|
التجربة الدستورية والمسيرة السياسية في العراق المعاصر
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 1260 - 2005 / 7 / 19 - 10:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
استمرت معضلة الدستور ومتطلباتها واحدة من أعقد مشكلات الدولة العراقية منذ تأسيسها في 23 آب/ أغسطس1921 ولغاية الوقت الحاضر. والدستور باعتباره يشكل عقداً اجتماعياً بين الحاكمين والمحكومين، يعبر عن مرحلة التطور الحضاري للمجتمع، لكونه يضم مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الحكومة بالمجتمع، متمثلة في سلطات الحكومة وواجباتها بفروعها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية من جهة، وحقوق وواجبات المواطنين من جهة أخرى.(1) احتوى الدستور العراقي الملكي الأسس الهيكلية الرئيسة التالية:(2) العراق دولة ذات سيادة.. حكومته ملكية وراثية وشكلها نيابي.. سيادة المملكة العراقية لـ (الأمة)* وهي وديعة الشعب للملك فيصل بن الحسين ثم لورثته.. البرلمان هو مجلس (الأمة) ويتألف من مجلسين هما النواب والأعيان.. يتكون مجلس النواب من أعضاء منتخبين على أساس نائب لكل عشرين ألف ناخب من الذكور.. الوزارة تضم عدداً لا يقل عن سبعة وزراء بضمنهم رئيسهم، ويمكن تعيين وزراء بلا وزارة. وحدد الدستور اختصاصات هذه الهيئات: الملك مصون وغير مسؤول، يملك ولا يحكم، يستعمل سلطته الدستورية بإرادة ملكية تصدر بناء على اقتراح الوزير أو الوزراء المسؤولين وبموافقة رئيس الوزراء.. يختص مجلس (الأمة) مع الملك بوضع القوانين وتعديلها وإلغائها، بينما تقوم الوزارة بإدارة شؤون الدولة. كما أكّد الدستور على الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، علاوة على عدد من النصوص العامة، تتقدمها: المادة السادسة- عدم التفرقة بين العراقيين في الحقوق أمام القانون وإن اختلفوا في القومية والدين واللغة.. المادة الثامنة عشرة- العراقيون متساوون في التمتمع بحقوقهم وأداء واجباتهم.. المادة السابعة- صيانة الحرية الشخصية لجميع العراقيين وعدم توقيف أو إجبار مواطن على تبديل مسكنه.. المادة الثامنة- ضمان حرمة المنازل.. المادة العاشرة- منع نزع الملكية ومصادرتها، علاوة على حرية الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات ومنع مراقبة البريد والهاتف.(3) وبذلك أصبح العراق "دولة ملكية دستورية" وفق دستور عام 1925. تضمن الدستور مبدأين رئيسين: أولهما إضفاء مسحة ديمقراطية من خلال ربط تأليف الوزارة وبقائها بموافقة السلطة التشريعية المنتخبة. وبذلك تم، نظرياً، إخضاع الوزارة للمجلس النيابي. وثانيهما اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات.(4) ومع أن نصوص الدستور المذكور أوحت بإيجاد نظام برلماني حاول أن يكون قريباً من الصيغة التقليدية للأنظمة الديمقراطية الليبرالية الغربية، لكن هذه الديمقراطية وتخصص السلطات في النظام المَلكي العراقي لم تخرج إلى حيز التنفيذ بسبب الانحرافات الدستورية التي مكّنت المَلك الهيمنة على السلطات الثلاث.(5) برزت هيمنة المَلك التنفيذية بمنحه سلطة شخصية بموجب الدستور للانفراد باختيار وإقالة الوزارة دون التقيد بالأغلبية البرلمانية. وهذه الهيمنة سمحت له، ليس في اختيار رؤساء فاقدين للأغلبية البرلمانية، حسب، بل وتجاوز ذلك إلى اختيار رؤساء وزارات ليسوا أعضاء في مجلس النواب. وبالنتيجة حصر المَلك هذا الاختيار بفئة محدودة من النخبة السياسية، حاشيته غالباً، ممن ربطوا أنفسهم بالبلاط وسياساته. إن اختيار الرؤساء بغض النظر عن الأغلبية البرلمانية، دفعت بالوزارات المعنية إلى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة لتلفيق مجالس نيابية موالية لها. وفوق ذلك ما نصت عليه المادة 65 من الدستور بمنح المَلك سلطة التصديق على قرارات مجلس الوزراء. بمعنى عدم قابلية تنفيذ هذه القرارات إلا بموافقته. ويلاحظ أن جذور هذه المسألة تعود إلى تشكيل أول وزارة عراقية "الحكومة المؤقتة 1920" من قبل المندوب السامي البريطاني وتحت إشرافه. وبهذا النص فقد مجلس الوزراء سلطة إصدار القرارات مباشرة، بل وتحولت قراراته إلى توصيات للمَلك الأخذ بها أو تعديلها أو رفضها. من هنا تحول مجلس الوزراء من كيان سياسي إلى إدارة تنفيذية، ومن سلطة تنفيذية لمشيئة المجلس النيابي (السلطة التشريعية) إلى أداة تنفيذية لإِرادة المَلك. وهذه السلطات مكنت المَلك من الهيمنة على مجلس الوزراء.