|
سخام الديمقراطية ومأزق الدولة
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 07:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتلة دولة القانون وعدت بحكومة اغلبية لحل ازمة الطبقة البرجوازية المتفاقم منذ اسقاط سلطة الفاشست عام 2003 واقتلاع الدولة من قبل امريكا. وبرأيي فان شعار دولة القانون لم يكن "دعاية انتخابية" صرف بل فيه، وبشكل استثنائي، جانب بركماتي واقعي. فالبرجوازية العراقية التي سلمت السلطة من قبل الاحتلال الامريكي فشلت في حل معضلاتها منذ اكثر من 11 سنة. وهذا متفق عليه. ولكن ما يتم الاختلاف عليه واخفاءه عن الجماهير كليا هو ان الفشل ليس فقط في حل مشكلات المجتمع بل في حل معضلة البرجوازية الاساسية نفسها اي كيف يمكن خلق الشروط السياسية لعملية مراكمة رأس المال في العراق (دون النهب والسلب والسطو والاستملاكات التعسفية كما هو حاصل اليوم) ؟ هذا هو السؤال المؤرق للبرجوازية والذي تحاول دولة قانون الاجابة عليه. دولة القانون التي تطمح (وتحلم) بحكومة نهب وسلب "بلون واحد" تسهل اتخاذ القرارات التعسفية تفتقر حتى الى القدرة على الممارسة البرجوازية ألطبيعية السائدة في دول اخرى التي تتلخص في مهمة مراكمة الرساميل بخلق شروط حياة عادية؛ بنوك، فوائد، ريوع عقارية، ضرائب، سيولة نقدية، مصانع واستثمارات لجني فوائض قيمة من طبقة عاملة مطأطأة وبالتالي تحوز على ثقة واعجاب رأسماليي الدول المحيطة "وحصة" من الطبقة البرجوازية العالمية. هل ستستطيع كتلة دولة القانون الاجابة على هذا العجز البنيوي داخل البرجوازية التي تمثلها بادعائها انها ستشكل حكومة اغلبية تتخذ قراراتها دون عرقلة من "المغرضين"؟ لننظر الى الوراء قليلا. فسجل اعمال البرجوازية العراقية ابان الاحتلال لم يكن باكثر من سجل مخزي. فبدلا من بناء دولة متعارفة، حكومة عادية ذات برنامج سياسي وخدمي، برلمان تتوزع فيه البرامج السياسية بدلا من البرامج الدينية، نجد ان الدولة هي حفنة ميليشيات ساهمت بشكل اساسي وجوهري في ادامة الارهاب والقتل والمجازر والنهب والسلب وتدهور الاوضاع المعيشية والانسانية والتهجير وانهيار الحقوق المدنية والفردية ووضع المرأة الاف المرات. لقد وضعت امريكا مهمة انشاء دولة على اكتاف المالكي منذ انتاخبه لاول مرة قبل سنوات. ولكنه الفشل يلاحقه المرة بعد الاخرى. ورغم بركماتية حل "دولة القانون" لمشكلة الدولة فان ترياقها المسمى "حكومة الاغلبية" لن يكون اكثر من خيال عاجز عن حل المعضلة الاساسية للبرجوازية في العراق ونقصد التشرذم السياسي. ان دولة القانون بتوفيرها حل اخر لمعالجة معضلة الدولة تقترب من منهجها البركماتي حين يتعلق الامر بجدولة حساباتها المصرفية وارباحها وريوعها خارج اطار "مأساة الحسين" التي تعلكها امام الناس على مدار الساعة لتخدرهم وتنسيهم واقعهم الكارثي، الا ان حلها لن يكون باحسن من حلولها السابقة في خلق "صدام" جديد، شخصية تلم شتات البرجوازية حولها. وحتى ضمن الاطار المطروح لدولة القانون بتشكيل حكومة منسجمة تتفق حتما على تصعيد القمع السافر ضد الطبقة العاملة (بلون واحد بالتأكيد !) فان معضلة السلطة في العراق ليس في اتباع مشورات ادارة اوباما او نصائح فوكوياما او عدنان مكية حول الاسس العلمية لتشكيل الدولة، بل في تفكيك العلاقة بين الدين والطائفية وعزلها عن اجهزة الدولة. هكذا وببساطة. ان اساس الخلاف والتمزق ليس في البنية الفوقية للسلطة او شكلها (حكومة اغلبية ام توازنات دينية طائفية وقومية وعشائرية) بل في الماهية الاصلية للسلطة برمتها؛ في لا علمانيتها، في لا مدنيتها في عدم