سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 09:32
المحور:
القضية الفلسطينية
تشكل الأحداث الدامية التي جرت خلال اليومين الماضيين في قطاع غزة ، بين حركة حماس وقوات الأمن الوطني الفلسطيني منزلقا خطيرا يتجاوز أي قراءة لما جرى من منطلق الشكل الخارجي للأحداث ، باعتباره فعل ورد فعل على قيام أحد مجموعات حركة حماس المسلحة بقصف إحدى المستوطنات الصهيونية ، وإنما إلى حاجة حركة حماس لإحراج السلطة وإظهارها ضعيفة أمام الجماهير الفلسطينية وكل قواها ، بل وفي جعلها تبدو كوكيل أمني للعدو الصهيوني ، وهو ما عبر عنه بوضوح مسؤولي حماس ، عندما أشهروا في وجه السلطة تعميم وزارة الداخلية ـ الذي يبدو أنه كان بحوزتهم قبل عملية القصف ـ حول ضرورة مراعاة شرط التهدئة وذلك بمنع إطلاق القذائف تجاه المستوطنات الصهيونية .
هنا يبدو وكأن حماس أرادت وعن سبق إصرار جر السلطة إلى هذا الفخ ، في محاولة لاختبار مدى جدية ذلك التوجه من قبل السلطة ، للقول بعد ذلك أن هناك مؤامرة تقوم بها السلطة تم اكتشافها ، ومن أن حماس هي القوة المؤهلة والأقدر من غيرها في التصدي لذلك التوجه ، ومن أن هناك إرادتين متناقضتين عوض أن تكونا متكاملتين إحداهما " شريرة " إرادة السلطة والأخرى" خيرة " إرادة حماس ، وهو ما يبدو أن السلطة قد وقعت فيه .
كل ذلك يجري في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع دون استثناء عن محاذير الاقتتال باعتباره خطا أحمر كما يحلو للجميع قول ذلك ، غير أن البعض قد يعمد إلى تجاوز ذلك الخط ضمن تكتيك " اختباري " معين ومحدود من أجل فرض رؤية سياسية بعينها ، تهدف إلى خلق التناقض بين متطلب التهدئة وشرط المقاومة ، وذلك للقفز إلى نتيجة مفادها أن هناك طرفا موصوفا بذاته هو من يحمل لواء المقاومة ومن ثم فهو وحده الحريص عليها، وهو الذي يعرف بالضرورة خير البلاد والعباد دون غيره ، الأمر الذي يجعله أكثر قبولا وتأهيلا لدى الجماهير الفلسطينية ولمن يحسن القراءة في الخارج ، من أنه وحده هو صاحب الكلمة الأعلى في الداخل الفلسطيني في كل الأوقات .
ويصب ذلك في مجرى الرؤية التي تقول بأن من يملك قرار إنهاء التهدئة أو كيفية إدارة الصراع في الزمان والمكان ، هو العنوان الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه من أجل ضبط إيقاع الحالة السياسية أو العسكرية الفلسطينية ، ومن ثم فهي الرسالة الأكثر وضوحا للداخل الفلسطيني وللأطراف الإقليمية وكذلك إلى الخارج ، والتي مضمونها أن " حماس " هي من يملك قرار التهدئة من عدمه أمام سلطة ضعيفة وغير كفؤة ، زكى هذه الرؤية الذاتية حديث أحد قادة حماس إلى أحد المحطات الإذاعية بالقول من أن حزب السلطة " حركة فتح " حركة فاسدة هكذا بالجملة !!!!
ويبدو جليا أنه إذا كانت حركة فتح " السلطة حاليا " قد مارست الوصاية على القرار الوطني الفلسطيني على مدار عدة عقود ضمن ظروف وشروط ومحددات العامل الداخلي والإقليمي والدولي ، فإن حركة حماس قد أكدت تجربة الحياة في الواقع الفلسطيني الراهن بذلها كل جهد ممكن من أجل رهن والاستحواذ ليس على قرار الكفاح الوطني الفلسطيني واستخدامه لخدمة أهدافها السياسية الحزبية فحسب رغم أي حديث بعكس ذلك ، وإنما على مجمل الحالة الفلسطينية بكل مفرداتها باعتبارها سلطة موازية .
فتجربة الانتخابات البلدية وما واكبها وتلاها قد أكدت أن حماس لديها أجندتها الخاصة التي من خلالها تحاول تكريس نفسها كمظهر عام وأول في الواقع الفلسطيني ، وإذا كان من حق كل قوة أن يكون لديها برنامجها الفكري والسياسي والكفاحي والاجتماعي ، إلا أنه ليس من حق أحد تجاهل القوى السياسية الأخرى بما فيها حزب السلطة ، لأن ذلك يعني الانقلاب على الواقع الفلسطيني ، وهو لذلك دعوة إلى تجاوز التنافس بين كل مكونات المشهد السياسي الفلسطيني في إطار الائتلاف الوطني العريض بمحدداته المشروعة إلى تخوم الصراع الداخلي بما يحمل ذلك من محاذير قد تقود بالضرورة في أحد محطاتها إلى تغليب مصلحة الحزب القبيلة على مصلحة الوطن .