(6) يعتمد النظام البرلماني أساساً على السلطة التشريعية. ولم يكن الأمر كذلك في العراق المَلكي. وفي حين تتطلب الحياة البرلمانية نظاماً فعالاً لتوزيع السلطات على أساس من التوازن والرقابة المتبادلة وفق علاقة أفقية horizontal بين السلطات الثلاث، كانت العلاقة بين هذه الهيئات عمودية vertical، حيث جلس المَلك على قمة هرم السلطة، وبعده الوزارة، وفي الأخير مجلس النواب. وبالإضافة إلى هيمنته على الوزارة، تجلَّت هيمنة المَلك على البرلمان بمجلسيه وإضعافه لسلطتيهما في جوانب عديدة. إذ مُنح حق تعيين أعضاء مجلس الأعيان وإقالتهم. كما مُنح سلطة دستورية للتصديق على القوانين والاعتراض عليها، علاوة على منحه سلطة التصديق على مشروعات القوانين التي يقترحها مجلس الوزراء. نصّ دستور عام 1925على انتخاب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام السري. وقام الانتخاب على مرحلتين لغاية ك2/ يناير 1953عندما صدر قانون جديد (مرسوم بقانون) تم بموجبه تطبيق الانتخابات المباشرة. ومع ذلك لم تكن الانتخابات إلا عملية شكلية، سواء قبل صدور القانون المذكور أم بعده. أما في الواقع العملي، فإِن مجلس النواب لم ينجُ من قبضة السلطة التنفيذية (المَلك ووزرائه) التي لجأت إلى "اختيار" أعضائه، وليتحول من مجلس منتخب إلى مجلس معين، ومن هيئة ممثلة للشعب إلى آلية مترجمة لإِرادة المَلك ووزرائه. فالسلطة التنفيذية ساهمت في مرحلة الترشيح للانتخابات. وكان لها مرشحوها "قائمة مرشحي الحكومة"، ومارست مختلف أشكال التدخل في الانتخابات لصالح مرشحيها. وفي حين كان مجلس النواب عاجزاً عن تحريك المسؤولية السياسية للوزارة، غالت الأخيرة في حله. ولم يكن ضعف المجلس النيابي بسبب تصرفات السلطة التنفيذية، حسب، بل ارتبط ذلك أيضاً بطبيعة السلطة التشريعية ومكوناتها وافتقادها للأحزاب السياسية الحديثة. علاوة على طبيعة مجلس الأعيان والوزارة في علاقتهما بالمَلك. يُضاف إلى ذلك احتواء مجلس النواب على نسبة مؤثرة من شيوخ العشائر وملاك الأرض الذين ساندوا الوزارة طالما التزمت بحماية مصالحهم. وهكذا، فتبعية الوزارة وضعف مجلس النواب أديا إلى تركيز السلطة الفعلية في يد المَلك وهيمنته على السلطات الثلاث في سياق انحراف النظام البرلماني، مؤدية هذه الظاهرة إلى خلق مَلكية شبه مطلقة لا تختلف عن المَلكية المطلقة سوى بوجود برلمان مزيف. ورغم نصّ الدستور على استقلال القضاء وحياده إلا أن الواقع أفرز صورة مغايرة. إذ افتقد القضاء استقلاله وحياده أمام السلطة التنفيذية الطاغية، نتيجة اندماج الدور الوظيفي للسلطة القضائية مع السلطة التنفيذية. وفي مثل هذه الظروف عانى الحكام باستمرار من مخاطر التهديد الوظيفي، وواجهوا بصورة رتيبة ضغوطاً شخصية قوية من أصحاب النفوذ.(7) إن بروز سلطة تنفيذية طاغية تمثل محور القوة في المجتمع الملكي العراقي، أدى بِأعضاء النخبة السياسية- المتمثلة في العناصر المرشحة لإشغال مناصب وزارية- إلى استثمار جلّ جهودهم وصولاً إلى تلك المناصب لتحقيق غايات عبّرت في الغالب عن مصالح ذاتية. ولم تستند عضوية النخبة السياسية إلى معايير موضوعية مثل الكفاءة والمهارة، بل قامت بدرجة رئيسة على معايير شخصية- عائلية- قبلية. ويمكن القول أن النظام المَلكي جسد حكم مجموعة صغيرة من العائلات المعروفة. يضاف إلى ذلك دور علاقات الصداقة الشخصية (الشِلل) متمثلة في تشكيل الحلقات حول الشخصيات النافذة. فكل شخص بارز جمع حوله نفراً من المؤيدين، أصدر جريدة، ونظَّم حزباً سياسياً صورياً للحصول على قوة سياسية وشهرة ومركز رسمي بدعوى تحقيق استقلال البلاد عن بريطانيا. ومن أجل الوصول إلى السلطة أو حمايتها، لم يتردد هؤلاء الساسة من استخدام العشائر أولا ثم الجيش خلال فترة العشرينات والثلاثينات لإسقاط الحكومات المناوئة. كما لجأ أعضاء النخبة إلى استِغلال مناصبهم في إقامة وتوثيق التحالف مع الشيوخ. يذكر كاراكتاكوس "إن إحدى الفضائح التي عرفها الناس كان استعمال مياه سدة الكوت. لقد قيل بأن ذلك المشروع، الذي كلّف ملايين الدنانير، أفاد ثلاثة أشخاص فقط، كان أحدهم يُفاخر بأن ملكيته من الأرض تعادل مساحة سويسرة"!