|
ذكرى أنقلاب 14 تموز في العراق وتصحيح المفاهيم
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 09:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل فترة وفي خطوة أقل ما يقال عنها بانها بطولية وجريئة وعملاقة كتب الأستاذ الفاضل أبراهيم أحمد وهو كاتب يساري مقالاً حول النزاهة في العراق تطرّق في نهايته الى الأسباب التي أودت بنا الى النهاية المفجعة التي نعيشها اليوم مطالباً بأعادة الأعتبار الى نخبة من ساسة النظام الملكي كنوري السعيد وسعيد القزاز الذين ظلمهم التأريخ ولايزال وأجراء محاكمة أعتبارية لمن قاموا بأنقلاب 14 تموز 1958 بأعتبارهم المسؤولين عن كل ما حل بالعراق من مآسي بعد هذا التأريخ . ورغم أن هذه الفكرة أو هذا المطلب الشرعي والمنطقي يدور في مخيلة العديد من العراقيين المنصفين لأنفسهم ولتأريخ بلادهم والمخلصين في حبهم لوطنهم العراق ألا أن الأستاذ أبراهيم كان الأجرء على طرح هذا الموضوع الذي كنا نخشى طرحه مكتوباً خوفاً من أن نُتّهم بالتطرف لفكرنا السياسي ألا أن الله أراد أن يظهر الحق على لسان من كان يوماً من أعداء النظام الملكي ورجاله ومن المؤيدين لأنقلاب العسكر عليه بعد أن أعاد تقييم أحداث الماضي و وصل الى الحقيقة التي من الممكن أن يصل أليها أي عراقي منصف صادق مع نفسه لكن وللأسف مثل هؤلاء الناس باتوا يعدّون على الأصابع في هذه الأيام والأستاذ الفاضل أبراهيم أحمد واحد منهم.. وهنا أسأل بعض الأساتذة من الكتاب كانوا ولازالوا معادين للنظام الملكي والذين كانوا ولايزالون مؤيدين بشدة غريبة لأنقلاب العسكر عليه رغم أدعائهم اليوم بأنهم من دعاة الديموقراطية والمجتمع المدني إن كانوا قد قرؤا مقالة الأستاذ أبراهيم وأستوعبوها أو على الأقل أن كانت قد مست شغاف قلوبهم ! أن غضب بعض الأخوة المثقفين وكتابتهم لمقالة أو لسلسلة مقالات مطولة رداً على مقالة هنا ومقالة هناك نكتبها دفاعاً عن أيجابيات النظام الملكي وندين فيها ما أرتُكِب من جرائم وأخطاء من قبل رجال العهد الجمهوري وعلى رأسهم شخص الزعيم الراحل بحقنا وحق بلدنا لهو دليل على الفشل في مواجهة الذات والأعتراف بالخطاً لدى هؤلاء الأخوة الذي باتوا يستحون بعد مرور كل هذه السنين من الأعتراف بأنهم وأحزابهم كانوا على خطاً قبل نصف قرن من الزمان وبأنهم ساهموا بشكل أو بآخر ولو بدون قصد في تدمير العراق وأرجاعه الى الوراء لعقود وبأن ما نعيشه اليوم من مآسي وآلام هو من نتاج أعمالهم التي قاموا بها في ذلك الزمان بدون وعي وأدراك.. وليت الأمر يقتصر على ذلك فحسب بل أن بعضهم إستمر ولايزال مستمراً في تمجيد بل ويريد تخليد ذكرى أول أنقلاب عسكري على الشرعية الدستورية النسبية التي كان يمثلها النظام الملكي وما إصدار الحكومة العراقية الحالية لقرار يعتبر يوم 14 تموز من كل عام عيداً وطنياً دون أخذ رأي الشعب العراقي بل ورغماً عن أنفه إلا دليل على مثل هذا التوجه الخطير . يجب علينا أولاً التفريق بين مشاعر الحب التي يحملها البعض لشخص الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم نتيجة لنزاهته وأخلاصه لوطنه العراق وبين دوره ومن معه من العسكر في الجريمة النكراء التي أرتكبت صبيحة الرابع عشر من تموز ليس فقط بحق العائلة المالكة بل بحق العراق ككل . لن يكون بناء العراق الجديد صحيحاً ألا أذا شخّص العراقيون جميعاً وبدون أستثناء بدئأ بالجمهوريين وأنتهائاً بالملكيين منهم أخطاء الماضي والتي تقف على رأسها جريمة 14 تموز 1958.. نعم جريمة ويجب وصفها بهذا الشكل بصراحة وبدون مواربة ومجاملة.. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع شعبنا وكفى أنانية ونرجسية في التعامل مع الأمور . لقد حولت أنقلاباتكم المشؤومة العراق من بلد حر وعضو مؤسس وفاعل في عصبة الأمم منذ عام 1932 الى بلد محتل بقرار رسمي من قبل هذه العصبة عام 2003 ؟ كيف تدعون أنكم ديموقراطيون وأنتم لاتزالون تعتبرون أول أنقلاب عسكري على الشرعية في العراق شرعياً ؟.. كيف تدعون أنكم دعاة مجتمع مدني وأنتم لاتزالون تعتبرون أنقلاب ثلّة من العسكر على ساسة العهد الملكي المدنيين المنتخبين شرعياَ ؟.. كيف تريدون أن نتبنون عراقاً سليماً معافى وأنتم ترفضون حتى هذه اللحظة الأعتراف بالأسباب التي أوصلت العراق الى ما هو عليه اليوم ؟ كيف تريدون أن تنشؤا شبيبة واعية ومؤمنة بالديمقراطية وبمفهوم المجتمع المدني وأنتم لاتزالون تحتفلون وترقصون فرحاً في الرابع عشر من كل عام بذكرى أول وأبشع أنقلاب عسكري عرفه العراق ؟ ألم يكن الزعيم الراحل ومن معه من الأنقلابيين عسكراً يرتدون البزات العسكرية وجميعهم من خريجي الكليات العسكرية التي تدرس فنون الحرب والقتال وليس نظريات الديموقراطية والمجتمع المدني ولم يكونوا يوماً من الشخصيات الديمقراطية ولا من دعاة المجتمع المدني في العراق ؟.. ألم يقوموا بأنقلابهم هذا عن طريق الدبابة والمدرعة والغدارة بعيداً عن أروقة البرلمان وبروتوكولاته الدستورية ؟.. ألم يكن ما قاموا به في ذلك اليوم مؤامرة دبرت بليل بين مجموعة من الضباط لم يأخذ فيها رأي الشعب الذي تتكلمون اليوم بأسمه وتدّعون الدفاع عن حقوقه الدستورية ؟.. ألم يكن ماحدث في ذلك اليوم خرقاً للدستور الذي تُداعون به وأستباحة لمؤسسات الدولة الدستورية التي تريدون اليوم بناء مثيلاتها والتي شيّدت بنضال الشعب العراقي نفسه ؟.. فما قام به العسكر في ذلك اليوم لايَرقى حتى الى مستوى الثورات الشعبية التي أسقطت بعض الأنظمة الملكية كالثورة الفرنسية في فرنسا والثورة البلشفية في روسيا ففي هذه الثورات خرجت جموع الشعب بالملايين مساندة لتلك الثورات بل أنها هي التي أشعلت فتيل هذه الثورات في حين لايمكن أعتبار خروج بضعة مئات من العراقيين الى الشوارع في مضاهرات صاخبة مورست فيها أبشع أساليب القتل والتمثيل بالجثث مساندة لسطو مجموعة من الضباط على القصر الملكي ثورة شعبية . أليس سبباً واحداً من هذه الأسباب يعتبر كافياً لأدانة ماجرى في ذلك اليوم وللقيام بمحاكمة رمزية لمن قاموا به وأعادة الأعتبار لمن قُتلوا في ذلك اليوم وشوِّهت سيرتهم طوال العقود الماضية وهم كانوا من أوفى الناس للعراق وأشدهم أخلاصاً له ؟.. فكيف بكل هذه الأسباب مجتمعة ؟.. ألم يفكر بها حتى هذا اليوم من يسمّون أنفسهم اليوم ديموقراطيون ودعاة للمجتمع المدني وهم في حقيقة الأمر شموليون متطرفون تلبسوا بلباس الديموقراطية والمجتمع المدني ؟ ألا يقول المنطق والعقل السليم بأن نخب الشعب العراقي التي كانت تتبوأ المناصب الرفيعة في العهد الملكي كان بأمكانها تحقيق أنجازات وأصدار قرارات تخدم الشعب العراقي أفضل بكثير من الأنجازات والقرارات التقدمية ( كما يصفها أحد الكتّاب الأفاضل من أنصار الجمهورية في أحدى مقالاته حول الملكية التي يراها شراً مطلقاً ) التي جاء بها أنقلابيوا 1958 ؟.. أم أن الأخوة الديموقراطيون التقدميون من دعاة المجتمع المدني يرون بأن الأنجازات العظيمة والقرارات التقدمية لاتأتي ألا عن طريق الأنقلابات الدموية وعلى يد العسكر التي لاتفارقها الغدارة ؟ ألم يُقتل الزعيم عبد الكريم قاسم على يد نفس المجموعة المتهورة التي أتفق معها على أسقاط النظام الملكي والتي حكّمها وسلّطها على رقاب العراقيين بقوة الغدارة ؟.. ألم يكن أفضل له ولتأريخه وللعراق وهل كان أنتهى الى نفس هذه النهاية المأساوية لو أختار البقاء وبناء الوطن بعقلانية الى جانب رجال العهد الملكي العقلاء الذين مُثّل ببعضهم في ذلك الأنقلاب المشؤوم كالسياسي الراحل نوري السعيد الذي كان يُقرّب الزعيم قاسم بل ويناديه " قسومي " قبل ذلك الأنقلاب المشؤوم ؟ وفي حين كان تعيين المسؤولين في العهد الملكي يتم في أغلب الأحيان بطريقة الرجل المناسب في المكان المناسب وكان أولئك الرجال يملئون أماكنهم بل وتضيق عليهم أحياناً لخلقهم الرفيع وثقافتهم العالية كان تعيين المسؤولين في العهد الجمهوري يتم عن طريق صلة القرابة والمحسوبية والصداقة وكان واحدهم يغرق في كرسيه لخوائه وجهله ففي العهد الجمهوري الأول كانت الدائرة تشمل رفاق الزعيم الأوحد من أصحاب البزّات العسكرية وبعض المحسوبين عليهم من المدنيين ثم ضاقت هذه الدائرة في العهد الجمهوري الثاني لتشمل سكنة مدينة الرئيس وأبناء عشيرته ثم ضاقت أكثر في العهد الجمهوري الثالث لتشمل سكنة قرية الرئيس وأبناء عمومته فقط.. فهل نسجل هذا التراجع المخجل في طبيعة ونوعية النخبة السياسية الحاكمة في العراق على أنه من أنجازات ثورة 14 تموز الحضارية التقدمية ! لكي لا نُطيل ونُقصِر ونلُك ونَعجن بالكلام ولكي لاتتحول مواقع الأنترنت وصفحات الجرائد الى ساحات للسجال بيننا وبين عشاق الأنقلابات نقول لهم.. أمدحوا الأنقلابات ماشئتم .. وأجعلوا منها أعياداً وطنية متى ما أردتم .. ومجّدوا وعظّموا ثلّة من العسكر الطائشين قدر ما أستطعتم .. وأرقصوا هذا العام وفي كل عام فرحاً وطرباً بذكرى أول أنقلاب عسكري دموي على الشرعية الدستورية في بلادكم فقد تعودتم على ذلك .. قولوا أننا مع الأنقلابات العسكرية ومع حكم العسكر ومع عسكرة المجتمع نصدقكم .. ولكن لاتقولوا ولاتدّعوا بأنكم ديمقراطيون وبأنكم من دعاة المجتمع المدني فحينها لن نصدقكم ولن نسكت على مثل هذا الأدعاء وهذه الجريمة بحق الديموقراطية والمجتمع المدني .. فحب السلام والديموقراطية وحب الدم والأنقلابات لايجتمعان في شخص واحد أبداً.. وحب المجتمع المدني وحب عسكرة المجتمع لايجتمعان في شخص واحد أبداً.. وحب حكم العسكر وحب حكم التكنوقراط لايجتمعان في شخص واحد أبداً .. وذكّر عسى تنفع الذكرى ....
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمعات أنسانية أم مفاقس لتفريخ الأرهاب ؟
-
الأعلام المسموم للأخوة والأشقاء
-
حذاري ممن يسعى لتدمير العراق
-
البرلمان العراقي المنتخب وأستحقاقات عاجلة يجب أن تُحسم
-
أنقلاب 8 شباط 1963 وأغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم .. جريمة ت
...
-
ساسة العراق الجديد واللعب مع الكبار
-
كلمة حق بحق قناة الشرقية
-
العراقيون الغيارى يرسمون صورة المستقبل
-
تغيير القناعات .. وتحالفات العراق الجديد
-
الأنتخابات العراقية والتسويق لبعض القوائم الأنتخابية
-
الأنتخابات وتداعياتها على مستقبل العراق
-
هيستيريا الأنتخابات
-
هل الأنتخابات فتوى شرعية أم ممارسة ديمقراطية ؟
-
المهمة الصعبة لمنظمات المجتمع المدني في العراق
-
المواطن العراقي بين الخدمات والأنتخابات
-
ما للملكية و رجالها أضعاف ما عليها وعليهم
-
السلطة بين ثقافة النخبة و ثقافة العوام
-
أبدلوا راية الظلم وشعار الموت .. وأتركوا لنا نشيد موطني
-
المعركة الفاصلة في تأريخ العراق والمنطقة والبشرية جمعاء
-
شعوب أم بذرة فناء
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|