|
حلب تحت حصار الموت عطشاً
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 12:15
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
أسلحة الدمار الشامل ، الرئيسية المعروفة ، المحرمة دولياً ، ويعتبر استخدامها جريمة حرب .. وجريمة بحق الإنسانية ، هي الأسلحة النووية ومشتقاتها ، والنابالم ، والغازات السامة بكافة أنواعها ، والمشلة للأعصاب ، والكيميائية ، والقنابل العنقودية .. أي كل سلاح يستخدم بغاية الإبادة الجماعية ، لاسيما في الأوساط المدنية . وقد نشطت الهيئات الدولية في الحرب السورية ، لتسليط الضوء على الأسلحة المحظورة دولياً ، التي قد تستخدم في هذه الحرب ، وركزت بخاصة على حالات معينة حددتها اتهامات الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها .
لاحاجة لسرد كم مرة ادعت هذه الجماعات ، أن قوات الحكومة استخدمت ، هنا أو هناك ، في الاشتباكات معها ، أسلحة دمار شامل ، ثم تبين ، بنتيجة التحقيقات عدم صحة هذه الاتهامات ، بل أثيرت الشكوك بأن هذه الجماعات هي من قام بذلك ، وذلك لتسويغ إصدار قرارات دولية عقابية على الدولة السورية ، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، الذي يعني استخدام القوة العسكرية الدولية ، لتسهيل وصولها إلى السلطة . وكان آخر اتهامات الجماعات المسلحة في هذا الصدد ، هو استخدام غاز الكلور في ريف حماة ، واتهام قوات الحكومة بذلك .
بيد أن هناك أسلحة إبادة جماعية أخرى غير مدرجة في لائحة أسلحة الدمار الشامل المحظورة ، تستخدم بشكل سافر في سوريا ، دون أن ’يهتم بفضحها ورفضها من قبل الجهات الدولية والإنسانية المعنية ، وبالتالي دون إنزال العقوبات الدولية بمرتكبيها . وهي عمليات الخطف الجماعي للمواطنين العزل مع أطفالهم ، واستخدامهم رهائن ، ودروعاً بشرية ، وتعريضهم لمخاطر ومضايقات ومذلات جمة .. يكون الموت في كثير من الحالات خاتمتها ، وكذلك عمليات ما يسمى " بالسبي الحلال الشرعي " والاغتصاب حتى للأطفال ، وأخطرها وأكثرها وحشية ، عمليات حصار مدن وأحياء ، ومنع سكانها من الخروج منها ، ومن تلقي المساعدات الضرورية من الجهات المحلية وغيرها .
ولعل حصار الموت عطشاً ، الآن ، لمدينة حلب العظيمة الكريمة ، التي تضم تنوعاً إنسانياً سكانياً رائعاً ، تمتد جذوره وحضاراته ، وموروثاته التاريخية العريقة إلى آلاف السنين ، بقطع الجماعات المسلحة الماء عنها .. عن الملايين من سكانها .. وعائلاتها .. وأطفالها ، هو دليل على الغاية الإجرامية .. باستخدام القتل عطشاً كسلاح دمار شامل .. وهو جريمة حرب .. يدخل دون جدال .. بمخاطره الجماعية ، ووحشيته ، ضمن إطار توصيف جريمة حرب .. وجريمة بحق الإنسانية .
إن من قرر .. وأمر .. ونفذ .. قطع المياه عن مدينة حلب بقوة السلاح .. إضافة إلى قصفه أحيائها المدنية المسالمة بمئات قذائف الهاونات ، والصواريخ ، ومدافع " جهنم " ، قد قطع عن نفسه كل صفة من صفات الإنسان والتمدن ، وكل قيمة من قيم معتقد ديني أو أخلاقي .. أياً كان معتقده .. وأياً كان مستوى مفاهيمه البشرية ، كما قطع كل شيمة من شيم المقاتل في زمن الحرب ، وحشر نفسه في مضمار الوحوش المفترسة .
إن من قرر .. وأمر .. ونفذ .. حصار العطش ، يعرف ماذا يفعل .. ويعرف كم من الناس سوف يؤذي .. ويقتل .. ويعرف أنهم جميعاً ضحايا الحرب .. وأنهم لايشتركون بأي جهد حربي . ما يشير عليه غباؤه .. أنه بهذا الحصار المجرم .. سيغير موازين القوى الميداني .. وسيضعف هيبة النظام .. وسيشوش على الانتخابات الرئاسية القادمة .. وسيجبر الناس المحاصرين بأهم مقومات الحياة على الخضوع والانقياد له ، هو مخدوع بغبائه . لأن سكان حلب ، ليسوا بهذه البساطة يؤخذون .. سيعطشون كثيراً .. وخاصة الأطفال .. والمرضى .. والشيوخ .. وستنتشر في أجسادهم سموم المياه الملوثة التي يتأتى عن حصار سموم حصار التوحش .. وقد يموت عطشاً أو تسمماً قليل منهم أو كثير .. لكنهم سيعصرون الأرض لاستنباعها الماء .. وسوف يستدرون الغيوم لتهطل غيثاً وسيولا .. وسيشاركون أوراق الشجر الندى كل صباح .. لكنهم لن يستسلموا لحصار الموت عطشا .
