فائز الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 08:26
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لمناسبة المهرجان الدولي السادس عشر للطلبة والشباب
كركاس / فنزويلا 7 ـ 15 / آب 2005
مع هبوب النسيم الصحراوي البارد ، غادرنا النقطة الحدودية في الرطبة في الساعة السـادســـة والنصف صباح يوم 20 / تموز وأنا مستغرب لما حدث لي هناك ، ولكن أنا سعيد الحظ بالحفاظ على الحقيبة ومحتوياتها والمكلف بأيصالها بأمانة ، كل تفكيري يتركز الأن على الخطوة التالية وهي الوصول الى دمشق قبل الوقت المحدد للقاء .... أي الساعة الرابعة عصرا" حيث أكد لنا السائق أن وصولنا الى هناك
سيكون في حدود الساعة الثانية عشر ظهرا" ، وهذا يعني أن لدي متسع من الوقت لوصول دمشق وللقاء الأخوة أعضاء الوفـد الذين غادروا الوطن بطرق عــدة وفي الفندق المتفق عليه قبل الموعد .
إن تأكيد السائق هذا أعطاني شيئا" من الأمل والراحة بعض الشئ , الا أني أحس بنعاس ورغبة شديدة للنوم وأتمنى أن تكون لدي القدرة على مقاومته .
أخذت درجة الحرارة تميل نحو الارتفاع تدريجيا" ونحن ندخل الأراضي الاردنية الصحراوية , الكثبان الرملية والنباتات الصحراوية هي الشئ الوحيد الممكن مشاهدته من زجاج الباص على جانبي الطريق ، حيث أمامنا الأن ساعتين للوصول الى مدينة الزرقاء ومنها سنتوجه شمالا" نحو الحدود السورية .
وأنا في الدقائق الأولى لغفوتي وأذا بصوت يشبه الأنفجار يحدث في الباص الذي أخذ يترنح يمينا" وشمالا" والجميع يصيح .... يا الله.... يا الله ... يا ساتر ياالله وبصعوبة أستطاع السائق السيطرة عليه ، ويخفف من سرعته تدريجيا" ويتوقف على جانب الطريق وهو يردد كلمات غير مفهومة تدل على عدم أرتياحه ويلعن اليوم الذي ولد فيه .
نزل السائق مع مساعده لمعرفة الخلل , وبعد عدة دقائق عاد ألينا ليطلب من الجميع النزول لأن العطل كبير ويحتاج الى عــدة ساعات لأصلاحه وسوف يحاول الأتصال بأحدى الشركات في مدينـــة الزرقاء لأرسال باص آخــر ينقلنا لنـــواصل الــرحلة وهذا يتطلب أن يمر علينا باص آخر لينقل الخبر الى كراج الزرقاء . ترى أي حظ هـذا ؟ ومن المسؤول عنـه ؟ وماذا نفعل وسط هـذه الصحراء القاحلة ! وعلى بعـد ساعتين عن أقرب مـدينة . أثار هــذا الحادث عدم الأرتياح بين الركاب ..بعض منهم يحمل الشركة المسؤولية لعدم أهتمامها بالباصات ... والبعض الأخر يحمل حظـه التعيس ... وقسم يحمل الدولة لعدم وضع قوانين رقابة على الشركات ، ووسط هـذه الأحاديث أقترب مني شابان أثارا فضولي , وسمعت أنهما يتحدثان عن أمور تقلقهما الموعد ، الساعة الرابعة ، ساحة المرجا ، دنوت منهما قليلا" ، سلمت عليهما وتبادلنا الحديث عن السفر ومشاكله وهمومهم ،
ـ يا أخي لدينا موعـد مهم في دمشق الساعة الرابعة وعلى هذا الحال فسوف نصل ليلا" وقد فات موعدنا وسيكون الغرض من سفرتنا قد أنتهى .
وبعد مواصلة الحديث وأطمأنانهم لي أدركت أنهما من أتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي وحديثي العهد بالعمل الديمقراطي لكوني لم أشاهدهم في مناسبات طلابية أو شبابية سابقة .
