أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 6















المزيد.....



الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 6


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 20:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الصحـوة الثـانية:
الـفـكـرة
« إحـذروا الأنبياء الـدجـالين الـذين يأتون إليكم لابسين ثياب الحملان، ولكنهم من الـداخل ذئاب خـاطـفة! ». متى 15/7.
❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

« كلما ازدادت الفكـرة هشاشة،
كلما ازداد إرهاب أصحابها في الدفاع عنها » نبيل فياض
❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

ـ مـصدر الفـكـرة ومـحـتـواها
ـ سـيد الـخلـق أجـمـعـين
ـ الـدين الـجـديد

تذكـر الدكتورة باتريشيا كـرون في كتاب " الهاجـريين*1* "، وتقصد بهـم أبناء إسماعيل من هاجـر وزوجها المـزعوم أبراهام: أنه في نص عقـيدة يعقوب Doctrina Jacobi، وهو عـبارة عن رسالة يونانية معادية لليهود سببها الاضطهاد الهـراقـلي. وموجـودة على شكل حـوار بين اليهود في قـرطاجة عام 634م، جاء في إحـدى نقاط الجدل إشارة إلى حوادث تجـري أنـئـذٍ في فلسطين وذلك على شكل رسالة من يهودي فلسطيني، إسمه إبراهيم، يقول فيها:

« لقد ظهـر نبي كاذب بين السراسين (العـربان) ... فذهبت أنا إبراهيم إلى رجـل عجـوز مطلع على الأسفار المقدسة وأحلت إليه المسألة. وسألته :
« ما رأيك، أيها السيد والمعلم، بالنبي الذي ظهر بين السراسين؟ »
أجـاب، وهو يتـأوه للـغاية :
« إنه دجَّـال. وهل يأتي الأنبياء بسيف ومـركبة حـربية؟. إن هذه الأحداث اليوم هي حقا أعمال فوضى ... لكن إذهب، يا سيد إبراهيم، واستعلم عن النبي الذي ظهر ». وهكذا قمـت، أنا إبراهيم، بتحرياتي، وأخبرني أولئك الذين التقوه « ليس ثمة من حـقيقـة يمكـن أن توجـد عند النبي المـزعوم، سوى إراقة الدماء، أما ما يقوله حـول امتـلاكـه لمـفاتيح الجـنـة، فـهو أمـر غـير قابل للتصديق ».

إذن تشكك الـرسالة في نبوة صلعم لسبب معقول جدا، وهو أن الأنبياء لا يأتون بسيف ومـركبة حـربية، ولا يوجد عنده أية حقيقة سوى إراقة الدماء. فهو نبي دجَّـال وكـذَّاب لبس ثوب الحمل في البداية، ثم تذأُّب بشكل سافـر فيما بعـد.

ليس هذا فحسب، بل جاءت أيضا بالكثـير الذي يبعث على اليقـين بأنه نبي دجال بالفعل، وأنه أتى بفكـرة دينية هـزيلة وهشـة ومفبركة، ولا يَعْتـد بها أحـد إلا بقدر ما تحققه له من فائدة شخصية. لذلك لابد من حمايتها دائما وأبدا بالسيف والمـركبات الحـربية وإراقة الدماء.

كذلك ورد في مقالة بعنوان " الهرطقات المئة " ليوحنا الدمشقي (647م)، يعدد فيه مئة بدعة نشأت في المسيحية في عصره، وقد ختمها بـ" هرطقة الإسماعيليين ؛ التي سميت فيما بعد بـ" الإسلام ". يقول : « محمد نبي كذَّاب قابل راهبا آريوسيا فاخترع بدعته ... »، وهو يعني بذلك الراهب " بحيرا ".

ومن ناحية أخـرى، فإن الأبحاث الأثرية في سوريا وفلسطين، والتي تعود إلى العصر المحمدي تشير إشارة قوية إلى أن الفكرة نشأت أساسا في جنوب سوريا وفلسطين، وإلى إمكانية عدم وجود محمد كشخصية تاريخية، بل مجرد شخصية خيالية أسطورية، ابتدعها المتأسلمون على مر العصور، بناء على فكرة حملها معهم العربان أثناء غزوهم للبلاد المجاورة لهم.

فالدكتور الألماني محمد كاليش، الذي تأسلم وهو في الخامسة عشرة من عمره ويعمل أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة مونستر، يقول في بداية دراسة له بعنوان «لاهوت إسلامي بدون محمد تاريخي، ملاحظات حول تحديات الوسائل التاريخية للفكر الإسلامي»:

Islamische Theologie ohne historische Muhammad-Anmerkungen zu den Herausforderungen der historischen Mithoden für das islamische Denken.

يقول :
« لوقت قريب كنت على قناعة ثابتة بأن محمد شخصية تاريخية وكنت أنطلق من أن الموروث الإسلامي وإن كان غير جدير بالثقة بخصوص محمد، فقد تضمن في خطوطه العامة الحقيقة لسيرته التاريخية، وهذا أمر لم أشك به، بيد أني تراجعت عن هذا الموقف ». وهو بذلك ينضم إلى الكثيرين في العالم من العلماء الجادين في البحث العلمي لنشأة االأسلمة. ويتفق كاليش معهم في أنه « من الصعب الرجوع إلى محمد تاريخي محتمل، بل إلى إيمان تيولوجي (ديني) أنتجته مراحل صيرورة متأخرة ».

ومن ناحية أخرى، لـو كـان " الإسلام" هـو دين " الحـق " كما يزعمون في قـرآنهم، فلماذا دارت ـ ومازالت تدور ـ الشكوك والخلافات والاختلافات حوله حتى الآن؟ هل يختلف اثنان ـ مثلا ـ على أن الشمس " حـقـيقـة " واضحة للعيان؟.

لقد بدت هشاشة الفكـرة، كديانة جديدة، للعـربان أنفسهم من البداية، فأحاطت بها الشكوك الـقوية عند نشأتها، وظلت تحيط بها وبشخصياتها وأحداثها حتى يومنا هذا. الأمـر الذي يحمل معتنقيها على ضـرورة الدفاع المُميت والمستميت عنها دائما وأبدا.

ولكنها بلا شك تكتسب صلابتها المنقطعة النظير من استغلالها سياسيا لتحقيق مآرب ونزوات كل من يتمسح بها ويبتز الآخرين تحت غطائها. الأمر الذي يحتم وصفها بأنها " فكرة تحايلية ـ سياسية " بامتياز!!.

وللتأكد من ذلك لا بد من التعرف على:

أولا: مصدرها ومحتواها وكيفية نشـرها،
وثانيا: الـداعي إليها ومدى الـتزامه بها،
وثالثا: تأثير زوجاته وأصحابه فيها.

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

مـصـدر الـفـكـرة ومـحـتواها

كان من المحتم أن تفضى الصحـوة الأولى التي مر بها العـربان السـراسين في مكة إلى نشوء الصحـوة الثانية لإكسابهم هـويَّة، فكانت عبارة عن حـركة دينية ـ سياسية أطلق عليها إسم " الإسلام ". فمن الثابت أن أية حركة سياسية أو إجتماعية ـ مهما كانت ـ هي في النهاية إبنة الظـروف الموضوعية المحيطة بها والتي أدت إلى نشوئها، وهي البيئة التي نشأت فيها والأشخاص الذين قاموا بها، والمجتمع الذي ترعرعت ونمت فيه، لذلك إعتمدت فكرة الديانتين اليهودية والإسلاموية في أساسهما على الـعقـلية البـدوية التي أفـرزت شخصيات دينية، تبنت ديانات صحـراوية متعصبة تتعارض مع ما في الديانات الأخـرى التي نشأت في المجتمعات الــزراعية والتجارية من تعددية وتسامح ومساواة. ولقد تمكن البدو العـربان من فـرض نسختهم الصحـراوية الملفقـة بالعنف عـلى بقية شعوب المنطقة الحضارية التي احتلوها، ثم أوجدوا بين تلك الشعـوب عملاء لهم راحوا يجتهدون في " اللت والعجن " تبعا للتعبير الـريفي المصري، والإكثار من اللغط والكذب والتناقض والاستهانة بعقـول البشـر والاستمرار في تلفيقها من أجـل ترسيخ محتواها الهـش، وما زالوا يلـتون ويعجنون لترسيخه حتى اليوم، فيحاولون ترقيعه وسد ثغراته المشينة والتي لا يصدقها عقل سوي، وقـد عمدوا منذ البداية ـ وبدعم قوي من الحكام العجـزة الفاسدين ـ مغتصبي السلطة ـ إلى إستعمال أساليب الإرهاب والعنف والقتل لمن لا يؤمن بالفكرة، أو يعارضهم فيما يذهبـون إلـيـه بشأنها المُخـزي الحـقير.

ولقد نشأت الفكرة أولا من قبل البدو العبرانيين بهدف اصطناع ثقافة دينية ـ تاريخية من شأنها إكسابهم هوية خاصة بهم. ولم يكن أمامهم شيء يمكنهم استيعابه سوى الأساطـير السومـرية والبابلية والكنعانية والمصرية والفارسية السائدة في المنطقة آنذاك، فأخذوا منها ما أمكنهم تحويله إلى خـرافات دينية وتاريخية، كانت مطـلوبة لديهم بشدة لجمع شملهم وضم صفـوفهم ومحاولة إصلاح شؤونهم. وحـدث نفس الشيء مع نظـرائهم البـدو العـربان القاطنين في الجنـوب منهم. وما كان ليحدث مثل هذا مع غـيرهم على الإطلاق. ودوَّن الإثنان خـرافاتهم في كتب تم تقديسها وعدم أعمال العقل في مضمونها أو التساؤل عن صحتها، أي أصبحت من الأمـور التي يجب التسليم بها.

