|
! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1259 - 2005 / 7 / 18 - 07:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلما نقول للأعور.. »أنت أعور«.. في عينه.. وننتقد البلادة والجمود وتصلب شرايين الأداء الحكومي في مجالات ومناسبات كثيرة.. يجب ألا نتجاهل الايجابيات والتطورات الجديدة. ورغم أننا سئمنا من سنوات طويلة نمسي فيها علي ما نصبح عليه حتي كاد التغيير يعتبر من رابع المستحيلات.. فإن الاسابيع والشهور القليلة الماضية شهدت تغيرات دراماتيكية وصلت إلي ذروتها بمبادرة تعديل المادة 76 من الدستور التي تتيح للمصريين - لأول مرة في تاريخهم الطويل - انتخاب رئيسهم من بين أكثر من مرشح. بعدها تتابعت التطورات.. ودبت الحياة في جسد السياسة التي دخلت ثلاجة الأموات منذ عقود.. وبين التقدم خطوة إلي الامام والتراجع خطوتين إلي الوراء.. والشد والجذب والأخذ والعطاء.. والتوصل أحيانا إلي حلول وسط ومساومات والتقاء في منتصف الطريق.. والوصول أحيانا أخري إلي طريق مسدود وتمزق خيوط الحوار.. أصبح المشهد المصري حافلا بالجديد كل يوم حتي لو كان هذا الجديد حسنا في بعض الأحيان وتعيسا في أحيان أخري، وحتي لو تجاوز الجدل السياسي الخطوط الحمراء أحيانا وتحول إلي تلاسن وضرب تحت الحزام. وفي سياق هذا المناخ المتسم بالسيولة الشديدة في الداخل، والتي تغذيها مستجدات اقليمية دولية ضاغطة من الخارج، وقعت مأساة السفير ايهاب الشريف. وكان أداء وزارة الخارجية المصرية سيئا جدا في رأي الكثيرين، وكاتب هذه السطور منهم، سواء قبل تراجيديا اختطاف السفير المصري أو اثناءها أو بعدها. وكتبت رأيي في هذه الكارثة تحت عنوان »ثلاثية الحزن والسخط والدهشة«، حيث طالبت بعدم الاكتفاء بذرف الدموع علي الدبلوماسي المصري الشهيد، وبعدم الاكتفاء بصب اللعنات - المستحقة - علي عصابات الزرقاوي الارهابية وعلي حكومة ابراهيم الجعفري العاجزة حتي عن حماية نفسها وعلي قوات الاحتلال الأمريكية التي جلبت الارهاب إلي بلاد الرافدين في أذيالها. وقمت بتحليل عناصر الضعف في أداء وزارة الخارجية المصرية في إدارة هذه الأزمة الخطيرة التي مثلت اهانة لكل المصريين ولطمة لدور مصر الاقليمي واستهانة بمكانتها الدولية. وخلصت إلي المطالبة باستقالة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط باعتباره المسئول عن الدبلوماسية المصرية. وفوجئت بالاستاذ مفيد فوزي يتصل بي، بعد نشر هذا المقال ويطلب مني الحديث عن الموضوع ذاته في برنامجه التليفزيوني الشهير »حديث المدينة«. وقد كان وكانت المفاجأة الثانية أن التليفزيون المصري، المملوك للدولة أذاع ما قلته كاملا علي القناة الأولي بما في ذلك مطالبتي باستقالة وزير الخارجية. وفي حدود علمي فإن هذه هي السابقة الأولي، حيث لم يحدث من قبل أن سمح التليفزيون المصري باذاعة مثل هذه الانتقادات الحادة لأحد أركان الحكومة.. وكانت المفاجأة الثالثة.. ان الاستاذ مفيد فوزي لم يكتف بعرض مداخلتي بهذا الصدد، بل استضاف وزير الخارجية احمد ابو الغيط ووجه اليه معظم الاسئلة التي تدور علي ألسنة معظم المصريين، بل ومضي ابعد من ذلك ليطلب رده علي مطالبتي له بالاستقالة. ورد الوزير باستفاضة علي كل ذلك، وهو رد يستحق تعقيبا مطولا ليس هذا مجاله. لكن الاهم من السؤال والجواب هو هذا التطور في موقف التليفزيون المصري. فقد كان نقد الحكومة يعتبر رجسا من عمل الشيطان لا يرضي التليفزيون المصري اقترافه. ومهما كان الرأي العام يقوله او يفكر فيه.. فان التليفزيون كان يصنع اذنا من طين واخري من عجين ازاء حديث المدينة والقرية ويكتفي باجترار الشعارات البيروقراطية التي تقسم علي المصحف والانجيل ان كل الامور تمام وان جميع الانتقادات والتساؤلات التي تتردد علي كل لسان من الاسكندرية الي اسوان مجرد كلام فارغ لفئة مارقة واقلية مندسة! الآن.. رأينا سلوكا مختلفا للتليفزيون فهو اولا لم يتجاهل محنة اختطاف السفير ايهاب الشريف وتطوراتها الكارثية بل تعامل معها بسرعة رغم بعض الارتباك