|
رياح التغيير تهب علي الصحافة القومية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:39
المحور:
الصحافة والاعلام
الحديث لا يتوقف عن حاضر ومستقبل الصحافة »القومية«، والملفت للنظر أن هذا الحديث يدور علي صفحات الجرائد الحزبية و»المستقلة«، مثلما يتردد داخل المؤسسات الصحفية »القومية« ذاتها. هذا الملف الذي تم فتحه قبل تغيير رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف »القومية«، بسبب التلكؤ في القيام بهذا التغيير رغم عدم قانونية بقاء الوضع علي ما كان عليه، لم يتم إغلاقه بعد أن حدث التغيير الذي طال انتظاره حتي حسبه الكثيرون سرابا. ورغم أن البعض ذهبوا، أول الأمر، إلي التقليل من أهمية التغيير الذي حدث، والقول بأن تغيير الأشخاص لا يكفي ولا يحل المشاكل المتراكمة لهذه المؤسسات الصحفية »القومية«، والقول ـ أيضا ـ بأن معظم الأسماء الجديدة ليست سوي استمرار للأسماء القديمة.. وأن أحمد مثل الحاج أحمد. رغم ذلك سادت حالة من الارتياح في الأوساط الصحفية لمجرد تغيير الأشخاص. ثم كانت المفاجأة الثانية: أن بعض الأشخاص الجدد الذين كانت الفكرة الشائعة عنهم في مؤسساتهم أنهم »تلاميذ« مطيعون للقيادات الراحلة.. خيبوا الظنون وقاموا باتخاذ خطوات مفاجئة تشكل انقلابا علي بعض السياسات والقرارات »القديمة«. أما المفاجأة الثالثة فهي: أن بعض القيادات الجديدة ذهبت أبعد من ذلك بكثير. وربما كان الزميل محمد أبو الحديد رئيس مجلس إدارة دار التحرير كان أبرز من فعل ذلك. فهو قد استهل عمله فور تسمله مهام منصبه الجديد بـ »بيان إلي الناس«، أقدم فيه علي مسألة غير مألوفة، ألا وهي إعلان حقيقة الأوضاع المالية للمؤسسة التي يرأسها بشفافية كاملة ودون تمويه أو عمليات تجميل.. وذلك علي عكس الممارسات »القديمة« حيث دأبت معظم المؤسسات الصحفية القومية علي حجب ميزانياتها والامتناع عن نشرها حسبما ينص القانون! ثم ذهب خطوة أبعد في الأسبوع التالي حيث حاول الإجابة علي سؤال ملح هو: كيف نستعيد ثقة القارئ؟! وانطلق في إجابة من الاعتراف بأن »كثيرا من الناس كانوا ـ ومازالوا ـ ينظرون إلي الصحافة القومية علي أنها صحافة حكومية وهم لا يثقفون في كثير مما تنشره الصحف القومية من أخبار وموضوعات ويطلقون عليها الوصف الشائع بأنها كلام جرايد«. وأضاف أن الصحافة مسئولة »لأنها حولت صفحاتها الأولي، ومعظم صفحاتها الداخلية، إلي نشرات إخبارية لتصريحات المسئولين وتحركاتهم بالكلمة والصورة.. وبعض الصحفيين والكتاب حولوا صفحات الصحف القومية وأعمدتها إلي ساحة لمدح الحكام والتزلف إلي كبار المسئولين بطريقة تشعر القارئ بأن هذه الصحيفة أو ذلك الكاتب يمتهن ذكاءه ولا يحترم وعيه.. وفي الوقت الذي زادت مساحات الحرية، فقلصت بعض الصحف أهم الصفحات التي ترمز للحرية وهي صفحات الرأي ورسائل القراء«. وانتهي أبو الحديد للتأكيد علي أن »الصحافة القومية مطالبة بأن تكون صحافة الشعب، كل الشعب، دون تفرقة أو تمييز، ومطالبة بأن تكون مهمتها الأولي نشر الحقيقة، كل الحقيقة للناس، دون تجميل أو تشويه«. هذا الذي قاله أبو الحديد خطاب جديد وغير مألوف في الصحافة »القومية«، ويضع يده علي أحد الأمراض المزمنة في تلك الصحف القومية. وأكثر من ذلك.. لم يتردد أبو الحديد في حضور اجتماع نظمته حركة »صحفيون من أجل التغيير«، والأهم أنه تحدث في هذا الاجتماع عن المناخ الموجود في المؤسسات القومية، وقال إنه مناخ فاسد ويشجع علي الانحراف في حالة انعدام ضمير رؤساء مجالس الإدارات مطالبا بأن تخضع الصحف القومية لأعمال المراقبة والمحاسبة من جانب الأجهزة الرقابية حتي لا تتحول ـ حسب وصفه ـ إلي عزب واقطاعيات لرؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير. وكشف أنه خلال الأيام العشرة الأولي لم يجد مستندا واحدا يحدد مرتب رئيس التحرير وأنه راجع مجلس الشوري، فقالوا له حدد المرتب الذي تريده!