(8) كما أن استفحال الاعتبارات الشخصية في السياسة العراقية واستخدام العنف لحل الخلافات بينها عبَّر عن فقدان النظام المَلكي لممارسات سياسية حضارية قادرة على توجيه سلوك أعضاء النخبة السياسية، مثلما هي متاحة في الأنظمة البرلمانية عادة. وهذه الممارسات أدّت إلى الإضرار الشديد بمبادئ الإدارة والكفاءة والنزاهة والمبادرة، وإلى تشجيع هذه العناصر تفضيل مصالحهم الشخصية في سياق احتكار السلطة والثروة. عاصر العهد المَلكي أوضاعاً سياسية استثنائية تراوحت بين الإفراط في تغيير الوزارات وتكرار أشخاصها وتزايد التوجه نحو تعطيل الدستور وفرض الأحكام العرفية. ومنذ انتخاب أول مجلس نيابي (1925) ولغاية نهاية المرحلة المَلكية تم انتخاب ستة عشر مجلساً نيابياً. وفيما عدا مجلس واحد (الدورة التاسعة: 1939- 1943) تعرضت بقية المجالس إلى الحل قبل استكمال دوراتها (أربع سنوات). بينما فُُرِضَتْ الأحكام العرفية منذ 14/9/ 1924 ولغاية 1/11/1952 على البلاد بواقع 3992 يوماً من جملة 10267 يوماً وبنسبة 39%. كما خضعت البلاد منذ عهد الوزارة السعيدية الثالثة (1939) ولغاية الوزارة السعيدية الثالثة عشرة (1952) إلى3661 يوماً من الأحكام العرفية أو (5و73%) من فترتها (4891).(9) وهكذا، فإِن قصر عمر الوزارات العراقية في هذه المرحلة، وتناوب عدد محدود من النخبة السياسية على إشغالها، والإكثار من حل المجالس النيابية، والإفراط في فرض الأحكام العرفية، مؤشرات جسدت الأمراض السياسية التي عاصرت مرحلة بناء الدولة الفتية في الفترة المَلكية. تذكر فرباستارك- مؤسسة نادي "اخوان الحرية"- المركز التجسسي الذي أنشأه الأنكليز بعد فشل حركة مايس1941- "... ففي العراق عُهدت دفة شؤون الدولة منذ 30 سنة إلى فئة قليلة من الأشخاص المسنين المعروفين بولائهم لبريطانيا العظمى، مما دفع شباب البلد الذين لم ينفسح المجال أمامهم والذين يتوقون إلى ارتقاء سلطة الحكم، الانضمام إلى لواء واحد لمقاومة هذا النظام. وقد دلّ ذلك على قصر النظر السياسي، وترك دائرة الحكم ضيقة لهذه الدرجة فصارتْ الفئة الحاكمة تتقاذف كرة القوة (السلطة) من يدٍ إلى يد ضمن دائرة محدودة، وكانت النتيجة أن بريطانيا اختصت نفسها بفئة من ذوي الجمود والذين يحرصون على مصالحهم الشخصية والطاعنين في السن".(10) بالإضافة إلى تردي الوضع السياسي داخل البلاد، زادت الحالة الاقتصادية المتدهورة من خطورة الموقف. إذ عمّ البؤس أغلبية السكان في ظروف سيطرة المشايخ والاحتكارات وغياب تكافؤ الفرص. كشف إحصاء السكن عام 1956 أن أربعة أخماس المساكن في البلاد كانت تتكون من أكواخ الطين أو القصب ذوات غرفة أو غرفتين وبدون نوافذ. وكانت الغرفة الواحدة تحتوي على 4- 5 أشخاص، بينما تكونت محتويات الدار من بعض البطانيات واللحف التي كانت محل استخدام مشترك لكافة أفراد العائلة في الشتاء، وصندوق خشبي يحوي جميع الحاجيات الفردية، وجرّة من الطين، وقدران اثنان للطبخ. وكانت العائلة تعيش في ساحة المنزل حيث تستخدمها لإنجاز الأعمال المنزلية ومعهم الدجاج غالباً وعنزة واحدة أحياناً. وكان طعامهم الرئيس الخبز الذي تخبزه نساؤهم في تنور من الطين. وقد يتم تناوله مع الشاي، وأحياناً يُضاف إليه اللحم والخضر والرز والتمر باختلاف المناطق والمواسم. وبصفة عامة كان اللباس والطعام والسكن بدائيا. فالصرائف مملوءة بالناس الملطخة وجوههم بالطين في الأيام الممطرة وبالذباب في الأيام الحارة، وهم يمثلون منتهى الفاقة. بينما عبّرت الخدمات العامة، بما فيها الصحية والتعليمية عن المصدر الرئيس للبؤس في ظروف معيشية تعيسة تدور في حلقة مفرغة من الفقر والجهل والمرض فالفقر.(11) من جهة أخرى تميز النظام الاقتصادي في الريف بالمِلكية الواسعة للأراضي الزراعية لصالح القِلَّة من الشيوخ المتخمين وسط محيط واسع من الفلاحين التعساء العاملين باجور زهيدة أو نظير تقاسم المحصول لصالح الشيخ. وحسب احصاءات توزيع الملكية الزراعية قبل ثورة تموز 1958، امتلك 1ر97% من الحائزين فقط 7ر30% من مساحة الأراضي الزراعية في العراق، مقابل 9ر2% من الحائزين استحوذوا على 3ر69% من مساحة هذه الأراضي.(12) والخلاصة، فإن الفترة الليبرالية اعترتها عوامل قصور عديدة في سياستها الداخلية، علاوة على سياستها الخارجية، وساهمت في خلق قطبية سياسية واقتصادية لصالح الأقلية، ومحاربة العملية الحزبية، وتزايد الاعتماد على الحليف البريطاني، الذي استمر حضوره بفعالية بدءاً من تشكيل أول وزارة عراقية ومن ثم وضع الدستور وهيمنته على الثروة النفطية من خلال الامتيازات، وتلفيق الانتخابات والمساهمة في اختيار رؤساء الوزارات والوزراء، ولغاية توجيه السياسة الخارجية وبناء الأحلاف. وكذلك السياسة الداخلية بما في ذلك الانفصال القضائي بين المدن والريف واستمرار فقر الزراعة والصناعة وتهميش الأغلبية. عليه جاءت بنية الدولة الفتية بعيدة عن الليبرالية السوية في ظروف بيئية مليئة بالدسائس والمؤامرات والعنف والانقلابات لتنتهي بالحركة العسكرية التي قادت إلى ثورة 14 تموز 1958. هذه هي بايجاز السمات الرئيسة التي خلّفها العهد الملكي- المرحلة الليبرالية في العراق. فماذا تحقق في العهد الجمهوري- المرحلة الشمولية؟ جاء النظام الجديد ثورياً في لغته وممارساته. بادر فوراً إلى إحداث تغيير جذري في سياسة البلاد الخارجية بالتحول من علاقات تبعية لبريطانيا والغرب إلى بناء علاقاته مع كافة دول العالم بما فيها دول المعسكر الاشتراكي (سابقاً) على أساس مبدأ التكافؤ. وإلغاء سياسة الأحلاف والتكتلات متضمناً الانسحاب من الاِّتحاد الهاشمي وحلف بغداد والمنطقة الاسترلينية وإعلان الحياد الإيجابي. بينما جاءت سياسته الاقتصادية مستهدفة تحقيق غايتين ثوريتين هما الاستقلال الاقتصادي وإعادة توزيع الثروة والدخل لصالح عامة الناس. بدأ العهد الجديد ممارسة سياسة اقتصادية مختلفة جذرياً عن السياسة الاقتصادية للعهد القديم. إذ ألغى المؤسسات الاقتصادية السابقة وبادر إلى بناء مؤسسات اقتصادية جديدة بكفاءات وطنية. وأعلن عن تطبيق سياسة التخطيط واعتماد الأولويات في سياسته الاستثمارية وتوسيع الخدمات الاجتماعية لصالح الدخول المحدودة وضغط أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية بدعم من الدولة. وفوق ذلك شهد العراق الجمهوري بأنظمته المتعددة ثلاثة أحداث ثورية كبرى ذات آثار اقتصادية واجتماعية واسعة وبعيدة الأمد، تمثلت في: قانون الإصلاح الزراعي.. قوانين التأميم "الاشتراكية".. تأميم النفط. استمر النشاط الاقتصادي العراقي في صعوده، هذا رغم المثالب التي رافقت محاولات التنمية في هذه المرحلة. وبذلك تسّلق الاقتصاد العراقي قمة السلّم بين دول العالم الثالث من حيث متوسط دخل الفرد، علاوة على بلوغه مستوى عالياً من التعليم والمهارات وامتلاكه الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة ووفرة احتياطيه من العملة الأجنبية. إلا أن هذا البناء- الذي تحقق بجهود متواصلة لا تقل عن نصف قرن من الزمن- بدأ بالانحدار السريع مع الدخول في حرب الثماني سنوات (1980- 1988) ضد إيران. وبلغ حافة الانهيار مع غزو الكويت وحرب الخليج (1990- 1991). وأخيراً، قادت الحرب الأمريكية- البريطانية على البلاد (2003)، ليس إلى إلغاء النظام السياسي حسب، بل وإلى تدمير الدولة العراقية. لماذا ؟ رغم صعوبة إغفال دور العوامل الخارجية في هذه الحصيلة المريرة، إلا أن موضوعية الإجابة تكمن بدرجة عالية من الثقة داخل العراق وفي عمق النظام العراقي بمفهومه السياسي الاجتماعي الشامل.. إذن السؤال الآخر المطلوب بحثه هو: أين كمنت مشكلة نظام الحكم الجمهوري في العراق؟ ولماذا انتهى إلى هذا الدمار والخراب؟ بدءاً ببرنامج الضباط الأحرار لبناء النظام السياسي المقبل في العراق، جاء هذا البرنامج في صورة مبادئ عامة تفتقر إلى تفصيل أهدافها وسياساتها. وبالنتيجة بقيت مسألة من يحكم ونوع الحكم وكيف يحكم. أي طبيعة النظام السياسي دون إجابة. وهنا قبعت بذور مشكلات نظام الحكم الجديد. وبعد نجاح الثورة، أخذت المشكلات السياسية تتحدى النظام الجديد. كما أن غياب قيادة جماعية ساعد على تضخيم الخلافات لتتحول إلى صراع على السلطة في غياب المؤسسات الدستورية. توسع هذا الشرخ إلى انشقاق سياسي للمجتمع العراقي مع انفراط عقد جبهة الاتحاد الوطني، خاصة بين التيارين الرئيسين الممثلين بـ: القومي (البعث) واليسار (الشيوعي)، بعد أن منح كل منهما دعمه غير المحدود لأِحد القطبين المتصارعين. ولتتحول الانشقاقات والصراعات إلى مواجهات دموية. وهكذا برزت دكتاتورية عسكرية فردية ورسمية تحت شعارات ديموغاغية قوامها التبجيل وعبادة الشخصية. وأخذت القوة الغاشمة طريقها كأسلوب أوحد في السياسة العراقية. ومن السخرية أن حصيلة هذه المواجهات السياسية العنيفة حققت مصالح الأطراف الخارجية المعادية التي عارضتها القوى الوطنية بما فيها البعث والشيوعي. بل ووفرت على نحو متزايد فرص إجهاض تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة بأنظمتها المتعددة. وساهمت في تعزيز القطبية السياسية وما نجم عنها من خراب ودمار. إذن، فنقطة الفشل المركزية للثورة وأنظمتها الجمهورية المتعددة، تجسدت في عجزها عن