عـرفنا فيما سبق أن البدو العبرانيين كانوا يقطنون العربية الصـخرية في شمال شبه الجزيرة، ومحاطون بشعوب زراعية حضارية، راسخة في الحضارة في بلاد الرافدين والشام " الهلال الخصيب " ومصر، وحين تحولوا من الحالة الـرعـوية إلى بيع أنفسهم للجيوش المتحاربة، واحتكوا بالشعوب الحضارية المستقـرة، تحولوا إلى الديانة اليهودية التوحيدة التي تحمل جوهر ديانة بلاد الرافدين والهلال الخصيب بكاملها والتي تؤمن بالحسيات والماديات المرئية في الحياة الدنيا فقط وهي ديانة متشائمة جدا إزاء مصـير الإنسان، إذ تأخذ باسطورة كلكامش الرافدية التي تقول: « لقد قدرت الآلهة الفناء للإنسان .. واستأثرت بخلود الحياة .. فإملأ بطنك بملذات الطعام .. وابتهج ما شئت ليل نهار .. فهذا هو نصيبنا من الدنيا »، لذلك اعتمدت دون جدوى على رب سماوي جبار وعدد كبير من الأنبياء وانتظار لا نهاية له للمسيح المنقذ، ولقد أخطأ المؤرخون عندما اعتقدوا أن اليهودية تأثرت في مجملها بالديانة التوحيدية المصرية التي وردت إليهم بناء على الادعاء التوراتي، بأن مؤسسها النبي موسى المزعوم كان قد عاش في مصر أيام الملك إخناتون (1293ـ 1185ق.م) صاحب فكـرة التوحيد الإلهي. ولم يلاحظوا أن اليهودية خالية تماما من جـوهر الـديانة التوحـيـدية المصـرية التي تؤمـن بالخـلـود في الحـياة الآخـرة " الحياة الأبدية " ووجـود عالم " يشبه الجنة " لا يدخله من البشر إلاَّ الأتقياء فقط، والتي تبنتها المسيحية فيما بعد. وجاء الديانة المحمدية لتحاول التوفيق بين الديانتين كما يتضح من قول مأثور ومتداول على ألسنة المتأسلمين، ينسب إلى علي بن أبي طالب، هو « إعملك لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا »، بمعنى الجمع بين الديانتين بصورة متجاورة مع البقاء على جوهر كل منهما دون حذف أو اختصار، الأمر الذي أوجد تناقضا صارخا وتضاربا مشينا في سلوك المسلم أثناء حياته، وأصابه بانفصام مزمن في شخصيته، إذ أصبح الأمر بالنسبة له مجرد تصفية حسابات في النهاية، يتم خلالها الوزن بين حسناته وسيئاته، واضعا في اعتباره دائما أن الحسنات يذهبن السيئات، إذا لم يبادر إلى التوبة والمغفـرة من ربه عقب كل فاحشة يرتكبها، حتى يتثنى له ارتكاب أخـرى وهكذا.

ومن الواضح أن البدو العبرانيين بعد فترة طويلة من اعتقادهم في الآلهة الكنعانية ذوي الأصول الـرافدية، وجدوا في التوحيد الإلهي ثقافة جمعية بالنسبة لهم، وهوية يجتمعون تحت لوائها، ولكي يصدقها الجميع عمدوا في البداية إلى تشخيص ديانتهم، أي ربطها بأشخاص على علاقة وطيدة ومباشرة بإله واحد أحد في السماء، بدلا من التجسيد الأسطوري للعديد من الآلهة، واستقروا على تسميته "يهـوا أو يهوذا"، الذي اتخذوه إلها قوميا خاصا بهم، وادعـوا بأن الأشخاص الذين علي علاقة وطيدة به إما أنهم "أنبياء" أو "رسل"، وقد تم اختيارهم بمعـرفته كي ينقلون رسائله مباشرة إلى البشر أو يتنبأون بما يريده منهم، ولأن هذا الإله صحـراوي ويتعامل مع بشـر صحـراويين، مُعْدَِمين لا يعـرفون غير العنف والدم في حياتهم، كان لا بد له من استعمال الإرهاب الممنهج، الذي ينقله رسله أو ملائكته على لسانه أو يتنبأ به أنبياؤه في كلمات اعتبروها مقدسة ولا تفهم بغـير لغتهم القـومية (العـبرية)، الأمر الذي أتبعه إله أبناء عمومتهم البدو العـربان فيما بعد.
ففي كتب موسى الخمسة المسماة بالتوراة، وصف يهوا العبرانيين اليهود:
بأنهم شعب من الـقـتلة (سفر صامويل 15:3/1)،
وأنهم إخـوان القتلة (الخروج 32/ 27-28)،
وأكلة لحـوم البشـر (اللاويين 26/ 29)،
ولـصوص وحـرامية (الخروج 3/ 22)،
وتجار عبيد (اللاويين 25/ 44-46)،
واتهمهم:
باغـتصاب النساء واحتقـار الأطفال (اللاويين 27/ 2-8)،
وبالجشع والتهالك على جمع المال (الخروج 25/ 3، 33/ 5)،
وبتعذيب الحيوانات (الخروج 29/ 36).
ووصف نفسه بأنه إله غيور (الخروج 20/ 5)،
فهـو لا يكـره كل شعـوب الأرض فحسب، بل يكـره شعبه اليهـودي أيضا (الخروج 33/ 20). ومع كل هذا، غـرس في نفوسهم نعـرة الـغـرور والغطرسة لأنهم " شعبه المختار "، فأمـرهم بعدم قتل أنفسهم والتحـول إلى قتل الآخرين وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم وحرق مـدنهم وقـراهم.

ويذهب الكاتب الألماني ميشائيل كلونوفسكي*2* إلى أن العبرانيين كانوا أثناء حياة البداوة والتنقل والـترحال مجموعة من الـرعـاع الـحقـراء الذين يحبون المشاجـرات والانتقام الدموي والسلب والنهب والتضحية بالبشـر، ويتعلقون بالخـرافات والتعصب والشذوذ الجنسي والدعـارة والشنائع بشتى أنواعها، حتى أنهم جعـلوا جـدهم الأول إبراهيم يبتز أمـوالا وممتلكات من فـرعون مصر الجديد بإرغام زوجته الحبيبة " سارة " على ممارسة الدعارة معه بادعائها أنها أخت إبراهيم وليست زوجته، وبذلك تم الضغط عـليه لإعطائهما أعـداد كـبيرة مـن الـمـواشي والـفـضة والـذهب، فعاد إلى أرض كنعان وهو « يملك ثروة طائلة من المواشي والفضة والذهب*3* » (الخروج 12/ 11ـ20 و13/ 2) ويقول الكاتب إن هذه السلوكيات لابد وأن تكون متأصل في الجينات الوراثية للعبرانيين، إذ أنها أصبحت فيما بعد أسوأ من ذي قبل. ولو أن هذا الكاتب قد قـرأ عـن أولاد عمومتهم البدو الـعـربان وتاريخهم بشيء من الـموضوعية لـقـال عـنهم الشئ نفسه.

ولأن الشنائع كانت متفشية دائما بين البدو العـبرانيين، مما عـرضهم باستمرار للتشتيت والنفي، فقد كانوا يتوقعون دائما ظهـور نبي ـ ملك من بينهم كي ينقذهم ويصلح شئونهم، ويمسح ذنوبهم، ويقيم لهم مملكتهم. وعندما ظهـر المسيح في أوشليم قالوا أنه دجال ولقيط [ابن حـرام] ويسـير في الطرقات دون حـراسة، فصلبوه حتى قضي عليه وألصقوا جـريمة قتله بالرومان، وعندما حاول محمد استرضاءهم عنه كنبي إدعى في قـرآنه أنهم « ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم »، بينما الحقيقة أنهم كانوا يريدون بطلا عسكريا دمويا يخلصهم من الاحتلال الـروماني ويعيد المشتتين منهم إلى أرض كنعان على غـرار ملوكهم المـزعومين مثل سليمان وداود وغيرهما. وخاطبهم المسيح بقوله: « إنكم أبناء أبيكم إبليس، وترغبون أن تعملوا شهوات أبيكم، فهو من البدء كان قاتلا للناس، ولم يثبت في الحق! وعندما ينطق بالكذب فهو ينضح بما فيه، لأنه كذاب وأبو الكذب!*4* ». وسواء قتله العبرانيون، أو " شبه لهم " كما يذهب قـرآن صلعم، فإن المسيحيين يعتقدون أنه ضحى بنفسه من أجل خلاصهم وخلاص البشر من شـرورهم.

وجاء الإسلام ولم يأتي بجـديد فـقـد ورث عن أخته الكـبرى "اليهودية" معظم مفاهيمها الشاذة وخـرافاتها التي لا ريب في عـقمها، ونشـر بين أتباعه نسخة عـربانية صحراوية من تلك الخـرافات العـبرانية المتهالكة، ولكن بعد إضافة لمسات وثنية وحنفية وصابئية ومجوسية يتطلبها الـوضع الخاص للسادة الـقـرشيين في مكة. كما حاول (عبثا) معالجة الأوضاع السلوكية المتردية بين البدو العـربان بوجه عام، مثل الـربا وبخث الميزان وشـرب الخمـر والـزنا والكذب والنفاق والـرياء والسرقة والقتل، ووضع المرأة في مجتمع ذكوري يسوده النهم الجنس... إلى آخره، ثم تبنى نفس النهج الذي ورد في الكتب التـوراتية العـبرانية، من تكوين الخلق وخلق آدم ثم حواء من ضلعه الأيمن لتسليته، وبالمناسبة كلمة «حـواء» من أصل كلداني وتعني " الأفعى "، وخـرافة طوفان نوح التي أخذت من الأساطير السومارية والبابلية، وظهور إبرهيم وسلالته، وخـرافة المدعو يوسف، ومغامراته النسائية في مصر، وجعله أول خبير اقتصادي عـبراني ينقذ مصـر من القحط والهلاك، وأخيرا وليس آخـرا خـرافة موسى وخـروجه من مصـر، يجـر معه ستمائة ألف من الـرجال عدا النساء والأطفال والحيوانات والأمتعة المنهوبة والأموال المسروقة من المصـريين . وضـربه البـحر بعصاه السحـرية التي لا مثيل لها، فانشق ليعـبروه بسلام، ثم انطبق جـداري الماء الرهيب على جيش فرعون، فأغـرقه، وتاه موسى بأكثر من مليون نسمة في صحراء سيناء أربعين عاما!!. ومع ذلك لم يستدل على أي وجود لإبراهيم أو موسى أو يوسف أو غيرهم حتى الآن في الوثائق المصرية القديمة وهي بالآلاف، وتسجل أدق حياة المصريين اليومية.

