|
صورة أخرى للإنتحاريين المسلمين
عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم
(Abdulsattar Noorali)
الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 11:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدأت الصورة السابقة المرسومة للإنتحاريين المسلمين تتغير في الغرب بعد الدراسات الكثيرة التي أخذت تبحث في الجذور والأصول التي جاؤوا منها والبيئة التي ترعرعوا فيها والشخصية الذاتية التي امتازوا بها وذلك في محاولة لفهم جذور الارهاب وأرضيته المولدة والاسباب الكامنة وراءه ووراء القنابل البشرية . أخذت الصورة الآن منحى آخر مخالفةً تماماً لما كانت عليه حيث تبين للباحثين الغربيين بأن الصورة السابقة عن هؤلاء بأنهم مجانين متعصبون متعطشون للإنتقام وذئاب مسعورة وانعزاليون وغير متعلمين لا تتفق مع الذي برز من خلال شخصياتهم الحقيقية في الواقع . فقد ظهر أنهم أناس عاديون اجتماعيون ذوو تعليم عال لهم أصدقاء وعلاقات عائلية مستقرة . ففي دراسة أخيرة نشرها الاستاذ المساعد سكوت آترن من جامعة ميشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية تقول :
- تظهر الدراسات بأن الانتحاريين ليسوا بضعفاء غير قادرين ولا فقراء معدمين وليسوا بمجانين أو جبناء أو انعزاليين غير اجتماعيين .
الحقيقة أن هذه الصورة الجديدة التي برزت في دراسات الباحثين الغربيين عن الانتحاريين والارهابيين ليست بجديدة الا عليهم وعلى الصورة العامة التي في مخيلتهم التاريخية عن العرب والمسلمين عامة. وهي صورة مشوهة تعود الى تاريخ من الصراعات الماضية والاستعمار والاحساس بالتفوق العرقي والحضاري بالمقارنة مع التخلف السائد في العالمين العربي والاسلامي الذي يرتبط أساساً بتاريخ الغزوات الاجنبية والحملات الاستعمارية وآراء المستشرقين في تلك الفترات ، حيث كان يعم التخلف والجهل والتعصب هذين العالمين بفعل تلك الغزوات والحملات التي كان لها السبق الأول في نشر كل تلك الأمراض الحضارية والاجتماعية والسياسية . ثم استخدموها حجة في حملاتهم الاستعمارية اللاحقة وتوجيه الضربات العسكرية والتقليل من شأن هذه الأمم دون أن تمد لها يد الانتشال والمساعدة في التخلص من الحالة التي هي فيها ، بل بالعكس عملت على ترسيخها واستغلالها لتبرير حملاتها واحتلالاتها ، وبالأخص في تأكيد نظريتها في الصراع بين الحضارات والعمل ضمن هذه الرؤية . وكل ذلك خدمة غير معلنة لاستراتيجياتها البعيدة المدى من أجل مصالحها الرأسمالية في التوسع وتحويل هذه المجتمعات الى مجتمعات استهلاكية غير منتجة وأسواق لتسويق بضائعها ومنتجاتها وامتصاص ثرواتها وخيراتها ثم الوقوف في وجه تطلعاتها في التقدم الحضاري والعلمي والبشري .
إن الصورة الجديدة في دراساتهم ستدفعهم بالتأكيد الى تغيير الكثير من توجهاتهم وقناعاتهم ومخططاتهم والتفكير والعمل بصورة اخرى غير التي خططوا لها ويخططون من اجل مكافحة هذه الظاهرة التي تهدد دولهم ومجتمعاتهم من الداخل. وبالضرورة ستجعلهم يحاولون اعادة النظر في الكثير من القوانين الداخلية ، مثلما فعلت امريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي حدت من حرية الفرد وحقوقه الانسانية بحيث أدت الى المس بالكثير من القوانين السائدة في دولهم الديمقراطية التي كانوا يفاخرون بها فحافظوا عليها طوال تاريخهم ودافعوا عنها وعملوا على نشرها في الدول غير الديمقراطية والديكتاتورية. وكان كل تلك التحولات موجهة بالدرجة الأولى الى مواطنيهم من العرب والمسلمين . و يحاولون اليوم في مختلف الدول الأوربية فعله بل تجاوزه الى اكثر من ذلك مثلما يحدث في ايطاليا ، وكأن أحداث السابع من تموز في لندن جاءت حجة في الانحراف عن القوانين وتحجيم الحريات والضغط على الأفراد. لقد كانت القوى اليمينية قبل الحاكمة في بعض هذه الدول تعمل جاهدة في هذا الاتجاه قبلاً وجاءت اللحظة التي تشجعهم على رفع أصواتهم عالياً في معاداة العرب والمسلمين ووصفهم بالإرهاب وكأن لسان حالهم يقول انظروا الم نقل لكم من قبل ونحذركم ؟!
إن الخوف الآساس في التغيرات القادمة غير المس بالحريات هو تحول في النظرة تجاه المتعلمين من العرب والمسلمين واعادة النظر في حق التعليم ومستوياته العالية والعمل في الوظائف العليا والمراكز والأعمال المهمة ومحاولة تحجيمها وحجبها واغلاق أبوابها في وجه مواطنيهم من العرب والمسلمين ، والنظر بالشبهة الى جميعهم دون استثناء متعلمهم قبل غير المتعلم طالما أن الأحداث أبرزت أن الانتحاريين في غالبيتهم العظمى هم من الشباب ذوي التعليم العالي والحياة الطبيعية اجتماعياً ووظيفياً . وهو ما يعيدنا الى ما عانيناه في بلداننا من التمييز والتفريق وتقسيم الناس الى درجات بحسب انتمائهم العرقي والمذهبي والديني في التعليم العالي والوظائف العليا ، وهي أمراض أخشى ما نخشاه أن تنتقل الى البلدان الديمقراطية بفعل العدوي التي نشرها أولئك الانتحاريون والارهابيون ومن يكمن وراءهم ويخطط لهم وذلك بأعمالهم وتصرفاتهم وقتلهم للمدنيين والأبرياء . وهذه الأعمال لن تمس غير أبناء جلدتهم ودينهم.
الخميس 2005.07.14
#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)
Abdulsattar_Noorali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعول - الى غيورغي فاسيلييف
-
هل تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إثارة الحرب الطائفية
...
-
حب - قصيدة للشاعر السويدي روبرت أولفده
-
قصيدة وشاعر - تلخيص : للشاعر السويدي روبرت اولفده
-
أحبك يا أرنستو
-
حول العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية
...
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|