|
قراءة في كتاب الحالة الجديدة لأوربا
صلاح نيوف
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 08:41
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في كتاب الحالة الجديدة لأوربا ( الأفكار المؤثرة أو القوية لفهم الرهانات الجديدة للاتحاد الأوربي). صادر باللغة الفرنسية. تحت إشراف (Mario Dehove) : متخصص بالقضايا الأوربية و برفسور في جامعة باريس الثامنة. دار النشر " la Découverte " باريس . نيسان 2004، الكتاب من 215 صفحة. شارك في إعداد الكتاب 47 باحثا ًو متخصصاً في الشؤون السياسية و الاقتصادية والفكرية و الاجتماعية الأوربية. إن أوربا لم تكن يوما كما هي اليوم، همها الأول الآن هو " الدستور" الأوربي، تسعى لإعطائه الوسائل المؤسساتية وذلك من أجل تذليل الصعوبات السياسية أمامه. تتسع أوربا الآن لتضم خمسة وعشرين دولة جديدة أغلبها يعود إلى الكتلة السوفيتية السابقة، محاولتاً إعطاءها بعداً جديداً. أوربا عليها تذليل الصعوبات الجيوبولوتيكية والتي أيقظتها وأوحت بها الحرب في العراق 2003، وقد هيجتها من جهة أخرى إدارة الرئيس بوش . على أوربا أن تقتنع أنها مازالت حاملة للحضارة والازدهار والتقدم العلمي بعد سنوات عدة من التأخر التكنولوجي وضعف النمو الاقتصادي.
كيف نتحدث اليوم عن أوربا للأوربيين ؟ يتساءل Mario Dehove ، ويتابع ، كيف نستشف ذاك الرهان العظيم؟
التنظير " النظرية" والتفنن للاندماج يتقدم مع الخبرة والمعرفة المتراكمتين . لأن أوربا ليست بناءاً مشيداً وفق طريقة واحدة أو نموذجا واحدا، ولأن أوربا تمثل مؤسسة سياسية من نموذج جديد. إن الحديث عن أوربا اليوم، عن البناء الاجتماعي المتخيل، وعن الآلية الاقتصادية والاجتماعية الجديدة لم يعد يكفي نهائياً. الأوربيون سئموا من هذا التنظير وهذه النبؤات. في الواقع إن أوربا لا تفتقد الروح، بل على العكس هي مشبعة بذلك وأي شخص يمكن أن يضع ما يريد على هذا المصطلح. أوربا أيضاً لا تفتقد المشاريع، فهي مليئة بها. والسياسة أيضاً ، فهي تقوم بكل شئ .سؤال يطرح بشكل عميق على أوربا والأوربيين: وهو الحضور الأوربي في حركة التاريخ الجارية؟
يقسم الكتاب إلى ستة فصول رئيسية وتحمل تباعاً العناوين التالية : ـ شعب من أوربا والشعب الأوربي. ـ كيف ندير أوربا. ـ السياسات الأوربية. ـ أوربا في عالم القوميات. ـ أوربا في حدودها الجديدة . ـ ملحق عن 25 بلداً أوربياً ( تعريفياً) . يتركز الفصل الأول من الكتاب حول قضايا غاية في الأهمية وهي ( الشعور القومي في أوربا، العلمانية ، الإرث الفلسفي، تناقضات بناء سياسي ما بعد شمولي، المصالح الأوربية ، المواطنة، النقابات، وحدة أوربا في الإعلام الأوربي، الماضي الأوربي ومشاكله المستمرة حتى الآن) .
في الحديث عن " الأمة الأوربية" ، يرى Jean-luc Delpeuch من المعهد الأوربي التقني : " عندما انطلقت عملية الإندماج الأوربية في أيار 1950 ، لم يتخيل أحدهم إلى أين ستذهب هذه العملية . عاملان أساسيان وثابتان قاما بهذا الفعل : استحالة أو فشل التجارب القومية والصراعات " الأخوية" بين الأوربيين وسقوط فكرة أن أوربا لا تستطيع أن تكون بعقيدة واحدة. إن نتيجة خمسون عاماً من التجارب والتعاون خيبت الأمل من خلال اتساع مساحة اقتسام السيادة وعدم الامتداد الجغرافي للاتحاد الأوربي"
في الواقع، المتابعة والمراجعة المتتالية للاتفاق الأساسي ولأهلية وجدارة التجمع الأوربي ومن ثم الاتحاد تطورت بحيث يصبح عملياً كل حقول العمل العام ضمن مجال التعاون المشترك. وبالتالي انتقل عدد الأعضاء من ستة إلى خمسة وعشرين. كذلك مسألة الاندماج الأوربي كانت حاضرة بشكل دائم في الاجندة الأوربية كما يرى Jean-luc في الصفحة 15 من الكتاب.