ـ قلت مبتسما" أعتقد أننا متوجهين الى نفس الفندق ونفس السفرة .
ـ عندئذ قال أحدهم ماذا تقصد ... ؟ محاولا" أبعاد الشك عنه .
ـ أعرف أنكم ذاهبين الى المهرجان الدولي للطلبة والشباب مو تمام ؟
ضحكا من كل قلبيهما وبان عليهما الأرتياح وهما ينظران الى بعضهما ويمدان أيديهما لمصافحتي ... هل أنت ذاهب الى المهرجان أيظا" ؟ وهكذا تعارفنا . وأكدت لهما ان الوقت يدركنا وعلينا التعاون في كل خطوة وبحذر شديد ....
وهنا ذكرني الشابين وقالا ما هي قصتك مع رجل الامن في نقطة الحدود في الرطبة .. ؟ لقد كنا نلاحظك عن بعد وكيف تخلصت من المأزق ، ضحكت كثيرا" وقلت سوف أشرح لكم الأمر فيما بـعد لأن لدينا شيئا" أهم من هذا نود التحدث فيه الأن .
أنزلنا حقائبنا وجلسنا فوقها وسط الجو الصحراوي اللاهب لساعات طويلة ... حتى جاء باص آخر ويبدو أنه أكثر قـدما" من الأول لينقلنا ، ولنواصل الرحلة الى دمشق , الساعة الأن تشير الى الواحدة ظهرا" وبدأ الباص يسير ببطئ كالسلحفاة ودرجة الحرارة داخل الباص لا تطاق وسط طلبات الركاب من السائق أن يفتح جهاز التبريد حيث أعتقــد الجميع أنه نساه .
ـ ممكن يا أخ أن تفتح التبريد فالحرارة لا تطاق !
ـ ألتفت ألينا مبتسما" وعلق بلهجــة سوريـة ، شـو هل الحكـي ؟ تريدون تبريد زيادة كمان !!!! ، مو كافي بعثولكن باص !!!! ، أحسن ما قضيتوا الليل في الصحرا ، شوفوا أخوان تبريد ماكو بالسيارة ، من زمان التبريد عاطل .. كمان أخوان ما أكدر أمشي أكثر من سبعين كم بالساعة ، السيارة مش كويسة أنا شوفير وبس ، كمان بألله عليكم ما أريد أسئلة كثيرة ووجع راس !!!!
لزم الركاب الصمت بعــد هذا التحذير المباشر وسلموا أمرهم لله والقدر والجميع يدردم مع نفسه والباص يهتز ببطئ ، البعض يستعمل ما بيديــه من كتب أو صحف للحصول على نسمة هواء بارد ، واخرين يلعنون اليوم الذي خرجوا فيه من بغداد ، أنها ساعات قاسية مرهقة مملوؤة بالتعب ، والقلق . أما نحن الثلاثة فرغم المعاناة فهدفنا الوصول الى دمشق رغم كل شئ .
كل شئ مر بسلام وغادرنا الأراضي الأردنية بعد أجراءات أمنية بسيطة لا تذكر , ودخلنا الأراضي السورية ، ليس هناك أختلاف في الطبيعة على الطريق الصحراوي سوى لوحة الحدود ، الأرض صحراوية في الجانبين ولكن هناك بعض المساحات الزراعية الصغيرة مزروعة بالذرة الصفراء والبيضاء وبعض محاصيل العلف في الجانب السوري أعطت بعض الخضرة للمنطقة .