والتهتهة في بداية الامر. واتخذ اجراءات تلائم اجواء هذا الحدث الجلل منها إلغاء حفل المنوعات الذي كان مفترضا اذاعته علي الهواء بمناسبة مهرجان التليفزيون في نفس ليلة الاختطاف. ثم فتح الباب امام اشكال متنوعة للمعالجة الاعلامية لهذه القضية المعقدة. وكان الجديد -كذلك- ان هذه المعالجات التي بدأت في اول الامر بترديد وجهة نظر وزارة الخارجية وإعادة إنتاج بياناتها الركيكة والمتناقضة انتقلت الي استشراف وجهات النظر الاخري بما فيها التقييمات التي تنتقد اداء وزارة الخارجية وسلوك الحكومة ازاء هذه الازمة الخطيرة. وفي سياق هذا التوجه الجديد غير المألوف سابقا من التليفزيون المصري أمسك الكاتب والمحاور اللامع مفيد فوزي زمام المبادرة واستمع جيدا الي نبض الرأي العام واصغي باهتمام الي حديث المدينة والقري والكفور والنجوع واعد حلقة رائعة غزل فيها بمهارة وحرفية عالية واحساس مرهف وذكاء حاد خيوط بكائية ملحمية امتزج فيها »وجدان« المصريين الطيبين مع »فكر« النخبة المثقفة، وانصهرت فيها »مشاعر« وأحزان أسرة السفير الشهيد مع »آراء« المفكرين والمحللين والكتاب، وتكاملت فيها التساؤلات الحائرة والغاضبة للناس العاديين ــ مثلي ومثلك ــ مع الردود الدبلوماسية للوزير المسئول. وبطبيعة الحال فإن مفيد فوزي هو أول من يستحق التحية علي هذا »الاختراق« الإعلامي، الذي اثبت به أنه مازال »شابا« بكامل لياقته الإعلامية وحساسيته الصحفية المرهفة لنبض الناس ولما تجيش به صدورهم في لحظات عصيبة، تتراجع فيها هموم الحياة اليومية التي تحاصر المواطن المصري من الاتجاهات الاصلية الأربعة امام غيرته علي كبريائه الوطني وكرامة بلاده. ويستحق التحية ــ كذلك ــ أنس الفقي وزير الإعلام.. الذي لم يعترض علي هذه المبادرة التي تبناها مفيد فوزي، بل وافق علي اذاعة انتقادات حادة لوزير في الحكومة، ولسياسات تعتمدها الحكومة الحالية، ورفض تدخل مقص الرقيب لحذف مطالبة صريحة باستقالة وزير الخارجية. هذه سياسة جديدة تحدث لأول مرة، صحيح أنها لم تحدث فجأة وانما سبقتها ارهاصات ومقدمات وبرامج اكثر انفتاحا امام الآراء المعارضة، ومنها علي سبيل المثال برامج الاستاذ عبد اللطيف المناوي، لكن اظن انه لم يسبق للتليفزيون المصري ــ منذ انشائه في الستينيات حتي الآن ــ ان فتح الباب علي هذا النحو امام وجهات نظر بعض أولئك الذين لا يحبون النوم في سرير الحكومة. وهذه الاشادة بانفراجة أنس الفقي لا تعني أنها غاية المراد من رب العباد.. هي بالأحري مجرد بداية نرحب بها ونطالب بالمزيد، لأن حل مشكلات هذا الوطن لن يتأتي سوي بالحوار الحر والصريح بين كل المصريين علي اختلاف منطلقاتهم الفكرية وتنوع توجهاتهم السياسة، دون ادعاء من أحد باحتكاره للحكمة أو امتلاكه للحقيقة المطلقة. ولعل الجدل الصريح الذي دار علي الهواء، من خلال برنامج مفيد فوزي »حديث المدينة« أو غيره من البرامج، بين وزير الخارجية وبين المنتقدين لاداء وزارته ولكيفية ادارتها لازمة السفير ايهاب الشريف، ان يقدم اسهاما ــ ولو متواضعا ــ في تصويب سياستنا الخارجية تجاه احدي القضايا المهمة، مثل المسألة العراقية. فبمثل هذا الصراع المتحضر بين الآراء المختلفة.. تتقدم الأمم.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
-
لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
-
إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
-
مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم
...
-
إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
-
تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
-
طوارئ.. في دارفور فقط
-
الهموم الأكاديمية في حوار ساخن بالتليفزيون المصري
-
»إبن الحداد« أطاح بــ »شاه إيران «الجديد
-
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
-
اعتذار.. لفنان محترم
-
السياسة المصرية خرجت من غرفة الإنعاش.. وهذا هو المهم
-
مبادرات علي الهواء
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|