أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - محمد: سيرة سيكولوجية [9]















المزيد.....

محمد: سيرة سيكولوجية [9]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4451 - 2014 / 5 / 12 - 16:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنا من قبل قد بدأنا سلسلة بعنوان (محمد: السيرة الذاتية السيكولوجية) ونشرنا فيها ثماني حلقات، وهي موجودة على موقعنا هنا، والآن نتابع هذه السلسلة

۞-;- سجل محمد النفسي: ميراث النرجسي
على فراش موته، أوصى محمد أتباعه أن يستمرّوا ويتقدّموا في جهادهم. جنكيز خان أعطى نفس الأمر لأبنائه وهو على فراش موته. كان قد أخبرهم أنّه كان يرغب بغزو العالم، لكن بما أنه لن يستطيع تحقيق حلمه، فيجب عليهم أن يعملوا جاهدين لتحقيقه. المغول، كالمسلمين، كانوا مروّعين. فبالنسبة للنرجسيين، كل تلك المسائل تنحصر بمسألة الفوز أو النصر. فهم لا يملكون أي ضمير. فحياة الآخرين بالنسبة لهم رخيصة ولا قيمة لها بتاتاً.
في عقده السادس أصبح هتلر مدركاً للرجفة التي أصابت يده اليسرى. وكان يخفيها عادةً مع تقدّم المرض، وحاول البقاء بعيداً عن العامّة. أدرك أن الموت أخذ يقترب منه. أصبح أكثر حزماً وقسوةً، يطلق حملاته بإحساس متجدّد من الاضطرار، وكان يعلم حق العلم أنه في سباق محموم مع الزمن. النرجسي يرغب بأن يخلّف ميراثاً.
من الخطأ النظر إلى الإسلام كدين. السّمة الروحية للإسلام تمّ اصطناعها لاحقاً على يد الفلاسفة المسلمين الذين أعطوا تفسيرات باطنية وروحية لكلمات محمد. فقد شكّل أتباعه الدين حسب ميولهم، ومع مرور الوقت، اكتسبت تلك التفسيرات ختم العصر القديم ومصداقيته.
فلو أنّ الإسلام دين، عندها ستكون النازية كذلك، والشيوعية، الشيطانية، جماعة بوّابة السماء، جماعة المعبد، إلخ. إذا كنا ننظر إلى الدين كفلسفة في الحياة للتعلّم، وتحضّر الجنس البشري وإخراج كافة إمكانياته وطاقاته الإنسانية، ولتصعيد الجانب الروحي عند البشر، وتحفيز الروحانية بداخلهم، لتوحيد القلوب وتنوير العقل البشري، عندها سيفشل الإسلام تماماً أمام ذلك الاختبار. لذلك، ومن خلال هذا المقياس، فالإسلام ليس _ولا يجب_ أن يعتبر ديناً.

۞-;- النرجسي يريد أن يكون إلهاً
بالنسبة للنرجسي، الشيء الوحيد الذي يهمّه هو حيازته للقوة في النهاية. يريد أن يكون محترماً، ملحوظاً، ولا يمكن تجاهله. النرجسيين هم أشخاص يشعرون بالوحدة، وعدم الأمان أو الاستقرار، والعار. هم يعلمون تماماً أنه من خلال إسقاط أنفسهم كقادة ثوريين، روّاد الأمل وقادة القضايا العظمى حتى أنهم يمكنهم أن يجذبوا أنصاراً وأتباعاً كالذباب على قطع الحلوى. القضية لا قيمة لها. فهي بالكاد مجرّد عذر أو سبب. النرجسي يخترع آلهة خيالية وقضايا عظيمة. وكلّما رفعوا من شأن آلهتهم المزيّفة ومجّدوا قضاياهم أكثر، كلّما اكتسبوا قوّةً وقدرة لأنفسهم.
