|
أنجاز العقلية العربية الوحيد الاصطفاف خلف صنمية المصطلح
عبد العزيز الخاطر
الحوار المتمدن-العدد: 1261 - 2005 / 7 / 20 - 08:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ثمة فرق بين الفكر وحامله ، حامل الفكر إنسان والفكر في ذاته حالة قابلة للتبدل والتغير ولكن يبقى حامله في جميع الأحوال إنسان له جميع حقوق الإنسانية وعليه واجبات يتحملها بصفته كذلك ، تعتقد العقلية العربية بعظيم انجازها حينما تشرع في تصنيف الناس فذاك ليبرالي والآخر إسلامي والثالث حداثي ... وألخ تستعير من العصر ثقافته وتلبس جلبابه دونما مشاركه فعاله منها في إثراء هذه الثقافة . المشكلة كما أراها في عدم اعتماد البعد الإنساني كمركز تنطلق منه مثل هذه التصنيفات . وإنما تتم الاستعاضة عنه بمركزية أخرى استبدادية تنطلق من الذات المعتقده بأنها تمتلك الحقيقة الوحيدة ودون ذلك الخروج أو البعد عنها . حتى في مثل هذا الوضع نحن في حالة استعاره وتزوير لتاريخ الغير بصورة يندى لها الجبين ، تنسى مثل هذه العقلية العربية أن التيارات الفكرية بأنواعها وأشكالها المختلفة وفي مواطن نشأتها قامت أساساً من أجل الإنسان واستمر منها ما توافق مع ذلك فقط فالمركزية أساساً إنسانية الطابع ومن شذ عنها سقط وطردته الشعوب من نافذة التاريخ ركلاً بالأقدام واستمر منها فقط ذلك الذى استطاع أن يعتمد البعد الإنساني في داخل نسقه ، الجميع تأنسن ابتداء من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ، الحراك الاجتماعي هناك المتجه نحو مركزية الإنسان استطاع تحويلها قوه دافعه لبناء المجتمع وليس لإعاقته وتقسيمه كما نرى داخل مجتمعاتنا . لذلك ثمة حاله من الاصطفاف الغير واعي خلف المصطلحات المستوردة نعجز عن تحريكها أو فهمها في إطارها التاريخي والثقافي فنصل الى حالة من الانبهار أمامها ، نقدسها بشمولية كبيرة ويحملها الواحد منا وكأنها قدراً لا فرار منه ، الديمقراطية – العلمانية – المجتمع المدني – الحداثة - تاريخية النص وما الى ذلك كلها إفرازات لجسم آخر مر بتعرجات تاريخية وثقافيــــة لم تشهدها مجتمعاتنا الضعيفـة ، رغم عالميتها وإنسانيتها ( أي هذه المصطلحات ) وإشكالية مثل هذا الاصطفاف العشوائي والشمولي خلفها يتمثل في شروط أصحابه ضرورة إخراج ما يحتويه بطن وجوف الأمة أولاً من كل تراكماته عبر العصور وإزالة ما علق بهذا البطن وذلك الجوف حتى نسمح لمثل هذا المصطلحات والمفردات أن تدخل وأن تستقر داخله وهو الأمر المستحيل لأنها في الحقيقة وداخل مجتمعاتها أصلا لم تفعل الشئ نفسه وإنما جاءت نتيجة لتوافقات ثقافية وتاريخية وليس استئصالاً وقطعاً حاداً مثل ما يتطلبه من يصطف خلفها أنه بالضبط كمن يشترط عليك قبل أن يحادثك أن تحلق لحيتك أو أن تغير ملابسك فجمود الأمة من جمود الفهم لحركة التاريخ والتفاعل الثقافي فمن المعروف أن الأمة إسلامية " أمة " أسسها نص " هو القرآن الكريم ، هذه حقيقة لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها أو إلغائها وإلا سنخرج من نطاق مفهوم الأمة تاريخياً بالمعني الإسلامي الشمولي " هذه أمتكم أمة واحدة " وأعتقد بأن التشكيك في هذا النص الخالد بين الحين والآخر لا يخدم قضايا الأمة العربية أو الإسلامية لارتباط مفهومي " العرب والإسلام " ارتباطاً لا يمكن فصله بحال من الأحوال واعتماد