أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد رفعت الدومي - محاكمة دنشطاي















المزيد.....

محاكمة دنشطاي


محمد رفعت الدومي

الحوار المتمدن-العدد: 4438 - 2014 / 4 / 29 - 07:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الذي مات هو القاتل يا قيثارتي، و مغنيك انتصر، إفتحي الأبواب يا قريتنا، إفتحيها للرياح الأربع،

ودِّعي خمسين جرحا يتوهّج،

" كفر قاسم " ..

قرية تحلم بالقمح ، و أزهار البنفسج،

و بأعراس الحمائم ,

احصدوهم دفعةً واحدةً، احصدوهم.. حصدوهم !

ولدت هذه القصيدة علي أصابع " محمود درويش " من رحم مجزرة " كفر قاسم " التي عصفت عام " 1956 " من كل الجهات بـ " 48 " رقماً فلسطينياً، أضيف إليها فيما بعد رقمٌ لجنين كان يسكن رحم رقم أنثوي من ضحايا المجزرة، أرقام كالعادة، أرقام فقط !

و الفلسطينيون في ذلك العهد، كانوا أحسن حظاً من المصريين الآن علي كل حال، فالمذابح في " مصر " أصبحت تقليداً يعصف بمئات الأرقام المصرية، و بالقانون !

الحديث شجون ..

و أثر قصيدة " شنق زهران " للشاعر الكبير " صلاح عبد الصبور " يبدو واضحاً أكثر مما ينبغي في هذه القصيدة المبكرة في ديوان " درويش "، التي يقول " عبد الصبور " فيها :

قريتي من يومها لم تأتدم إلا الدموع، قريتي من يومها تأوى إلى الركن الصديع، قريتي من يومها تخشى الحياة ..

كان " زهران " صديقاً للحياة، مات " زهران " وعيناه حياة، فلماذا قريتي تخشى الحياة ؟!

قد يكون هذا التشابه في أجواء القصيدة و امتداداتها، تعقيباً ضرورياً علي أن المآسي المتشابهة تستهدف في الأعماق نقاطاً متشابهة، و لعله نزق البدايات ما دفع " محمود درويش " إلي استدعاء حادثة " دنشواي " بوضوح في قوله " أعراس الحمائم "، كأنما يرثي قتلي " دنشواي " لا قتلي " كفر قاسم "، فالحمام هو بطل قصة " دنشواي " بالتأكيد ..

و " محمد درويش زهران "، ممدوح " صلاح عبد الصبور " في القصيدة، و أحد الأبطال الشعبيين في ذاكرة " مصر "، و أحد قتلي " دنشواي " في نفس الوقت، كان لصاً، مع هذا، صنعت منه آخر دقيقة فقط في حياته ملكاً تفد إليه الشعراء في بلاطه الشريف،

و علي الساحل الآخر من نفس الدقيقة التي جعلت من اللص " زهران " ملكاً، سقط اجتماعياً ثلاثة من ملوك هذا الزمان، و اختزنتهم ذاكرة " مصر " حتي يومنا هذا في ركن الخونة، " بطرس باشا غالي "، مؤسس العائلة التي تجد التعبير عنها في بلاط كل الحكام حتي يومنا هذا، و " أحمد فتحي زغلول "، شقيق " سعد زغلول " و النقطة السوداء في أسطورته الرخوة حتي يومنا هذا، و " ابراهيم الهلباوي " أشهر المحامين في مصر من أقصاها إلي أقصاها في ذلك الوقت، حتي أن " عباس العقاد " وصفه ذات مرةٍ بأنه : " كان ذا ذلاقة لسان لا تطيق نفسها و لا تريح صاحبها "، و حتي أن المصريين في كل ركن من أركان " مصر "، كانوا إذا استحسنوا في مجتمعاتهم رأياً من أحد يهتفون في لهجة الإطراء : " كأن الهلباوي بيتكلم يا رجالة " !

