|
انبهـــــار الثقافـــــة العربيـــة فـي اشكالاتهـــا
سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1261 - 2005 / 7 / 20 - 12:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتكون الثقافة من المعتقدات والتقاليد والقيم واللغة والفنون والعلوم والدين وكل الأنساق الرمزية لدى شعب من الشعوب والثقافة بهذا المعنى هي التي تشكل الطريقة التي يفهم بها الإنسان العالم الذي يعيش فيه وهي الأساس الصلب الذي يقوم عليه التواصل في الحياة الاجتماعية ، وهي بالتالي تنعكس في ممارسات الأفراد وافعالهم .
اذا كانت الثقافة تتجلى مفاهيمها بهذا المعنى وعلى هذه الصورة الفكرية ، يمكن تشكل المدخل لقراءة انبهارات الثقافة العربية في اشكالاتها والتي تتحدد في اشكالات ثلاث أولها : شيوع ثقافة انهيار الصراعات الاجتماعية والحركات الهادفة الى التخير الاجتماعي والعدالة وتلاشي القيم التي تدفع الى التغيير .
ثانيهما : عدم تحديد ( مكان ) الديمقراطية ، والتعليم والفكر النقدي ، والتعددية والحوار والتفاعل الخلاق والفعل التطويري في الثقافة العربية المعاصرة .
ثالثهما : التسليم بانهيارات التحويلات الفكرية التي حصلت في العالم ، والتحاطي معها كضرورة لمعالجة الثقافة العربية .
هذه الاشكالات لم يكن لها ان تنهض وتطرح نفسها لو لم يكن في خضم المنحدر الحاد في زمن الهزائم والانهيارات على مختلف الصعود وطنيا وعربيا وعالميا وكونيا .
كانت وما زالت الهزائم تتلاحق وفي أوقات متقاربة في الثقافة العربية ، وكأنها مترابطة في بعضها البعض . مما أدى الى انهيار الثقافة العربية ووقوعها في افخاخ الثقافات الغربية ، التي استطاعت ان تنجز مشروعها المعرفي على صعيد مجتمعاتها ليتنقل بعد ذلك معارفها الى الثقافة العربية ، تكن على شكل افخاخ وكان الفخ الأول الأحادية في النظر لما ينقل لنا من الثقافة الغربية لتتحول الصراعات بين المثقفين العرب على الفخ وبدت الصورة للمواطن العربي ان ما يحصل من صراع بين المثقفين العربي استنساخ فيما يحصل بين النظم السياسية العربية .
اما الفخ الثاني : ان الظاهرات المعرفية التي تتولد في الغرب من رحم الإنجاز ، تتفتح أمامنا اشكالات كبيرة تتجلى في صورة اللاهت بهذا الركب المتطور مما يجعلنا نعيش عثرة عدم اللحاق به ، وكأننا أصبحنا من هواة المشي بطيئا ، مما دفع العديد من المثقفين العرب الوصول الى مرحلة اليأس والانتحار الفكري الذي تجلت صورته في المطالبة بتحطيم المجتمع العربي واعادة بنائه من جديد .
غير ان الفخ الثالث الذي اربك الثقافة العربية التقليدية الراهنة في نقل ما تنتجه الثقافة الغربية لتتشكل بعد ذلك أخر تقليدية ثقافية نمطية في المنتــج الثقافي العربي .
أمام هذه الصورة للثقافة العربية اصبح الصراع صعب ومعقد مع مختلف العوائق الثقافة العربية . و أصبحت أوهام النخبه وغير النخبة سواء تلك التي تعمي عن هذه الافخاخ او تلك التي تعمل جاهدة على تكبيلها بهذه الافخاخ . ولعل هذه الصورة للثقافة العربية هي التي تدفع الى ضرورة الكشف عن اعادة انتاج الافخاخ على انها تواصل ثقافي بين الثقافات الانسانية .
هذا الخلط غير الواعي هو الذي اوقع معظم المثقفين العرب على اعادة انتاج النمطية بروح تقليدية لما ياتي لنا من خلال الثقافة الغربية وهنا هذا المضمار ليس المقصود بهذا الرصد الانحياز لعقلية المؤامرة الثقافية الشائعة عند بعض المثقفين العرب وبالتالي يحاولون جادين صناعة ثقافة ماضوية ترد على هذه النمطية والتقليدية.