وفي حين كانت الأساطير الـرافدية والمصرية والكنعانية وغيرها تعطي أسماء للألهة التي يتم تجسيدها على هيئة تماثيل ورسومات جـدارية، فـإن العـبرانيين في كتبهم الأولى كانوا يصفون إلههم بكلمة " الرب " أو " إيل El = الإله "، ثم ما لبثوا أن أعطوا له إسم " يهوا أو يهوذا "، وهو إله النار والبراكين الذي ظهر في سيناء لنبيهم موسى أثناء خروجهم المزعـوم من مصر، ولم يجسدوه على الأرض بأي شكل من الأشكال، ليبقى مجرد صورة ذهنية في مخيلة البشر، مما يمَكِّـن كهنتهم من نسج القصص والروايات الوهمية عنه وعلى لسانه كما يشاءون. ويصدرون الأوامر بإسمه، وينصبون أنفسهم نوابًا له على سطح الأرض، ثم يأتي البدو العـربان ويتبنون نفس النهج في دينهم، بعد أن تحولت كلمة " الإله " إلى " الله ".

وعندما وصل اليهود المضطهدون والنصرانيون المنشقون على المسيحية (الهـراطقة) إلى العـربية الصحراوية لم يحمل "إلههم" إسما محددا، فكان يدعى "سيد السماوات" أو "إيل عليون" أي الإله الأعلى. ومع اقتراب القـرن الخامس الميلادي أصبح يعـرف بين البدو العـربان بأسم "الـرحمن". وظل يحمل هذه الصفة في بعض القبائل حتى ظهور الديانة الإسلاموية، فنجد أن مسيلمة خصم محمد قد تبناه كإسم لـربه، بينما تحولت كلمة "إيل El" الكنعانية وهي تعني "إله Elah" و "الإله Al-Elah" في لهجة العربان إلى كلمة "الله Allah" بحذف الألف الوسطى، ليكون إسم علم عند الصابئة والأحناف من البدو الـعـربان في مكة ومنطقة الحجاز قبل وبعد الإسلام، ولكن من الواضح أنه ليس إسما بل صفة كأن تقول العالم أو الـوزير من دون ذكـر إسمه، كـذلك أطـلق الـمتأسلـمون عـليه صفـات قـــــــالوا إنها "أسماء الله الحسنى" بناء على الآية القرآنية : {ولله الآسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف 180، مثل: الرحمن، الـرحيم، السميع، العليم، الـوهاب، العلي، القدير إلى آخر ال 99 إسما. لكنها حملت بالمثل صفات ليست بالحسنى عـلى الإطلاق مثل المضل، المـذل، المتكـبر، القـهـار، الجبـار والمنتقم وتجاهلوا تماما أهم الصفات التي يمكن أن تشتق كغيرها من أقوال قالها عن نفسه مثل الرامي {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} الأنفال 17، والقاتل {فلم تفتلهم ولكن الله قتلهم} الأنفال 17، واللاعن {إن الله لعن الكافرين} الأحزاب 64، والماكر {قل الله أسرع مكر} يونس 21، والكائد {إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا} الطارق 15، وأيضا المستهزئ والمضيل والساخر والغاوي ...إلى آخره*5*.
أنا حـقـيـقة لا أدري أي إلـه هـذا !!!

بتحول الديانتين العـبرانية والإسلامية إلى إله في السماء أعلى أو «أكـبر» مما على الأرض، وواحد أحد، لا شريك له، ولا تدركه الأبصار، دخلت الآلهة الأسطورية إلى مسميات مختلفة للملائكة، أو أحيلت للتقاعد، ولم يعد يعمل بها، أو يعتمد عليها، فأصبح الإله إيل الكنعاني إسماعيل وإسرائيل اللذين سبق وتعرفنا عليهما، وجبرائيل*6* أو [جبريل عند العـرب] وتعني "الإله الجبار" ورافائيل وعـزرائيل وميكائيل أو ميخائيل، وما زالت توجد حتى الآن قرية صغيرة في فلسطين تحمل إسم "بيت إيل" على بعـد ستة كيلومترات شمال أورشليم، وزوجته "إيلات" التي يطلق إسمها على الميناء البحـري الإسرائيلي على خليج العقبة، ودخلت إلى العـربان قبل الأسلمة كأحدى آلهتم الثلاث "اللات والعزة ومنات" وهن بنات الإله "سين" في السماء . وسين هو إله القـمـر لدي شعـوب المنطـقة في الشمال أو "ياسين" في اليمن، ومنه أسم الأنثى "سيناء" الذي أطلق على شبه الجـزيرة في مصر، وجاء القسم به في القـرآن {ياسين والقـرآن الحكيم ...}، وقد بنى اليمنيون الكعبة كمعبد له قبل أن يتفق الصائبة والأحناف على مجـرد وصفه بكلمة "الله"، مع الاستمرار في تقديس معبده.

أما إله الخصب "بـعـل Baal" الكنـعـاني الذي نسبت إلـيه مـديـنـة "بعلبك" أو "بعل ـ بك" في لبنان ، بمعنى "بيت بعـل"، فقـد وصل إلى البدو العربان مع القوافل التجارية وأصبح إسمه "هـبل"، وهي كلمة كلدانية أصلها "هـ + بعـل"، والهاء أداة تعريف ولم يكن الكدانـيون ينطـقـون العـين *7*، وأخذ مكانا مميزا بين الأصنام الأخـري حـول الكعبة، ولكنه دخل بإسمه الكنعاني إلى اللغة العربية بمعنى المالك أو السيد أو الـزوج، ولعل ذلك من أثار الـزواج عن طريق التملك بين البدو العربان. ولذلك يرمز إلى المركز السيادي المتعالي الذي يتمتع به الزوج في المجتمع القبلي*8*. وجاء ذكر له في الـقرآن بنفس المعنى:
{لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعـولتهن أحق بردهن} البقرة 228.
{وإن امـرأة خافـت من بعـلها نشـوزا أو إعراضا} النساء 128.
{قالت ياويلتي ألـد وأنا عجـوز وهذا بعلي شيخا} هود 72
{ولا يبدين زينتهن إلا لبعـولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعـولتهن} النور 31.

وقد قـرر القـرآن أيضا أن بعـل هذا، كان أحد الآلهة التي عبدها البدو العربان من دون الله في قوله: {أتدعون بعـلا وتذرون أحسن الخالـقين} الصافات 125.

وهناك آلهة أخـرى خرجت من بلاد الرافدين مثل عشتار أو اشتار [النجمة] ومرت بالكنعانيين لتأخذ إسم الزهرة باليمن وسماها المصريون إيزيس والرومان فينوس وانتقلت إلى البدو بأسم العـزة، وكان الإسم الحـقيـقي لعـم صـلعـم "أبو لهـب" هو عبد العـزة . والإله "يم" الكنعاني هو إله مياه البحار والأنهار ودخل نفس الإسم والمعنى في لغة البدو العربان، كما ظل إله العالم السفلي "موت" لدي السوماريين والبابليين والكنعانيين هو نفسه في لغتهم.

إن الخرافات والتناقضات الموجودة في الإسلام وفي سيرة نبي الأسلمة وارتباطها الوثيق بمثيلتها في الديانة اليهـودية حملت الكثيرين من المؤرخين الأجانب منذ وقت طويل على البحث عن وثائق خارج كتب الـتراث الإسلاموية، وتوصل الكثيرون منهم إلى نتائج مذهلة أهمها:

* أن محمدا ولد في عام 552 وليس في عام 570م أو غـيره، وأن مماراساته لم تتم في مكة ولكن على بعد مئات الكيلومترات منها في الشمال من شبه الجزيرة، حيث كان على علاقة وثيقة براهب نصـراني يدعى بحــيرا النسطوري. وكان بحـيرا هذا قد انشق على الكنيسة في أوشليم وهـرب منها ليقيم في صومعة بالـقـرب من مدينة دمشق في سوريا، فأخذ منه الكـثير من الخـرافات النصـرانية التي تعتمد على مثيلتها العـبرانية. وفـر محمد مع بعض من أعـوانه المنشقـين إلى يثرب (المدينة)، حيث قويت شوكته وتمكن من نشـر فكـرته بحد السيف بين القبائل البدوية من خلال عمليات السلب والنهب والقتل والسبي. وأن بداية نشـر دعوته لم تكن في مكة، ومن ثم لم يفـر «يهاجـر» منها، كما هو معـروف في الــتراث الإسلاموي، بل غـزاها بعد أن قويت شوكته لأهمتها التجارية والعقائدية عند البدو العـربان، وجعلها منافسة لأورشليم القدس.

* كما يفهم من مصادر أخـرى تاريخية غير الإسلاموية أن البدو السـراسنة العـربان بوجه عام لم يفهموا شـروط الــرسائل الإلهية ولم يعـرفوا علامات النبوة، لأنه لم يبعث فيهم نبي قط، ولذلك فإن رجلا من رهـبان النصارى إسمه سرجيوس أو (بحـيرا) ـ المشار إليه سابقا ـ كان قد طُـرِد من الكنيسة في الشام، لاعتقاده في نسطوريوس والتدين به، فوصل إلى مكة ليجد فيها مجموعـتين من العبادات، الأولى شبيهة إلى حد كبير باليهودية والأخرى تتمسك بعبادة الأصنام، فلم يزل سرجيوس يتلطف ويحتال بشخص أسماه نسطوريوس . وسمي فيما بعد في التراث الإسلاموي بـ"محمد"، وكان يخـلو به ويكـثر من مجالسته ومحادثته إلى أن أبعده عن عبادة الأصنام ثم صـيره داعيا وتلميذا له يدعوا إلى دين نسطوريوس النصـراني، وكان محمد يسميه عند أصحابه "جبريل" مرة و"الروح الأمين" مرة أخرى . ولهذا السبب جاء في القرآن المكي إشادة بالمسيحـية النصرانية والدفاع عنها وتزكية أهلها والشهادة لهم أنهم أقرب مودة ورحمة، وأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (المائدة 82)، قبل مهاجمتهم والتخلص منهم تماما إما بالقتل أو الطـرد في الفــترة الـيثربية، لعـدم اعـترافهم بنبـوة محمـد. ولقد أشار القرآن في أكثر من موضع إلى أن الـقـرشيين اتهموا محمد بأنه يتلقى ما يسميه بالوحي الإلهي من آخـرين. وبطبيعة الأحـوال البشرية لا يوجد دخان من دون نار، كما يقـول المثل الشعبي، ولا تنشأ النار من العدم.

* ويشكك البعض من تلك المصادر في وجود محمد نفسه، واعتباره شخصية وهمية، وأن فكـرة الإسلام ولدت في مكة على أيدي المنشقين النصارى، الذين هـربوا إليها من جنوب غرب بادية الشام، بقيادة ورقة بن نوفل، والراهب "بحيرا"، ثم نشأت وترعـرعت في يـثرب، وأخذت صورتها الحالية من قبل العملاء والـمـرتزقة في الشعوب الحضارية التي اعتلاها البدو العربان بعد ما يزيد عن مئتي عام من ظهـورها.