قدرتها على ان تكون دولة. وكما ان علاج السرطان لا يأتي بلقم المريض المسكنات والمهدئات، فان انهاء التمزق البرجوازي نفسه لن يأتي من خلال تغيير شكل الحكومة بل في فصل الدين عن الحياة السياسية. ورغم نصائح "حكومة روحاني" البركماتية (خاصة بعد اتفاقها النووي الاخير) فان علاج حكومة اللون الواحد سيفشل بشكل ذريع هو الاخر. ولكي لا ابدو كمن يقدم النصح للبرجوازية في اعتماد العلمانية لانهاء خلافاتهم اقول: اطمأنوا، فان اعتمدت البرجوازية العلمانية فعليها اولا ان تصفي نفسها. فليس ثمة شخص واحد او قوة واحدة بينهم بامكانه فصل الدين عن ممارسته وعقائده السياسية والا عليه ان ينسلخ كليا عن تأريخه السياسي. قلنا وكررنا وهنا نعيد: لم تعد البرجوازية كما كانت قبل 200 سنة، ثورية وتحررية حين فصلت الدين عن الدولة، بل انها اليوم اصبحت رمز الرجعية بكل ما تعنيه الكلمة. انتقل التقدم والانسانية والدفاع عن البشرية الى قلب طبقة اخرى، هي الطبقة الثورية اليوم. اصابع المواطنين المسخمة: الاعلام العراقي والعالمي تبجح كثيرا باصابع المواطنين المسخمة بحبر الديمقراطية المجيد، لم يلبث هذا الاعلام ان رجع الى اصل هذا السخام: الطبقة التي دمرت الحياة السياسية والمعيشية والاجتماعية في العراق؛ مزقت حياة الناس وقطعت اوصال المجتمع اربا على اسس الدين والطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية والقوميات وعلى اساس التفكير الحقير بان المجتمع فيه "مكونات" وليس مواطنين او افراد. ان سخام حبر الانتخاب ليس سخام "حرية الاختيار" بل سخام العبودية للطبقة التي اهانت كرامة البشر وحقرت انسانيتهم وفرضت عليهم الميليشيات والشقاوات ورجال الدين والملالي ورؤساء العصابات وشيوخ العشائر وحقرت كل معلم علمي وانساني متمدن في العراق. اي انهيار معنوي للمجتمع العراقي.
ولكنها الديمقراطية ايها الشعب!. الديمقراطية التي يخدعونكم بها ويثيرون املكم بحياة افضل عن طريقها. الديمقراطية التي ما هي الا غطاء حقير لمنحكم الشرعية المليونية لهذه الطبقة لكي تحكم وتزيد من عزلتها ولا شرعيتها وتستخدم ابدا اسمكم وبصمات سخام اصابعكم لتضحك في سرها من سذاجتكم، وفي احسن الاحوال، من حسن نواياكم. اصابعكم المسودة لا تؤشر سوى الى مستقبل اسود اخر يرسمونه. وان شتمتم هذا المنطق، ادعوكم الى تصور امكانية عراق اخر دونهم، عراق دون اسلاميين وطائفيين وبعثيين وعصابات قتلة. عراق عمال وكادحين ونساء واحرار شرفاء.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الذكرى 11 لحرب امريكا في العراق - رسالة سعيد نعمه ال
...
-
رسالة تضامن الى هيئة التنسيق النقابية في لبنان
-
هل الدين أخلاقي ؟
-
علمانية السيد علاوي!
-
انقذوا خالد خليفة محمود
-
حول اسقاط تمثال لينين وتحطيمه في كييف
-
أضرار جانبية* Collateral Damage
-
ايران 5+1 ، جنيف 2، وتفكيك جبهة الاسلام السياسي”الممانع“
-
زياد الرحباني واليسارية الاعتذارية
-
خطاب يوم العمال العالمي *
-
عمال العراق: وحدتكم تخيفهم !
-
رسالة الى فاتو بيسودا محامية الادعاء في محكمة الجنايات الدول
...
-
وقاحات اردوكان وتغريدات ساي
-
على الضفة المقابلة للكارثة
-
لا شئ على ما يرام!، جردة حساب لاوضاع النساء في العالم للعام
...
-
لِمَ تدعي الحكومة ان التظاهرات طائفية ؟
-
لتتوسع دائرة مطالب الاحتجاجات ورقعتها لكل العراق
-
اطلقوا سراحهم الان ! الى جميع النقابات العمالية ومنظمات حقوق
...
-
هل لديكم مقدسات اخرى لتكمموا افواهنا بها؟!
-
سيكولار، حاجة الى الحرية !
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|