بناء نظام سياسي مدني يستند إلى حكم الدستور والقانون والمشاركة الجماعية بدلاً من المؤسسات العسكرية وحكم النخب والزعامات الفردية. وفي مثل هذه الظروف الاستبدادية القائمة على احتكار السلطة وإصرار الحاكم على الاستمرار، لا يثنيه عن عزمه الاحتفاظ بالسلطة سوى قوة قاهرة أخرى، عليه أصبحت الأرضية مهيئة للدسائس والمؤامرات والانقلابات من أجل نقل السلطة بالقوة بعد غياب إمكانية نقلها سلميا ولتستمر دورة العنف والعنف المضاد. خلاصة القول، ورغم الاعتراف بِأن العهد الجمهوري كان رداً عملياً على انحرافات وتجاوزات النظام المَلكي، إلا أن مثالب قاتلة رافقت هذا العهد منذ بدايته ولغاية سقوطه ووقوع البلاد تحت الاحتلال الأمريكي. لعل أكثر هذه المثالب برزت في مجالين مترابطين: - أولهما أن إلغاء المؤسسات النيابية بدلاً من إصلاحها خلقت بيئة صالحة لظهور الصراعات بحيث سهلت نمو وانتعاش الدكتاتورية التي تصاعدت حدتها مع كل انقلاب جديد لتبلغ القمة في السلطة الفردية والصلابة والقسوة مع حلول انقلاب عام 1968. - ثانيهما ضعف إدراك القوى الوطنية لعظم الأعباء التي فرضها حلف بغداد على البلاد فجاء الإلغاء السريع للحلف، دون مظلّة حامية مانعة لتدخلات أطرافه، بكارثة أخرى مكملة وممتدة لغاية نهاية هذا العهد. وكما قاد إلغاء المؤسسات النيابية إلى انكشاف ظهر البلاد داخلياً في ظروف نمو الصراعات والدكتاتورية، فإن إلغاء حلف بغداد قاد إلى انكشاف ظهر البلاد خارجياً لتصبح مسرحاً للمؤامرات والدسائس التي غذتها مختلف القوى الإقليمية والعربية من دول الجوار وغيرها تحت رعاية القوى الكبرى- سادة حلف بغداد. بدأت الحركة الدستورية بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد بصورة مبكرة مع دعوة النجف في 30 حزيران/ يونيو2003 (ذكرى ثورة العشرين) المطالبة بضرورة أن يصوغ العراقيون بأنفسهم دستورهم عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية، خصوصاً بعد أن سرت شائعات بأن الأمريكيين والإسرائيليين سيكتبون الدستور. هذا رغم أن هذه المبادرة تحولت إلى غزل مع المحتل، وتقزمت في صورتها الطائفية لاحقاً. وعموماً، وكما حدث في تعيين "مجلس الحكم"، فقد بادر ممثل الاحتلال إلى إصدار قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بموجب الأمر المرقم 96- تاريخ 8 آذار/مارس 2004، بمثابة دستور مؤقت للبلاد، متضمناً بإيجاز: الباب الأول: يشمل المواد 1- 9.. تحدد الفترة الانتقالية في ظل حكومة "مؤقتة" بدءاً من 30/6/2004 ولغاية تشكيل حكومة منتخبة بموجب دستور دائم في موعد أقصاه 31 ك1- ديسمبر/2005.. مقسمة إلى مرحلتين: الأولى30/6/2004 لمدة 6- 7 أشهر (30/6/2004- 31/12/2004 او 31/1/2005).. والثانية لمدة سنة هي نهاية 2005 حيث يتم إجراء الانتخابات للجمعية الوطنية وتأليف حكومة عراقية منتخبة وفقاً لدستور دائم.. نظام الحكم جمهوري، اتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددي، وتقوم الاتحادية على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهبية.. "الشعب العربي العراقي" جزء من الأمة العربية.. اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق وتستخدمان معا على مستوى كافة المؤسسات الرسمية. الباب الثاني: يضم المواد 10- 23.. حق المواطن العراقي أن يحمل أكثر من جنسية.. عدم جواز اسقاط الجنسية العراقية عن العراقي.. المساواة في الحقوق وأمام القانون.. ضمان الحريات العامة.. للفرد حق الأمن والتعليم والعناية الصحية والضمان الاجتماعي. الباب الثالث: المواد 24- 29.. الحكومة الانتقالية وسميت "حكومة اتحادية".. الفصل بين السلطات الثلاث.. تنظيم السياسة الخارجية والأمنية والقوات المسلحة وغيرها .. القوانين النافذة في العراق في 30/6/2004 تبقى سارية المفعول. الباب الرابع: المواد 30- 34.. السلطة التشريعية الانتقالية وانتخاب الجمعية الوطنية وحصة للمرأة لا تقل عن 25% من أعضاء الجمعية الوطنية وتمثيل التنوعات القومية على نحو عادل.. عدد أعضاء الجمعية الوطنية 250 عضو.. حق الترشيح لأِعضاء البعث من حزبي عامل فما فوق يتطلب توقيع وثيقة براءة من حزبه. الباب الخامس: المواد 35- 42: السلطة التنفيذية الانتقالية وتتكون في المرحلة الانتقالية من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء.. الجمعية الوطنية تنتخب مجلس الرئاسة من رئيس ونائبين، ومجلس الرئاسة يختار رئيس مجلس الوزراء، وتنظيم