|
الرائع عبد المجيد الدويل
حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 23:54
المحور:
سيرة ذاتية
فى يوم الثانى عشر من مايو 1984 أى منذ ثلاثين عاما رحل أحد أهم أصدقائى واساتذتى فى العمل السياسى والحياة وهو المناضل الراحل الفذ عبد المجيد الدويل ذلك الإنسان الرائع الذى لايمكن ان يسقط بأى حال من الأحوال من الذاكرة و هو ذلك الفلاح المصرى البسيط الذى لم يكن يحمل أية مؤهلات دراسية ولم يكن يمتلك أرضا زراعية فقد بدأ راعيا للأغنام عند أحد أقرباءه وهو صبى صغير فكان يرعى الغنم وفى يده كتاب يقرأه يقترضه من تلك الكتب التى تكتظ بها مكتبة مالك الأغنام الذى كان يقرضه الكتب عطفا بإعتباره أحد أقاربه الأولون بالمعروف بعد ان تكفل بمحو أميته بناء على الحاح هذا الصبى الذى كان يرعى كل شئون قريبه المقتدر والذى كان يعمل قاضيا فمستشارا لدولة الكويت ... وهكذا علم عبد المجيد نفسه بنفسه وثقفها ورباها تربية على أرقى مايكون .. كان يقول لى ان سنوات التكوين الأولى قد أرتبطت بما توفر له بيئة راعى الغنم من قدرة على التأمل ورغبة فى البحث عن إجابات لإسئلة الوجود والحياة وهو فى خلاء الصحارى وسفوح مايسمونه فى الدلنجات بالجبل .. وهى اراض مرتفعة لاتنبت الاعشبا تتغذى عليه قطعان الأغنام التى كان يرعاها لحساب قريبه المستشار ... كان يتأبط عصاته وكتابه معا وماأن يجد العشب الصالح لمرعى الأغنام حتى يبدأ القراءة بنهم شديد .. وكان قريبه هذا لايستقر فى القرية ( قرية زهور الأمراء التابعة لمركز الدلنجات وكانوا يطلقون عليها من قبل قبور الأمراء وتحول اسمها بقدرة قادر ولسبب اجهله انا شخصبا الى زهور الأمراء ) تعلق عبد المجيد بصوت عبد الناصر وتابع احداث المرحلة الناصرية وعرف طريق فاعليات منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكى فكانت القيادات السياسية بالدلنجات وسائر محافظة البحيرة تندهش لقدرة هذا الفلاح البسيط على مناقشة الأمور السياسية ومباراته للمثقفين واصحاب الفكر فى المناقشات وطرح الأسئلة الجوهرية حول الواقع .. وكان ان طور ثقافته تطويرا منطقيا نتيجة لتلك التجربة فذهب الى الأقتناع بانه لاتوجد اشتراكية بدون اشتراكيين ولايوجد اشتراكيين بدون نظرية اشتراكية فاعتنق الماركسية اللينينية وعرف العمل السرى فقد شارك فى تأسيس الحزب الشيوعى المصرى ( رحل وهو عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى ) .. وكان قد شارك أيضا فى تأسيس حزب التجمع مع خالد محيى الدين ضمن من سارعوا بالمشاركة فى تأسيس التجمع من محافظة البحيرة مثل سينوت حنا ومحمد المصرى وسمير بسيونى وعبد المجيد احمد ومجدى شرابية ومحمد هبة الله والقيادى العمالى محمد متولى الشعراوى وفؤاد العتال وتيسير عثمان وسيد ابو زيد ومحمد الشامى وغيرهم من مناضلى ورموز اليسار فى البحيرة وانتخب عبد المجيد الدويل عضوا بأول أمانة عامة للحزب ...
ثم قام بتأسيس أول إتحاد للفلاحين فى مصر بالمشاركة مع شاهنده مقلد والمرحوم عريان نصيف ومحمد عراقى ومحمد رجب وغيرهم من القيادات الفلاحية التى تصدت للنضال ضد الهجمة الشرسة التى كانت قوى الثورة المضادة بقيادة السادات قد شنتها على الفلاحين والعمال لانتزاع المكاسب التى تحققت لهم فى الفترة الناصرية .. .. . ... ... . هذا الفلاح كان استاذى وكنت اشعر بالفخر لأنه اتخذ منى صديقا وبعد ان ضمتنا رفاقية العمل السياسى السرى فى عهد السادات وأوائل حكم مبارك ... علمنى الكثير على المستوى النضالى .. فقد كان يشدد على ان المناضل الثورى الحقيقى يجب ان يكون بعيدا عن المظهرية والتفاخر بنضاله ...