* ويرى جميع المؤرخـين الأجانب أن البدو الغزاة لم يكونوا مسلمين، بمعنى أن الإسلام لم يكن دافعهم إلى غزو البلاد الخصبة المجاورة لهم، بل الغنائم وحدها، وعندما استوطنوا تلك البلاد كانوا يحملون الفكـرة معهم، فـراحوا ينسجون معالمها على مـر الـزمن، بمساعدة العملاء والمـرتزقة من الشعوب المغـلوبة على أنها دين جديد أسموه «الإسلام»، ولذلك احـتـوت على كثير من التناقضات والخـرافات والتـبريرات الواهية، التي فــرضت عـلى الـناس بالقـوة*9*.

* كما يعتقدون بأن القرآن ليس من إنتاج محمد وأنه لم يكتب في البداية باللغة العربية، بل كان مجرد تجميع لبعض المواد اليهودية والمسيحية التي تتفق مع الهـرطقة النسطورية، وقد كتبت بالسريانية في وقت مبكر، وتمت صياغتها بما يتفق وأحوال البدو العرب*10*.

ومما يؤكـد هذا وغـيره حـقـيقة ـ لا ريب فـيها ـ هي أن كل معـلـومة في الدين الإسلاموي برمته مشكوك فيها بالضرورة، ولا بد أن يدور حولها كثير من الادعاءات والتكهنات والتلفيقات والتبريرات المتناقضة واللامعقولة. ولم يحدث أن اتفق رجال الدين الإسلاموي على أي حـدث في تاريخـه. إلا أنه لا بد وأن يأتي يوم ما يضطر فيه المتأسلمون على الاعـتراف بتلك الحقيقة، وربما بصورة أكثر وضوحا مما حدث لليهودية والمسيحية في الـقـرن التاسع عشر.

ومن الجدير بالإشارة إلى أن أولئك المؤرخين غـير المتأسلمين والذين يطلق عليهم صفة " المستشرقين "، ويـرفع المتأسلمون من شأنهم تارة أو يخفضونه تارة أخـرى تبعا لأهوائهم، ما هم إلا علماء أكاديميون بالفعل، ويبحثون عن الحقيقة، ويتعاملون مع مادتهم بجدية وموضوعية وحيادية تامة، كما يتعامل أقرانهم معها لإنتاج الطيارة والسيارة والصاروخ والدبابة والتليفـزيون والأقمار الصناعية والكمبيوتر وغير ذلك مما يعجز العربان عن إنتاجه. إنهم يريدون جميعا خدمة الإنسان ـ ماديا ومعنويا ـ في أي مكان وزمان ولا هدف لهم غـير ذلك.

لكن مشكلة أولئك المتخصصين ـ كغيرهم ـ هي عدم وجود أية وثائق حقيقية تحت أيديهم لهذا التاريخ، وأن أهم ما يساعدهم وغيرهم هو أن تسمح الدولة المتسعودة بالتنقيب عن أية آثار من الممكن وجودها في منطقة الحجاز وشمالها لتشكف الغموض عن تلك الحقـبة من الـزمان.

هذه الأبحاث التي تعتمد على المصادر غير الإسلاموية وعلى المكتشفات الأثرية والأدلة المادية ما زالت في تجري على قدم وساق في الجامعات الأوربية ، ولم تكتمل بعد . على أي حال نعود إلى ما يتوفـر لدينا الآن من مـراجع تراثية إسلاموية لنرى ما فيها من هزيان يقدسه المتأسلمون، ويعتبرونها دينا لهم.

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--


سـيد الخـلـق أجـمـعـين

« لقيني جـبريل بقِـدْرٍ فأكلـت منها، وأعـطيت قـوة أربعـين رجـلا في الـجـماع*11* »

سواء كان محمد شخصية تاريخية حقيقية أم لا، فإن الـمـرويات الـتراثية العبثية تثبت أن العملاء في كافة بلاد المتأسلمين شكلوا صورة له ولفكـرته تتفق تماما مع ميولهم النفسية ورغـباتهم الدنيوية وتنسجم إجمالا مع سلـوك وطـباع الـبدو الـعـربان الـذين يعتلونهم، وربطوها ربطا عنيفا بإله يقبع في السماء بعيدا عن حياة البشر. ولذلك كان لا بد أن يصاحبها منذ نشأتها وحتى اليوم شكوك كبيرة وتناقضات مـريرة ودفاع دمـوي من قبل أولئك العملاء، خاصة وأنهم يقتاتون من تسويق «الفكـرة» ولهم في «الداعي» إليها أسوة حسنة. فصلعمهم هذا كان تاجـرا محترفا في الأساس وكل البشـر من قـبله ومن بعـده يتاجـرون بصـورة أو بأخـرى.

إذنْ نحاول فيما يلي التعـرف على " داعي الفكـرة ودواعيها "، ونرى مدى الـتزامه بها، وتمسكه بتعاليمها التي جاء بها من السماء السبع وفـرضها على الناس أجمعين، وهل كان سيد نفسه ليكون سيد الخلق أجمعين، ومن ثم يكون أسوة حسنة لـهم، أم أنه كان غير هذا؟؟.

❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--❊-;---;--

❉-;---;-- مـولـد الـنـبي «المـصـطـفى»

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن إسم " محـمد " لم يرد قـط في قـرآن الفـترة المكية التي دامت 13عاما، مما يدل على أن صلعما لم يكن إسمه محمدا. ولذا يقول الدكتور إسماعيل أحمد أدهم*12*: « تناولت في بحث مستفيض مسألة الأنساب عند الـعـرب وكشفت أن أصـوله ليست أقوى من أصـول الحـديث وأعقـبت هذا ببحث مسهب عن نسب الرسـول وأظهرت أنه مختلق وأن إسم الـرسـول كان "قـثما" أو " قـثامة " وأن إسم والده حُوِّل من "عـبد اللات" إلى "عـبد الله"... وبَـيَّـنْـت بكـثير من الدلائل أن عبد المطلب لم يكن شخصا تاريخيا بل إسم صنم من أصنام مكـة وأن عبد المطلب لم يكن جدا حقيقيا للـرسول وأنه لم ينحدر من صلب هاشم*13* ». وعندما نقلب فيما توفـر لنا من كتب التاريخ الـتراثـية، نجد في السيرة الحلبية أن عبد المطلب جد صلعم سماه عندما وُلِـد " قُـثْم " بمعنى مجْمع الخير*14*، هكذا!. وكان إسم " محمد " غـير معـروف عند البدو العربان، ولم يطلقوه على أبنائهم إلا في القرن السادس الميلادي، طمعا في أن يكون أحدهم هو النبي المنتظر، الذي إما أن يكون الكهان أوالـعـرافون أو الدجالون الـذين ينتشرون دائما وأبدا في أرجاء شبه الجـزيرة قد تكهنوا به أو بناء على أقوال اليهـود أو اعتقاد النصارى بمجيء المسيح مرة ثانية، أو ذيوع دعـوة النبوة والتوحيد من قبل بعض المصلحين الذين يتوقون إلى إنقاذ البدو العـربان من التشـرزم والتناحـر وشتى صنوف الفساد والانحطاط. وتم تغيير الإسم الذي أطلقه عليه جده عندما قالت أمه آمنة بنت وهب إنها أُخبِرت في المنام أن اسمه محمدا، مما يشير إلى أنها قد راودها الأمل كـغيرها من الأمهات في أن يكـون هو النبي المنتظـر.

ويذهب المستشار محمد العشماوي إلى أن أحد المستشرقين من كتاب السيرة النبوية [لم يذكر إسمه] قال إن اسم محمد كان اسما نبويا، أي اتخذه النبي لنفسه عندما بدأ رسالته*15*، بمعنى أنه كان إسما حـركـيا، وليس حـقيقيا.

وتفيد الأبحاث الأوروبية التي تعتمد على مصادر غير إسلاموية على أن الإسم أخِـذ من المسيحية . وهو صفة للمسيح رسول الله كما جاء في أكثر من سورة في القرآن*16*. فكان المسيحيون يقولون : مقدَّس أو محمَّد رسول الله، بمعنى له الحمد*17*.

كما تروي تلك الكتب في عنعنة طـويلة ومملة كالعـادة قصة عـن أبيه عبد اللات (عـبد الله فيما بعد) تقـول أنه كان في بناء له وعـليه أثـر الطـين، فمـر بامرأة من بني خثعم وقيل من بني عدوي [قبيلة عمر بن الخطاب]، وادعى ابن عباس أنها كانت " عـرَّافة " من بني أسد ـ قبيلة ورقة بن نوفل ـ، وعرَّفها الواقدي بإسم " قتيلة " أخت ورقة بن نوفل، وأن تلك المـرأة دعـته إلى نفسها لـمـا رأته بين عـينيه، أو دعـته لتستبضع منه (أي تنجب منه) ولـزمت طـرف ثوبه (أي جـذبته منه) قائلة له: إن وقعت بي (أي نكحْتَني) فلك مائة من الإبل. فقال لها: حـتى أغـسل عـني هذا الطـين الذي عـلي وأرجع إليك، فدخل على آمنة ووقع بها (أي نكحها)، فحملت برسول الله (صلعم) الطيب المبارك، ثم رجع إلى الخثعمية أو العـدوية أو الأسـدية هذه، وقال لها: هل لك فيما قلت؟ قالت: لا، قال: لماذا؟ قالت: لأنك مررت بي وبين عينيك نور ثم رجعت إلي وقد انتزعته آمنة ... ويتباهى أو يتبارى رواة السيرة في سرد هذه القصة المخـزية كغيرها، بهدف التدليل على نبوة محمد المشكوك في صحتها دائما وأبدا.

إذنْ يتضح من تلك الروايات أنه كانت هناك امـرأتان: واحدة وقفت في طريق والد محمد وطلبت منه أن ينكحها لتستبضع منه وتعطيه مائة من الإبل لما رأته من نور بين عينيه، ولكنه آثـر أن تنـتزع هـذا النـور آمنة التي تزوجها منذ أيام قلائل، ثم يعـود إلى المـرأة (الغريبة) ليزني بها.