العلاقة بين الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء.. يتولى رئيس مجلس الوزراء القيادة العليا للقوات المسلحة ويخضع هو ووزراؤه للمساءلة أمام الجمعية الوطنية. الباب السادس: المواد 43- 47.. يضم الأحكام الخاصة بالسطة القضائية الاتحادية. الباب السابع: المواد 48- 51.. يقر تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة عناصر العهد السابق وفقاً لقرار الحاكم الأمريكي (10/12/2003). الباب الثامن: المواد 52- 58.. الاعتراف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبلها في 19 آذار/مارس 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى.. تحتفظ حكومة إقليم كردستان بالسيطرة الإقليمية على الأمن الداخلي وقوات الشرطة، ويكون لها الحق في فرض الضرائب والرسوم داخل إقليم كردستان.. السماح للمجلس الوطني الكردستاني تعديل تنفيذ أي من قوانين الحكومة المركزية داخل منطقة كردستان، عدا تلك التي تدخل ضمن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية (السياسة الخارجية، الأمن الوطني، القوات المسلحة، المالية).. ميزانية القضاء.. تنظيم شؤون المحافظات والبلديات.. مجالس الأقضية والنواحي.. قضايا التغيير السكاني والنفي والترحيل والمهجرين والمهاجرين والهوية/ الانتماء العرقي.. تأجيل التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك. الباب التاسع: المواد 59- 63.. ضمانات دستورية لعدم استخدام القوات المسلحة في الشؤون الداخلية.. مشاركة رئيسة للقوات المسلحة العراقية في القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحدة.. صلاحية الحكومة المؤقتة عقد الاتفاقات الدولية الملزمة بخصوص نشاطات القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق.. مسؤولية الجمعية الوطنية المنتخبة كتابة مسودة للدستور الدائم للعراق في موعد أقصاه 15 آب/اغسطس/ 2005 وطرحه للاستفتاء بعد نشر مسودته.. يكون الاستفتاء العام ناجحاً، ومسودة الدستور مصادقاً عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر.. انتخابات لحكومة دائمة في موعد أقصاه 15/ك1- ديسمبر 2005. واجه القانون المذكور جملة اعتراضات تتلخص في:(13) .. منح الأقلية (كل ثلاث محافظات) حق النقض ضد الأكثرية في تبني الدستور المستقبلي للبلاد. .. توسيع إقليم كردستان العراق من ثلاث محافظات إلى ست محافظات. .. الصلاحيات الممنوحة للمحافظات واسعة إلى حدود تكاد تخفي معها أية سلطة مركزية في الدولة، وتقود إلى بناء حكومة رخوة في ظروف البلاد غير المستقرة. .. منح منظمات المجتمع المدني حق العمل دون رقابة أو موافقة أو تنظيم سجل بالتعاون مع أي شخص أو مؤسسة أجنبية. .. النص على براءة المتهم حتى يُدان، في حين أن هناك آلاف العراقيين في السجون والمعتقلات تحت سلطة الاحتلال في غياب حقوقهم القانونية. .. يشير القانون إلى أن النظام ديمقراطي، في حين يحرم أعضاء حزب البعث من أي دور ويمنعهم من المساهمة كمواطنين ما لم يوقعوا صك "براءة" كما كان الحال في العهد الملكي مع أعضاء الحزب الشيوعي العراقي. .. النص على أن "الشعب العربي" في العراق "جزء من الأمة العربية" يعكس الجهل والخلط بين القومية/ الأمة وبين الدولة/ الشعب، لأن العراق شعب واحد بقومياته المختلفة، ولا توجد دولة تتكون من شعبين!! كما أن تسمية الدولة تطابق عادة انتماء أغلبيتة القومية، وأن وجود قوميات أخرى لا تنفي هويته القومية، كما هو حاصل في إيران وتركيا وغيرهما. .. تحريم تدخل الجيش في القضايا الداخلية يتنافى مع الواقع الحالي لدور وممارسات طلائع الجيش الجاري تشكيلها والعاملة تحت سلطة الاحتلال في تقتيل الشعب العراقي. كذلك صدر تشكيل "مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة" من قبل ممثل الاحتلال (4/5/2004)، بل وقام ممثل الاحتلال بتعيين أعضائها، وأغلبهم من حملة الجنسية الأمريكية. ومن المعروف أن من يحصل على هذه الجنسية عليه أداء قسم الولاء الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية! يُضاف إلى ذلك أن المحتل لا يملك حق تشريع مثل هذه القوانين السيادية.. كما أن قراري مجلس الأمن 1483/2003 و 1511/2003 ليس فيهما ما يخول ممثل الاحتلال إصدار مثل هذه القوانين، وهي بالنتيجة غير ملزمة للحكومات العراقية. كما أن ظروف البلاد غير المستقرة في ظلِّ الفوضى القائمة واستمرار وجود وتأثيرات المحتل في توجيه السياسة العراقية كلها تدعو إلى شيء من الانتظار .. من هنا كانت دعوة الدكتور عبدالحسين شعبان "التأني في صياغة وتشريع الدستور..." وسد الفراغ الدستوري بإصدار إعلان دستوي مؤقت أو العودة إلى دستور 14 تموز/ يوليو 1958 بعد تعديله على نحو يتناسب مع الوضع الجديد.