سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1260 - 2005 / 7 / 19 - 09:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تدخل مكتب الدكتور محمد عوض تاج الدين لا تشعر أنك في مكتب وزير، بقدر ما تتصور أنك في مكتب أحد الصحفيين، بل صحفي على باب الله وليس رئيس مجلس إدارة أو رئيس تحرير من إياهم، أي من أصحاب المكاتب الأسطورية المزودة بكل وسائل الرفاهية.
فالغرفة بسيطة جداً، وليس فيها أي مظهر من مظاهر الفخفخة والأبهة، والأثاث الموجود بها متواضع للغاية، والمكتب يكاد يختفي تحت أكوام من الكتب والأوراق المكدسة هنا والمتناثرة هناك.
ومما يضاعف الإحساس بأنك في ورشة عمل أن الرجل يتحدث مع مساعديه وموظفي وزارته – وجها لوجه أو بالتليفون – بتلقائية ودون تعالى أو غطرسة أو تكلف.
وما يجعلك تتذكر في هذا الجو الخالي من مظاهر الجاه والسلطان أنك في مكتب وزير أمران : الأول .. العلم المصري الموجود على يسار المكتب، والثاني لوحة معلقة على الحائط مزدحمة بصور وزراء الصحة الستة والثلاثين السابقين ابتداء من محمد شاهين باشا حتى الدكتور إسماعيل سلام.
وعندما دققت النظر في اللوحة وصور الوزراء الذين تعاقبوا على الجلوس على كرسى الوزارة فوجئت بصورة مصطفى النحاس باشا، واكتشفت أن "زعيم الأمة" ورجل السياسة المرموق – والذي لا علاقة له بالطب من قريب أو بعيد- كان ثاني وزير للصحة في تاريخ مصر الحديث حيث شغل هذا المنصب في الفترة من 2 أغسطس 1937 حتى 10 مايو 1939.
وإلى جانب النحاس باشا توجد أسماء أخرى لشخصيات سياسية – وليست طبية – من أمثال عبد الفتاح الطويل باشا، ومحمد كامل البندارى باشا، وحامد محمود باشا، وعبد الواحد الوكيل باشا، وإبراهيم عبد الهادى باشا .. الخ.
ولم يصبح هذا المنصب حكراً على الأطباء إلا بعد ثورة 23 يوليو 1952.
والواضح أن هذا الاتجاه لم يكون وقفاً على وزارة الصحة، بل كان اتجاهاً عاماً حيث حل الوزير "التكنوقراط" محل الوزير "السياسي". وكان السبب في ذلك – على الأرجح – هو "موت" السياسة بعد احتكار الضباط الأحرار وأهل الثقة للسلطة، وامتناع تداول الحكم بالتبعية. فأصبح وزير الدفاع ضابطاً في الجيش ووزير الداخلية ضابط بوليس ووزير الزراعة مهندساً زراعياً ووزير الصحة طبيباً .. الخ.
ولذلك فان الدهشة أصابت الغالبية العظمى من المصريين عندما زارتنا أخيراً وزيرة الدفاع الفرنسية .. لأنها سيدة، وأيضاً لأنها ليس "قائد طابية"!
وسبب الدهشة أننا نسينا – من جراء إدمان صيغة الحزب الواحد ثم التعددية الحزبية المقيدة التي لم تحل عقدة تداول السلطة – أن منصب الوزير منصب سياسي في المقام الأول ، فليست وظيفة الوزير أن ينغمس في الأمور الفنية بل وظيفته هي وضع السياسات في المقام الأول، وهذه السياسات لا تكون على هواه أو مزاجه الشخصي وإنما تكون جزءاً لا يتجزأ من البرنامج الشامل لحزبه الذي حاز على أغلبية أصوات الناخبين بناء على هذا البرنامج.
ولهذا لم يكن غريباً أن يكون النحاس باشا وزيراً للصحة رغم أن حلاق الصحة كان يفهم في الطب أكثر من عشر باشوات مثله.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