ان هذا التحليل لا يجعل القيود الثقافية الداعمة لبناء النمطية والتقليدية والتدرج في التبعية تنتج ثقافة عربية تتمايز بمعرفتها وعطاءها على الصعيد الحضاري ، بل تجعل القبيح وتتخلق ثنائيات يشترك فيها المنتج الواعي ( الغرب ) والمنتج المرتبك ( العربي ) وتتكشف الصورة اكثر أثناء الممارسات والتفاعل وتستخدم في قوة في تدعيم العلاقات بين منتج واع ومنتج مرتبك.
يتأسس على هذه الثنائية بناء اجتماعي مهزوز وغير واع لطبيعة الصراعات الاجتماعية الدائرة في العالم والقرب على وجه الخصوص .
ان تعبيراً كهذا يجعل من الثقافة العربية ظل خفيف على مسرح الثقافة الغربية ليبقى الظل مقتنعا ان دوره هام في اتمام العرض المسرحي وهكذا دواليك تبقى العروض مستمرة ويبقى الظل يمارس دوره بالنمطية المراد ان يبقي عليها وهنا يتحول مفهوم الظل الواعي لضرورات العرض المسرحي الى وعي بالتميز وليس وعياً بالاستغلال ومن ثم التمرد وبذلك يمكن القول ببساطة ان الثقافة العربية تجس الناس داخل عوالم جامدة وتصبح مكوناتها ورموزها اداة قهر وليس اداة ابداع تدعو للتحرر .
لعل الحياة الاجتماعية العربية وما اعطته من اجوبه محققة على الهزائم الثقافية التي تعرضت لها هي خير تكثيف للمخاض الفكري المعاصر المتوالي فصولا عاصفة تزداد توترا على مر الايام نحو التطرف .
ان بفعل التجربة التي لم تنجح او تحت ضغط مرارة الهزيمة الثقافية نجد تلخيصا لجواب الحياة الاجتماعية التي تتفاعل في اتون الهزيمة وتعزز انماط نقيضه من الرد الاجتماعي على الهزائم والنمطيات الثقافية الشائعة في الحياة العربية تتفاعل غريزة الاستهلاك في الهزيمة والتهميش في انتاج ردة فعل مقاومة لهذه الغرائز واستسلام الانسان العربي لغريزته الاستهلاكية جعلت من الثقافة العربية ثقافة معدومة لا احد يقف على يسارها او يمينها وبات طرح النموذج البديل الذي قد يكفل سد الثغرات القاتلة امرا صعب المنال .
تنقلنا هذه الصعوبة الى عامل داخلي اجتماعي غربي لا يستجيب للتحدي المطلوب بل ينتج ما تداول عليه المثقفون العرب في توصيفاتهم الفكرية تجاوز الفجوة التاريخية بيننا وبين الغرب على امل الوصول الى حاله التوازن بين المنتج الغربي الواعي والمنتج العربي المرتبك .
هذا العامل اوقعنا على مسرح صراع يفترض العمل باقصى طاقة ممكنة وباسرع وقت ممكن وهو الامر الذي فهم ومورس كما هو معروف على نحو انقلابي في الثقافة العربية وقيام ثورات او هكذا تصور البعض ان هناك ثورات ثقافية قد حصلت في الثقافة العربية تحت مسميات مختلفة كالعودة للتراث او الصحوة الاسلامية او اللحاق بالحداثة وما بعد الحداثة او الدارج الان بين اوساط المثقفين العرب العوالمة .
هذه الثورات في حقيقة الامر هي استجابات فعلية لمنتج غربي يتحرك ضمن صيرورته الاجتماعية المتطورة وليس بالضرورة ان يكون هذا المنتج او المنتوجات صنعت خصيصا للتآمر على الثقافة العربية تكن بالضرورة ان تصدر للثقافة العربية والثقافات الانسانية الاخرى من باب التواصل الحضاري غير ان الطريقة التي يتم التعامل مع هذا المنتج هي التي تحدد طبيعة واهمية هذا المنتج ومدى ما يمكن الاستفاده منه في دفع الثقافة العربية للتمايز وهذا الفعل الحضاري ليس فكراً او سمة عصر انه فعل انساني منذ بداية الخليقة .
عرف الانسان هذا التواصل الحضاري على انه ضرورة من ضرورات التواصل ويبقى تعريف هذا التواصل على ازمة او اختراق او دعوة للتبعية منوط بالانسان المتلقي لا بانسان المنتج .