(14) عليه فإن إصرار سلطة الاحتلال والحكومة المؤقتة، التى خرجت من رحمها، على إجراء الانتخابات وإقرار الدستور قبل رحيل الاحتلال أو في غياب إشراف دولي مستقل ومحايد ، يثير مخاوف من تلفيق حكومة منتخبة بغية تمرير اتفاقات تكبل الشعب العراقي مستقبلاً. إن إخفاق التجربة الدستورية منذ إنشاء الدولة العراقية الحديثة وفشل الدساتير الجمهورية المؤقتة، عبَّرت عن فشل القوى العراقية التوصل إلى توافقات وطنية عريضة تتناسب وتتناغم مع مشروع تحديث الدولة- المجتمع. يكفي القول أن العشر سنوات الأولى من العهد الجمهوري (1958-1968) شهدت خمسة أنظمة حكم مختلفة في أسمائها ومتماثلة بِأهدافها وطبيعتها في احتكار السلطة، وكل من هذه الأنظمة أصدر دستوراً مؤقتا مفصلاً على شخص الزعيم الأوحد أو الزعيم المؤمن أو القائد التاريخي. وأصبحت الدساتير المؤقتة أو بالأحرى حكم الفرد/ النخبة ظاهرة ثابتة في هذا العهد لغاية السقوط. عليه، فإن إعادة الدولة- المجتمع- إلى طور ما قبل المجتمع السياسي المنظم نتيجة الاحتلال، تطرح المهمة الملحة أمام النخب والقوى والجماعات والأفراد من كل الأطياف العراقية لإطلاق حركة اجتماعية وسياسية وفكرية كبرى من أجل تمكين العراقيين وحدهم صياغة الدستور. وهذا يدعو إلى التأكيد على ضرورة حصر بناء الدستور بمشاركة كافة الأطياف العراقية، وبعيداً عن دور وتأثير الاحتلال وأعوانه. وفي السطور التالية جملة مقترحات لمضامين الدستور العراقي الدائم المنشود: .. تأكيد مبدأ إعادة تكييف الأركان الأربعة للبيئة الاجتماعية العراقية بصورة نمطية متصاعدة من: الوحدانية، السرية/ الباطنية، المطلق، العنف نحو: التعددية، العلنية، القناعة النسبية، التعامل السلمي، وذلك في سياق عملية تغيير جذرية مديدة. .. ضمان مبدأ الفصل بين السلطات في ظلّ التوازن والرقابة المتبادلة. .. الأخذ بمبدأ اللامركزية بحيث لا تقود إلى التفتت بل التوحد، وليس إلى ضعف الحكومة بل إلى قوتها. .. التأكيد على ملكية الشعب العراقي لثرواته الطبيعية بِإدارة القطاع العام الذي يجب أن يمارس دوره الأساسي- الاقتصادي والاجتماعي. .. أهمية تطوير البيئة الطبيعية والحفاظ على نظافتها، خاصة بعد كوارث الحروب التي قادت إلى تلويثها باليورانيوم الناضب. .. الغاء عقوبة الإعدام وتحسين أحوال السجون بما يقود إلى إعادة تأهيل النزلاء اجتماعياً. .. فصل الدين عن الدولة- علمانية الدولة- في إطار الحريات الدينية وتنزيه الدين بإبعاده عن اللعبة السياسية. .. المساواة التامة بين المرأة والرجل. وممارسة كاملة لحقها في العمل بما في ذلك الجيش والشرطة والأمن، وتحقيق استقلالها الاقتصادي والحياتي. .. تحديد وظيفة رأس الدولة/ السلطة التنفذية بدورتين انتخابيتين. .. تأكيد المبادئ الدستورية وتثبيتها على نحو واضح بحيث تشكل النواة لإصلاح النظام القانوني وإلغاء القوانين المقيدة للحريات بما في ذلك المحاكم الاستثنائية. .. ضمان التعددية السياسية والفكرية والثقافية والقومية، والحرص على الوصول إلى صياغات قانونية متوازنة تحدد المعاني والألفاظ والمبادئ والدلالات بشكل واضح وتعكس طبيعة تنوع وتعدد وتركيب المجتمع العراقي وموازييكه. .. تحريم قانوني للتميز العنصري والشوفيني تحريماً تاماً والتأكيد على المساواة بين المواطنين، وعدم التميز بسبب المواصفات التقليدية/ الوراثية أو الطبقية أو السياسية. .. الالتزام بالمواطنة العراقية وجعلها معياراً أساسياً، بل شرطاً لا غنى عنه، وتحديد ذلك دستورياً وبما يؤدي إلى إعادة النظر بقوانين الجنسية العراقية وفق نظرة وطنية إنسانية. .. تأكيد أفضلية المواطن على أساس كفاءته وخبرته وخدمته للوطن بعيداً عن أية خلفية طائفية أو اثنية أو محاصصة مذهبية أو عرقية أو عشائرية أو جهوية، تحاشياً لتفتيت المجتمع العراقي. .. تأكيد مبدأ تداول السلطة سلمياً وشرعياً بموجب الدستور. .. تثبيت احترام الرأي والرأي الآخر وتحديد حقوق الأقلية والأكثرية بما يؤدي إلى الاحترام المتبادل والمنافسة النزيهة وتأكيد ضمان الأكثرية لحقوق الأقلية. .. إن جوهر العملية الديمقراطية هو تمكين الشعب من ممارسة حقه في اختيار ممثليه عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة القائمة على المنافسة النزيهة. وجعل صندوق الاقتراع "أداة تغيير وليس أداة تجميل الحكام".