أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. التواصل المخيف بين جانبي المرآة















المزيد.....

رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. التواصل المخيف بين جانبي المرآة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1258 - 2005 / 7 / 17 - 11:47
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ليس في عنوان (مرآة 202) ما يثير دهشة قراء مصطفى ذكري, الكاتب و السيناريست المصري الشاب المفتون بالسيمترية و ببيتها الأمثل, المرآة. فالمرآة هي موطن السيمترية النموذجي, حيث التطابق المذهل مع القلب الوحشي للاتجاهات متجاوران في نفس الفعل. يقرر الراوي في رواية ذكري الأخيرة (مرآة 202), الصادرة عن دار ميريت, أن يكتب كتاباً (عدد صفحات الكتاب 202 صفحة, 100 صفحة قبل صفحة المنتصف و 100 صفحة بعد صفحة المنتصف, و صفحة المنتصف تحمل رقمي 101 و 102. ال100 صفحة الأولى بمثابة مقدمة لوجه صفحة المنتصف 101 و ال100 صفحة الثانية بمثابة تعقيب لظهر صفحة المنتصف 102, لا نستطيع بقراءة المقدمة و التعقيب معرفة مضمون صفحة المنتصف متعذرة الفهم... و بقراءة صفحة المنتصف, ذات المنطق الواضح كمرآة يحدث الندم على الجهد المبذول دون طائل في ال100 صفحة الأولى و ال100 صفحة الأخيرة). هنا.. في هذا التخطيط تقوم صفحة المنتصف بدور المرآة, تعكس على جانبيها نصين مستقلين بشكل تام "المقدمة و التعقيب" غير أنه لا يمكن حل شفرتيهما إلا عبر الرجوع إلى صفحة المنتصف التي يقفان منها على مسافة متساوية تماماً.. ما يقدمه لنا مصطفى ذكري في (مرآة 202) هو كتاب نصفه الأول عبارة عن قصص قصيرة أما النصف الثاني فعبارة عن قصتين طويلتين. الطريف أن القصتين الطويلتين ما هما إلا تجميع حاذق للقصص القصيرة في النصف الأول, و تضمينهما في نصين طويلين. هو الانعكاس غير الملتزم للمرآة, التي تقع – افتراضاً- في منتصف الكتاب. لم يتعلم مصطفى ذكري هذه التقنية الآن, بل ربما منذ كتابه الأول (هراء متاهة قوطية) و الذي كان في أجزاء كثير منه تجميعاً لومضات و نصوص قصيرة من مجموعته و كتابه الأول (تدريبات على الجملة الاعتراضية), فهل كان الكتابان الأولان جانبين لمرآة تمر بينهما كحد السيف؟ يدرك الراوي في (مرآة 202), و أعتقد أن مصطفى ذكري يوافقه في هذا, أنه رجل البدايات الأول. يقول الراوي في أول (مرآة 202): (لطالما قطعت البدايات بعزم و أمل مهملاً تنظيم الطاقة التي تنفد بعد وقت قصير). هذا سطح واحد من المرآة, أما السطح الآخر, الذي يجيء في نهاية الكتاب فيقول فيه الرواي متناولاً نفس المشكلة التي تناولها في النصف الأول من الكتاب(عدم تمكنه من إكمال عملية نقل أرقام أجندة تليفونات قديمة إلى أجندة أخرى حديثة). يقول الراوي: (يقولون عني أنني منجز بدايات عظيم. آه بدايات فقط). هذه البدايات, الومضات أو القصص التي يبرع في صياغتها مصطفى ذكري إلى هذا الحد, هي ما تغريه بتجميعها في نصوص طويلة. أي تغريه بكتابة نص عبارة عن بدايات فقط, و لا يتواصل ابداً. من هنا تأتي حيوية النص الفائقة و انفتاحه الدائم. و من هنا أيضاً يأتي التشظي الفاتن له. ليس هذا فقط, بل تأتي كذلك إشكالية عدم الجزم إن كان من داخل المرآة هو الحقيقة أم الانعكاس. هل يجوز القول مثلاً أن النص الطويل في منتصف الكتاب الثاني هو عبارة عن تجميع للقصص القصيرة في النصف الأول أم القول أن القصص القصيرة في النصف الأول هي مقتطفات من القصة الطويلة في النصف الثاني. ليس هناك من يقين بأي الجانبين هو "الأصل" و أيهما هو "الانعكاس". نرى الرواي في قصة قصيرة و في مشهد متضمن في القصة الطويلة يتفحص إحدى كتفيه فيجد الكتف اليمنى أعلى قليلاً من الكتف اليسرى. و لأجل مواجهة هذه المشكلة يقرر رفع اليسرى قليلاً فيجدها قد صارت أعلى من اليمنى. من هنا يستخلص استنتاجه "أنني في اللحظة التي فكرت فيها برفع الكتف اليسرى