أما آمنة التي انتزعـت " هذا النور " فتقول: « ما رأيت من حمل أخف منه ولا أعظم بركة منه » وفي روايات أخرى قالت: « ... فوالله ما رأيت من حمل قـط كان أخف عـلي ولا أيسر منه...»، أو أنها قالت: «حملت به فما حملت قـط أخف منه فـرأيت في النوم حين حملت به أنه خـرج مني نور ...*18* ». وبأقل قدر من الذكاء يفهم من هذا أن أم محمد تقارن بين حملها له بحملها لآخرين من قبله. فهل كانت مـتزوجة بأحد قبل زواجها بوالد صلعم؟ وهل كان لصلعم أخوة؟ سواء أشقاء أو غـير أشقاء؟، لم تذكر المرويات الإسلاموية أي شئ عن ذلك!!!.

ومن ناحية أخـري فإن أية قـراءة مـوضـوعية لتلك الكـتب الـتراث الإسلاموية المقدسة تثـير قـدرا كبيرا من الشك حول ولادة هذا النبي «الـمزعوم»، إذ يُفهَم منها أنه ليس ابن عبد اللات (عبد الله) كما هو متفق عليه بعنف بين كافة المتأسلمين، فقد جاء فيها أن عبد الله أخذ آمنة بنت وهب التي كانت تعيش في بيت عمها وهيب بن عبد مناف وأخذ جده عبد المطلب هالة بنت وهيب وتزوجا في يوم واحد، فـولـدت آمنة محمد وولدت هالة حمزة، وبذلك من المفترض أن يكون محمد وحمزة في عمر واحد أو أن يكون محمد أكبر سنا من حمزة، أي وُلِد قبله لأن أبيه عبد الله لم يمكث مع أمه سوى أشهـر قلائل على أكثر المـرويات ثم مات، بمعنى أن تكون أمه قد حملت به خلال هذه الأشهـر الثلاث. ولكن أغلب الرواة ذكروا أن حمزة كان يكـبر محمد بأربع سنوات والقليل منهم قال سنتين. وأجمعوا على أن النبي مات وعمره ثلاث وستون سنة ومات بعد حمزة بثمان سنوات، فيكون عـمـره يوم مـوت حمزة 55 سنة، وحـمـزة مات في السنة الثالثة للهجــرة في غـزوة أحـد وعمـره 59 سنه أي أنه يكبر محمد بأربع سنوات*19*. فهل دامت فترة حمل محمد أربع سنوات؟. خصوصا وأن الـرواة يتفقون على أن أباه عبد الله بن عبد المطلب مات وعنده 25 سنة وكانت أمه حامل به، قيل قبل شهـرين من ولادته وقيل أكثر أو أقل، فالاختلافات والخلافات قائمة دائما وأبدا في هذا التاريخ الديني المبتور من أساسة. إذا لا بد أن يكون الحمل من محمد جاء بعد أربع سنوات من الحمل بحمـزة أي بعد مـوت أبيه بسنوات عـديدة أو أنه مكث في بطن أمـه أربع سنوات.

وفي محاولات العملاء العبثية لسد مثل هذه الثغـرات، نقـرأ في الكتب التراثية المنفِّرة عن تلك الـمرأة التي حملت رغم غياب زوجها عنها سنتين، فجيء بها إلى عمر بن الخطاب. وأمر عـمر برجمها، ولكن لأن الأمـر برمـته مجـرد أهـواء شخـصـية اخـتزلت برمـتـهـا في كـلـمة " إجتهاد "، فقد تدخل معاذ بن جبل، وقال لعمر: إن يكن لك سلطان عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها. تبرير نصف أخلاقي أخذ به عمر وأمر بحبسها حتى تضع، فوضعت غلاما، فلما رآه أبوه قال: إبني ورب الكعبة!! فبلغ ذلك عـمـر، فقال: عجـزت النساء أن يلدن مثل معاذ [بالمعنى البلدي: ما جابته ولادة]، لولا معاذ لهلك عـمر*20*. هكذا ببساطة!!، ودخل في أدمغة الجميع بأن الحمل دام سنتين، فترة غياب الزوج. ولا ينسى العملاء المرتزقة والمتطفلين أن يتباهوا بذكر هذه الواقعة للتدليل على عدل عمر وديموقراطيته التي لا مثيل لها في العالم أجمع، ولا مانع لديهم من إضافة بعض التحسينات من نسج الخيال لزوم التحايل وغسل الأدمغة أو تحجيرها لضرورة المحافظة على مهنتهم.

كذلك نجد المرأة التي هلك عنها زوجها فقضت عدة أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تتزوج ثانية. ومكثت عند زوجـها الجـديد أربعة أشهـر ونصفا فقط ثم ولدت ولدا، وعندما أخبر زوجها عمر بن الخطاب أراد الأخـير أن يعطي العيش لخبازه، فاستدعى نساءً « من نساء الجاهلية على حد قول مالك »، فأخـبرته إحداهن بأن هذه المـرأة هلك عنها زوجها حين حملت منه، ويبس الولد وهلك في بطنها، فلما أصابها [أي نكحها] زوجها الثاني، وأصاب الولد الماء تحرك في بطنها وكبر*21*!!!.
وذكـرت كتب الـتراث أن مالك نفسه وأشخاص آخـرين مكثوا في بطـون أمهاتهم سنتين، ولكن السيوطي زاد فترة الحمل إلى ثلاث سنوات بالنسبة لسيده مالك الذي أخبره في تراثياته أن جارة له ولدت ثلاثة أولاد في 12 سنة بحمل 4 سنوات.

أما إمام الدجـالين القرطبي فيتحفنا في تفسيره لسورة الطـلاق، الآية 4 بقوله إن المتوفي عنها زوجـها وتشك أنها حامل عليها أن تنتظر خمسة أعوام أو سبعة في انتظار الوضع، ودخل آخـرون المباراة، فـزاد ابن العربي بجواز انتظارها عشر سنوات. وقال أشهب: لا تحل أبدا حتى تنقطع عنها الريبة. وعلق ابن العربي على هذا بقوله: « وهو الصحيح، لأنه إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة وأكثر من ذلك »*22*.
وهكـذا يكـون الجـهـل المقـدس بأجـلى مـعانيـه!!.

وإذا بدى الأمر لأحـدنا عـلى أنه " هـزيان أو هلوسات أو هـراء "، فهذه مشكلته هو وعليه أن يتحمل عواقبها وحده، فهذه خصوصيات صنعها الله لخير أبنائه من البدو العـربان.

وأخيرا يقول الدجالون المتأسلمون إنه طالما يؤمن اليهود بأن نبيهم موسي قد انتُشِل من النهر، والمسيحيون يؤمنون بأن نبيهم وُلِد من عذراء دون أن يمسسها بشر، فلماذا لا نؤمن نحن بأن نبينا وُلِد بعد أربع سنوات من الحمل به؟؟!!. ومع أن عـلـوم الطـب الحديث قد وضعت مثل هذه الخرافات في مزابل التاريخ، إلا أنها مازالت تدخل ضمن اجتهادات العملاء الدجالين والملفقين والمـطبلـين والـمـزمـرين، ومازالت تصدقها العقول المتحجـرة وتوافق عليها وتعتقد فيها حتى اليوم.

كما يفهم كل ذي عـقل متفتح من تلك الـروايات الطويلة والمملة أن قـريش (قبيلة صلعم) شككت في نسب محمد أمام عـمه عباس، وقالت أنه لا أصل له، وبدلا من أن يدافع عباس عن ابن أخيه أمام قريش راح يبلغه بذلك، مما أغضب صلعم غضبا شديدا وأخذ يردد أكثر من مرة بأن الله حين خلق البيوت جعله من خير بيوتهم فهو خيرهم أبا وخيرهم نفسا، أو عندما خلق الخلق جعله في خير خلقه ... إلى آخره*23* من هذه الخـرافات والأوهام التي لايصدقها سوى الجهلة أو المـرتزقة. ونسوا عن عـمد أن الحكمة الشعبية تقول: لا يشكـر في نفسه إلا إبليس.

ولأن الافكار تتداعى، وخـرافات وأوهام البدو العربان تنهال على رؤوسنا وتطاردنا في كل مكان وزمان، نذكر أنه عندما مات عبد العزيز بن سعود " ملك البدو العربان أحفاد صلعم " في عام 1953م، ادعـت سيدات كثيرات في العربية الصحراوية أنهن أنجبن منه أولادا أو بناتا، وظل هذا الادعاء قائما لسنوات عديدة بعد موته، فكان لابد لأولاده الكبار المعتمدين أن يحددوا من منهم أبناءه ومن غير ذلك، وبطبيعة الجهل الصحراوي المقدس لجأوا إلى " العملاء الدجالين " الذين أصدروا فتوى قالوا فيها « إن الحمل يمكن أن يدوم ثلاث أو أربع سنوات، تيمنا بالسلف الصالح »، هكذا والمتضرر يذهب إلى الجحيم. حتى وإن كان تحليل الحمض النووي قد اكتشف آنذاك فسوف لا يعـتد به، لأنه من صناعة الكفار، شأنه في ذلك شأن كافة الاكتشافات العلمية الأخرى (لمزيد من الاستمتاع بالجهل الإسلاموي المقدس أنظر الفصل التاسع).

نعود مـرة أخرى إلى مولد المصطفى صلعم لنجد من البديهي أن يسأل البعض:
لماذا إذن قبله عبد المطلـب حـفيدا له إذا كان يعـرف أنه ابـن رجـل آخـر غـير ابنه عبد الله؟.
هذا السؤال وجيه وله ما يـبرره، خاصة ونحن مع البدو الـعـربان لا نكف عن ترديد كلمات جوفاء مثل « الأصل العـريق والنسب الشريف ... إلخ ». وللأجابة عليه نعود إلى ظلام الـتراث الإسلاموي الدامس نتلمس فيه بقدر المستطاع إجابة شافـية كافـية.

كان البدو العربان السراسين لظروفهم الموضوعية آنذاك (وحتى الآن) لا يهتمون إلا بالولد دونما اعتبار إن كان مولودا من عـاهرة أو زانية. فتاريخهم المجيد يقول لنا أن أربعة من الرجال هم العاص وأبو لهب وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حـرب تنازعوا على بنوة عمرو «بن العاص» رغم معرفتهم بأن أمه عاهـرة وقد تناوبوا عـليها الأربعة في وقت واحـد. ففي جلسة عاصفة لمعاوية بن أبي سفيان وغـريمه حسن بن علي بن أبي طالب (حفيد صلعم) التفت الأخـير إلى عمرو بن العاص وقال له « أما أنت يا عـمـرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، فإنما أنت كلب أول أمرك إن أمك بغية[عاهرة أو قحبة]، وإنك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش، منهم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحرث والنضر بن الحرث والعاص بن وائل، كلهم يزعم أنك ابنه فغلبهم عليك ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغـيـة... ». كذلك عـيَّر عمـرو بنسبه كل من عـلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعمار بن ياسر وغيرهم من عصابة الصعاليك المحمدية.