إن حصار الموت عطشاً المفروض على حلب ، هو بكل المقاييس سلاح تدمير شامل .. وسلاح إبادة جماعية . وهو غير مبرر بكل معايير الحرب .. والأخلاق .. والسياسة .. ويتعارض مع القانون الدولي . إن الصمت الدولي على هذه الجريمة عار يضاف إلى مواقف العار الأخرى ، التي تمثلت بالصمت على الغزو الإرهابي لسوريا ، وليبيا ، والعراق ، والصومال ، وجرائم الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان .
أين السد بان كي مون .. صاحب امتياز النطق باسم الأمم المتحدة ؟ .. أين مجلس الأمن الدولي .. ألا يهدد الموت الجماعي عطشاً السلم والأمن الدوليين ؟ .. أين المجلس الدولي لحقوق الإنسان ؟ .. أين منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان العربية والدولية ؟ .. اين الجامعة العربية العتيدة .. أليس سكان حلب عربا ؟ .. أين منظمة المؤتمر الإسلامي .. هل حذفت سكان حلب من خرائط اهتماماتها إرضاء لفقهاء النفاق ؟ ..
هل عميت الضمائر عن رؤية أطفال حلب ، الذين منذ أيام عدة ، يكابدون الظمأ ومعرضون للموت عطشا بحرمانهم من قطرات تبل الريق كأي إنسان في أي مكان ؟ .. هل أسقط هؤلاء عن ملايين الحلبيين حق الحياة ، لأنهم لم يقبلوا بجهاد القتل والتعصب .. وجهاد السبي .. وجهاد النكاح .. وجهاد الغنائم . ولم يقبلوا أن ينصب أردوغان نفسه عليهم ، سلطاناً عثمانياً ، كما فعل جده سليم الأول ؟ .. هل كل هؤلاء من الجهل على قدر ، لايدركون بسببه ، أن حصار التعطيش وتداعياته ، الجرثومية ، والصحية حتى الموت ، هو من أسلحة الإبادة الجماعية ، بل وأخطر من الأسلحة الكيميائية ؟ ..
إن من يشاهد معاناة أبناء حلب .. وخاصة الأطفال .. ومئات المرضى الذين فتكت جراثيم المياه غير الصالحة للشرب في أمعائهم وتهددهم بالموت .. ويشاهدهم وهم يجرون بحثاً عن حلول لكسر حصار الموت عطشا ً ، لابد أن يدرك أن إيذاء أبناء حلب ومحاولة قتلهم وإذلالهم ، لن يغير في موازين القوى الميدانية شيئاً لصالح الجماعات المسلحة ، ولن يشوش على الانتخابات الرئاسية القادمة ، وإنما سيغير القناعات عند من لازالوا مخدوعين برايات " الثورة " السوداء والجهاد اللاشرعي ..
حلب .. هي التي أبدعت الاستسقاء في أوقات القحط .. وهي قاهرة العطش .. والموت عطشا. وهي تعرف لماذا صمت من هم مطلوب منهم أن يصرخوا .. أن يرفضوا .. الجريمة الجماعية التي تتعرض لها أمام أعينهم وأمام العالم كه .. لاعتبارات سياسية حقيرة معادية لمصالح الشعوب .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
-
أول أيار والإرهاب والحرب
-
الصرخة
-
هل فشل أردوغان ؟
-
ما وراء جبال كسب
-
جدلية الزعامة والوطن والشعب
-
الساسة والسياسة ومكامن الفشل
-
الأم والأسطورة والحياة
-
الاعتماد على الذات الوطنية أولاً
-
المرأة السورية وحقوقها والحرب
-
الانحطاط الشامل والاختراق الممكن
-
جدلية حقوق الوطن وحقوق الإنسان
-
بانتظار معجزة
-
فشل - جنيف 2 - .. وماذا بعد ؟
-
السوريون بين الصفقة والحل السياسي
-
على عتبة مؤتمر جنيف 2
-
حرب أمراء الحرب
-
آن أوان النهوض من الإحباط والدمار
-
لمن تقرع أجراس الميلاد ..
-
الوطن .. والحرية .. والجريمة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|