صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 16:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لم يتفق العلماء المختصون على تعريف محدد لمفهوم الإنسان الذكي, لكننا ومن خلال البحث نستطيع القول بأنه الشخص الذي يمتلك قدرات عقلية تساعده على التحليل والتخطيط وسرعة حل المشاكل وإدراك العلاقة بين مجموعة أفكار والتنسيق بينها. ويتصف بتمكنه على التعلم بسرعة وبمقدرته على التفكير المجرد وسرعة المحاكاة العقلية ,وله القابليةعلى إلتقاط اللغات وتعلمها بسرعة وإتقان إلى جانب ما يمتلكه من قدرة على الإحساس وإبداء المشاعر وفهم مشاعر الآخرين, يضاف الى ذلك ما لقوة الذاكرة من أثر مهم في تعزيز الذكاء .وأن من يمتلك ذكاءاً عالياً يمكنه أن يكون مبدعاً ومبتكراً.
أما العبقري فهو الذي يتمتع بقدر كبير من الذكاء,وله القدرة على التفكيرسليم وإستطاعته تحقيق أهداف لم تستكشف من قبل ويستطيع التركيب والتحليل وإعادة التنظيم والتعقيد والتقويم.وهو يتجاوزطريقة التسلسل الإعتيادي في التفكيرالى إتجاهات مبتكرة
كما أن العبقري يتصف بالإبداع (إذ يضع حلولاً غير مألوفة للمشاكل وله القابلية على التفكير المتشعب وإنتاج عدد من الأفكار في زمن قصير).ولتوضيح هذه العبارة سأسرد لكم ماجرى لطالب عبقري في إحدى الجامعات الدانماركية اواخرالقرن التاسع عشر الميلادي. فقد وجَه أحد مدرسي الفيزياء سؤالاً لطلبته لمعرفة ما إستوعبوه من درس في موضوع الضغط الجوي,وطلب منهم الجواب تحريرياً,وكان السؤال :- كيف يمكنك تحديد إرتفاع ناطحة السحاب إذا أعطيت بارومتيراً (والباروميتر هو جهاز لقياس الضغط الجوي)؟ فكتب هذا الطالب الجواب التالي:- أربط الباروميتر بطرف حبل طويل ثم أدلي طرف الحبل المربوط به الباروميتر من أعلى ناطحة السحاب الى أن يمس الباروميتر الأرض,ثم أقيس طول جزء الحبل المتدلي من مكان مسكه باليد وهذا يمثل إرتفاع تلك البناية.
لم يرق هذا الجواب لمدرس الفيزياء فأعطاه صفراً وأخبره بأن هذا يمثل الأسلوب البدائي للإجابة.لكن الطالب إعترض لدى رئيس الجامعة مشدداً على صحة جوابه وأنه لا لبس فيه.ونتيجة لإصرار الطالب على موقفه تم تشكيل لجنة للبت في إعتراضه وإستدعته للمثول أمامها ثم طلبت منه اللجنة جواباً شفهياً على سؤال مدرس الفيزياء على وفق معرفة فيزياوية. فكَرالطالب ملياً ثم إستطرد قائلاً :- لدي العديد من الإجابات لقياس إرتفاع البناية مستعملاً الباروميتر,لكنني لا أستطيع إتخاذ قراري لإختيار أحدها. فطلب منه رئيس اللجنة ذكر كل ما في جعبته من حلول . فرد عليه الطالب :-
سأبدأ بالحل السهل وهو الذهاب الى حارس المبنى وأعطيه الباروميتر هدية جميلة لقاء إخباري بمقدار إرتفاع البناية وينتهي الأمر بعد أن إستعملت الباروميترللوصول الى الحل. أو أن أستفيد من قانون النسبة والتناسب في الرياضيات فأقوم نهاراً وفي ضوء الشمس بجعل الباروميتر بوضع شاقولي منتصباً على سطح الأرض وأقيس طول ظله,ثم أقيس طول ظل البناية على الأرض وسأتمكن من حساب إرتفاع البناية بعد التعويض بالقيم المعلومة وكالتالي:-
إرتفاع البناية المجهول - طول الباروميترالمعلوم = طول ظل البناية المقاس -طول ظل الباروميترالمقاس.