جاوزت الساعة الأن الخامسة عصرا" وأخذت درجة الحرارة تميل الى الأعتدال . وقد مرت ساعة واحدة على الموعد المتفق عليه في الفندق ، وأنا والأخوة نتبادل الحديث . هل يا ترى سنجد الفندق بسهولة ؟ وهل سيكون الأخوة في الوفد بأنتظارنا هناك ... .؟
وبعد هذا القلق وتوتر الأعصاب دخلنا مركز مدينة دمشق ، هذه المدينة التأريخية العريقة التي تغزل بها الشعراء في الساعة السابعة ليلا" وقد مرت ثلاث ساعات عن موعدنا ، لا شئ في هذه المدينة يدل على أنها مدينة عصرية ، متطورة ، الشوارع ضيقة والبيوت بسيطة البناء ، مزدحمة ليس فيها نظام سير واضح . دخلنا الأن الى ساحة المرجا حيث يتوسطها نصب تذكاري جميل ، وتحيط بالساحة مطاعم الكباب السوري اللذيذ ومحلات صنع البقلاوة السورية المشهورة ، أما الشوارع المؤدية للساحة فعبارة عن أزقة ضيقة تحمل الفلكلور السوري الجميل . على كل حال ليس أمامنا وقت نضيعه وقد مرت ثلاث ساعات على موعدنا .... ترى أين هـو الفندق ؟ وهل من السهل العثور عليه ؟ وهل هو فندق ذو خمسة نجوم ؟ وفي هذه الساحة الفقيرة كما نراها ؟ بدأنا بالسؤال عن مكان الفندق مباشرة وبسرعة وأشار أحدهم الى الزقاق الذي يقع فيه وأتجهنا اليه مسرعين ، بادرنا للسؤال عن الأخوة من صاحب الفندق مبا شرة وجاء الجواب كالصاعقة علينا ، لقد غادر الاخوة الى اللاذقية في الساعة الخامسة بعد أن أنتظروا ساعة واحدة أضافية حيث فقدوا الأمل في وصولنا, دون أن يتركوا لنا أي أشارة أو رسالة الى أي مكان يمكن اللقاء فيه هـناك ، يا له من حظ تعيس وما علينا ان نفعل الان ... ؟
الوقت يمر سريعا" ، الأرهاق ، التعب ، الجوع ، عدم النوم وطول السفرة ومتاعب الطريق جعلنا لا نستطيع حتى بالتفكير الصحيح للخطوة التالية .
ماذا نفعل الان ؟ هل سنقضي ليلتنا الثانية هذه في دمشق ؟ ونسافر صباح يوم غــد ؟
هل سنسافر هذه الليلة ونحن متعبون جدا" وبدون نوم أيضا" ؟ وهل لنا القدرة على تحمل ذلك ... ؟
وبعد دقائق من التفكير أتخذت القرار الصعب وهو السفر رغم معارضة الشباب كونهم متعبين جدا" ولديهم رغبة شديدة في الراحة والنوم .
تناولنا عشائنا اللذيذ وهو الكباب السوري بالساطور وتناول كل منا قدحين من الشاي وبدأنا نبحث عن سيارة تنقلنا الى اللاذقية . المدينة الساحلية وميناء سورية الجميل نحو الخارج ...
كان سواق سيارات الاجرة العاملين على خط دمشق ـ اللاذقية يفضلون الذهاب الى اللاذقية في ساعات النهار فقط ونادرا " ما يسافرون ليلا" لخطورة الطريق الجبلي ولكونه طريق قديم ضيق وذو أنعطافات حادة وكثير الحوادث ....
تجاوزت الساعة الان التاسعة والنصف ليلا" ونحن نقف في كراج اللاذقية عسى أن يوافق أحدهم بالسفر الى هناك , نحن الان ثلاثة وعلينا تحمل أجرة الراكبين الآخرين فيما لو حصلنا على سيارة أجرة تنقلنا الى هناك .أنه أنتظار طويل والعديد من السواق يعتذر بقولهم أسف الوقت متأخر .