(15) .. تشكيل لجنة مستقلة مالياً وإدارياً تضم ممثلي السلطات الثلاث والمجتمع المدني للرقابة على الانتخابات وضمان نزاهتها وصحة نتائجها ومنح اللجنة سلطة إلغاء حق المرشح وحرمانه من الترشيح لدورتين انتخابيتين في حالة ثبوت تزييف الانتخابات لصالحه.(16) .. ضمان الحريات الأساسية الأربعة: التعبير والرأي.. الاعتقاد.. التنظيم الحزبي والمهني والنقابي.. المشاركة السياسية في إدارة شؤون الحكم. .. النص الدستوري على تأكيد حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية. .. تأكيد مبدأ التسامح والأخاء والمساواة والعدل الاجتماعي ومكافحة العنف والثأر بتعزيز مبدأ سيادة القانون، وتحريم العزل السياسي والاحتكار وتأكيد أسس مدنية المجتمع. وتحويل الجيش إلى مهامه الدفاعية الأساسية لحماية الوطن، والمشاركة في الاعمار وإعادة البناء. .. تثبيت الصفة القومية للدولة على أساس أن العراق هو جزء من الأمة العربية: يتألف من قوميتين رئيستين هما العرب والأكراد وأقليات قومية أخرى يحفظ الدستور حقوقها الثقافية والإدارية. الهوامش (1) عبدالحسين شعبان، "الدستور ونظام الحكم"، ندوة احتلال العراق"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت2004، ص512-513. (2) للباحث، العراق المعاصر، دار المدى، دمشق،2004، ص60. * خلط الدستور العراقي بين مفهومي "الشعب" و "الأمة"، كما هو الحال في دساتير عربية عديدة. فالأمة مفهوم قومي ووجود سابق على وجود الدولة. بينما الشعب مفهوم سياسي يشكل أحد مكونات الدولة بمفهومها الكلاسيكي المأخوذ به في الأمم المتحدة: الشعب، الأرض، الحكومة، السيادة. (3) عبدالحسين شعبان، ص516 (4) نزار توفيق حسو، الصراع على السلطة في العراق الملكي، مطبعة الكندي، بغداد1984، ص54. (5) فايز عزيز اسعد، انحراف النظام البرلماني في العراق (رسالة ماجستير)، تقديم منذر الشاوي، وزارة الثقافة والإعلام، سلسلة الكتب الحديثة (82)، بغداد1975، ص32-33. (6) نفسه، ص113-114. (7)عبدالرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية (عشرة أجزاء)، ج5، مطبعة دار الكتب، بيروت1974، ص153..، نزار توفيق حسو، ص58-60. (8) نزار توفيق حسو، ص118. (9) تم حساب هذه المؤشرات من قبل الباحث من واقع بيانات الأحكام العرفية الواردة لدى: عبدالرزاق الحسني، ج10، ص323-350. (10) عبدالرزاق الحسني، ج6، ص128. (11) اديث (و) اي، ايف بيزوز، العراق- دراسة في علاقاته الخارجية وتطوراته الداخلية 1915-1975، الدار العربية للموسوعات (جزأين), ج1، بيروت 1989, ص277-282. (12) حنا بطاطو، العراق (ثلاثة أجزاء)، مترجم، مؤسسة الأبحاث العربية، ج1، بيروت1990، جدول 5-1، ص76. (13)صباح المختار، تعقيب على ورقة "الدستور ونظام الحكم"، ندوة احتلال العراق، ص562-563..، ندوة احتلال العراق: حمدين صباحي، ص580..، محمد عارف، ص580..، صفوت جميل اسماعيل، ص581..، أمحمد المالكي، ص581..، عبدالحسين شعبان، ص583. (14) عبدالحسين شعبان، ص505 (و) ص509..، خير الدين حسيب، "بوش سيتمادى في استعمال القوة"، الكادر- 7/12/2004..، للباحث، "شرعية الانتخابات في العراق المحتل"، الكادر- 22/11/2004. (15) عبدالحسين شعبان، "الدستور.."، ص542. (16) للباحث، مستقبل العراق، دار المدى، دمشق1997، ص132..، ندوة احتلال العراق: محمد علي جواد، ص627..، محمد ابراهيم منصور، ص707- 708.
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقيقة هذا الهجوم البربري
-
مهمة اعمار وإدارة قطاع النفط العراقي
-
مسألة معارضة الخصخصة -التخصيص
-
صندوق النقد الدولي ومستقبل العراق
-
الدستور والانتخابات في العراق المحتل
-
المقاومة والأحزاب السياسية في العراق المحتل
-
حضارة وادي الرافدين** -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية..
...
-
التحول الديمقراطي والمجتمع المدني** -مناقشة فكرية وامثلة لتج
...
-
مأزق المرأة العراقية وقانون الاحوال الشخصية
-
جذور ازمة العنف السياسي في العراق - قراءة في المواريث التاري
...
-
مقومات التحول الديمقراطي
-
العراق المعاصر انظمة الحكم والاحزاب السياسية
-
نقد العولمة
-
الاقتصاد- النفط العراقي الى اين؟
-
الاقتصاد العراقي الي اين؟
-
الوضع السياسي في العراق
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|