أو أن أترك الباروميترليسقط حراً من أعلى البناية الى الأرض مع ضبط الزمن الذي يستغرقه منذ بدء سقوطه حتى إرتطامه بالأرض, ثم أحسب إرتفاع البناية من قوانين السقوط الشاقولي الحرالمعروفة وكالتالي:-
إرتفاع البناية( الشاقولي طبعاً ) = 1-2 × التعجيل الأرضي في تلك المنطقة × مربع الزمن المستغرق لوصول الباروميترأرضاً.( إذ أن السرعة الإبتدائية للباروميتر= صفراً).
أما إذا طُلِب مني تعقيد الأمور فسوف ألجأ الى الجواب التقليدي الذي يريده مدرس الفيزياء . فسأله رئيس اللجنة :- وما هو هذا الجواب؟ فرد عليه الطالب:- أقيس الضغط الجوي باستعمال الباروميتر مرة في أعلى البناية وأخرى عند سطح الأرض ,وبما أن الضغط يقل بمعدل (1 ملي بار أي 0.001 من الضغط الجوي القياسي) لكل إرتفاع عشرة أمتار عن سطح الأرض وفي حدود المناطق القريبة منها كما أخبرنا مدرس الفيزياء بذلك,ومن ثم أستطيع إرتفاع البناية كالتالي:-
إرتفاع البناية (بالأمتار) = الفرق في الضغط بين ماهو عليه عند سطح الأرض وأعلى البناية (بالملي بار) ×10 متر(لكل ملي بار).
وعندما سأله رئيس اللجنة ولماذا لم تذكر جوابك هذا لمدرسك وتريحه,رد عليه بغضب وإستنكار:- لقد ضقت ذرعاً بالأساتذة ,إنهم يفرضون علينا كيف يجب أن نفكر.
ولابد لنا من أن نذكر أن هذا الطالب العبقري أصبح عالماً في الفيزياء وهو الدانماركي نيلز بور الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام1922 وهو الذي وضع وصفاً صحيحاً لإنموذج الذرة(على وفق نظرية مستويات الطاقة) بعد أن ظهرت إعتراضات على الإنموذج الذي إقترحه أستاذه (رذرفورد).
إذن فالعبقري لا يفكر بالطريقة الروتينية في حل المشاكل ,وإنما يتعداها .وهو لا يأخذ بالمسلمات وإنما يبدع حلولاً أخرى ليست روتينية ولا إعتماداً على تكرارمن خلال خبرات سابقة,فهو يميل الى الفكر المنتج الخلاق.
وعلى العكس من العبقري هناك الغبي وهو الفرد الذي يتصف بضعف الذكاء وعدم القدرة على فهم المعلومات بشكل صحيح وضعف الإحساس بسهولة.وعلى وفق المبدأ السايكولوجي في موضوع التذكر فإن رؤية البياض الناصع يذكرنا بالسواد الحالك,والشجاع البطل يذكرنا بالجبان المتخاذل,والعبقري يذكرنا بالغبي.وموضوع العبقرية والعباقرة يذكرني بأحد المعارف القدامى وإسمه(زغير عنون), هذا الرجل وكلما حضر مجلساً فإنه يكثر من المديح لذاته والفخر بذكائه الخارق ويدعم إدعائه هذا دائماً بسرد قصص من خياله الخصب ما أنزل ألله بها من سلطان,وبالطبع كنا لا نصدقه في كل ذلك لمعرفتنا بحقيقته وما خزناه من ذكريات حوله . ولم يكن موفقاً في دراسته إطلاقاً ,فعلى سبيل المثال تطلب منه عشر سنوات بدلاً من ست لينهي دراسته الإبتدائي بعد أن إضطر الى الإنتقال الى الدراسة المسائية ,ثم ترك الدراسة للمرحلة المتوسطة مجبراً لا بطلاً بعد أن بقى يراوح ثلاث سنوات كاملة في الصف الأول فإضطرالى الإلتحاق بالجيش لأداء الخدمة الإجبارية,وبعد إكمالها حاول الحصول على عمل ثابت يساعده وعائلته الفقيرة على سد الرمق دون جدوى لأنه يواجه الطرد بعد أيام قليلة من مباشرته بكل فرصة عمل يحصل عليها. نصحه أقارب باللجوء الى أصحابه وزملاء الدراسة القدامى وهم كثرمن طبيب ومهندس ومدرس وموظف....الخ ليتوسطوا له للحصول على فرصة عمل حكومي ومهما كانت صفته يوفر له راتباً شهرياً وإستقراراً عائلياً.