|
الحوار بين أمريكا والإسلاميين: المنطلقات والأهداف - الحلقة الأولى -
سعيد مبشور
الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 11:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"ملايين الناس يطلبون الحرية لأنفسهم والديموقراطية لبلادهم (في الشرق الأوسط), وإلى هؤلاء الرجال والنساء الشجعان أقول: إن كل الأمم الحرة ستقف معكم في مسعاكم من أجل حريتكم". كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة، شهر يونيو 2005.
الطرف الأمريكي: حرب، حوار، وحرية --------------------------
ظل الحوار بين الإسلاميين والغرب وبالتخصيص الولايات المتحدة الأمريكية قائما غير منقطع، نظرا لما يشكله الحوار والتواصل مع مختلف قطاعات الحقل السياسي والإيديولوجي في أي بقعة، من أهمية بالنسبة لقادة العالم، ولأهمية هذا التواصل في حفظ التوازنات الدولية والإقليمية، وكذلك ضرورته القصوى في تشكيل رؤية واضحة حول خارطة الصراعات وحتى التوافقات التي ينبني عليها مستقبل كل منطقة بمعزل أو بارتباط مع باقي مناطق المعمور. وشكلت حالتان، النموذج الأكثر تعبيرا عن الاهتمام الأمريكي بالحالة الإسلامية، وهما حالتا الجهاد الأفغاني إبان الغزو السوفياتي، وثورة الخميني في إيران. لكن مآل الحالتين لم يكن على النحو الذي أرادته تماما الولايات المتحدة. ففي إيران استفاد الثوار من الدعم الأمريكي العلني وغير العلني لإسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا على هذا الدعم و " شيطنوه "، كما انقلبوا على أخص حلفائهم وهو حزب تودة ذي التوجه الشيوعي، وخرجت إيران قوية من حرب الخليج الأولى حتى غدت الآن عضوا في نادي الدول النووية، مما يقض مضاجع الساسة الأمريكان وغير الأمريكان. أما في الحالة الأفغانية، فقد نزلت أمريكا بثقلها اللوجيستيكي، وتحت غطاء بعض النظم الخليجية وبعض دول جوار أفغانستان، رغبة منها في دحر السوفيات الأقوياء آنذاك عسكريا وإيديولوجيا، وكان غرض الولايات المتحدة إغراق الاتحاد السوفياتي في مستنقع حرب دامية، ضد عدو يحمل هو الآخر عناصر قوة إيديولوجية لا ينقصها سوى دعم المال والرجال والسلاح. لكن ومع اندحار الدب الروسي، من فوق جبال أفغانستان، ظهرت قوى أخرى كامنة وسط الخليط الكبير من المقاتلين الأجانب الذين كانت تعج بهم معسكرات الجهاد في كل أنحاء أفغانستان، وبدا أن هناك من يريد الاستفادة من خبرة هؤلاء المقاتلين ودربتهم في إيقاظ فكر جديد، قائم على عقيدة الحرب الشاملة، واستكمال مسلسل الإنجازات الحربية ضد أعداء قدامى كانت المعارك قد تأجلت على واجهتهم ، إلى حين خروج الاتحاد السوفياتي من الباب الخلفي للتاريخ، جارا ذيول الخيبة والفشل. كان الوقت مناسبا لأولئك الذين ذاقوا حلاوة الانتصارات الميدانية لترتيب أوراقهم في جبهتين: - جبهة الدولة، وهو ما تجسد في تكوين دولة طالبان، بعد صراع داخلي مرير بين فصائل المجاهدين حول اقتسام النفوذ، وقد كانت الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي رحبت بمجيء الملالي إلى سدة الحكم، لكنها ما لبثت أن تراجعت عن هذا الاعتراف عندما تبينت لها المعالم الدينية والعرقية التي ينبني عليها النظام الأفغاني الجديد، والتي لا تخدم المصالح والتوازنات الإقليمية. - وجبهة المواجهة العالمية، التي بلغت ذروتها، وتحت عناوين مثل الجهاد ضد الصليبيين، مع تجميع المقاتلين الأجانب في تنظيمات تعد قاعدة الجهاد أبرزها، وسرعان ما تحولت بقايا العرب الأفغان إلى خطر داهم توزع في كل الأنحاء والاتجاهات. إن التجربة الأمريكية في مجال توظيف بعض الاتجاهات الإسلامية في إطار الصراع حول المصالح والتوازنات، ظلت حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر تتراوح بين الاعتراف بشرعية بعض الأشكال الإسلامية، والتعامل بحذر مع بعضها، لكنها بعد تفجيرات الثلاثاء الأسود أخذت بعدا آخر في أجندة الأمريكيين، وحساباتهم، وطريقة نظرتهم إلى العالم الإسلامي، ونمط تعاملهم مع دول المنطقة المسماة بالشرق الأوسط. ولئن كانت أمريكا