و ماذا بعد " دنشواي " ؟

لقد ربح " الهلباوي " بكل سهولة لقب " جلاد دنشواي " و انسحب إلي ركنه في ظلال العزلة حتي مات، و قُتِلَ " بطرس غالي " غير مأسوف عليه، و ظلت أشباح قتلي " دنشواي " تلتحق بنوم " فتحي زغلول " كالأفكار السوداء، كان قد سقط اجتماعياً كزميليه، حتي بعد أن أصبح وكيلاً لوزارة لعدل، مكافأة له علي دوره في " دنشواي "، و كان حتي أصدقائه قد وضعوه في شمال القلوب كشئ مهمل، و ذهب اللورد " كرومر "، صاحب مصر في ذلك العهد، و بقي الملك " زهران " و رفاقه !

من المؤلم أن " فتحي زغلول " الشاب كان من رواد الترجمة في مصر، و كل ما قام بترجمته كان يعكس عشقه لـ " مصر " و رغبته في أن يسير المصريون نحو الأفضل، فهو مترجم، " سر تقدم الإنجليز السكسون " لـ " إدمون ديمولان "، و " سر تطور الأمم " لـ " جوستاف لوبون "، و " روح الاجتماع " للمؤلف نفسه، و " أصول الشرائع " لـ " جيرمي نبتام "، لماذا اختلت ايقاعات ضميره في " دنشواي "، طمعاً في منصب سوف يزول، لا أفهم علي وجه الدقة، و لا أريد !

و لعل في هذا عبرة لكل الذين يركنون إلي حصانة اللحظة، فالتاريخ ملول، حوَّلٌ قُلَّبٌ كما كانوا يقولون قديماً، و غريب الأطوار، و منحرف المزاج، و مائيُّ الطباع لا يدمغ أحداً بأحكام ثابتة ثم يمضي لشأنه، كما أن الموجة لا تعود إلي نفس الساحل مرتين !

من كان يظن قبل ساعات من تنحي " مبارك "، أو هكذا كان نظن، أن أكبر ديكتاتورية في تاريخ " مصر " الحديث سوف تتداعي، و سوف يتبول المصريون جماعةً فوق ركام هذا التداعي، و إن مؤقتاً ؟!

التاريخ يكرر نفسه، كمأساة في المرة الأولي، و مهزلة في الثانية، هكذا قال " ماركس "، و لقد كانت محاكمة " دنشواي " مأساة حقيقة، كما أن " محاكمة مطاي " مهزلة حقيقية !

لا أستطيع أن أفهم كيف يطلق أحد القضاة حكماً هو أول من يعلم أنه لن ينفذ، فضلاً عن كونه محرض جديد أضيف إلي محرضات شكوك العالم في انحراف السياسة المصرية عن الأخلاقيِّ مؤخراً، و بتصرفات مضيئة و شاهقة الارتفاع !

كذلك، لا أستطيع أن أفهم كيف ينظر قاض إلي مئات المتهمين كأنه ينظر إلي أرقام ..

لكنني أفهم تماماً أن التاريخ لا يرحم، و أن الاستهانة به حماقة، فلهؤلاء المحكومين بالإعدام أبناء و عائلات، و للقضاة أبناء و عائلات أيضاً، و من يدري، فقد يحدث الغد أمراً، و يتبادل الطرفان المقاعد ..

و لا ينتابني شك في أن أحفاد قاضي محاكمة " مطاي " سوف يقرأون في كتب التاريخ بعضاً من مذكرات جدهم، و هذه نبوءة !

أفهم أيضاً أن لكل أمر أكثر من بعد، فمفهوم البعد الواحد سقط فكرياً منذ عقود، لذلك، و في مفاجأة سيئة لكل الحمقي، هذا الحكم في صالح الإخوان المسلمين، تماماً كما كانت " الهولوكوست " في صالح اليهود في النهاية ..