ينتقل الكاتب هنا إلى مسألة الحقوق والواجبات المبينة في الميثاق الأوربي للحقوق الأساسية. حيث اعتمد هذا الميثاق في عام 2000، وقد أكمل النقص السابق في هذا المجال، وتم إقراره من قبل ممثلي البرلمانات الوطنية داخل البرلمان الأوربي، أما هذه الحقوق الأساسية فهي ( الحرية، المساواة، التضامن ، المواطنة، والعدالة). ولا ينسى الكاتب أن يبين الدور الأمريكي المنافس في هذه الصحوة الأخيرة لأوربا. حيث شكلت أزمة العراق اللحظة الهامة لتشكل الوعي بأهمية أوربا مجتمعة، وبانبثاق رأي عام وطني من أ وربا. وينهي Jean-luc بحثه مبيناً عوامل الضعف القائمة في التحاد الأوربي وهي ( غياب إعلام أوربي موحد، ضعف الاختلاط بين المواطنين الأوربيين، غياب لغة مشتركة، ضعف المشاركة في الانتخابات الأوربية، المعرفة السيئة بمؤسسات الاتحاد الأوربي، اقتصار الاندماج على الناحية الاجتماعية).
ننتقل إلى بحث Bruno Jean Bart والذي يحمل عنوان " الانتماء إلى أوربا، مشاعر كبيرة منقسمة لكنها متطورة ومتحركة" . يطرح الكاتب هنا السؤال التالي : هل يوجد هوية أوربية؟ وإذا وجدت كيف للأوربيين الحصول عليها؟ اليوم، فقط 4% من السكان في الاتحاد الأوربي و 2% من المواطنين الملتحقين بالاتحاد عام 2004 يمكن تعريفهم كأوربيين. حتى لا نجزم بشكل سريع غياب مشاعر الانتماء للكيان الأوربي، يمكن العودة إلى تاريخ البناء الأوربي وإلى بدايات فكرة " الاتحاد الأوربي" . والذاكرة الجماعية للأوربيين تبقى اليوم مطبوعة بشكل عميق بحربين عالميتين وكانتا من فعل أوربي. ومن أجل وضع نهاية لهذا التمزق " الأبدي" للقارة الأوربية ، على الآباء المؤسسين لأوربا الموحدة التفكير بالتجمع الأوربي في تفكيرهم لخلق تحالف اقتصادي وسياسي، مع العلم أن الشعوب الأوربية لم يكن لديها أية فكرة أو "شهية" لهذه الأفكار.
تقارب أم تمزق ؟
بعيداً عن تحويلها أو اختزالها إلى مسألة " جغرافية" ، أوربا تشكل كلا تاريخياً، ثقافياً، سياسياً و اقتصاديا، كما تشكل علاقات متبادلة بين الدول المكونة لها. من الجهة الأخرى الصراعات المتعددة التي مزقت هذه الدول،حصادها "زرعها" الثقافي والتاريخي يظهر بشكل أكيد غير قابل للجدل. من هنا المواطنون من كل دولة أوربية يوضحون مدى القوة في التشابه بالنسبة للسكان الآخرين من دولة أوربية أخرى. هذه الرؤيا وذاك التعريف لأوربا ، مقسم وموزع بشكل واسع وكبير بين الدول المكونة لأوربا، تعريف ورؤيا يقسمان أوربا إلى مجموعتين : الأولى، وهي الأضخم وتجمع دول جنوب أوربا ( ألمانيا،بلجيكا،لوكسمبورغ، وأوربا الوسطى أيضا ثم أيرلندا وفنلندا هذه الدول لها خصوصية أوربية. الثانية، وتجمع هولندا وبريطانيا والدانمارك، وبدرجة أقل السويد.