ومع ذلك فإنه إذا كان من حق السلطة الوطنية " حركة فتح " باعتبارها منتخبة وشريك أساسي في الفعل الكفاحي ومعنية بإدارة شؤون المجتمع الفلسطيني ، القول بأنها حريصة على استمرار التهدئة كون قرار التهدئة هو قرار إجماع وطني شارك الجميع في التوافق عليه ، ولذلك لا يجدر لطرف بعينه ادعاء الحرص أكثر من غيره على المصلحة الوطنية والتصرف به بمفرده ، إلا أنه بالمقابل يصبح من حق المواطن الفلسطيني وجميع القوى السياسية على السلطة أن تتحمل مسؤولياتها كجهة اعتبارية إقليمية ودولية في منع استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني لأن التهدئة ليست بدون ثمن وليست قرارا مفتوحا إلى مالا نهاية وإنما يبقى محكوما بالشروط التي أنتجته وينتهي إذا لم تتحقق تلك الشروط .
غير أن من يملك التقرير في أن تستمر التهدئة أو أنها لم تعد قائمة هي نفس القوى التي أخذت في البدء قرار التهدئة وليس طرفا بعينه ، ولا يحق لأحد أن يدعي بمفردة مكنة التقرير في استمرار التهدئة من عدمها ، بل ويجب أن يتم الاتفاق في إطار وطني شامل على كيفية إدارة الصراع في كافة أشكاله وفق أجندة وطنية تحكمها مصلحة الوطن وليس مصلحة هذه القوة أو تلك ، لأن تبعات ذلك القرار تمس مصالح كل الشعب الفلسطيني ، ويجب على الجميع أن يتحمل المسؤولية في ذلك وعن ذلك .
ومع إدراكنا لكل أبعاد المشهد والظروف التي أنتجت السلطة ، وأن الوطن بكليته لا زال تحت الاحتلال ، إلا أن معيار المشروعية لأي سلطة في المحصلة النهائية هو في قيامها بالدفاع عن مواطنيها في وجه أي اعتداء ، ومن ثم حتى تكون السلطة هي لكل أبناء الشعب الفلسطيني ، من أجل أن يلتف حولها ، فإن عليها أن تقنع الجميع بأنها قادرة على توفير الحماية والأمن له ، حتى لا تضع نفسها في مقارنة مع أي قوة سياسية أخرى في معرض من هو الأقدر على حماية والدفاع عن المواطن الفلسطيني ، لأن المعادلة في الواقع ليست بهذا الشكل على الإطلاق ، إلا أن بعض الأطراف تريد أن تزرع هذا المفهوم في عقول المواطنين تهيئة لاستحقاقات سياسية حزبية قادمة .
وفي كل الأحوال وأيا كانت نوايا هذا الطرف أو ذاك ، أو مدى وسقف أجندته السياسية باعتباره حقا مكفولا له ولغيره من كل القوى السياسية، يجب أن لا تستمر العربدة الصهيونية دون رادع وطني عام ، باعتبار أن الرد يجب أن يكون وفق أجندة وطنية عامة وقرار وطني عام بحيث لا يترك لكل قوة مهما كان حجمها في الواقع ،أن تختزل القوى الأخرى في قرارها خدمة لأهدافها ، دون مراعاة لأبجدية قواعد العمل الوطني المشترك .
وإنه لمن المبكر على الأقل راهنا الحديث عن تحرير كامل للقطاع حتى تبدأ حسابات الحقل وحسابات البيدر لدى بعض الأطراف الفلسطينية التي لم تخف نواياها وأهدافها الذاتية المغلفة بالحرص الوطني العام ، فالاحتلال لا زال قائما ، ومن ثم لا يمكن الركون إلى خلو القطاع بمداخله ومخارجه من قبضة الاحتلال حتى تجري حسبة المغانم ، لأن الثابت حتى الآن أن مشروع الخروج الصهيوني من داخل القطاع لا يمكن أن يندرج في إطار الانسحاب بمعناه السياسي والقانوني دون سيطرة فلسطينية كاملة على حدود إقليم غزة كاملة ، و إلا لن يكون ما سيجري في منتصف آب القادم أكثر من إعادة انتشار لقوات الاحتلال والتي ستحول إقليم غزة إلى سجن كبير مع استمرار احتلالها للماء والسماء .
ومن ثم فإنه من المعيب بعد كل ذلك أن ينشدّ البعض إلى مصالحه الحزبية الضيقة ، ليكون ذلك مدخلا لأن يوجه السلاح الفلسطيني إلى صدر المواطن الفلسطيني من أي جهة كان ، وكأن البعض قد فقد القدرة على قراءة اللحظة السياسية وحجم التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني المحمل بعبء الاحتلال والفوضى والفساد والأجندات الخاصة والتي جعلت التنافس بين بعض القوى السياسية مع استمرار التعبئة والتحريض المقيت وفق منهج يحط من قدر الآخر من أجل إقصائه ، يخرج أحيانا عن مساره ضمن قواعد الحياة الديمقراطية ليبلغ حد الصراع ، والثمن دائما دم الفلسطينيين .
هنا بات مطلوبا من الجميع رفع الصوت بالقول أن كلمة الشعب الفلسطيني بإجماعه الوطني شاملا كل ألوان طيفه الفكري والسياسي هي وحدها الأعلى ليس غير ..
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