فما كان عليه إلا اللجوء الى مجموعتنا التي كانت تمضي أمسياتها في إحدى المقاهي المطلة على ضفاف الفرات الخلابة.ولما كان الأمر يحتاج الى مبلغ من المال ليتمكن من الحصول على شهادة الجنسية العراقية وغيرها من وثائق ثبوتية في الوقت الذي لا يملك فيه شروى نقير,لذا تعهدت مجموعتنا متضامنة بتوفير المبالغ اللازمة لهذا الغرض.ولعل المزعج في الأمر أن على زغير وبغية الحصول على شهادة الجنسية التنقل بشكل ماكوكي ما بين أربعة ألوية(محافظات) هي كربلاء مسقط رأسه والديوانية مسقط رأس والده,والحلة مسقط رأس والدته ,ثم بغداد حيث مكان إصدار الشهادة في محلة البتاويين. أتم زغير كل ذلك بمدة تجاوزت الستة أشهر مع مصاريف ليست بالقليلة.ولكي لا أطيل السرد على القاريء الكريم فقد جهز زغير عنون كل شيء وحزم أمره لمقابلة تجري له في دائرة البلدية لغرض تعيينه بعد أن توسط له أحدنا لدى القائم مقام في حينه.وخلال المقابلة سألته اللجنة عن دراسته فأخبرهم بأنه لم يكمل الدراسة المتوسطة بعد أن ضاق ذرعاً من مدرس الرياضيات الذي يدرسهم موضوع المثلث أ,ب.ج. ويسالهم في الإمتحان عن المثلث س,ص,ع. فيلتبس الأمر وتتعذر الإجابة وهذا أحد أسباب كرهه للرياضيات .أما عن الجغرافية فإعتذر عن الإجابة على أسئلة اللجنة بسبب النسيان اللعين لكنه ذكر بان عاصمة العراق هي بغداد التي زارها قبل فترة لغرض الحصول على شهادة الجنسية برفقة أحد أقربائه. ثم إعتذر عن الإجابة عن أسئلة التاريخ ,وعندما طلب منه رئيس اللجنة التكلم عن أخوات كان أطرق خجلاً وأخبره أنه لم يتعامل طيلة حياته مع الفتيات لأنه من عائلة مستورة وهو ملتزم أخلاقياً ويستحي ولا يعرف شيء عن كان ولا عن أخواتها ,وهنا إنبرى له أحد أعضاء اللجنة غاضباً وسأله:- وعن ماذا تريدنا أن نسألك؟ سأسألك عن التاريخ الإسلامي وأنت مسلم. فما كان من زغير عنون إلا الرضوخ وكان السؤال عن القائد العربي المسلم الذي فتح الأندلس.وكالمتوقع لم يجب زغير على السؤال. ثم تابع السائل ..إنه طارق إبن زياد.والآن قل لنا يا زغير عنون ما إسم أبو طارق إبن زياد ؟ فتلعثم وهو يتصبب عرقاً من هذا الفشل ولم يستطع الإجابة متعذراً بالنسيان أيضاً !!.فما كان من رئيس اللجنة إلا طرده من الغرفة وهو يضرب على المنضدة التي أمامه بعصبية .
بعد دقائق وصل زغير الى المقهى التي كنا ننتظره فيها جميعاً تاركين أعمالنا لنعرف نتيجة المقابلة وكان قد بدا عليه الحزن حد البكاء وأخبرنا بما جرى له خلال المقابلة,فكان شر البلية ما يضحك, وهنا صرخ به أحد الحاضرين, ماهذا يازغير ,ألم يكن إسمك زغير عنون ؟فإذا سألك أحد عن إسم أبوك فماذا ستجيبه؟فأجابه..أقول له عنون. وهنا إنتبه زغير الى خطئه فلطم على وجهه بكلتا يديه ثم إستدار راكضاً باتجاه مقر اللجنة التي قابلته قبل دقائق ووقف عند الباب يبكي ويتوسل لرئيس اللجنة لإعطائه فرصة أخرى ويعيد له الإمتحان إذ كان مرتبكاً ولم يستطع الإجابة على أسئلة اللجنة .فرق له قلب رئيس اللجنة وأمر له بالشاي ثم سأله بعد أن هدأ ,إخبرني يازغيرعنون عن إسم أبو(طارق إبن زياد) وبسرعة وسوف أصدر على الفور أمر تعيينك. فأجاب زغير وبثقة عالية مع إبتسامة عريضة ... نعم أعرفه يا أستاذ ....إنه عنون !!.
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