كان الله بالنسبة لمحمد أداة إقناع. فمن خلاله، بمكنه فرض سيطرة غير محدودة على أتباعه وأن يصبح سيد حياتهم. هناك إله واحد، مخيف بقدر ما هو كريم ومتسامح، وهو _أي محمد_ كان ممثّله الوحيد والأوحد. ممّا جعلته إلهاً بالتوكيل. ومع أنه كان من المفترض أنّ الطاعة تتدفّق عليه من عند الله، إلا أنّ كل ما كانوا يعملون على إرضائه هو نزعات محمد. يفسّر فاكنين هذه الآلية في مقالته "في سبيل المحبّة الإلهية: النرجسيون والدين" [1]
((كل ما يريده النرجسي هو أن يصبح إلهاً: مطلق القدرة، مطلق العلم، كلّي الوجود، محترم، محور الحديث، والملهم الرهيب. "الله" God هو حلم النرجسي الجميل، خياله النهائي المتضخّم. لكن يمكن الاستفادة من الله بطرق أخرى. النرجسي _وبالتناوب_ يؤلّه ويقلّل من قيمة شخصيات السلطة والمرجعيات...
في مرحلة التأليه، يجاهد لمحاكاتهم، إنه يحترمهم، يقلّدهم (في أغلب الأحيان بسخافة)، ويدافع عنهم. إنهم لا يخطئون، ومعصومون. يعتبرهم النرجسي أكبر من الحياة نفسها، عظماء، علامات، ومثاليين. لكن مع إصابة النرجسي وتوقّعاته بحالة إحباط شديدة، نلاحظ أنه يبدأ بالتقليل من قيمتهم...
الآن هم مجرّد بشر (بالنسبة للنرجسيين، مصطلح لا قيمة له). إنهم ضئيلون، ضعفاء، خطّاؤون، جبناء، أغبياء، خبثاء، ومتوسّطون. والنرجسي يمرّ بنفس الحلقة بعلاقاته مع الله، الشخصية المثالية التي تمثل السلطة.
لكن غالباً، حتى حين تتحطّم تلك التماثيل والأوهام، يستمرّ النرجسي على التظاهر بعبادة الله واتباعه. يحافظ النرجسي على الخديعة لأنّ قربه المستمر من الله يمنحه سلطة. الكهنة، زعماء الجماعات والطوائف، الوعّاظ، المبشّرين، أعضاء الطوائف، الساسة، المفكّرين _ كلّهم يستمدّون سلطتهم من علاقتهم المتميّزة والمزعومة مع الله.
السلطة الدينية تسمح للنرجسي بالانغماس في ممارسة كرهه للنساء بشكل علني ومفتوح... النرجسي الذي يكون الدين هو مصدر سلطته يبحث عن الطاعة والعبيد المطيعين الذين يستطيع أن يمارسهم عليهم سيادته وسلطته بشكل كلي وتام. النرجسي يحوّل حتى أكثر المشاعر الدينية صفاءً ونقاءً إلى طقوس طائفية وتراتبية مقيتة. فهو يتغذّى على السذّج. ويتحوّل قطيعه إلى رهائن عنده.
السلطة الدينية أيضاً تضمن استمرار الدعم النرجسي للنرجسي. فزملاؤه الدينيون، أعضاء فرقته، أبرشيته، جمهوره، مشاهديه_ تحوّلوا إلى مصادر وفيّة، مطيعة، وثابتة للدعم النرجسي. إنهم يطيعون أوامره، يجتنبون نواهيه، يتبعون مذهبه، يحترمون شخصيته، يهتفون لميزاته الشخصية، يشبعون حاجاته (وحتى حاجاته الجسدية الشهوانية أغلب الأحيان)، يوقّرونه ويعبدوه.
علاوة على ذلك، كون المرء جزء من "شيء أكبر" هو أمر مرضٍ جداً نرجسياً. كونه جزء من إله، أن يكون مغموراً في عظمته، مختبراً قوّته وبركاته التي تمثّل المصدر الأصلي، يتّحد به _هذه كلّها هي مصادر للدعم النرجسي اللامتناهي. فالنرجسي يصبح الله عن طريق إطاعة أوامره، اتباع تعليماته، حبّه، الخضوع لإرادته، الاستسلام له، والاندماج معه _أو حتى تحدّيه (كلّما كان عدوّ النرجسي أكبر، كلّما شعر النرجسي بفخامة أكبر).
