|
الليبرالية الإنسانية-دعوة إلى صرخة في واد
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 1260 - 2005 / 7 / 19 - 10:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحسبها دعوة جديدة على شرقنا الكبير، إلى أفكار عرفها الإنسان الباحث عن الحرية تحت راية الإنسانية منذ قرون، ربما يصح أن نرجعها إلى عصر الثورة الفرنسية، عصر الأنوار والحرية والمساواة، تنطلق من أوروبا التي استيقظت مما بدا وكأنه سبات القرون الوسطى، ما قد يعتبره البعض مخاضاً وتخليقاً للثورة الصناعية، وما صاحبها وانبثق عنها من مفاهيم وأفكار، نقلت الإنسان أينما كان، من دور المفعول به إلى دور الفاعل، من دور الخانع للقدر وللحاكم وللطبيعة الغلابة من حوله، إلى دور الكائن الفعال سيد مصيره، الذي يتزايد دورة المؤثر، على حساب دور المتأثر. نحن نشير بالطبع إلى الحقبة التي تزايد فيها معدل الانتقال من دور المفعول به إلى دور الفاعل تزايداً كبيراً كماً وكيفاً، وبصورة غير مسبوقة، ذلك أن الإنسان في الحقيقة كان قد سار في ذلك الطريق منذ بداياته المبكرة، أي منذ انتقاله من عصر الالتقات، الذي يمكن أن نعده خنوعاً كاملاً للكون الجبار الذي وجد نفسه غارقاً في لججه، إلى ما تلاه من عصور اتجه فيها نحو المزيد من امتلاك القدرة على الفعل الإيجابي، بما يعني التحكم في مصيره. إذا كان من الجائز أن نرجع إلى عصر الأنوار والثورة الفرنسية، للتأريخ للشق الأول من دعوتنا "الليبرالية الإنسانية"، أي الليبرالية المرتكزة على الحرية، فإن الشق الثاني وهو دعوة "الإنسانية"، بمفهومها الواسع بما يمتد ليشمل الإنسان أينما كان على سطح كوكبنا، يصح أن نرجع به إلى محاولات التوحيد الإنسانية الأولى، في عصور الإمبراطوريات العسكرية، بداية من التجارب الفرعونية والأشورية والفارسية، حتى اليونانية والرومانية وما تلاها. ورغم ما قد يبدو على السطح للنظرة المتعجلة من أن تلك المحاولات الإمبراطورية لم يكن وراءها غير طموح الحكام وقوادهم العسكريين للسيطرة والنهب، إلا أننا نعرف أيضاً أن خلف الجيوش الزاحفة للغزو، بل وفي مواجهتها أيضاً، كان هناك نزوعاً إنسانياً للتوحد والانفتاح على الآخر، على الأقل بدافع من الحاجة لتوسيع مجال العلاقات الاقتصادية الآخذة في النمو والتعملق، مع ازدياد قدرة الإنسان على أن يقوم بدور الفاعل في الكون، على حساب دور المفعول به. "الليبرالية الإنسانية" وشقي الاصطلاح لا نظن حقاً أن اصطلاحنا "الليبرالية الإنسانية" مكون من شقين، فمفهوم "الليبرالية" الذي مهدنا له في مقالنا السابق "ألف باء ليبرالية"، يجعل مفهوم "الليبرالية" "إنساني" من حيث المبدأ، بما يعني أن الشق الثاني "إنسانية" مستغرق منطقياً في الشق الأول "ليبرالية"، ومع ذلك تبقى الحاجة للشق الثاني، لإعطاء منظور ومنطلق واسع للرؤية، فهذا عين ما يحتاجه شرقنا الكبير. "الليبرالية الإنسانية" والشرق الكبير يموج شرقنا الآن بدعوات الإصلاح والتغيير، ومن وجهة النظر التي نحن بصددها يمكن تقسيم تلك الدعوات إلى التوجهات التالية: • توجه محلي للإصلاح الداخلي في شبه غياب للاهتمام بالبعد العالمي. • توجه محلي أو إقليمي للإصلاح الداخلي بدعوات بطبيعتها معادية للآخر، أو على الأقل متوجسة منه، سواء كانت دعوات دينية أو علمانية. • توجه للإصلاح الداخلي كنقطة بداية، تهيئ الشعوب للانفتاح المستقبلي على العالم، كطريق حتمي للتطور والتحديث. الاتجاه الثالث هو الأقرب لمفهوم "الليبرالية الإنسانية"، مع فارق جوهري يتمثل في الاتجاه، فتوجه الإصلاح الثالث يبدأ من دوائر الانتماء الإنساني الأضيق، ليتطور نحو دوائر أوسع، فيبدأ بالإنسان في دائرة الطائفة ثم الوطن ثم الإقليم، ليصل في النهاية إلى الفضاء العالمي، فيما "الليبرالية الإنسانية" تبدأ بالإنسان في أي وكل بقعة على سطح الكوكب، لينساب الاهتمام بعد ذلك إلى الدوائر الأضيق. لماذا "الليبرالية الإنسانية"؟ نستند في دعوانا إلى زعمين: الأول يتعلق بالديناميكية: بافتراض أن التحرك من دوائر الانتماء الأضيق باتجاه الدوائر الأوسع يكون صعباً وبالتالي بطيئاً، ويتهدده العقم أو التجمد في منتصف الطريق، فالاستغراق في الاهتمام والانتماء لدائرة صغرى يحتاج إلى وقت وجهد وقصدية، ليتطور نحو دائرة أوسع، فنشر الليبرالية لتشمل أفراد وعلاقات طائفة ما، لا يكون من السهل – وإن لم نقل من المستحيل- تطويره ليشمل معها باقي الطوائف في المحيط، وهكذا. أما البدء بالتركيز على الإنسان في كل مكان باتساع المعمورة، فإن تطويره باتجاه الداخل، نحو دوائر الانتماء الأضيق، يكون طبيعياً ومنطقياً وسريعاً إلى درجة المباشرة. الأمر أشبه في الحالة الأولى بدفع الماء من أسفل إلى أعلى، فهو يحتاج إلى جهد قد نفتقده في منتصف الطريق، أما في حالة تفشي "الليبرالية الإنسانية"، فالأمر أشبه بانهمار الماء من أعلى إلى أسفل، إذ يكون تلقائياً ومباشراً بحكم الجاذبية، التي تمثلها في حالتنا هذه جاذبية حب الإنسان لذاته وأهله وذويه. فإذا نشرنا في القاهرة مثلاُ ثقافة تشعر المواطن القاهري بأخوته للإنسان المقيم في مانيلا أو بيونج يانج، فلسنا بحاجة لجهد لدفعه للاهتمام بأهل مدينته أو أبناء طائفته، أو أبناء طوائف دينية أو عرقية أخرى في محيطه، أما الاتجاه العكسي، فهو صعب بحق. الزعم الثاني يتعلق بطبيعة المرحلة، فالداء والأعراض تحدد طبيعة المرحلة -الخطيرة بحق- التي تجتازها منطقة الشرق الكبير، ونقصد بالداء تفشي الأفكار المعادية للأخر، داخل مختلف دوائر الانتماء، وطنية وقومية ودينية، بل والانقسامات السرطانية داخل الدوائر الصغرى، إلى جزيئيات أصغر، كما لو كانت جراثيم فتاكة ومتفجرة، فداخل دائرة الدين الواحد تتقاتل الطوائف، وداخل الوطن تتصادم القوى والتيارات المختلفة تنافراً دموياً مرعباً، هذا عن الداء، أما الأعراض فواضحة في المشهد الدموي الذي يبلغ أوجه في العراق وأفغانستان وفلسطين وكشمير، وينتشر منها إلى العواصم والمدن باتساع الشرق، ويمتد ليطال نيويورك ومدريد وموسكو وأخيراً لندن!! من أعراض الداء أيضاً أن العالم كله ينظر إلينا كأعداء للإنسانية، ويتركز اهتمامه في البحث في كيفية التعامل معنا، وهل سيجدي معنا اللين والدبلوماسية وسياسة الجزرة، أم أنه لابد لدرء أذانا من التعامل معنا بالعصا، وسواء استقر على هذا أم ذاك، أم المزج بينهما، فإننا صرنا في مواجهة العالم. هذه إذن هي قضيتنا الأولى، وبالتالي فلابد أن تكون هي نقطة البداية، التحول من مواجهة العالم إلى الانخراط فيه، ومن هنا لابد لنا أن نبدأ بالدعوة إلى "الليبرالية الإنسانية". علينا أن نحدد معالم أو دستور هذه "الليبرالية الإنسانية". نفعل هذا معاً، فهو جهد نظري وعملي ضخم، لا يقوم به فرد واحد أو مؤسسة واحدة. هذه دعوة لرموز الفكر الليبرالي من أبناء شرقنا الكبير، لتأسيس الدستور الجديد. دعوة لمثقفي المنطقة للمساهمة بالجهد العملي والنشر الإعلامي بكافة صوره. وطلب مني للعون والمشورة الخاصة، من كل من يتفضل بها، عبر بريدي الإلكتروني. لتكن هذه دعوة خير وصرخة في واد لن نجعلها تذهب مع الريح، قبل أن تذهب بأوتاد التخلف والكراهية
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألف باء ليبرالية
-
د. شاكر النابلسي عفواً
-
الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون
-
الليبراليون الجدد في مواجهة خلط الأوراق
-
العلمانية ومفهوم الوطنية
-
الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية
-
رسالة مفتوحة إلى د. أحمد صبحي منصور
-
العلمانية ومفهوم الهوية
-
العلمانية وجذور الصراع مع الغرب
-
شعوب الشرق وخيار شمهورش
-
الغرب والقفز إلى المجهول
-
هل يُلْدغ الغرب من جحر مرتين؟
-
البرجماتية غائبة. . ولكن
-
وطنية نعم، فاشية لا
-
الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
-
يحكى أن . . . . . .
-
الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
-
الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف
...
-
د. سيار الجميل . . عفواً
-
ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|