وتذكر بعض كتب الـتراث الـوثنية التـقـديس إنه عـندما سئلت أم عـمرو: « لماذا اخـترت العاص؟ قالت: لأنه ينفق على بناتي، بينما تذكر أخـرى إن الحق في بنوته كان للعاص لغلبة الشبه بينهما »*24*. وبالمناسبة سوف تكون لنا عودة إلى عـمرو بن العاص هذا لكونه من أخبث وأردأ وأحـط الشخصيات التي ظهرت في تاريخ العـربان الإسلاموي، والتي أثرت في مساره بشكل سيء حتى يومنا هذا.

بطبيعة الحال كان لابد للدجالين أن يشيروا إلى هذه القضية، فنسب الدجال أبو هريرة إلى صلعم قوله: « ثلاث من الكفر بالله شق الجيب والنياحة والطعن في النسب*25* »، وقد يصدق الدجال أحيانا، لأن هذا الطعن في النسب يطال صلعم شخصيا.

بقى أن نذكر قول عمر بن الخطاب في دفاعه عن حـد الرجم بأنه حق وقد هم بكتابته في المصحف، وأنه سأل أبي بن كعب فقال له إنه استقرأ آية الرجم من رسول الله صلعم « لأنهم يتسافدون تسافد الحمر*26* »، أي أنهم ينزون أو يثبون على بعضهم البعض من الخلف مثل الحـمير.

هذه إذنْ صورة المجتمع البدوي الصحراوي قبل وبعد الأسلمة، وحقيقة نبيه " المصطفى أشرف خلق الله أجمعين "، مجـرد ابن حـرام.

ومادام العملاء بصدد مولد هذا المصطفى، فلابد أن تتفتق قرائحهم ويجتهون في تلفيق عدد من المعجزات التي حدثت قبل ولادته وبعدها لإثبات نبوته، في محاولة يائسة لإزالة الشك الدائر حولها باستمـرار، وطالما عندهم وقت وليس عندهم عمل، فلا بد أن يحلو لهم التلفيق والتزويق، لأن فيهما دفاعا عن وجودهم، وترسيخا لسطوتهم.

من هذه المعجـزات على سبيل المثال:
أن أمه عندما حملت به رأت نورا يخـرج من فـرجها (كسِّها).
وأنه ولد مختونا، لذلك لم يختن كطفل. ولأنه ولد مختونا، فقد أصبح الختان واجبا على كل متأسلم، دون تحديد لموعده، مع العلم بأن الختان لم يذكـر في الـقـرآن قـط، سواء أكان للـرجال أو للنساء.، وأنه مجـرد عادة فرعونية قديمة أخذها العبرانيون، ثم انتقلت إلى أشقائهم البدو العربان.

وأضافوا إلى ختانه، أنه ولد مسرورا، أي مقطوع الحبل السري، مع العلم بأن من يقطع حبله السري في رحم أمه وقبل أن يصرخ صرخته الأولى يموت قبل ولادته، فالحبل السري هو الذي يمد الطفل بالأكسوجين والغذاء والماء إلى أن يولد.

وأنه ولد وكان بصره شاخصا إلى السماء، مادام سيصبح نبيا فيما بعد.

وفي الليلة التي ولد فيها ارتجس أيوان كسرى، وسقطت منه 14 شرفة، وخمدت نار الفرس التي لم تخمد منذ ألف عام، وغاصت بحـيرة ساوة. وهنا يتساءل الدكـتور كامل النجار بحق: « إذا كان الله قد أرسل محمدا لأهل مكة والجزيرة العربية في المكان الأول، ...، لماذا ارتجس إيوان كسرى في العراق وخمدت نار المجوس في بلاد الفرس ولم يحدث شيء في مكة وجوارها؟*27* ».

وأنه عندما كان في حضانه حليمة السعدية جاءه ملكان وشقا صدره وفتحا قلبه ونظفاه من العلقة السوداء. ولم يقولوا لنا: أين هي هذه العلقة السوداء سواء التي أزيلت عن قلب محمد أو التي توجد في قلوب الناس؟؟. مجـرد كلام فارغ يصدقة الجهلاء!!!
وأن ميْسرة أحد عبيد خديجة بنت خويلد رأي سحابة تظلله من أشعة الشمس الحارقة خلال رحلتيهما التجارية لحسابها إلى الشام، وفي رواية أخـرى قال أنهما مَلِكان.

وأن ريقه وبوله يشفيان من الأمـراض، وعـرقه أطيب من الطيب، ومن شـرب دمه عصم نفسه من النار. وأنه لم يكن له ضـراط قط. وأن منيه طاهـرا بحيث كانت عائشة تفـركه من ثوبه ثم يذهب فيصلي فيه. أما غائطه (برازه أو خـراؤه) فكانت تنشق الأرض وتبتلعه، وتفوح لذلك رائحة طيبة، فقد أسند الواقدي خبرا عن عائشة أنها قالت لصلعم: إنك تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى!! فقال: ياعائشة، أو ما علمت أن الأرض تبتلع ما يخـرج من الأنبياء، فلا يرى منه شيء!!*28*. وكله هلوسات بدوية صحـراوية في هزيان عملاء سنة محمدية أو شيعة عـلـوية.

وإضاف القرآن إلى تلك المعجزات المحمدية رحلة الإسراء وأكملها العملاء برحلة المعـراج، التي لم تذكـر في القـرآن، إذ أنه امتطى مخلوقا خـرافيا عجيبا اسمه " الـبراق "، وانطلق إلى " المسجد الأقصى " في أورشاليم القدس، وهناك ربط براقة بالحائط الغربي للمسجد، حيث كان الأنبياء من قبله يـربطون دوابهم، ودخل المسجد وصلى بالأنبياء جميعا قبل أن يعـرج به إلى السموات العلا، ليتفقدها الواحـدة بعد الأخـرى، حتى وصل إلى سـدرة المنتهى.

وقد تسببت هذه المعجـزة عندما إعلنها محمد، على غير ما نصحته به عائشة أو غـيرها، في اتهام القرشيين له بالكـذب، وحملت الكثيرين من أتباعه القليلين على الارتداد عن دينه، فجاءه الوحي لإنقاذه من ورطة الكـذب الفاضح بقوله: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} الإسراء 59، بمعنى أن ربه عمل هذه الحكاية لإحداث بلبلة بين الناس، دون إبداء الأسباب، مجـرد تسلية إلهية ولعب بمشاعـر الناس. وانبرى رفيقه " الصديق " أبوبكر لتأكيدها. لكن عائشة قالت فيما بعد إنه لم يغادر فراشه وإنها حدثت بالروح وليس بالجسد. ولعلها لم تكن تدري أن الأرواح لا تحتاج إلى حيوان خـرافي مُجَنَّح كي يطير بها.

ومع أن المتأسلمين مازالوا يحتفلون بهذه الخـرافة، ومازالت تتلى على آذاننا في كل مكان وزمان وتدرس لنا في معاهدنا العـلمـية، فإن أحـدا منهم لا يدري

أولا: أن المسجد الأقصى القائم الآن في أورشاليم بناه الأموي عبد الملك بن مروان في عام 72 بعد الهجـرة أي بعد موت محمد بأكثر من 60 سنة، ليصرف المتأسلمين عن الذهاب إلى مكة للحج أو العمـرة. (أنظر فصل: الصعاليك خارج كمائنهم).

ثانيا: ذهب بعض المؤرخين إلى أن المسجد الحرام في مكة كان يسمى المسجد الأدنى، وأن المسجد المقصود (الأقصى) كان في منطقة الجعرانه القريبة من مكة.

وعندما يعرف أحدهم ذلك يلجأ إلى المراوغة والتلفيق المعمول به فيقول أنه في السماء، ولا ينسى أن يمهر كلامه بالقـول: والله أعـلم، ولكن لا أحدا منهما يعلم شيئا.

وثالثا: من يقـرأ أساطـير البابليين والفـرس واليونايين القدماء ويطلع على خـرافات اليهود يجد العـديد من القصص المشابهة تماما والتي عـرفت جميعها بالإسراء و المعـراج، وذلك لربط أنبيائهم بالإله الأعلى وبأماكن معينة تحظى بالـقـداسة بين الناس.

إن الاحتمال الأرجح لهذه القصة الخـرافـية، هو أنها جـزء من المحاولات المضنية والعديدة التي قام بها صلعم من أجل انتزاع اعـتراف اليهود بدعـوته الجـديدة.

وبطبيعة الحال لم يتمكن نبي البدو من الادعاء بأنه حظي خلال الرحلة برؤية وجه ربه، كما ادعت توراة العبرانيين بالنسبة لنبيهم موسي، حتى لا يضطـر لتقديم وصف لذلك الوجه. ومع ذلك يخبرنا قرآنه في آيتين أن المؤمنين سيسعدون برؤية وجه الله يوم القيامة، وأنه سيلقي عليهم السلام (القيامة 22ـ23)، وأن وجوههم يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة (الأحزاب 44)، ألم يكن من الأحـرى بهذا الإله المزعوم أن يُري وجهه لـ"نبيه المصطفى" من دون البشر جميعا؟؟.

❉-;---;-- إعـداده للـنـبوة

إن النظـرة الموضوعية لتاريخ البشـر تدلنا ـ بما لا يقبل الشك ـ أن المخاضات التي تؤدي إلى التغيير تأتي من الأرض وليس من السماء وتكتسح الأرض ولا تلمس السماء، هذا إذا كانت هناك سماء يقبع فيها إله بالفعل. ولكن الكثـير من تلك المخاضات جـرى تحت إسم السماء وبغطاء منها كي يكتب لها البقاء، ولا تزول كما حدث للشيوعية والاشتراكية والنازية وغـيرها، والتي ظهـرت في بداية القرن العشرين ولم تدوم طويلا. وأن المخاض الذي أدى إلى ظهور الإسلام في المجتمع المكي لم يكن سوى عملا فرضته ظـروف المجتمع الصحـراوي وبيئته، وتم التخطيط له بعناية على أيدي مجموعة من الغـيورين على أحوال ذلك المجتمع، والمطلعين على الديانات السائدة في المنطقة والمحيطة بهم، وفي مقدمتهم القس أو الـراهب ورقة بن نوفل، والراهب بحيرا النسطوري المخلوع من الكنيسة لهـرطـقـته، ومن ثم تجنيد صلعم وعصابته للقيام به.