ونحن في هذا الحال من الأنتظار جاء شخصان آخران يودان السفر أيضا" وبذا أكتمل عددنا ولكن يبقى السؤال متى نحصل على سيارة ... ؟ ونحن في هذا الحال تذكرت الوطن وما حدث هناك خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية ؟ ... ترى ماذا عمل الأنقلابيون الجدد هناك ؟ هل قاموا بمجازر جديدة ؟ مشابهة لمجازر عام 1963 ؟ ما مصير أهلنا , ورفاقنا في الوطن ؟ هل نستطيع العودة الى الوطن بعد أنتهاء المهرجان ؟ أنها عشرات الاسئلة التي تشغل الفكر. وفي دوامة هذه الاسئلة قطع تفكيري وقوف سيارة أمامنا جاءت لتوها من اللاذقية وأنزلت ركابها ، رفض السائق في البداية العودة الى هناك , لكنه غير رأيه عندما ضاعفنا الاجرة وما هي إلا ثوان ونحن نحتل المقدمة غير مصدقين ذلك.
وفي الدقائق الأولى لحركة السيارة طلب أحد الراكبين السورين من السائق وكان من الشرطة
العسكرية السورية من السائق بلهجة آمرة :
ـ بالله مرلي على البيت حتى آخذ الشنط بتاعي من هناك !!!
ـ وليش ما جبتهم معاك , ليش شايفني أنا خدامك لو خدام أبوك ؟
ـ غصبن عليك وعلى أمك تقوم ما أقلك عليه يا أبن ال .... !!! وإلا بكرة أعلكك بالكراج
وتطورت المشادة الكلامية بين الطرفين الى الضرب بالأيدي وكل احد يهدد الأخر . تدخلنا
افض النزاع وأستعدادي لدفع مبلغ أضافي لقاء جلب الحقائب لكن السائق قرر العدول عن السفر والعودة الى الكراج وكل طرف يهدد الطرف الثاني بمصيره القادم , آه .... يا لـه من حظ تعيس لا يود أن يفارقنا .
وبعد كلام طويل ورجاء وافق السائق على المواصلة بعد أن نظر ألينا قائلا لخاطركم أنتم العراقيين وأبتسم بوجهنا وواصل السير بأتجاه اللاذقية بعد ان أخذ حقائب العسكري من منزله وقدم له سيكارة وبدأ الحديث بينهما وكأن شيئا" لم يكن .
وفي أثناء الطريق سألناه إن كانت لديه معلومات عن الوضع في العراق لنرى مدى أنتباهه وتركيزه على الطريق ، وفتح المذياع ليسمعنا آخر الأخبار من هيئة الأذاعة البريطانية وأذاعة مونت كارلو ، أنها ليلتنا الثانية بدون نوم ..... الطريق ضيق وخطر للغاية , حيث الأنحدارات والأرتـفاعات والأنعطافات في طريق قديم لا يسع سوى لسيارتين للذهاب والأياب , أغلب سواق الشاحنات الكبيرة يستغلون برودة الليل لنقل البضاعة بين دمشق واللاذقية مسببين حركة مرورية صعبة ، وهنا أدركت لماذا يخشى السواق السفر ليلا" . ترى كيف تغمض عيوننا ونحن في هذا الطريق الخطر . وأمامنا رحلة تستغرق حوالي خمس ساعات على الاقل , عيوننا محدقة بالطريق وفي كل أنعطاف من الأنعطافات الحادة . ترى هل سنصل بسلام ونلتقي مع رفاقنا وأخوتنا في الوفد ..؟ الوقت يمر ببطئ وسط شخير الأخوة السوريين ... بينما نحن لم يغمض لنا جفن . لقد مرت علينا الأن ثمان وأربعون ساعة متواصلة بدون نوم .
وصلنا اللاذقية بسلام في الساعة الثالثة فجرا" ولم يبق أمامنا غير ثلاثة عشر ساعة فقط وتغادر الباخرة مدينة اللاذقية ، ترى هل سنرى الأخوة والرفاق أم لا .. ؟ وهل هناك صعوبات أخرى ؟ نعم ان الرحلة لم تنتهي بعد . ...
آه .... لو استطيع النوم .... ولو لخمسة دقائق فقط ...لاغيرها إني بحاجة لها .
يا ألهي ساعدني على تحمل ذلك .
#فائز_الحيدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