كأي شيء آخر في حياة النرجسي، فإنه يمسخ الله إلى نرجسي مقلوب. إذ يصبح الله مصدره الأساسي للدعم. فهو يشكّل علاقة شخصية مع هذا الكيان الغامر والبالغ القوة، وذلك لكي يغمر ويسيطر على الآخرين. يصبح إلهاً بشكل مفوّض، عن طريق الوكالة التي منحه إياها إلهه. إنه يُوَثّن الله، ثمّ يقلّل من مكانته، ثمّ يستغلّه أيّما استغلال. هذا هو النمط النرجسي الكلاسيكي وحتى الله نفسه لا يستطيع الهروب منه)) [2]

النرجسيون لا يرقّون أنفسهم بشكل تلقائي. إنهم يختبئون وراء غطاء من التواضع، بينما يرفعون إلههم، إيديولوجيتهم، قضيتهم أو دينهم، وكل هذه الأمور في الحقيقة ما هي إلا أناهم البديلة. قد يقدّمون أنفسهم على أنهم مجرّد رسل، بسطاء، متواضعين، أو منادون متواضعون لهذا الإله القوي والجبّار أو ذاك، أو علّة أو غاية كلّي، لكنهم يوضّحون أنهم هم الوحيدون الذين يعرفون العلّة وأنهم غير متسامحين أو رحماء تجاه المنشقين والمتمرّدين المارقين.
قد يكون النرجسي قاسٍ وعات، لكنه ليس بغبي. إلا أنهم واعين جداً للأذى الذي يسببونه. إنهم يستمتعون بالقوةّ التي يحصلون عليها من إلحاق الأذى بالآخرين. إنهم يستمتعون بكونهم آلهة _يقرّرون من سيكافأ ومن سيعاقب_ من يجب أن يعيش ومن يموت. الباثولوجية النرجسية تفسّر كل شيء كانه محمد _قسوته، جبروته، ادّعاءاته التي لا أساس لها بالفخامة، أفعاله التي تظهر الكرم لإثارة إعجاب أولئك الذين أذعنوا له ولتأسيس تفوّقه وسلطانه، وتأمينه الذاتي، بالإضافة إلى شخصيته الساحرة والكاريزماتية.

-;- ما سبب النرجسية؟
الطفل الذي يشعر بأنه أدنى درجة وأوضع، بسبب رفض اجتماعي ما حقيقي أو تخيّلي، سيحاول تعويض شعوره بالوضاعة عن طريق آلية عصبية لا شعورية، والتي أطلق عليها العالم النفساني الرائد أدولف آدلر اسم "عقدة الشعور بالعظمة". وتنصّ هذه العقدة على المبالغة في تعظيم إنجازات المرء والحطّ من شأن أي شخص آخر يعتبره النرجسي تهديداً له.
الأبوّة التي تشوبها الأخطاء والعيوب تعتبر من أكبر الأسباب المساهمة في تشكيل اضطراب الشخصية النرجسي. على سبيل المثال، الآباء المتسامحون الذين يمتدحون أطفالهم بإفراط، يفرطون في إمتاعهم، يغدقون عليهم الهدايا، ويخفقون في فرض السيطرة والانضباط الكامل على أطفالهم، ثمّ يؤلّهونهم هم بذلك يسيئون لشخصية الطفل مثل هؤلاء الأهل الذين يسيئون إليهم بالضرب، بالإهمال أو الاعتداء عليهم جنسياً. كنتيجة لذلك، يشعر النرجسي عموماً غير مجهّز للطفولة. لقد نشأ وهو يحمل في رأسه نظرة غير واقعية للعالم من حوله. وبالمقابل، فالطفل الذي لم يتلقّ دعماً وتشجيعاً كافيين قد يطوّر أيضاً شخصية نرجسية.
