|
المغرب:وأخيرا صادقت السلطات المغربية على القرار الأممي لحرية الدين والمعتقد
التهامي صفاح
الحوار المتمدن-العدد: 4446 - 2014 / 5 / 7 - 08:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم نكن مخطئين (أنا و أسرتي و معارفي و أصدقائي) ناظرين إلى الإيجابيات غير المسبوقة التي جاء بها دستورفاتح يوليوز 2011 في المغرب ، حين صوتنا لصالح هذا الدستور ، رغم ما يحمل من سلبيات تؤجل الانتقال الديموقراطي في ظروف دولية مضطربة . فقد نص في فصله الخامس والعشرين بكل وضوح على مايلي: "حرية الفكر والتعبير بكل أشكاله مضمونة" و المقصود بحرية الفكر هي حرية الفكربدون متاريس او خطوط حمراء او صفراء.إنها تعني حرية الدين والمعتقد . و حرية التعبير معناها حرية التعبير و ليس حرية الوقاحة أو الشتم.وحرية التعبير تعني أن لا أحد أولاشيء فوق النقد الموضوعي والمؤدب و البناء ...ولنقد مشروع لكل شخص ولكل فكر يطرح نفسه على الناس ليقنعهم بانه صحيح وأنه سيفيدهم . وحرية الفكر لايمكن ان يكون لها معنى بدون حرية التعبير ..فالخالق خلقنا كائنات مفكرة و متكلمة و أسمى من الحيوانات. و في الديباجة نص كذلك على ان الدولة تمنع و تحارب كل تمييز بسبب المعتقد او اي وضع شخصي كيفما كان من بين تمييزات اخرى كالانتماء الجغرافي مثلا و اللغوي وغيرهما . و تنص نفس الديباجة ايضا على ان القوانين الدولية تسمو على القوانين المغربية و يجب ملاءمة هذه الاخيرة فور مصادقة السلطات على اي اتفاقيات قانونية دولية او قوانين أو قرارات مثل هذا القرار الاممي لحرية الدين والمعتقد. و إعتراف الدستور باللغة الامازيغية كلغة رسمية ونص على مساواة النساء مع اشقائهن الرجال في فصله 19 وكانت السلطات قد صادقت قبل ذلك على رفع التحفظات بشأن الاتفاقية الدولية لمنع ومحاربة جميع اشكال التمييز ضد المرأة ... وفي ابريل 2014 جاء الاعلان عن مصادقة نفس السلطات من بين دول اسلامية اخرى كثيرة على القرار الاممي لحرية الدين والمعتقد .وقبل ذلك بقليل تم تعديل فصل يتعلق باغتصاب القاصرات و هوالفصل 475 من القانون الداخلي للمغرب.ونص نفس الدستور على ان الحق في الحياة هو أول الحقوق الانسانية ...الخ ايجابيات كثيرة. هذا يدعو صراحة للشعور بالارتياح...لكن كثيرين للاسف لا يفهمون الاشياء في وقتها . لازلت اتذكر احدى الصديقات من فرنسا (رغم اختلافي الفكري معها) وهي ابنة جبال الريف من اقليم الحسيمة ، حين جاءت تجهش بالبكاء ليلة الفاتح من يوليوز 2011 و تقول لي عبر الهاتف كيف يمكن ان ينجح دستور بنسبة 98% ؟ وهو ما ادهشني وانفجرت ضاحكا...لقد ذكرني بها "الامير الاحمر" هذه الايام على قناة فرانس 24 حين كان يجيب على اسئلة احدى المذيعات التي حاورته بمناسبة صدور كتابه "الامير المنبوذ" وطرح نفس السؤال قائلا :"وكانت النتيجة المعروفة نجاح الدستور بنسبة 98 % ، هل هذه نتيجة؟". لما شرحت لبنت الحسيمة الامر و قلت لها يا سيدتي كيف تقاطعي الاستفتاء مع كثيرين و تتساءلي هذا السؤال ؟ المسألة بسيطة .إنها درس صغير في الرياضيات من مستوى الابتدائي فحسب ربما نسيتيه . شوفي ، اذا كان عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية هو 14 مليون مثلا و 7 ملايين من المقاطعين ،فنسبتهم إذن هي 50 % .و اذا صوتت 7 ملايين الاخرى لصالح الدستور فهي تمثل ايضا 50 % من 14 مليون ، لكن في حساب من قالوا "لا" و" نعم" في التصويت لا يتم بالنسبة لعدد المسجلين الاجمالي في اللوائح الانتخابية و انما بالنسبة للذين صوتوا فقط ...سواء ب"لا" او "نعم ".وهنا تتدخل ما يسمى نسبة المشاركة ...فاذا صوتت 10 % فقط من 14 مليون فسيكون عدد المصوتين هو 1400000...واذا صوت كل هؤلاء ب"نعم" فإننا نقول نفس الجملة السابقة من الناحية الحسابية هكذا : بلغت نسبة "نعم" 100% .