لتستوي مع الكتف اليمنى كانت الكتفان مستويتين متزنتين". ليس هناك من أصل ثابت, فالأصل يتراوح موقعه بين الطرفين, من بداخل المرآة و من بخارجها, بسهولة و نعومة. هكذا يثأر مصطفى ذكري للحلم من الواقع, عبر سؤال بسيط "ما الفرق في أن يطمس النسيان حلماً واقعيا أو حلماً؟" فالزمن يمحو دون تميز صفات الواقع والحلم, يمحو منطقية و صلابة الواقع , كما يمحو كثافة و تشويش الحلم. عبر هذا ينتقل ثقل الكتابة في أحيان كثيرة كذلك إلى الأحلام, و إلى حلم مصطفى ذكري المفضل: الأسطورة الشعبية عن العفاريت ذوات سيقان الماعز و الرجل الذي يفر منها فلما يجد رجلاً آخر يحدثه عن المكان المسكون بالعفاريت و كونه عرفهم من سيقانهم المشعرة كسيقان الماعز.. و عندئذ يرفع الآخر جلبابه عن ساقيه المشعرة كساقي المعيز و يقول له.. مثل هذه؟ هنا, و ثانية, تعاودنا المرآة. فكأن الرجل الجاري من العفاريت هو سطح المرآة و كأن العفاريت ذوي سيقان الماعز هم جانب المرآة و كأن الرجل الذي كشف عن ساقيه التين تشابهان ساقي الماعز هو الجانب الآخر من المرآة. و ليس هناك فارق بين من داخل المرآة و من خارجها, فالكل عفاريت. ليس هناك من فارق بينهما سوى في الوعي السابق بأن ثم جانباً أصلياً (بشرياً) و الآخر انعكاساً (عفاريت), هذا الوعي الذي تكذبه المرآة بكل شراستها, حيث ينتقل ثقل الواقع إلى الحلم كما تنتقل هشاشة (تكثيف و تشويش) الحلم إلى الواقع.
ليس هذا هو السبب الوحيد فقط لإعجاب مصطفى ذكري بهذه القصة الشعبية, فالأسطورة تكشف عن تصور بديع في الثقافة الشعبية و في التخيل الشعبي لعالم الجن و العفريت. إذ ما أن يكشف الرجل عن ساقيه المشعرتين حتى يفر الآخر هارباً فيطلق العفريت المتنكر ضحكاته الجنونية الساخرة من عجز البشر و ضعفهم. أي أن العفريت لم يؤذ الإنسان. أخافه فقط. هذا هو الخوف الذي ينقله مصطفى ذكري بحرفية عالية. فلا أذى مادياً قد تحقق هنا ولا أذى مادياً قد تحقق من مدام نانا في رواية (الخوف يأكل الروح) إذ كانت تحتفظ في بيتها بالراوي و تمارس عليه كل قدراتها الشبحية و افتتانها الملغز بالفن, الافتتان الذي يقرب حد قتل زوجها لكي تحاكي فيلما سينمائياً (اي تنقل ثقل الفن إلى الواقع.. أي تمحي التمييز بين من بداخل المرآة و من بخارجها). ليس في قصص مصطفى ذكري عنف أو أن العنف لايقع على الرواة أبداً. ما يقع عليهم هو شعورهم المقبض بأنهم ملك لأشباح و أنه ليس لهذه الأشباح من مهمة سوى إخافتهم و تعذيبهم بغموضها و بغيريتها و ببرودها, بإشعارهم بأنهم قد وقعوا في عالم كامنة فيه احتمالات بلا عدد. الكمون هو الرعب, حيث لا احتمال واحد من هذه الاحتمالات يتحقق. فقط يظل الخوف مفتوحاً بلا مسبب مادي أمام أعيننا .. مثلما أن الأب يؤدي عبارة واحدة (هيه.. كدا.. يا دنيا). يقول العبارة الحزينة و المرهقة بنشاط و حيوية و هو يعد واجباته الصباحية. أي: بمعزل عن الأسباب الكئيبة التي دفعته لقولها قديماً و لاتخاذها لازمة له. و هذا يدفع لأم لتردد العبارة بعد رحيل الأب, أي بعد رحيل مسبب العبارة و قائلها كذلك. فلا يتبقى إلا أثر الأثر. أثر و لمسات العالم الغريب الذي جاءت منه شخصيات مصطفى ذكري و الذي ستذهب إليه. و ما بين طرفي المرآة, العالمين الغريبين, عالم الأصل و عالم المآل, تقع الشخصيات. تواجه رعبها في عالمها الذي هو دائماً بين بين.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوال علي و سوزان مبارك.. كيف تستخدم -نسوية- النساء في مظاهرا ...
- - مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتو ...
- سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة ...
- ثلاث صفحات فارغة
- عبد مجوسي الذاكرة و قال كلمات
- لحظات لا يستحب فيها الإسهاب
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - رواية مرآة 202 لمصطفى ذكري.. هوس البدايات غير المكتملة.. التواصل المخيف بين جانبي المرآة