ومن الملاحظ أن المصادر التاريخية التراثية لم تذكر أي شيء عن محمد منذ ولادته وحتى زواجه من خديجة بنت خويلد عندما كان عمره 25 سنة، سوى أنه عاش شبابه في زهد وطهـر، فلم ينغمس في الملـذات كحال أقـرانه من الشباب، والحقيقة أننا لا ندري لماذا انغمس في تلك الملذات على كِبر وبعد أن تأمَّر على الناس؟؟، وأنه كان معدما فقـيرا مما اضطـره إلى رعى الغنم للغير، ولقب بـ" الصادق، الأمين " و " النبي الكريم "، مع أن صفة الكريم لا تنطبق على المعدم الفقير. ولما كبر راح يعتكف في غار حـراء مثلما كان يفعل جده عبد المطلب وآخـرون. وتقفذ الـروايات ـ مـرة واحدة ـ من مولده إلى أول لقاء له بخديجة بنت خويلد بن أسد أحد أحفاد قصي بن كلاب.

ويفهم من التفاصيل الطويلة والمملة في تلك الكتب الـتراثية والوثنية التقديس أن خديجة هذه كانت من بني أسد القرشيين [قـريش البطاح] الذين كانوا يسكنون بباطن مكة، بالوادي، في بيوت مستقـرة لامتهانهم التجارة، وأنها تزوجت مـرتين قبل أن تطلب الـزواج من محمد، وتؤكـد المـروايات الـتراثية على أنها كانت شـريفة وثرية ولكن في مجمل التفاصيل يتضح لنا أنها كانت أيضا على علم ومعرفة بمفهوم التوحيد الإلهي والملائكة والنبوة لصلتها الوثيقة بابن عمها «الـقـس أو الـراهـب» ورقة بن نوفل بن أسد، وأنها لذلك لعبت دورا أساسيا في إعـداد محمد للنبوة وساندته ماديا ومعنويا {ألم يجدك يتيما فآوي، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى} الضحى 6ـ 8، وتؤكد كتب التفاسير على أن الله هدى محمد بالإسلام وأغناه بمال خديجة الثرية، ويتضح من قـراءة تلك الكتب أن الـرواة والمـؤرخين تعمدوا عدم التعمق في شخصيتها ومحاولة حجـب دورها في إعـداده للـنبوة، « ولكنها مع ذلك أصبحت جـزءا مـن "أسطورة" نشأة نبوة محمد وحيثية من حيثياتها التي لا يمكن عزلها عنها، والتي لا تكتسب أهمية أيضا إلا في علاقة بها »*29*. أما شخصية الـراهب ورقـة فقد تجاهلوها تماما، باستثناء أنه عقد قرانهما وتنبأ بنبـوة محمد، وبشـر خـديجـة بها.

كان ورقة أحد أهم الذين عرفوا بالحكمة والتأمل والـنزوع إلى التوحيد الإلهي في مكة، وشكلوا فيما بينهم وحدة فكرية واحدة، أطلـقوا عـلى أنفسهم إسم "الحنفاء"، ونظـرا إلى أنه لم يكن لـ"حنفيتهم" تاريخ، فقد نسبوها إلى النبي العبراني إبراهيم، وآمنوا بإله واحد أحد لا شـريك له هو " الله "، أي الإله المأخوذة من الإسم الكنعاني إيل، كما سبق ذكره، واعـتزلوا عبادة الأوثان وامتنعوا عن أكل ذبائحها وحـرموا على أنفسهم الخمـر والميسـر والأزلام*30*، فجاء القرآن فيما بعد يقول بدوره: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} المائدة 90. وكانوا يقـرون بـ" البعث ". وتشير بعض الـروايات الـتراثية إلى « أن ورقة تنصر واستحكم في نصـرانيته » دون أن توضح متى وأين حـدث ذلك وعلى يد من؟، خاصة وأنه لم يظهـر في سلوكه ما يفيد ذلك، ولكنه كان يعـرف القـراءة والكتابة، فكان يكتب من الإنجيل المكتوب بالأرامية أو السريانية آنذاك ما شاء أن يكتب »*31*.

لا شك أن وجود ورقة على قمة الحنفاء في مكة ولصلته الوثيقة بابنة عمه خديجة أوجد مناخا عقائديا عاشت فيه، فكانت على دراية باهتماته الدينية والفكرية التي جعلتها تنجذب إليه، خصوصا وأننا لا نجد في كتب الرواة ما يشير إلى ارتباطها بالعقائد العامة السائدة في قريش أو التحمس لها بوجه خاص*32*.

وتشدِّد الروايات التراثية على أن خصال محمد الإخلاقية كانت على قمة الاعتبارات التي حملت خديجة على توظيفه ليرأس تجارتها إلى الشام واليمن وهو في " الخامسة والعشرين "، وإعطائه ضعف ما كانت تعطيه لغـيره*33*، ثم قـررت ـ على غير ما هو سائد في المجتمع المكي ـ أن تتزوجه، فـ" عرضت نفسها عليه " عقب عـودته من أول رحلة تجارية إلى الشام قام بها لحسابها، وحقق لها مائة ضعف مما كان يحققه الآخـرون من ربح. وتعلق الدكتورة سلوى بالحاج على ذلك بقولها: « إن في موقف خديجة هذا جرأة كبيرة تدل على أنها كانت سيدة نفسها وصاحبة الـقرار فيما يتعلق بحياتها ومستقبلها*34* ». والحقيقة أنه لا غضاضة في ذلك، بل هو ما يتبع بين الحيوانات ومن باب أولى أن يتبع أيضا بين البشر.

من الملاحظ كذلك أن الغياب الكامل للأخبار الـتراثية قد أطبق على الـفـترة بين زواج محمد من خديجة والبعث، وهي فترة هامة لكونها فترة الإعداد الجدي للنبوة، وقد دامت خمس عشـرة سنة تبعا للـروايات، خصوصا فيما يتعلق بدورها في دعمه ماديا ومعنويا. إذ لابد أن يصبح محمد بزواجها منه جزءا من علاقتها الروحية بابن عمها ورقة وانجذابها إلى اهتماماته العقائدية والفكرية، خاصة بعد أن وفـرت لمحمد الاستقرار العاطفي والأمن المادي وولدت له البنين والبنات*35*. مما وفر له الوقت والطاقة للتفكير والتأمل. وتذكر المرويات أن "ميسرة" عبد خديجة الذي رافق محمد في أول رحلة تجارية إلى الشام حكى لها بعد عودتهما أن الـراهب بحـيرا النصراني تنبأ لمحمد بالنبـوة، وأن الملائكة كانت تظلله من الشمس*36*، فأسرعت إلى ورقة لتبلغه بذلك، وعـلـق ورقة قائلا: « لئن كان ذلك حقا ياخديجة إن محمد لنبي هذه الأمة وقد عـرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي يُنتظـر هذا زمانه*37* ».

ولما جاءه الملاك جبريل بالوحي إلى صلعم في غار حراء، لم يصدق ما حدث له، فأسرع مذعورا إلى خديجة لتدثره [تغطيه]، وللتدليل هنا على صحة نبوته يتحفنا الملفقون الأوائل بقصة صبيانية وربما تكون مخـزية أيضا، إذ طلبت منه أن يخـبـرها عندما يـرى جـبريل وهو يجلس على فخذيها الواحد بعد الآخـر، فكان يراه، ولكنه اختفى (لخجله) عـندما أجلسته في حجـرها (بين فخذيها)، وراحت تخلع ملابسها، وتضع رأسه بين نهديها، تبعا لبعض الروايات الأخرى، عندئذ قالت له أبشر يابن العم إنه ملاك وليس شيطان، لأنه كما هو واضح قد انكسف منهما، ولكنه لم ينكسف من عائشة بعد ذلك، فكان يأتيه وهي معها في لحاف واحد، إنه إذن ملاك لا يخجل من الزوجات المـراهقات!!!. انطلقت به خـديجة إلى ورقة فقال: « هذا الناموس [صاحب السر أو صاحب الوحي، والمراد به جبريل] الذي أنزل على موسى بن عمران*38* ». بينما تقول روايات ثانية إنها ذهبت إليه بمفـردها، أو ثالثة إنها أرسلت أبا بكر، ولكنها تتفق ـ جزئيا ـ مع ما قاله لها*39*.

وعندما مات ورقة في بداية البعثة ولم يعـرف عنه أنه اعتنق عقيدة صلعم، انقطع الوحي بعد سورة القلم لمدة تقـرب من ثلاث سنوات، فمر النبي الجديد بأزمة حادة، وصل به اليأس خلالها إلى حد التفكـير في الانتحار بالقفـز من شواهق الجبال، ومع ذلك، فإن كتب التاريخ تؤكد أولا على ظهور جبريل في اللحظة الحـرجة ليصده عن ذلك، وثانيا على استمرار دور خديجة في النقاش معه ودعمها المعنوي له. وأخيرا وجد محمد من يحل محل ورقة في إمداده بالوحي من السماء، الأمـر لم يخفى على القريشيين، فاتهموه أكثر من مرة ـ وباعـتراف القرآن في إماكن كثيرة ـ بأن أحدا يلقنه ما يدعي أنه وحي إلهي. وفي هذا الشأن ذكرت كتب التراث الإسلاموية عددا ممن كانوا يلقنونه الوحي الذي زعم أنه ينزل عليه من السماء أهمهم الراهب " بحيرا " النسطوري، وكان بحيرا قد انشق على الكنيسة المسيحية، وهرب من فلسطين وبنى له صومعة في بصـرى بالقرب من دمشق. وتذكر المرويات التراثية أنه تنبأ أيضا بنبوة محمد عندما رآه لأول مرة وكان برفقة عمه أبي طالب في رحلة تجارية إلى الشام وكان عمره آنذاك خمس سنوات وقيل تسع أو أكثر، كما ذكرت أن خديجة ذهبت إليه كما ذهبت إلى ورقة عندما نزل عليه الوحي لأول مـرة. وكـما هو واضح فإن الأمـر برمته يتركـز على إثبات نبوة مـزعومة، تدور حولها الشكوك دائما وأبدا.