ولنفترض ان 28000 من هؤلاء (وهو ما يمثل 2% من 1400000 ) صوتوا ب"لا" فستكون نسبة "لا" هي 2% و نسبة "نعم" هي 98%......فهمت صديقتي الامر و مسحت دموعها وقالت "هاكاك؟"فقلت لها "هاكاك" (اي الامر كذلك ) ..و هدأت . و عودة لموضوعنا حول حرية الدين والمعتقد فقد ورد في مقال لي نشر بموقع الحوار المتمدن بتاريخ 04/04/2011 بعنوان "حرية الاعتقاد والدولة العصرية" تساءلت فيه هل سيادة الناس على ابدانهم ،التي منها ادمغتهم بما ان هذه الادمغة هي المكان الذي تجري فيه الانشطة الذهنية المتعلقة بالتفكير والاعتقاد ، مكفولة ؟ وعن تجريم التكفير و عن اتلاف كل الوسائط التي تدعو لتقسيم العالم الى مؤمنين و غير مؤمنين أو تدعو للكراهية والعنف و الحرب والعنصرية .هل كل هذا مكفول في الدولة التي تدعي انها عصرية ؟؟؟الخ و ختمته بالسطور التالية : "هذه تساؤلات أردت أن أشاركك فيها عزيزي القارئ ..ربما تكون عندك أنت أيضا تساؤلات مثلها. والنقاش حولها قد يساعد الدولة التي تريد أن تكون عصرية على تحقيق إستقلال آخر، زيادة على الإستقلال السياسي ، هو إستقلال الإنسان و تحريره وإنتماءه العالمي الانساني الذي يعوقه تفكير مخطئ متخلف يقول : الأرض لنا وحدنا و لقلبيلتنا وحزبنا و ليذهب صنائع الخالق الآخرون كلهم إلى الجحيم.." بعد أقل من شهرين على هذا المقال جاء الجواب مكتوبا على شكل فصول في دستورالمغرب لسنة 2011 .و بعد ثلاث سنوات فقط منه ، جاءت الآن مصادقة السلطات المغربية على قرار اممي ..وهذا شيء ايجابي لسكان شمال افرقيا كلها لا يسع المرء الا ان يهنئ هؤلاء عليه كمكتسب جدير بالتسجيل في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة . و اذا كانت هذه المصادقة على القرار الاممي لحرية الدين و المعتقد لا تفعل في الواقع اكثر من تصحيح ما كان من إعتداء بنصوص بشرية خاطئة وجاهلة للعلوم الحديثة وللارادة الالهية الحكيمة التي خلقت الانسان حرا طليقا ، فلابد من التساؤل رغم ذلك على بعض المثبطات البالية الموروثة والتي تعود الى ما قبل التاريخ للاسف والتي يجب رميها في مزبلة التاريخ ليتحقق الانسجام مع هذه المصادقة العملاقة في التاريخ الحديث لشمال افرقيا والتحول لمرحلة الدولة العصرية بالكامل دون خوف . المنتظر اذن عمل كبيرمن المتخصصين في ملاءمة قوانين القطر المغربي مع هذه المصادقة وتعديل و الغاء ما يجب الغاؤه ثم دورا للاعلام و تغييرا للبرامج الدراسية بما يتلاءم مع حيادية الدولة لبناء الانسان .والبناء المتماسك لا يمكن ان يتم الا على القواعد الصلبة والدعامات الفولاذية و هذا هوالصحيح و العادل و الصادق و المأمول في عمل من يتحملون المسؤولية. اتمنى ذلك في اقرب الاجال لأهنئ المغاربة ثانية على أي انجازعظيم آخر يبرهن ان التحول عبرالشجاعة والاقدام و الاعتراف بالحق و عدم الخوف من الحرية و من الديموقراطية ليس مستحيلا ولا يتناقض مع الامن والاستقرار والسلام ويبرهن ان المنطقة بها عباقرة يفكرون في بناء شمال افريقيا جديدة و قوية لها كلمتها في المحيط ... ربما اكون احلم .لكن الحلم افضل من لا شيء على كل حال وخصوصا اذا كان فيه الخير للجميع .كم من الاحلام كانت في الماضي يعتقد انها مجرد أوهام لكنها تحققت فيما بعد (صعود الانسان للقمر كمثال).
#التهامي_صفاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة 8 آذار مارس 2014 اليوم العالمي للمرأة
-
بوتين أو هتلر الثاني
-
روسيا راعية الإرهاب و الإستبداد
-
مَن وراء تناقضات بنكيران
-
في حرية العقيدة مرة أخرى
-
في الشرعية السياسية
-
حرية الإعتقاد و الدولة العصرية
-
أيها المستبد
-
أيها المستبد
-
متى؟
-
حيادية الدولة المنقذ للإصلاح السياسي
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|