نحن نعلم أنّ محمد تمّ إبعاده خلال طفولته لتربيه امرأة غريبة. هل فقدت أمّه اهتمامها به؟ لماذا رفض الصلاة عند قبرها عندما تجاوز الستين من عمره؟ هل ظلّ حاقداً عليها حينها؟
لم تكن حليمة ترغب بأخذ الطفل محمد لأنّه كان يتيماً لأرملة فقيرة والأجر لم يكن مناسباً. هل أثر ذلك على الطريقة التي عاملته فيها هي أو عائلتها؟ يمكن للأولاد أن يكونوا قساةً. فأن يكون المرء يتيماً في تلك الأيام معناه ندبة، كما الأمر في الزمن الحالي في بعض البلدان الإسلامية. فالوضع الذي عاش فيه محمد طفولته لم يكن مكرّساً لبناء احترام صحي وطبيعي للذات.
جون ماردي هورفيتز، مؤلّف كتاب "متلازمة الاستجابة للإجهاد Stress Response Syndromes" يفسّر: ((عندما يكون المصدر الذي يأتي منه الرضا النرجسي الاعتيادي معبوداً، مبجّلاً، ويمنح معاملة خاصة، ويواجه تهديداً ما، فقد تكون النتيجة إحباطاً، وسواساً قهرياً، قلق، عار، نزعة للتدمير الذاتي، أو الغضب تجاه أي شخص آخر يمكن إلقاء اللوم عليه في أوقات الأزمة والمشاكل. إذ يمكن للطفل أن يتعلّم تجنّب هذه الحالات العاطفية المؤلمة عن طريق اكتساب مزاج نرجسي في معالجة المعلومات)) [3]
طبعاً، مرّ محمد بفترة طفولة مؤلمة وصعبة. ففي سورة الضحى 93 الآيات من 3 إلى 8 {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} نراه يتذكّر برقّة يتمه خلال فترة طفولته الوحيدة ويطمئن بأنّ الله سيكون رحيماً وأنه لن ينساه ويتخلّى عنه. وهذا يظهر مدى الألم الذي تسبّبه له ذكرى طفولته الوحيدة. فحقيقة أنه خلق عالماً خيالياً ليهرب إليه من الواقع، عالم واضح جداً ونشيط لدرجة أنه أخاف والداه بالتربية، هي علامة أخرى على أنّ طفولته المبكرة كانت بعيدة تماماً عن السعادة والسرور. محمد ربّما لم يتذكّر تفاصيل الذي حدث معه خلال السنوات الأولى من حياته، لكن من الواضح أنه حمل الندوب النفسية خلال بقية أيام حياته. بالنسبة له، كان العالم الخيالي الذي خلقه حقيقياً. كان ملجأً آمناً، مكاناً سعيداً للانسحاب والهروب إليه من الواقع. في هذا العالم الخيالي، يمكنه إيجاد الحب، الاحترام، القيمةّ، القوة، الأهمية، وحتى هيبة. يمكنه أن يكون أي شيء يريده ويعوّض قلّة الانتباه والاهتمام التي كان ينالها من العالم الخارجي.