كل منها على الآخر . فهذا النص ثابت لا يمكن تغييره ولكن الجزء المتحرك في هذه المعادلــة هو " فهمنا " لهذا النص والذى يجب أن يكون حركياً ديناميكياً وهو أمر لا يتعارض مع مفهوم قدسية النص بأي حال من الأحوال ، فالأزمة في الأساس أزمة فهم جامد وسيادته على غير من أنواع الفهم الآخر وليست أزمة نص ، فالأجدر العمل على تحريك الفهم لدى العقل العربي والإسلامي ضمن البيئة المعاشة لتجاوز مرحلة الجمود والتوقف وانعكاس هذه الإشكالية على واقعنا المعاش المعاصر أورثتنا مشاكل نفسية جعلتنا نتبنى ميكانيزمات الدفاع لمحاولة تبرير واقعنا المعاصر . فاستحضار أمثلة من ماضينا المجيد لنرشق بها إنجازات الحضارة الغربية الإنسانية على وجه الخصوص أسلوب عجز وخطا كبير يتمثل باستبدال الحاضر بالماضي وإلغاء لدور النقل النقدي الذى ترتكز عليه الحضارة المعاصرة . أن دخولنا عصر العلم والاتصالات يظل ناقصاً ما لم تدخله البنية الثقافية أيضاً . وبغير اعتمادنا على العقلية النقدية والتركيز على خلق مهارات التفكير النقدي في برامجنا التعليمية سنظل خارج الإطار التاريخي لعصر التقدم وأن عايشناه على استحياء كمستهلكين وزبائن . فالأزمة عميقة وعلاجها يتطلب تغييرات في البنى والقوالب الفكرية وهي أمور في منتهى الصعوبة ولكنها تصبح حتمية إذا ما أردنا تفعيل الحاضر بدلاً من تقديس الماضي . بل مع الآسف تمثل مناهجنا التعليمية تكريساً لهذه الأزمة حيث لا تزرع الرؤية العقلية النقدية لدى الدارسين وبالتالي يصبح النقد وهو سمة إنسانية ممارسة خاطئة في الظلام وخلف الأستار أو بعد فوات الأوان أو يتحول إلى عواطف جياشة بكائية وقد ينتج عنها بعد ذلك تصرفات وردود أفعال تزيد من هلاك الأمة . فهل يعقل أن تمر هذه الأمة على الأقل في عصرها الحديث بكثير من الأزمات والمصائب وتغلب عاطفتها الجياشة على عقلها النقدي وتحمل بالتالي غيرنا مسؤولية فشلنا وتراجعنا . إذا كان هناك ثمة ما يمنع من غرس مفاهيم التعليم العصري والذى يقدم على مبادئ ومفاهيم العقل النقدي في النظام التعليمي العربي لأهداف سياسية واحتكار المعرفة الكاملة لدى الرموز وتكريس مفهوم الرعاية الأبوية وتعميمه على جميع الأصعدة فإن العصر الحالي ضد التوقع والتشرنج والمسايرة القشرية لهذا العصر والمتمثلة في الحوارات وممارسة النقد من خلال انفتاح الفضاء الإعلامي قسراً على العرب والمسلمين لا تجدي في التعويض على إصلاح النظام التعليمي بل أن اغلبها أجترازاً للتاريخ ورؤية متأخرة للأحداث تحتمها المراحل العمرية للأشخاص من حيث المطلوب تعويد النشء الجديد على النقد الهادف البناء إن عدم تأصل العقلية النقدية داخل النسيج الثقافي العربي جعل الإنسان العربي مرهوناً بالجاهزية الفكرية المستوردة ويعيش بين مرحلتين على طرف نقيض ، مرحلة يتطلب منه فيها الصمت والتصفيق ولو على مضض وبدون اقتناع ومرحلة أخرى متأخرة يصبح فيها خارجاً عن النظام والقانون بمفهوم المجتمع الأبوي والأدهى من ذلك أنه قد يستعان بـ " النص " لإثبات خروجه ومروقه وذلك عود لملامسة جرح الأمة القديــم الذى لم يلتئم بعد ، واصطفاف آخر خلف صنمية المصطلح .
#عبد_العزيز_الخاطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنظمة ديموقراطية أم مصالح استراتيجية؟
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|