تدعم كثيرا من الأنظمة غير الشرعية، وغير الديمقراطية في المنطقة، فلأن هاته الأخيرة لعبت دورا كبيرا في التضييق على تحركات الإسلاميين، وطموحاتهم في الوصول إلى السلطة من جهة، وفي كسب ود العالم واعترافه بهم كقوة اجتماعية وسياسية مشروعة من جهة أخرى، بل إن بعض الأنظمة بنت حلفها وصداقتها مع أمريكا على أساس الحد من انتشار التيار الإسلامي، وقمع انسيابه في اتجاه الثورة أو التغيير. ومع انهيار برجي التجارة العالمية، انهالت الأسئلة والتناقضات على وعي المثقفين والسياسيين الأمريكيين، إذ أن الأمر يتعلق هذه المرة بإرهاب دموي، تجاوز حدود الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وانتقل حتى أمريكا، ومعه حمولة فكرية وعسكرية، ظلت تتقوى أمام أعين الأمريكان والعالم، انتقل هذا الركام إلى أمريكا ليقلب فيها موازين الساسة والمفكرين، وليتساءلوا للمرة الجدية الأولى، عن حقيقة هذا المد، وطبيعته، وحجم امتداداته، ومدى تأثيره، ليخلصوا إلى نتيجة واحدة، وهي أن هذا العدو الجديد، هو أخطر ما يهدد الأمن القومي الأمريكي، بل وحتى العالمي. وأخذت فكرة مواجهة هذا المد القاتل الأولوية في السياسة الأمريكية على المستويين الداخلي والخارجي، وفي مقابل الجواب العسكري على هذه التساؤلات الذي جاء سريعا في أفغانستان ومن ثم الاتجاه نحو العراق في تصفية لحساب قديم، كان الجواب السياسي والفكري يتململ بين قبول ممكن بالحوار الجاد والمباشر مع التيارات الإسلامية، تلك التي تؤمن بالعمل من داخل المؤسسات المتاحة عن طريق صناديق الاقتراع، وتنبذ العنف، ولا تعمل خارج إطار الشرعية، وبين رفض أطراف أخرى لأي تواصل مع هذه التيارات، إذ أنها في نهاية المطاف تدعو لإقامة دولة دينية، غير ديمقراطية، وحتى إن رفضت العنف وشجبته، وقبلت بالعمل في الإطار المشروع، فإنما يدخل هذا في إطار التكتيك من أجل الظفر بريادة المجال السياسي، والتحول إلى أداة للديكتاتورية والشمولية، بدل الاندماج في نمط التسيير الديمقراطي. وظهر في عناوين الصحافة الأمريكية، وبين تصريحات مسؤولي الإدارة ارتباك كبير في المواقف والتصريحات، وبدا أن فكرة اختيار حلفاء من بين أعداء الأمس أمر في غاية الصعوبة والحساسية، إلى أن جاءت إفادات السيدة كونداليزا رايس وبعض مسؤولي البيت الأبيض موضحة لموقف تاريخي، يعلن عن ميلاد طرح سياسي جديد، تقبل الإدارة الأمريكية بموجبه وجود الإسلاميين كطرف في التداول حول السلطة السياسية في العالم العربي، شريطة قبولهم بمبادئ وأسس عمليات الانتخاب الديمقراطي، وقطعهم مع كل أشكال الإرهاب حسب المفهوم الأمريكي. هذه الرغبة إذن، أصبحت واضحة لدى الإدارة الأمريكية، والحوار بينها وبين التيارات الإسلامية انتقل من الظل حيث كان طيلة الثلاث سنوات الماضية، إلى دائرة الضوء، تعززه الخطوات الحثيثة في اتجاه بلورة مشروع الشرق الأوسط الكبير، كنقلة ذات بعد سياسي وثقافي، ترمي من ورائها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها إعادة رسم خارطة الوطن العربي وفق منظور استراتيجي أمني، يبعد ما أمكن الأهداف الغربية عن بؤرة الخطر، حاملا معه حصيلة مهمة من التراث المعرفي في مجالات الحرية وحقوق الإنسان، الحرية التي هي شعار الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، والديمقراطية وحقوق الإنسان، اللذان هما ترياق الشعوب دون العدوى بلوثة العنف والكراهية ومشاعر الاحتقان. هذه إحدى محركات البحث عن بديل جديد، يحول العالم العربي والإسلامي، إلى حقل تجربة ديمقراطية على مقاس أمريكي صرف. إن المنطقة العربية والإسلامية التي هي خزان الثروات النفطية الأول، غدت دولا منتجة للتطرف، والإرهاب، والإمدادات البشرية التي تتغذى منها الجماعات الأكثر راديكالية في الصف الإسلامي، وبالتالي فقد استنفذ الوضع القديم بهذه البلدان أغراضه، ولم يعد لدى الإدارة الأمريكية أي مصلحة في الإبقاء عليه جامدا، تقليديا، مغرقا في الفوضى والفساد، وبعيدا عن تطلعات الشعوب وطموحاتها، والأنظمة التي طالما ادعت أنها تحمي