وفق ما قاله فاكنين: ((السبب الحقيقي للنرجسية ليس مفهوماً بالكامل إلا أنه حتماً يبدأ خلال المراحل المبكرة للطفولة (قبل عمر الخامسة). ويعتقد أنّ سببه سلسلة من حالات الفشل المتكرّرة والجدية من جهة هدف الطفل الأساسي (أهله أو الأشخاص الذين يرعوه). النرجسيون البالغون غالباً ما يأتون من بيوت حيث تعرّضوا للإهمال أو التجاهل أو الإساءة الشديدة من قبل أحد الوالدين أو كلاهما... كل الأطفال (السليمين وغيرهم) عندما لا يسمح لهم القيام بأي شيء من قبل أهلهم سيدخلون معظم الأحيان في حالة نرجسية حيث يرون أنفسهم ويتصرّفون بطريقة تشعرهم بأنهم أقوياء. وهذا أمر طبيعي وصحّي حيث أنه يمنح الطفل الثقة اللازمة للعودة من حالة الرفض الأبوي بالثقة في النفس)) [4]
الأطفال المُهمَلين يستلهمون شعوراً بعدم الملائمة. إذ يعتقدون أنهم لا يستحقون الحب والاحترام والاهتمام. وكردّ فعل على ذلك، يميلون للدفاع عن أناهم من خلال نفخ وتضخيم أنفسهم. فهم يرون نقاط ضعفهم الخاصّة ويشعرون أنّه لو تمكّن الآخرون من رؤيتها، فإنهم لن يكونوا محبوبين ومحترمين. لذا فإننا نراهم يكذبون ويخترعون قصصاً وروايات خيالية ويتبجّحون حول أهميتهم وقيمتهم الذاتية. قوّتهم الخيالية غالباً ما تتولّد عن مصدر خارجي. قد يكون والدهم أو صديق قوي لهم. هذا النمط من النرجسية عند الأطفال طبيعي جداً، لكن إذا احتفظوا بهذه الأفكار لاحقاً وأخذوها معهم إلى مرحلة الرشد، فإنها تتحوّل إلى اضطراب الشخصية النرجسية. كان صديق محمد الخيالي هو الله. وكان الصديق الأقوى، الأعظم، والأكثر هيبة. ومن خلال ربط نفسه مع الله وتقديم نفسه كوسيطه الوحيد، فإنّه جسّد قوةّ الله كلها.
بعد موت والدته، عندما كان محمد في سنّ السادسة، عاش تحت رعاية جدّه العجوز، الذي دلّله وأفرط في دلاله. وكما تظهر عدّة أحاديث، كان عبد المطّلب متسامحاّ للغاية. فقد أفرط في تدليل حفيده اليتيم. فقد كان يسمح لمحمد بالجلوس على بساطه في حين أنّ أبناءه كان يجلسون حوله بشكل توقيري.
ادّعاء محمد أنّ عبد المطّلب قد تبصّر عظمته ومكانته من الواضح أنها من تلفيق خياله. فهي مجرّد كذبة مدبّرة وقد جرى تصديقها على الأرجح. وبالرغم من ذلك، من الواضح أنّ عبد المطّلب أشعر محمد بأنه متميّز. فقد دلّل وأحبّ حفيده اليتيم. لذا فالرجل العجوز قد أفسده بدافع الشفقة. بأي حال، ترجم محمد تلك الرعاية الزائدة والاهتمام الزائد إلى كتأكيد لعظمته. فالصورة التي ألقاها على نفسه في عالمه الخيالي خلال طفولته عزّزها جدّه الذي أفرط في تدليله ورعايته. فقد كان معروفاً بأنه استثنائي، فريد، متميّز، له مكانة خاصّة.
بعد وفاة عبد المطّلب، عامله عمّه طيّب القلب أبو طالب بطريقة مختلفة عن باقي أولاده. فوضعه كيتيم، مع وجود أخوة من حوله، استدعى شفقة وتعاطفاً. إلا أنّ كلا من جدّه وعمّه قد فشلا في فرض تربية وانضباط كافيات عليه. كل هذه النهايات ساهمت في تطوير شخصيته النرجسية. يكتب العالمان النفسانيان جي. دي. ليفين ورونا ويس ما يلي:
((تماماً كما نعرف، من وجهة نظر العالم النفساني،، أنّ الطفل يحتاج إلى أن يعطى بعض الأطعمة المعيّنة، كما أنه من الضروري أن يكون محمياً ضدّ درجات الحرارة العالية، وأنّ المناخ أو الجوّ الذي يتنفسه يجب أن يكون محتوياً على كميات كافية من الأكسجين، إذا كان المراد أن يكون جسمه قوياً ومعافى، وما نعرفه أيضاً، من وجهة نظر علم نفس الأعماق، أنه يتطلّب بيئة عاطفية، وخصوصاً، بيئة تستجيب لـ (1) حاجته إلى أن يكون له حضور مؤكّد بوهج السرور الأبوي و (2) حاجته للاندماج إلى الهدوء المطمئن للراشد القوي، إذا كان المراد أن يكتسب شخصية قوية ومرنة)) [4]
شعر محمد بالإهمال والهجر خلال السنوات الأولى من طفولته، ثمّ الدلال والتسامح بعد ذلك. ظروفه لذلك كانت ناضجة وباعثة لتكوين شخصيّة نرجسية.