وفي السنة الثالثة للبعث "المزعوم" جهـر بدعوته بناء على أمـر ربه، فظهـرت خديجة على الساحة العلنية لتدشن مـرحلة جديدة من الدعـوة الإسلاموية، إذ توضأت وصلت أمام الكعبة بجانبه ومعهما غلام مـراهق*40*، هو عـلي بن أبي طالب، ولكن المرويات التراثية لم تكشف لنا عما إذا كانت صلاتهم مثلما يصلي المتأسلمون الآن أم لا، خاصة وأن القـرآن نفسه لم يحدد عدد الصلوات اليومية وموعـد وكيفية آدائها، وهل كانوا يتجهـون في صلاتهم هذه نحـو أورشليم القدس كما فعل محمد فيما بعد لمدة 18 شهـرا عقب لجوئه إلى يثرب بهدف مداهنة اليهـود فيها أم لا. طبعا سيقول الجهلاء أنهم كانوا يصلون كما نصلي الآن، وهم معذورون، لأنهم لا يعـرفون أن الصلاة لم تُفـرض على المتأسلمين إلا في العام العاشـر من ظهور التأسلم.

وكان المكيون يطالبونه بأن يأتي لهم بمعجزة تثبت نبوته كما فعل أنبياء اليهود والنصارى من قبله، فعجـز تماما، واستدعى الوحي القرآني لإنقاذه من الورطة دون جدوي، فقال في البداية أن صلعم بشر مثلهم يوحى إليه من ربه، ثم بعد ذلك ابتدع قصة الإسراء والمعراج التي سبق ذكـرها. حيث أتى بالصلاة بعد تخفيفها من خمسين صلاة في اليوم إلى خمس صلوات فقط، من خلال رحلة مكوكية قام بها بين العرش الإلهي وموسي العبراني. وكأن إله البدو العربان ليست لديه أية معرفة بطبيعة البشر الذين من المفترض أنه خلقهم. فأي إنسان لديه الحد الأدنى من الذكاء لا يستطيع أن يتصور، أن شخصا ما يصنع جهاز كمبيوتر مثلا ولا يعرف كل أجزائه، وكيفية وطبيعة عملها تمام المعرفة!!!. ومرة أخرى وليست الأخيرة يثور اللغط والكذب والتبريرات الواهية، منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظة. ويتجاهل العملاء الجهلاء أن القصة برمتها عبارة عن أسطورة خـرافية أخذها العبرانيون عن الـفـرس.

ومع نهاية العام السادس وبداية العام السابع من بدء الدعوة قررت جميع القبائل القرشية مقاطعة بني هاشم وبني المطلب بمن فيهم من مسلمين ووثنيين، ودونوا ذلك في صحيفة علقت بالكعبة. فما كان من بني هاشم وبني المطلب جميعا أن غادروا منازلهم في مكة ولجؤوا إلى الشعاب الكائنة في الشرق منها، ليعيشوا في جبالها القاحلة بدافع الحمية القبيلية. وكانت خديجة مع المغادرين. واستغلت مكانتها المادية في توفير المؤن للمحاصرين، والتصدي بنفسها لمن يحاول منع وصول البضائع إليهم. ومع ذلك فقد اختفت أخبار تجارتها ولم يعرف مصيرها منذ ذلك الوقت.

استمر الحصار شديدا حتى السنة العاشرة للدعوة، وعرف المحاصرون في ذلك الوقت الجوع، ومع ذلك لم يزعنوا لقريش ولم يخذلوا محمدا بدافع قوي من انتمائهم القبلي. وبعد فك الحصار وعودتهم إلى بيوتهم لم تعش خديجة طويلا، فقد ماتت بعد موت أبي طالب عم النبي بشهر وخمسة أيام في بعض الروايات، وخمس وخمسين ليلة في البعض الآخر، بل ثمة ما يقول أنها ثلاثة أيام فقط. وقد كان موتها بمثابة نكبة على محمد، خاصة وأنه اقترن بموت عمه، فوصفت تلك السنة بسنة " الحزن ".
الهوامش:
*1*باتريشيا كـرون ومايكل كـوك: الهاجريون، ترجمة نبيل فياض، مصدر سابق.
*2*Michael Kolonvsky: Der biblische Moses als Relegionsgruende? http://www.mkolonsky.de.
*3*مـن المفارقات العجيبة أن أحد المحاميـن المصـرييـن، مـن العاطليـن عـن العمل أو ممن يبحثون عـن الشهـرة، أراد في الوقت الحاضـر رفع «دعوة» قضائية ضد دولة إسـرائيل لمطالبتها بـرد تلك الثـروة الطائلة إلى مصـر أو تعـويضها عنها، على اعتبار أنها ذهبت إليهم وحدهم ولم تذهب بالمثل إلى البدو العـربان، رغم الادعاء المعـروف بأن إبـراهيم هـذا كان الجد الأكبر للعبـرانييـن والعـربان عـلى حد سواء. ولا ندري لماذا لم يطالب أيضا بما سلبه ونهبه أو سـرقه المدعو موسى، النبي المشـتـرك بينهما، فضلا عما ارتكبه العـربان أنفسهم تحت راية دينهم في حق الشعوب التي اغتصبوها وسلبوها ونهبوها حتي وقت قـريب؟؟
*4*إنجيل يوحنا 44/8 .
*5*حاليا توجد محاولات من عملاء الأزهـر في مصر لإزالة الصفات الغـير حسنى عـن «إلههم»، متجاهلين بذلك ما قاله هو عن نفسه!!.
*6*إسم جـبرا مازال مستعملا بين الفلسطينيين والعراقيين - أشهرهم جبرا إبراهيم جبرا ، الكاتب الفلسطيني المعـروف.
*7*أبكار السقاف: الدين في شبه الجزيرة العربية، ط1، ص27، الانتشار العربي، بيروت 2004.
*8*خليل عبد الكريم: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، ط2، ص 34-35، دار مصر المحروسة، القاهرة 2004.
*9*باتريشيا كرون ومايكل كـوك: الهاجريون، ترجمة نبيل فياض، مصدر سابق.
*10*Wilhelm Maria Maas: Der Koran-ein christliches Lektionar?,Novalis 11.12.2003, und Hans-Caspar von Bothmer u.o: Neue Wege der Koranforschung, magazin forschung 1.1999,.
*11*إبن سعد: الطبقات، ج8، ص 139 .
*12*مصري أعلن إلحاده في عام 1937 ويقال إنه انتحر في عام 1940 وكان عمره 29 عاما .
*13*د. إسماعيل أحمد أدهم: الرسالة الأولى من مصادر التاريخ الإسلامي، ط1، ص5.
*14*علي بن برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية، مجلد1، ص 131، دار المعرفة ببيروت، بدون تاريخ.
*15*المستشار محمد سعيد العشماوي: الخلافة الإسلامية، ط2، ص83، سيناء للنشر، القاهرة 1992.
*16*النساء ، آية 171: « إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله » كذلك في آل عمران 3/45 والمائدة 5/75.
*17*آرثر جِفري : بحثا عن محمد التاريخي ، ترجمة مالك مسلماني http://www.muhammadanism.org
*18*الخصائص الكبرى للسيوطي، الجزد الأول، ص 132-135.
*19*عيون الأثر في المغازي والسير لابن سيد الناس، باب تسميته محمد وأحمد. وأيضا السيرة الحلبية للإمام برهان الدين الحلبي، باب ذكر حمل أمه صلعم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
*20*منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للشيخ العلامة علي المتقي الهندي، باب معاذ بن جبل.
*21*رواه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه رقم 21.
*22*تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
*23*البداية والنهاية لابن كثير، باب تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله، ج2، ص316.
*24*الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، باب احتجاج الإمام الحسن في مجلس معاوية. وأيضا السيرة الحلبية، مصدر سابق.
*25*الجامع الصغير للسيوطي، حديث رقم 3437 المستدرك للحاكم من حديث أبي هريرة.
*26*الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، باب في ناسخه ومنسوخه.
*27*د. كامل النجار: قراءة نقدية للإسلام، الفصل الثالث.
*28*لمزيد من هذا الهـراء الإسلاموي وغيره إقرآ مقال رشيد احمامي بعنوان: الفضلات النبوية المقدسة في موقع http://www.muhammadanism.org بتاريخ 15 أكتوبر 2006.
*29*د. سلوى بالحاج صالح - العايب: دثيرين...ياخديجة، ص 11-13، مصدر سابق.
*30* الـزلم هو السهم الذي كان العرب قبل الإسلام يتحـرون به بين الأقـدام على فعل الشيء أو الإحجـام عنه. أنظر لسان العرب لابن منظور، ج6، ص 75.
*31* يقول جواد علي إن الحنفاء جميعا كانوا عارفين بالقراءة والكتابة أي كانوا من «النخبة الثقافية»، مصدر سابق، ج6، ص 106.
*32* د. سلوى بالحاج صالح-العايب: دثيرين...ياخديجة، ص51، مصدر سابق
*33* طبقات ابن سعد، ج8، ص16، مصدر سابق.
*34* نفس المصدر، ص57.
*35* أثبت الكاتب صالح الورداني في مقال نشر في مجلة روز اليوسف المصرية بتاريخ 1997/6/23، عدد 3602، ص97 أن الأبناء الستة هم أبناء خديجة من زوجيها السابقين وليسوا أبناءها من محمد.
*36* سيرة ابن هشام: ج1، ص199.
*37* نفس المصدر، ص203.
*38* تاريخ الطبري، (عن عائشة بنت أبي بكر)، ج2، ص298.
*39* ابن هشام. مصدر سابق، ج1، ص238.
*40* تاريخ الطبري، مصدر سابق، ص312.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 5
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 4
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 3
- الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 2
- الخديعة الكبري العرب بين الحقيقة والوهم 1
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 4
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 3
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس ؟ -2
- تعليق سريع على حوار القراء المتمدن
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟
- المرض المزمن الذي أصاب المصريين
- الناس اللي تحت
- إنتو شعب واحنا شعب حكاية حزينة للغاية
- مصر والطريق إلى الديموقراطية
- الشيخ أحمد وزملاؤه
- أما آن الأوان للأزهر أن يتحرك؟؟
- بين هذا وذاك
- العربان المتأسلمون
- الشيطان الأكبر


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الخديعة الكبرى العرب بين الحقيقة والوهم 6