محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 4439 - 2014 / 4 / 30 - 17:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من القرآن ما هو منسوخ (أي ملغى) لكنه باقٍ كنص مقدس ! ومنه ما هو مفقود ، إما لأن عثمان أمر بحرقه (كما تُجمع كل الروايات) لسببٍ غيرِ مقنع ، أو انه مفقود لعدم العثور أصلا على بعض الرقاع التي كان مدوّنا عليها ، ومما يذكر في هذا الشأن أن نسخة الإمام علي ونسخة عبد الله بن مسعود – وهما من كتبة النص القرآني – قد اختفتا ، ومعروف ما بين (تيار)هذين الصحابيين وبين (تيار) عثمان وبني أمية من شقاق العصبية القبلية ، التي اتخذت لنفسها منحىً أيديولوجياً تناحريا في فهم النص القرآني والعمل به .
ومن المعروف أنه مع استقرار المسلمين في مدينة يثرب بعد الهجرة ؛ جرى استنساخ كثير من التقاليد والافكار التوراتية من يهود يثرب كالختان وتبخيس النساء ، ومن بين ما استنسخه نبي الاسلام من اليهود عقوبة (الرجم) حيث كان الرجم قد نُص عليه في كتاب العهد القديم (التوراة) . فمما تضمنته التوراة اليهودية في الرجم ما نصه : " إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل ، فوجدها رجل في المدينة ، واضطجع معها ، فاخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة ، وارجموهما بالحجارة حتى يموتا ، الفتاة لأجل أنها لا تصرخ ، والرجل لأنه أذل امرأة صاحبه " / سفر التثنية . غير أن اليهود كفوا عن تطبيق عقوبة الرجم .
ومما يفهم من الروايات المنقولة عن عائشة أن آية الرجم كانت مما يقرأ من القرآن ، غير انها فُقِدت ضمن ما فُقِد من الرِّقاع المدون عليها بعض النصوص القرآنية ؛ ومنها نص الرجم ونص رضاع الكبير ؛ فقد أورد ابن الجوزي عن عائشة انها قالت : " نزلت اية الرجم ورضعات الكبير عشر ، وكانت في ورقة تحت سرير بيتي ، فلما اشتكى رسول الله (في المرض الذي انتهى بوفاته) تشاغلنا بأمره ، فأكلتها ربيبة لنا (تقصد عنزة كانت تربيها) فتوفي رسول الله وهما (أي آيتا الرجم ورضاع الكبير) مما يقرأ من القران " . ليس هذا فحسب ، بل إن الطبري أورد نقلا عن عائشة و آخرين أن سورة الاعراف (مثلا) كانت تُقرأ وهي اطول بمثليْ طولها في مصحف عثمان . ومن المعروف أن عثمان أمر بحرق الكثير من النصوص التي دوّنها كتبة القران ، بدعوى افتقادها للدقة .
وبصرف النظر عن حكاية ما نسخ - من القرآن - حُكماً وبقيت تلاوته ، وما نسخت تلاوته وبقي حكمه ، فهذه ليست سوى هرطقة وتأويل للترقيع لا غير . فإنه فيما يخص آية الرجم ، وجد أبو موسى الأشعري حلاً مناسباً للمشكل ، حيث قال بان الاية نزلت .. ثم رُفعت ، مثلها في ذلك مثل اية الغرانيق . ففي رواية (زر) أن الاية كانت : " اذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " ، اما في رواية عيينة عن الزهري فإن آية الرجم كانت : " الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا اللذة " .
أما آية الغرانيق ، فقصتها أن نفراً من قريش طلبوا الى النبي محمد الاعتراف بآلهتهم حتى يستجيبوا لدعوته ، وبينما كان يوما يصلي بالكعبة .. قرأ الآية " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى (ثم تابع القراءة) تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " . وما أن سمع أولائك النفر تلك التلاوة - التي تعترف بآلهتهم - حتى بادروا للصلاة وراءه . غير أن محمدا عاد لاحقا الى النص الأصلي بعد أن عاتبه الرب على فعلته . فآية الغرانيق إذن نزلت ثم رُفعت " افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى (تلك الغرانيق العلى ، وان شفاعتهن لترتجى) " . ولقد جاءت فيما بعدها الاية رقم 73/74 من سورة الاسراء ، تعاتب محمدا على مسايرته المشركين وتقويل الله ما لم يقله : " وإن كانوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره " . وهكذا استبعدت اية الغرانيق باعتبارها من وحي الشيطان وليست من وحي الله .