تجربة الهوية الواحدة " الجامعة" :
يوجد تعليلين أساسيين لانبثاق هذه التجربة: 1ـ المجموعة الأولى تضم الدولة التي تنتمي إلى الكيانات ( الكبرى) ، مثل الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية. هذه الكيانات تركت آثاراً ضمن النظام القانوني لهذه البلدان، مساهمة ربما في تعديل أو تغيير العلاقة مع "أوربا" . بالإضافة لذلك هذه المجموعة عادة انطبعت بالتعايش أو المشاركة في الوجود. وهذه حالة كل من أسبانيا وبلجيكا وألمانيا، لذلك ربما يكون سهلاً عند هذه الشعوب لأن تتعامل " كأوربيين" من غير امتلاك الأحاسيس أو المشاعر التي تعود إلى الهوية الوطنية. المواطنون من المجموعة هذه يبقون النموذج " الأوربي" الذي يؤسس على أساس تاريخي وثقافي وقيم مشتركة، ويعطي تلاحما وتماسكاً لأوربا ، وفي الواقع يعتبر مجتمعا موحداً. هذه المشاعر تعطيهم أو تقودهم إلى فرق حقيقي مع الولايات المتحدة حيث السكان يتعاملون بشكل مادي، مع ذاكرة جماعية ضعيفة.
هل أوربا علمانية ؟
Jean-Paul willaime (باحث من مجموعة علم اجتماع الديان والعلمانية) .
على الصعيد الأوربي، العلمانية الفرنسية وحدها يمكن أن تكون متفردة. البعض ذهب للقول أن ( الأوربة ) هي تهديد للعولمة، العودة أو المرجع إلى الإرث الروحي في مقدمة الميثاق الأوربي للحقوق الأساسية في الاتحاد الأوربي (2001) ، العمل الذي كونه الدستور الأوربي من خلال الاتفاق حول مستقبل أوربا (2002 ـ 2003 ) يذكر" الإرث الثقافي، الديني والإنساني لأوربا " ويتحدث عن الحفاظ على " الحوار المفتوح" مع الكنيسة، والهيئات الفلسفية لا الطائفية للدول الأعضاء ( المادة : 51 ـ 1 ) ، كل هذا يوحي أن أوربا ستحافظ على فكرة العلمانية حتى النهاية. أوربا التي تتشكل في بر وكسل وستراسبورغ ، نستطيع أن نقول عنها، أن العلمانية هي الخير أو الشيء الجيد الذي يشترك فيه الأوربيون. ولإيضاح هذه النقطة، يكفي القول بداية أو التذكير أن الاندماج الأوربي يضع حاضراً الدول المكونة كمجتمعات سياسية داخل علاقات متنوعة ومتغيرة مع " الديني" .
علمانية قانونية ، اجتماعية وثقافية :
أوربا هي علمانية على المستوى القانوني والاجتماعي والثقافي، وعلمانية على صعيد الحقوق، من خلال الاتفاق حول حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ( هذا النص تم الاتفاق عليه وتوقيعه عام 1950 ، ودخل حيز التنفيذ 1953 ، وتم تبنيه من بعد من جانب الاتحاد الأوربي) ، مع ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي المعلن عام (2000) من المجلس الأوربي بمدينة ( نيس ) الفرنسية. هذه النصوص تضمن الاحترام للمجتمع الديمقراطي وحرية التفكير والاعتقاد والدين، (مع ضمان حرية تغيير الدين أو عدم الانتماء لأي دين) ، مع إدراك الفروق المؤسسة على أساس الجنس والعرق والدين.
أوربا أيضا علمانية فيما يتعلق بالعقلية الأوربية، وهناك عملية تصاعد أو ازدياد في الأشخاص من غير انتماء ديني ومن بينهم الشباب خاصة في الغرب الأوربي، فقد كانت نسبة الغير منتمين إلى دين من عمر 18 إلى 29 عام 1981 22% ، وأصبحت عام 1991 32% ، هذا ما يوحي بحرية التفكير والاعتقاد التي وصلت إليها أوربا ويثبت فصل الدين عن السياسة.