ليس هناك أي دليل أو حديث يشير إلى أنّ محمداً تحدّث عن أمه. فقد زار قبرها بعد أن فتح مكّة، إلا أنه رفض الصلاة من أجلها. ماذا كان الغرض من تلك الزيارة؟ ربّما كان ذلك تأكيده، طريقته ليثبت لها وليريها أنه وبدونها وبالرغم منها، قد حقّق ما حققه. من جهةٍ أخرى، تذكّر جدّه، الذي أمطره بالحب وقدّم له الكثير من الرضا النرجسي، وبولع.
يخبرنا النفسانيون أنّ السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هي السنوات التي تبنيه أو تحطّمه. حاجات محمد العاطفية خلال السنوات الخمس الأولى لم تكن سهلة. فقد حمل الذكريات المؤلمة لسنوات الوحدة التي كانت مليئة بالهجر والإهمال حتى سنين رشده وكهولته. لقد عاش من دون أمان وكان لجيه شعور متقلّب بالأهمية، وهذه كانت نقطة ضعف حاول إخفائها وراء قناع من الغطرسة الساحقة من قبل الإحساس المتزايد بالاستحقاق، التخويل، الفخامة، وأوهام التفوّق.
لقد وضع نفسه على أنه الشريك الوحيد لله ولكي يضمن ألا يأخذ منه أحد في العالم مكانته المتميّزة هذه، زعم على أنه آخر الأنبياء. لذا كانت قوته وسلطته مطلقة وأزلية. -;-
*******************************
“For Love of God – Narcissists and Religion”, by Dr. Sam[1] Vaknin, at http://samvak.tripod.com/journal45.html (no date given) (accessed June 22, 2007), first published in “Narcissistic Personality Disorder” Topic Page on Suite 101, also appearing in Malignant Self Love – Narcissism Revisited.
[2] “For Love of God – Narcissists and Religion”, by Dr. Sam Vaknin, Ibid
[3]
Jon Mardi Horowitz – Stress Response Syndromes: PTSD, Grief, and Adjustment Disorder” New Jersey:Jason Aronson Inc., Third Edition, 1997, ISBN-10: 0765700255, ISBN-13: 978- 0765700254
[4] جي. دي. ليفين ورونا ويس: ديناميكيات وطرق معالجة الإدمان على الكحول.
J. D. Levine and Rona H. Weiss. The Dynamics and Treatment of Alcoholism. Jason Aronson, 1994



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [8]
- الأصول البدائية للدين والأخلاق
- محمد كان هو أول من خالف القرآن [تعقيب على قارئين]
- مصادر القرآن: بحث في مصادر الإسلام، وليم غولدساك، الجزء [4]
- مصادر القرآن: بحث في مصادر الإسلام، وليم غولدساك، الجزء [3]
- مصادر القرآن: بحث في مصادر الإسلام، وليم غولدساك، الجزأين [1 ...
- محمد كان هو أول من خالف القرآن [4]
- محمد كان هو أول من خالف القرآن [3]
- محمد كان هو أول من خالف القرآن [2]
- محمد كان هو أول من خالف القرآن [1]
- لماذا نؤمن بالله/الآلهة [4]
- لماذا نؤمن بالله/الآلهة [3]
- لماذا نؤمن بالله/الآلهة [2]
- لماذا نؤمن بالله/الآلهة [1]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [7]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [6]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [5]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [4]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [3]
- مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [2]


المزيد.....




- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - محمد: سيرة سيكولوجية [9]