وعودة الى حد الزنا ، الذي استبدل بالجلد عوضا عن الرجم ، فمن المعروف ان الخليفة عمر بن الخطاب كان قد درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة في واقعة زنى ثابتة مع ام جميل بنت عمرو ، وذلك حفاظا على كرامة المغيرة باعتباره من كبراء القوم . والحادثة كما ترويها كتب التراث هي من العري وبذاءة القول بحيث اعف بنفسي عن نقلها هنا التزاما بأدب الخطاب واحتراما للذوق العام .
لكن لا بأس من الاشارة هنا الى أن واقعة الزنا لا تثبت بما يوجب إقامة الحد شرعا إلا بإحدى وسيلتين اثنتين ، هما في حكم المستحيل : إما بالاعتراف الصريح والاصرار عليه ! (وهذا ما لا يمكن أن يفعله انسان سويّ) ، وإما بتوفر شروط شهادة اربعة شهود عدول ، يجمعون على معاينتهم واقعة ممارسة الجنس بالصورة التي تحاشيت نقلها في قصة درء الخليفة عمر إقامة الحد عن السيد المغيرة . والطريف أن عمراً أمر المغيرة بجلد الشهود الاربعة .. ردا للاعتبار !
ولأن كثيرا من النصوص القرآنية كانت تلبية لمعالجة أوضاع وظروف طارئة وآنيّة .. تنتهي بانتهاء تلك الاوضاع والظروف ، كآية زواج المتعة مثلا " فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن " ، فقد كانت مسألة الناسخ والمنسوخ علاجا تفسيريا (او تبريرا) للتناقض بين أحكام تلك النصوص .
وبصرف النظر عن آية زواج المتعة (التي يعتبرها الشيعة غير منسوخة) وما تتضمنه من تبخيس للمرأة كأداة متعة مدفوعة الأجر ؛ فإن ثمة نصّا قرآنيا يتسامح الى أبعد حدود التسامح .. بمقاييس عصره – بل وبمقاييس هذا العصر في اغلب المجتمعات الاسلامية والشرقية – وهو الايات الواردة في سورة النساء بالنص الحرفي : " واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم ، فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم ، فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا " . فالله هنا لا يامر بإنزال أي عقاب بالنساء المنفلتات جنسيا .. رغم ثبوت الفعل عليهن ثبوتا قطعيا . ثم تمضي الآية لتقول : " واللذان يأتيانها منكم فأذوهما ، فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما " . فالقرآن هنا يتسامح مع الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج ، فلا يتعدى عقاب المرأة (مرتكبة الفاحشة) مجرد إمساكها في بيت ذويها ، حتى الوفاة .. أو الحصول على مخرج (ربما بالحصول على زوج يرضى بها) . أما من يُضبطان في علاقة جنسية خارج الزواج (فاحشة) فعقابهما هيّن ليّن ، لا يخرج عن (الايذاء) البدني او النفسي البسيط ، مع التسامح الكامل في الأمر والتغاضي عنه جملة و تفصيلا ، في حالة التوبة (أي العودة) عما كانا يرتكبانه من الممارسة الجنسية غير الشرعية (الفاحشة او الزنا) . وذلك بصريح قول الله في هذه الايات من قرآنه . فلماذا يبطل المسلمون العمل بهذا الوحي الالهي المتسامح الرحيم ، ولا يعملون الا بالنصوص العنفية ؟!
لكن السؤال الموجه الى المسلمين بالصدفة - بحكم الوراثة عن آبائهم وامهاتهم - والذين لا هم ولا شاغل لهم غير نصفهم الأسفل ، فهو : إذا كان ثمة آيات منسوخة (اي ملغاة) وهي فعلا موجودة ؛ فلماذا كان الإبقاء عليها أصلا لتسبب كل هذه البلبلة والمعارك اللامجدية والفتن الطاحنة ؟ أما كان الأَولى استبعادها منذ البداية من النسخة المنقحة للقران ما دام المؤلف قد غيّر رأيه أو رجع في كلامه و ما دام واضع التشريع قد ألغى حكمها (أثرها التشريعي) واستبدلها بآيات أخرى تحمل أحكاما مغايرة سارية المفعول ؟ .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