إن أوربا تقتسم فيما بينها ما يمكن تسميته العلمانية الثقافية والتي تحترم المبادئ الأربعة التالية :
ـ حيادية الدولة تجاه ما يتعلق بالدين ، مطبقة استقلالية الدولة بالنسبة للسلطات الدينية، واستقلالية " الدين" بالنسبة للدولة. ـ الاعتراف بالحرية الدينية، وعدم الإقرار بأي دين أو الانتماء له . ـ الاعتراف بحرية العقيدة الفردية، بمعنى حرية المرأة والرجل بالنسبة لجميع السلطات الدينية. ـ التفكير النقدي الذي يتناول كل الحقول ( الدينية ، السياسية، العلمية...) .
العلمانية الثقافية تشير إلى نهاية " الديني" كسلطة وانتهاء دور الدين داخل المجتمع التعددي والحر، وانتهاء الوصاية الدينية، مع الأخذ بالحسبان التنوع والاقليات الدينية وخاصة الإسلام. الاندماج الأوربي لا يعني فرض أو توحيد أو إيجاد نموذج قومي خاص لكل الدول في الاتحاد، ولكن استقبال التنوع ضمن إطار من المبادئ المشتركة الأساسية.
تناقضات بناء سياسي ( ما بعد ـ شمولي) : Pierre Hossner
الديمقراطيون المسيحيون والديمقراطيون الاجتماعيون وهم المؤسسون (للجنة الأوربية) أرادوا تثبيت مشروع يتمركز على النقيض من المشروع التوتاليتاري. الآن ، الاتحاد الأوربي يضم العديد من الدول التي كانت تابعة للكتلة السوفيتية ، الأسئلة حول أوربا ما بعد التوتاليتارية إذاً تأخذ معنى جديداً لأنها تخص بلداناً كانت من الناحية التاريخية ضمن مناخ مؤلف من اثنين من التوتاليتاريات الأوربية. بالنسبة للموقع في الليبرالية والفردية ، المذاهب التوتاليتارية ( الستالينية والنازية) فإنها تريد أن تجمع أو تعيد بناء الوحدة الشمولية تحت نموذج من السياسة هو الحرب . فالحرب بالنسبة لهم هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى. بالتأكيد المصادر الاجتماعية والأيديولوجية للشيوعية والنازية هي مختلفة ، فالأولى كانت عالمية وتسعى ( للمساواة) والثانية، خاصة وعرقية، ولكن الاثنتان تحاولان إدعاء لعب دور العلم والدين. المشروع الأوربي شيد حول موضوع السلام وإعادة بناء فضاء يتسم بالتعددية السياسية والحرية الاقتصادية وأولوية الحقوق. هذا المروع يظهر حقيقة مرتابة أو قلقة أو حذرة اتجاه القوميات. بالنسبة للماضي التوتاليتاري والذي طبع بإرادة الوحدة الشمولية وطموح تغيير العالم والطبيعة الإنسانية، المشروع الأوربي يعطي طموحاً متواضعاً نسبياً. فمنذ البداية عمل هذا المشروع وفق إلهام ليبرالي ووضع النقاط على الفيدرالية وحدود الدولة، ومن ناحية أخرى وضع النقاط على كل ما ينظم التعددية ويعيق السلطة المطلقة لحكومة ما. إن أوربا تبني قبل كل شئ في مواجهة " الحرب" وخاصة بعد التجربة الطويلة مع الحروب الأهلية، ومواجهة الحكم الشمولي الذي عرفته، ولكن يبقى الخطر قائماً من عملية البناء هذه.
ـ المواطنة الأوربية، هل هي في أزمة ؟ (Catherine Wenden ) بر فسور في العلوم السياسية.