ان نزعة الازمة اصبحت في الثقافة العربية عقيدة مقدسة يحج لها كل راغب في الحديث عن الثقافة وعن علاقة الثقافة العربية بالثقافة الغربية وما يربط هذه العقيدة بالازمة هو اتهام المجتمعات العربية بالاخفاقات التاريخية من قبل الكثير من المثقفين العرب وبالمقابل تتهم المجتمعات العربية مثقفيها بالعماء التبعي للغرب الذي اتسمت به النخبة المثقفة واردفت هذه المجتمعات اتهام اخر اكثر خطورة عندما نظرت للنخبة على انها تبحث عن السلطة لذا تتلاعب في عقولهم ركضا وراء اهداف ليس لها أي اسس للتحقق على ارض الواقع وكأن هذا الفعل مقصود لخلق ضبابية عالية تثير الزوابع اكثر ما تدعو للانتاج الفعلي الذي يمكن تحققه على ارض الواقع ويستجيب لرغبات وتطلعات هذه المجتمعات . وهكذا تدعو المجتمعات الى عدم الاستجابة لهرهطقات المثقفين التي تعيش في نظرها في اوهام تاريخية مأزومة لاعلاقة لها بهذه الازمات التي افتعلها المثقفون العرب ولا يمكن التغاضي عن رؤية المجتمعات للمثقف العربي خاصة اذا ما كان المثقف العربي يعتقد انه ما زال خاضع لنوع من الوعي والفكر الذي يدعو لرؤية مجتمعه على انه ما زال تقليدي ومحافظ تمنعه من رؤية الدافع الجديد الذي ينظر له المثقف ومن هذا المنطلق يصبح الدفاع عن ازمات الثقافة العربية التي ما زالت تطمح ان تعيش مغامرة الديمقراطية والمشاركة في القرار السياسي والثقافي وليس السياسي وحسب وان مشاركة المجتمعات في صناعة القرار الثقافي لا يؤدي الى كوارث وطنية كما شائع عند بعض المثقفين العرب .
وان السياسة جزء من الثقافة والعكس غير دقيق ......الثقافة تحمل في طياتها مفهوما واسعا ومتشعبا لحركة الانسان يكون من ضمنها الفعل السياسي على هذا الاساس تتحرك في كثير من الحالات المجتمعات العربية للدفاع عن رغباتها وتطلعاتها وليس كما يحاول البعض من المتدخلين في الثقافة العربية ويروج لقيم العفوية التي تدفع المجتمعات العربية للتحرك ليخلق بذلك ازمة يتصارع فيها مع مثقفين اخرين يرون عكس ذلك.
ان توالد الازمات في الثقافة العربية سمة من سماتها المعاصرة وميزة من ميزاتها التي اصبحت عنوانا رئيسا لها ومدخلا لا يمكن التغاضي عنه اذا ما اردت الحديث عن الثقافة العربية .
الصورة على هذه المنطية جعلت من الثقافة شيْ كريهه لدى المواطن العربي فهو يعيش ازمات خانقة في حياته اليومية ويكفيه ما يعانيه من هذه الازمات وليس بحاجة لازمات جديدة تضاف لرصيده اليومي المأزوم !
ان ثقافة تحمل على عاتقها مهام التجسيد الفعلي للازمات التي تناقشها فالنتبجة التي حصلنا عليها في وقتنا الحاضر ليست محصلة الظروف الموضوعية التاريخية فقط وحدها وتكن ايضا لطبيعة استجابة الثقافة العربية للفعل الثقافي الغربي .
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انجاد مرشح الفقراء ........ حصر الاصوات .....
-
لمــاذا اليســـار الان ؟ قتـــل جـورج حـاوي خطوة علـى الطريـ
...
-
الحلقة الثانية في قراءة المشهد الثقافي الفلسطيني
-
قراءة في المشهد الثقافي الفلسطيني
-
الثقافة الفلسطينية -أنا- منغلقة على ذاتها، وفضاءا مفتوحا على
...
-
الماركسية في فلسطين فراغ سياسي، وطور زمني يحذر من التجدد
-
الجزء الثاني من القراءة للدولة الفلسطينية
-
الدولة الفلسطينية فلسفة يومية.. ضد الراهن المنهار.. ومقاومة
...
-
-الحركة العمالية العربية- بين طاعون الفقر وكوليرا القوانين ا
...
-
معضلة الأمن في الفكر السياسي الفلسطيني
-
عرضية أيدولوجية أزمة العقل العربي السياسي
-
سوريا في مفترق طرق استراتيجي ـ لبنانيا
-
الحركات الاسلامية الفلسطينية بين تقديس النص واختراق الآخر له
...
-
ابو مازن سكة الوعي المتأخر
-
جندرما فتح.. اليمين الفلسطيني سلطنة على زعامة فلسطين
-
السياسة الفلسطينية في عالم متغير فشل اليسار الفلسطيني في انت
...
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|