«. أما بالنسبة لأوضاع المحررين فإنه قال: »عندنا نظام تعذيب مؤسسي لشباب الصحفيين ينقص من كرامتهم مقابل التعيين والمكافآت والقيد في النقابة، وأشار إلي أن الصحفيين في المؤسسات القومية يعاملون بنظام السخرة واصفا ذلك بأنه فضيحة حقوقية. مرة ثانية.. هذا كلام جديد جدا لم نألف الاستماع إليه، خاصة علي لسان رئيس مجلس إدارة إحدي أكبر المؤسسات الصحفية القومية. وهذا الكلام الجديد.. يجعلنا نترقب حدوث »إصلاح« في تلك المؤسسات التي تدهورت أوضاعها المهنية والاقتصادية في الآونة الأخيرة بصورة مزرية. والجديد أيضا أن هذه الدعوات الإصلاحية لم تعد تأتي من خارج المؤسسات القومية فقط، بل أصبحت تتصاعد من داخلها أيضا. والملفت للنظر أيضا أن هذه الصحوة الإصلاحية لا تقفز علي الواقع بل إن بعض المنخرطين في حمل لوائها يصرون علي عدم إسدال ستار علي المخالفات المالية والإدارية الجسيمة التي حدثت في المؤسسات القديمة في السنوات الماضية، ولا يوافقون علي شعار »عفا الله عما سلف«. ومن أبرز هؤلاء: الكاتب الكبير الأستاذ محسن محمد الذي قال بالنص: »إنني أطالب النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد بالتحقيق مع الأستاذ سمير رجب الرئيس السابق لمجلس إدارة دار التحرير ورئيس تحرير »الجمهورية« وأن يعتبر ما أقوله بلاغا ضده بعد طلب رفع الحصانة عنه بوصفه عضوا بمجلس الشوري. وأنا مصر علي هذا الطلب لأن سمير رجب منذ أول يوم تولي فيه المسئولية منح نفسه 2% من إيرادات المؤسسة وكأنها ملك له يعطي لنفسه الحق في الحصول علي أموالها كلها أو نسبة منها. وعندما يقرر أن يأخذ هذه النسبة فإما أن غيره كان يأخذها فتصبح حقا له وإما أنه يبدأ عهدا جديدا، بحيث إنه يستولي علي أموال المؤسسة«. كما تحدث الأستاذ محسن محمد عن مخالفات كثيرة طالب بالتحقيق فيها. وليست المخالفات منسوبة للأستاذ سمير رجب فقط بل هي معلقة أيضا علي رءوس بعض القيادات الأخري. والجديد.. أن الاتهامات والمطالبة بالحساب لا تأتي أيضا خارج المؤسسات الصحفية القومية وإنما تأتي من داخلها أيضا، بل تأتي من قيادات رفيعة المستوي أيضا. وهذا يعني أنه أصبح من الصعوبة بمكان إغلاق ملف إصلاح المؤسسات الصحفية القومية، وأصبح من الضروري الإجابة علي أسئلة ظل مسكوتا عنها لسنوات طويلة، تتعلق بإعادة هيكلة هذه المؤسسات، والتفكير في خصخصة بعضها، وتعديل شكل ملكية بعضها الآخر، وتفعيل دور الجمعيات العمومية بها وجعل هذا الدور حقيقيا وليس شكليا، وإعادة النظر في هياكل الأجور، والعلاقة بين التحرير والإعلان.. إلخ. والأهم.. أن إصلاح المؤسسات الصحفية القومية، لم يعد ممكنا فتح ملفاته بمعزل عن ملفات الإصلاح السياسي والدستوري الشامل. وهذا يعيدنا مرة أخري إلي التذكير بقضايا أساسية لا يمكن إصلاح أوضاع الصحافة القومية، والحزبية والمستقلة، بدونها، وفي مقدمتها قضية إطلاق حق الأفراد والجماعات في إصدار الصحف دون قيد أو شرط، وإلغاء التشريعات السالبة للحرية، والقوانين التي تجيز حبس الصحفيين، وغير الصحفيين، في قضايا النشر. فمن غير المتصور أن يتم إصلاح أوضاع الصحف »القومية« بدون إطلاق المنافسة مع غيرها من الصحف، وبدون رفع القيود التي تهدد حرية الصحافة.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزير الصحة .. مصطفى النحاس باشا!
-
! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
-
!من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
-
لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
-
إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
-
مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم
...
-
إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
-
تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
-
طوارئ.. في دارفور فقط
-
الهموم الأكاديمية في حوار ساخن بالتليفزيون المصري
-
»إبن الحداد« أطاح بــ »شاه إيران «الجديد
-
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
-
اعتذار.. لفنان محترم
المزيد.....
-
بعد سنوات من الانتظار: النمو السكاني يصل إلى 45.4 مليون نس
...
-
مؤتمر الريف في الجزائر يغضب المغاربة لاستضافته ناشطين يدعون
...
-
مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة الإسرائي
...
-
تقارير: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بات وشيكا
-
ليبيا.. مجلس النواب يقر لرئيسه رسميا صفة القائد الأعلى للجيش
...
-
الولايات المتحدة في ورطة بعد -أوريشنيك-
-
القناة 14 الإسرائيلية حول اتفاق محتمل لوقف النار في لبنان: إ
...
-
-سكاي نيوز-: بريطانيا قلقة على مصير مرتزقها الذي تم القبض عل
...
-
أردوغان: الحلقة تضيق حول نتنياهو وعصابته
-
القائد العام للقوات الأوكرانية يبلغ عن الوضع الصعب لقواته في
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|