسود النازي ـ راجع " نشأة وسقوط الرايخ الثالث" لـ " فاغنر"ـ اربعة اجزاء، فصل "الحرس الأسود " . 7. نسبة الى فرقة الخنافس (البيتلز) التي شاعت اغانيها، الحانها ومواقفها من الحرب، وكانت محبوبة بين اوساط الشباب عموماً، آنذاك . 8. وقد شملت طلاب الثانويات اولاً، ثم طلاب الثانويات والمتوسطات وخاصة في المحافظات . . كمعسكرات " الخالصة " و" ابو منيصير" . . وقد ادّت البرامج العنيفة بارواح عدد من الطلبة واصابة آخرين بعاهات، وقد جرت الضغوطات فيها على الطلبة للأنتماء القسري للبعث . 9. خيرالله طلفاح ؛ خال صدام ووالد زوجته ووالد وزير الدفاع عدنان خير الله. عسكري متقاعد ترقىّ من نائب ضابط الى ضابط، وهو من قدامى الطائفيين والمتعصبين القوميين العرب الشوفينيين، عرف بميوله النازية وتصوّره اللاأخلاقي للعمل السياسي، بمجئ حزب البعث للسلطة صار رئيس " جمعية المحاربين القدماء " التي ضمّت ادارتها قدامى الضباط العروبيين الشوفينيين بشكل خاص، وصار رئيس مجلس الخدمة العام ثم محافظ بغداد . . لايزال اخوانه وابنائه واابناء اخوانه واخواته يلعبون ادوراً رئيسية في العمليات الأرهابية التي تقوم بها بقايا الدكتاتورية المنهارة . 10. كانت تعني تطبيق العقوبات التي تفرض بحق المخالف، على الكفيل الضامن شخصياً، من سجن وتعذيب وتضييع !
#مهند_البراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدستور . . والآمال المنتَظَرة ! 2 من 2
-
الدستور . . والآمال المنتَظَرة ! 1 من 2
-
وداعا جورج حاوي ! 3 من 3
-
وداعا جورج حاوي ! 2 من 3
-
وداعا جورج حاوي ! 1 من 3
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 3 ـ
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 2 ـ
-
المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟! ـ 1 ـ
-
عن الأحزاب وحركة المجتمع . . والعولمة !
-
صدام بين المحاكمة وقضية الواقع الدامي !
-
في عيد ربيع الطلبة !
-
ذكريات عن يوم السباع الخالد في - الصدور- !
-
طلبة البصرة والنضال ضد ملامح الأستبداد الجديد !
-
- بحزاني - على ابواب عام جديد !
-
ماذا يكمن في الصراع حول حقوق المرأة ؟
-
من اجل حكم تعددي ودستور مدني في العراق!
-
- قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية والجمعية الوطنية الأ
...
-
- قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية والجمعية الوطنية الأ
...
-
الأنتخابات عيد البداية الواعدة !
-
نعم لقائمة - اتحاد الشعب- الأنتخابية !
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|