لدرجة انه كان يسخر من الرفاق الذين يتحدثون عن فترات اعتقالهم فهو كان يعتبر ان المناضل الحق يبذل التضحية ولايتحدث عنها باعتبار ان التضحية لايجب ان يكون لها ثمن حتى لو كان هذا الثمن هو لحظات من الاعجاب للمستمع لحكاية الرفيق عن سجنه ... كان ينهر الرفيق ويقول - تعقيبا على مايراه تفاخرا بفترة الحبس - ان هذا الزميل لم يكن فى الحقيقة سوى مهمل فى واجبات الأمان وان المهارة الحقيقية هى ألا تعطى الفرصة للسلطة لكى تلقى القبض عليك فنفتقد جهودك ونغرق فى مهام متابعة الزملاء المحبوسين ... كان يقول ذلك بمرح مقبول ولم يكن أحد يغضب منه .. لأنهم يعرفون انه كان على استعداد كامل للتضحية بحياته من أجل أى رفيق له ... كان ينتقد الزملاء بحب حقيقى ويمتدحهم فور انتهاء النقد مباشرة ... كان يكره استخدام المصطلحات وأعطاء التنظير مساحة على حساب النفاذ الى الواقع ... وكان فوق ذلك انسانا رائعا وراقيا بمعنى الكلمة .. كان فى أشد الأيام وأحلكها هو الوحيد القادر على وضع الأبتسامة على وجوهنا عندما كان يسخر من الواقع المؤلم ويحوله الى نكات ... كنت اعامله كأبى لاحظ ذلك وقال لى ذات يوم ( .. ماينفعش كده .. مش عاوزك تبقى مؤدب معايا للدرجادى ... اعتبرنى اخوك الكبير ... سيبك من الأدب البرجوازى اللى انت فيه ده ) تقاربنا جدا اصبحت اقول له ياأبو نادر كماطلب منى ان اناديه اما انا فكان ينادينى ب ( ياواد ياحمدى ) وأحيانا ( ياسى يوسف ) طبقا لاسمى الحركى وقتها - وبنوع من التريقة التى كانت محببة الى قلبى .... واحيانا ( ياد يابن عبد العزيز ) ... كان يستدعينى الى بلدته حين يحصل على شريط كاسيت جديد لفيروز .. لنجلس فى ( المقعد ) وهو عبارة حجرة واحدة مقامة فوق الزاوية المواجهة للبراح على سطح بيته فى قريته التابعة لمركز الدلنجات بالبحيرة .. كان إذا لم ينادينى ب ( ياواد ياحمدى ) أو أحد الالقاب التى ذكرتها قبلا كنت وقتها أعرف انه غير راض عنى .. ولا يهدألى بال حتى يرضى عنى .. قابلته صباح رحيله انا وزملاء آخرين أذكر بينهم مجدى شرابية وثروت سرور والراحل د. سينوت حنا ..وبطبيعته كأبن نكتة وصاحب قفشات تفرد سماء من المرح لمجالسيه او محدثيه : اشار يومها الى (توب قماش ) معد لعمل بعض اللافتات الخاصة بالمعركة البرلمانية عام 1984 .. قال بعفوية وضحك ( ماتسيبولى التوب ده ينفع كفن والله ...) كانت نكتة سوداء قاتمه .. إذ جاءنا خبر وفاته مع غروب شمس ذلك اليوم على أثر أزمة قلبية مفاجئة ... خرجت وراءه جماهير الدلنجات وعائلاتها بكاملها كان ملفوفا بعلم مصر ذوبنا انا والرفاق الباكين بحرقة لاتناسب الرجال وسط أهل الدلنجات .. كان سينوت حنا الرجل الوقور الصلب يبكى كالأطفال ومجدى شرابية يخبط كفا على كف وينتحب وينعى خسارتنا .. تيسير عثمان وصل الى الدلنجات فى حالة انهيار تام .. المرحومين سعد قنديل وعلى عبد الحفيظ كانا كالصبيان اليتيمان يجهران بالبكاء ويمسحان دموعهما بأكمام جلبابهما وعبد المجيد احمد المناضل العمالى البارز والهادئ دائما والمتعقل كان يومها طفلا غلبه البكاء ... كان عمود خيمتنا الذى وقع فوقعنا جميعا فى بئر سحيق من الحزن والمرارة والإحساس الشديد بالفقد .. خالد محيى الدين عندما علم بالوفاة حضر الى قبره ووقف بكايا وقرأ له الفاتحة ... ثم التفت إلينا بتأثر بالغ وقال مقولة مكسيم جوركى التى قالها عند موت أبنه عن غدر ونذالة الموت عند إختطافه لأحب الناس .. رحمه الله .. وحفظ أولاده .. ومحبيه .. ورفاقه الذين على قيد الحياة ..
----------------------------- حمدى عبد العزيز 12 مايو 2014
#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات على خطاب السيد حمدين صباحى
-
للسندريلا حكايه تانيه .. (( 3- قصائد غير معروفة .. لشاعر ساب
...
-
وحتى ( السلميين ) منها ... ياسيد حمدين
-
من بنى آدم مصرى الى السيد زوكربيرج
-
فالس ليلى مراد ( 2- من قصائد غير معروفة لشاعر سابق مغمور )
-
تعقيب مبدئى على حلقتى الحوار مع المشير
-
فى هجر الأصولية الإتباعية اليسارية
-
هاينسى انه قطر بضاعه ..( من قصائد غير معروفة لشاعر سابق مغمو
...
-
لست من هذه القبيلة ولا من تلك ..
-
ما ليس فى إستطاعة جابرييل
-
الأمر الحيوى بالنسبة للإستحقاق الرئاسى
-
من تجليات المحنة
-
كيف سأختار الرئيس القادم
-
اللحظة التى اشتعلت فيها أحداث أسوان
-
قبل الإختيار مابين السيسى وحمدين
-
وقد لاينفع الندم
-
المصالحة مع الإخوان .. لماذا , وكيف ؟
-
عن أى نساء سنتحدث , وكيف ؟
-
المرأة وتشوهات فعل التنوير
-
الشعر والسياسة (1)
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|