المادة الثامنة من اتفاقية " ماستريخت" 1992، عرُفت الحقوق المشتركة لكل الأوربيين، فيما يتعلق بالتنقل بين الدول الأوربية، الإقامة من أجل العمل. أما اتفاقية " امستردام" 1997 في مادتها "13" فقد عالجت بل عملت ضد "" التمييز" المؤسس على الجنس والعرق والدين، ومن ثم حماية القيم المدنية للاتحاد. أما ميثاق الحقوق الأساسية فقد تم توسيعه في اتفاقية مدينة "نيس" الفرنسية عام 2000، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية. وفي النهاية مشروع الدستور الأوربي مادة (78) دعم جميع الحقوق المعلن عنها في الاتفاقيات السابقة، فهل هذه الحقوق جميعا تعرف بالمواطنة الأوربية؟ أو تكفي لتعريف المواطنة الأوربية ؟
أ ـ التناقضات المؤسسة :
المواطنة الحديثة مؤسسة على مفهوم العقد الاجتماعي، الفردية، المساواة في الحقوق، وحماية الحريات الأساسية. هذه الحقوق بنيت بشكل متعاقب حول الدولة / الأمة ، وضد الملكية القديمة والإمبراطورية. اختلطت المواطنة في البداية مع مفهوم الجنسية. ففي فرنسا مع الجمهورية الثالثة 1870 ، عدة أشياء كرست قيم المواطنة للجمهورية والانتماء الوطني، ( النشيد الوطني، العلم ، رموز الجمهورية، تماثيل ، شوارع، ساحات ، حفلات وطنية كالاستقلال ، أثار ، الخ) . ومن الدول الأوربية الأخرى يمكن أن نتلمس نفس الشيء ( التاريخ الوطني ، تواريخ الاستقلال ). التاريخ الأوربي مازال بعمق موسوم بالرموز الوطنية والتي تشير إلى الانتصار على الدول المجاورة وهي أعضاء منها الآن في نفس الاتفاقية. من هنا ، الثقافات من هذا الأصل أو من ذاك أوربياً، تشكل نوعية الوجود و الإحساس والشعور الأوربي، فالقيم الأوربية غالباً ما تكون ضمنية، مرتكزة على قاعدة من المبادئ القوية. هذه القيم تعرف المواطنة الأوربية تنسج القاعدة الثقافية للأوربيين بشكل عابر لدولهم وأهمها : الديمقراطية، اقتصاد السوق، الفردية، العلمانية، شمولية حقوق الإنسان كافة الدولة الأوربية. الدول الأوربية غالباً ما بحثت لحمل قيمها إلى الجانب الآخر من حدودها. كما أنها المبدع للعديد من الأيديولوجيات التي ولدت في أوربا، والتي عملت إلى نقلها وتصديرها أيضاً : الليبرالية السياسية ، الاشتراكية، القومية، الاستعمار، الإمبريالية، هذا من غير أن نعد التجارب التوتاليتارية. والآن هناك أشكال جديدة للتعاضد بين الأوربيين، كالعمل على إيجاد آليات لتصحيح حالة عدم التكافؤ والمساواة بين الأقاليم المؤلفة لأوربا باسم التلاحم الاجتماعي، وهذه الآليات ظهرت مع البناء الأوربي الجديد.
ب ـ بناء سياسي " لمحيطات " لم تعرف بشكل صحيح :
حتى ولو أن المواطنة الأوربية تقدمت من حيث تعريفها لمضمونها، ولكن الفضاء السياسي التي تستند إليه مازال غامضاً. المواطنة الحديثة معرفة بالنسبة للدولة، مع شعب و أقليم وحدود وجيران لهم انتماء وهوية وبتناقضنا معهم نستطيع أن نعرف وعينا الوطني والقيم المؤسسة من خلال تاريخ نعلمه في المدارس. أوربا تتوصل الآن لقلب كل هذا مع نقاط علام سياسية جديدة شديدة الغموض : برلمان ليس لديه سلطات البرلمانات المحلية، صيرورة من القرارات غير الواضحة إلا قليلا، وإدارة لا تبدو أنها مقنعة كثيراً للمواطنين. ويترجم هذا من خلال ضعف المشاركة من قبل المواطنين في العمليات الديمقراطية على المستوى الأوربي.
المواطن الأوربي يفتقد إلى دليل سياسي في عالمه السياسي المتغير. كيف يمكن أن نشعر كمواطنين إذا كانت معظم الرموز الكلاسيكية للدولة في حال سقوط ؟ هوية الأوربيين متعددة ، لأنها في نفس الوقت أوربية ومن ثم وطنية تابعة لأقليم محدد يعرفها. إن أوربا لا تتعارض مع تكوين الدولة القومية ولكنها تظهر كشكل منظم ومركب من العولمة.