بقمعها، وتسلطها، باقي البلدان من خطر الإسلاميين، واتخذت من ذلك ورقة ابتزت بها جيوب الشرق والغرب، أضحت الآن أمام واقع يفرض عليها التعامل مع نفس الورقة، ولكن هذه المرة في الاتجاه الآخر، إن الورقة الآن بيد الإدارة الأمريكية، وقد جاء دورها من أجل اللعب. لقد شجع السلوك المتعاون الذي أبداه كل من آية الله السيستاني، والحزب الإسلامي العراقي، مع الاحتلال الأمريكي لبغداد، شجع الساسة الأمريكيين على التفكير في الاستفادة من تيار الإسلام الليبرالي، الديمقراطي، المهادن، والشرعي، كقوة بديلة عن النخب العلمانية والتقدمية التقليدية، التي وإن كانت صديقة في جلها للولايات المتحدة، ومتحمسة للمشروع الديمقراطي، فإنها تفتقر إلى العمق الجماهيري المتوفر لدى التيار الإسلامي، فالحركات الأصولية هي المعبر الأكبر الآن، عن هموم الشعوب، والقوة الأبرز في التعامل اليومي، مع المواطن اليومي، في البلدان الإسلامية، إذن فلم لا تنبني أسس شراكة وثقة متبادلة بين الولايات المتحدة، وبين هذه القوة القادمة في عنفوان؟ وقد أبانت كثير من الحركات الإسلامية عن براغماتية بالغة في التعامل مع الوضع في بلدانها، من حيث قبولها بالتعدد، والاختلاف، ونزوعها إلى الانخراط في انتخابات حرة نزيهة، ووفق مبادئ الديمقراطية وشروطها، وهذه الحركات في مجملها لم تستفد بشكل كاف من المشاركة في إدارة الشأن العام ، لقد ظل التسيير في معظم بلاد المسلمين حكرا على فئات مجتمعية، وسياسية، وإيديولوجية، اغتنت بطرق غير مشروعة من خيرات الأرض والإنسان، وكونت حاجزا سميكا، حال دون إمكانية التغيير أو الإصلاح أو الانتفاض، فضلا عن أنها فقدت أي سند شعبي قد يؤهلها للاستمرار في الإمساك بدفة الحكم والقيادة، وأمام رغبة الإدارة الأمريكية في الإصلاح، فإن إدماج التيار الإسلامي خيار يصعب تجاوزه أو تخطي وجوده الظاهر في كل مكان، ثم إن أي عملية إصلاح حقيقية لن يكون حاصلها سوى صعود الإسلاميين بقوة الأغلبية عبر صناديق الاقتراع. وطالما أن أمريكا تسعى لتلميع صورتها في العالم العربي، مع تنامي مشاعر الكراهية ضد كل ما تمثله من غصب وسطوة واحتلال، فإن ذلك لن يمر دون عملية استقطاب فكري وسياسي، لكل القوى المرتبطة بجماهيرها، والمنصهرة في بوثقة الدفاع عن الإصلاح والتغيير، وفي مقدمتها تيارات الإسلام السياسي. وإنه من أجل تحويل طاقة المجتمعات العربية والإسلامية إلى الإنتاج التنموي والسياسي، بدل إنتاج العنف والإرهاب، وتحويل جهد التيارات الإسلامية إلى الصراع من أجل المواقع في بلدانها بدل التركيز على الصراع بين الغرب والإسلام، وبعيدا ما أمكن عن تهديد أمن إسرائيل، في توازن إقليمي، تقبل فيه كل الأطراف بعضها، كما بشرت بذلك بروتوكولات الشرق الأوسط الجديد، لا بد من المرور عبر هذا الطريق الشائك الطويل، لا بد من ذلك للفصل المجهري، بين خندقي المهادنة والمواجهة داخل صفوف الإسلاميين، والتوفر على خزان معلوماتي مهم، عن حركة مختلف التيارات، وحقيقة اتجاهاتها، وطبيعة مواقفها، ومصادر قوتها، التعرف على كل ذلك عن قرب، بدون أجهزة وسيطة، أو عملاء. هذه إذن بعض منطلقات الولايات المتحدة في حوارها مع حركات الإسلام السياسي، وتلك بعض أهدافها مجملة، في أبعاد استراتيجية وأمنية، تروم الحفاظ على أمن أمريكا، ومن يدور في فلكها، أهداف كانت دائما مطروحة، لكنها اليوم أكثر جدة، وراهنية من ذي قبل، تحركت يوم سقط البرجان، وقررت يومئذ فقط، وهي تتجه بدبابات الديمقراطية، وقاذفات الحرية، إلى كابول وبغداد، أن تعيد صياغة العالم الإسلامي، بأيدي قادة التيار الإسلامي، وبوقود الشعوب التي سئمت من انتظار الذي يأتي ولا يأتي، وتبحث عن قشة تتمسك بها للخروج من مستنقع التخلف، والفقر، والقمع، والجمود. الدار البيضاء يوم: 14 يوليوز 2005
#سعيد_مبشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منعطف السودان الجديد، أعياد الثورة، أعياد السلام، وملامح الا
...
-
الإصلاح الأمريكي ونموذج الدولة الموقوتة
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|