إن " هتلر " الذي رأي أن إبادة اليهود هي الحل النهائيُّ، أو حل أخير، كما تواطأ النازيون علي تعريف هذه العملية، أهدي اليهود، دون أن يدري، الذريعة التي سوف يبتزون بها العالم من القطب إلي القطب، و بفضلها، و لأنهم نجحوا في الاستفادة من هذة الجريمة الإنسانية حتي عظامها، و حتي جذور أعصابها، أصبح اليهود تعبيراً محمياً لا يستطيع امرؤ في الكون أياً كان أن يدعي صلاحيته للمساس بأمنهم أو ترابهم الوطني، بصرف النظر عن جذور هذا التراب لمن ..

لذلك، فاليهود باقون، و اسرائيل باقية رغم كل الأنوف الكوانع، أكثر من هذا، إن كل الحكام العرب الذين يتشدقون في الضوء بكراهية اسرائيل لاستحقاقات داخلية، يعملون في قنوات سرية، و بكل قوة، علي تجذيرها في الجوار، و إذا كان لدي أحد أوهام لم تتبخر بعد فهذا شأنه ..

تحول " هتلر " في النهاية إلي شكوك كريهة، و تحولت في نفس الوقت " آن فرانك "، و هي طفلة يهودية من ضحايا " الهولوكوست "، إلي بطلة قومية، و شخصية تاريخية يتزاحم العالم حول قراءة يومياتها في معسكر الاعتقال، و تقام المعارض لعرض أشيائها الصغيرة، لعبها و دراجتها، و تتجمد الحياة تماماً في " أمستردام " في يوم ذكراها ..

و الحديث شجون ..

إن لم تكن هذه رغبة منسقة في الإبادة، و كانت مجرد محاولة لاستقطاب الإخوان المسلمين إلي العنف، فهي محاولة مصيرها الفشل !

لقد انخرط الإخوان في الكون، و استوعبوا حالته، و أصبحوا يؤمنون تماماً أن أي محاولة منهم لاعتماد العنف كممر لاستعادة ما ضاع منهم، بالإضافة إلي كونه ممراً محكوماً عليه بالفشل، سيفتت قضيتهم إلي شكوك، و سيعصف بالفكرة من جذورها، و إلي الأبد،

و كما أن لديك حلفاءً يؤلف استمراء الديكتاتورية بين قلوبكم، هم أيضاً، لديهم حلفاء أرقي منك و من حلفائك ثقافة و فكراً ..

في النهاية ..

قريتنا تخشي الحياة، كما قال " صلاح عبد الصبور "، و الإخوان المسلمون يستحقون هذا المصير، لذلك، يا مُلاَّك غابة يونيو، كما قال " محمود درويش "، احصدوهم دفعة واحدة، احصدوهم ..




#محمد_رفعت_الدومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية مرعبة، من أغرب ما سمعت !
- جابو، صهرنا الذي جعل الملائكة تنتظر!
- كوريا الجنوبية، ترقص علي إيقاعات قرآنية !
- لا يُستشهد بإنسان ( نياندرتال ) ، و (عبد الله الداوود) في ال ...
- بربر برابر بربرة !
- نوستراداموس | و أسرار مصر !!
- ولاية الفقيد .. أحدث نظريات الحكم العربية !!
- الصيد، حتي، في الماء الأسود !!
- باسم يوسف.. و أكاذيبنا المقدسة !!
- الأمُّ كباريهٌ إذا ظبَّطْتها / ظبَّطتَ شعباً مفيهشي عضمة !!
- الحنة يا حنة يا قطر الندي
- -خيري أبو همام - ، صار قبراً مؤجلاً يا (ماسر) !!
- كيت بلانشيت و سيمون فيليب .. والبدايات المضللة !!
- بروروم
- المبارزة .. مبادرة للخروج من الأزمة !!
- مني مينا .. الصوت الصارخ في البريِّة !!
- عيد الذئبة !!
- الماسونية .. في ضوء آخر
- قوَّادون آخر موضة !!
- عدالةٌ من زجاج !!


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد رفعت الدومي - محاكمة دنشطاي