ج ـ ماذا يعني إذا " أوربي" ؟
إن نوعية الأوربي هي مواطنة " مفرغة" ، حيث أن الساكنين الأوربيين ينحدرون من الهجرة ولا يؤلفون أو يشكلون جنسية متداخلة من حيث الإنماء المجتمعي ، تستطيع أن تؤكد حدوداً جديدة أقيمت فيما يتعلق بالحقوق للمواطنين الأوربيين للدول الأعضاء. هذه الحدود الجديدة تتبدل من الآن فصاعداً من خلال التمييز بين الحالة " الوطنية" والأخرى " الأجنبية" . في الواقع، المواطنة ا|لأوربية ليست كالمواطنات الأخرى : إنها مواطنة لها مميزات خاصة، ممنوحة ليس من أوربا ، بل من الدول ، حيث الحقوق المعلن عنها لا تتعارض مع ما هو عليه خارج الاتحاد، ولكن فيها المزيد من الواجبات المعلنة. المواطنة الأوربية ، مشروع من اجل موضوع سياسي في حالة تغيُر، يحدث بشكل طبيعي أسئلة واستفسارات دائمة. وسيكون من الواجب الانتظار مزيداً من الوقت، حتى يشعر الأوربيون بشكل عفوي أنهم ينتمون دفعة واحدة إلى هذا المجتمع السياسي الجديد والذي هو أوربا.... هذا الكتاب يطرح أسئلة أكثر مما يبحث عن أجوبة. حيث على الاتحاد الأوربي أن يتغلب على تخوفاته التي يحدثها بنفسه، ولكن يبقى القول : كيف الحديث عن أوربا للأوربيين ؟ وكيف يقتنعون بأن " الاتحاد " مشروع حي وفعال، نتائجه الإيجابية أقل من تعقيداته ؟ وكيف يظهر أنه مشروع سياسي أكثر مما هو تقني وتكنوقراطي ؟ وكيف يمكن تسجيله في التاريخ بالرغم من الطابع المعقد لنزعاته وخلافاته ؟ فهل " الدولة الأوربية " الجديدة ستحمل إجابة على هذه الأسئلة؟ * عضو في الجمعية الكندية للعلوم السياسية ، كيبيك ، كندا. و في المركز الأكاديمي للدراسات الإعلامية وحوار الثقافات ، فيينا ، النمسا.
#صلاح_نيوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرية الأحزاب السياسية
-
مذهب أو نظرية - سيادة القانون - Rule of law
-
التطور الليبرالي والديمقراطي في الفكر السياسي الغربي 2
-
؟؟ماذا جرى في اللقاء الذي جمع الأستاذ الشهيد صلاح الدين البي
...
-
العلمانية جوهر الديمقراطية
-
لأول مرة في تاريخ سورية ، وزير الدفاع يخضع للتحقيق في مجلس ا
...
-
ماذا يعني أن تؤدي الخدمة العسكرية في الجيش السوري ؟؟
-
فيروس - السارز- الإسلامي يلاحق البشر في كل مكان
-
رسالة بالبريد العاجل إلى الأستاذ محمد غانم
-
مساهمة في قراءة العلاقة بين العلويين والسياسة في سورية
-
المعارضة السورية بين التخوين والتشكيك
-
رد على مقال رجاء الناصر- معارضة للمعارضة وللوطن -معارضة سوري
...
-
المشاركة السياسية بين الديمقراطية والمواطنة والحوار - بمناسب
...
المزيد.....
-
كازاخستان تحسم الجدل عن سبب تحطم الطائرة الأذربيجانية في أكت
...
-
الآلاف يشيعون جثامين 6 مقاتلين من قسد بعد مقتلهم في اشتباكات
...
-
بوتين: نسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
-
-رسائل عربية للشرع-.. فيصل الفايز يجيب لـRT عن أسئلة كبرى تش
...
-
برلماني مصري يحذر من نوايا إسرائيل تجاه بلاده بعد سوريا
-
إطلاق نار وعملية طعن في مطار فينيكس بالولايات المتحدة يوم عي
...
-
وسائل إعلام عبرية: فرص التوصل إلى اتفاق في غزة قبل تنصيب ترا
...
-
الطوارئ الروسية تجلي حوالي 400 شخص من قطاع غزة ولبنان
-
سوريا.. غرفة عمليات ردع العدوان تعلن القضاء على المسؤول عن م
...
-
أزمة سياسية جديدة بكوريا الجنوبية بعد صدام البرلمان والرئيس
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|