|
المضمون الطبقي و المغزى السياسي لنزعة النضال السلمي
عادل حمامة
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 08:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لقد صدق ماركس عندما قال: "كلما اشتد التناقض بين قوى الإنتاج النامية و النظام الاجتماعي القائم، أصبحت إيديولوجية الطبقة الحاكمة مشبعة بالنفاق أكثر فأكثر، و كلما فضحت الحياة بهتان هذه الإيديولوجية غدت لغة تلك الطبقات مهذبة و فاضلة". و هاهي اليوم الوقائع تأكد صحة و دقة هذه الموضوعة أمام أعين الكل، و حتى أولائك المترددين و الناقمين على الماركسية لـ"عنفها" و كفاحيتها"المفرطة" لم يستطيعوا دحضها رغم محاولاتهم المتكررة، بل إن الامبرياليين أنفسهم لم يستطيعوا إنكارها؛ فها نحن نجد تقييمات البنك الدولي و المؤسسات المالية الكبرى و عملائهم إذ يقرون باستفحال الأزمة و بقرب "السكتة القلبية" ..الخ إنما يقرون بحقيقة الأوضاع التي يعيشها الشعب المغربي، يقرون باشتداد" التناقض بين قوى الإنتاج النامية و النظام الاجتماعي القائم" و هو ما يعني اقتصاديا الأزمة في الإنتاج و المبادلة و التوزيع. و الرأسمالية سواء الاحتكارية أو التبعية لا يمكن أن تتفادى هكذا أزمات، كما أنها، لا يمكن أن تحلها أو تنظر إلى حلها، إلا من زاوية مصلحتها الطبقية أي من خلال رفع شدة الاستغلال عبر التسريح الجماعي للعمال و العاملات و النزع القسري للأرض من الفلاحين و الفلاحات و تقليص دائرة الإنتاج و تضخيم الجيش الاحتياطي للعمل و التخلي عن كل الخدمات الاجتماعية : التعليم، الوظيفة العمومية، الصحة، أنظمة التقاعد (و لا غرابة أننا نجد اليوم كل أنظمة التقاعد في الدول التبعية: المغرب-البرازيل-الأرجنتين-مصر... بل و حتى بالدول الامبريالية نفسها تتعرض الآن إلى التراجع، فالأزمة عامة و شاملة) إن كل هذه التراجعات و كل هذا الهجوم الشامل و المدمر الذي تشنه البرجوازية على حقوق الشعب المغربي إنما هو بالضبط الإجابة التي لا يمكن أن تزيغ عنها البرجوازية لحل أزمتها-بالنظر إلى موازين القوى الطبقية الحالية- و هذه الأزمة بالذات تولد المقاومة ضد هجومات الرأسمال و يشكل الأساس الاقتصادي الرئيسي للنهوض الجماهيري العفوي. و مع هذا النهوض العفوي الذي تولد من خلال مقاومة جماهير العمال و العاملات بإيمنى و جماهير الفلاحات و الفلاحين بإيملشيل و زمرار و الجماهير الطلابية بوجدة – فاس -مراكش و جماهير المعطلات و المعطلين ببني ملال و الرباط و الجماهير الشعبية بالحسيمة و سيدي ايفني و طاطا و إيتزر ... نجد البرجوازية تشدد الخناق على الجماهير أكثر فأكثر تصادر الحريات عبر التقتيل المادي المباشر للجماهير ،الاعتقالات المحاكمات الصورية و عبر تضخيم الأجهزة القمعية و إعادة تنظيمها حتى تكون أكثر مهارة في التقتيل الممنهج و كذلك عبر إصدار القوانين الإجرامية( قانون الإرهاب، قانون الإضراب، مدونة الشغل، قانون الأحزاب، قانون الصحافة...). إن البرجوازيين واعون تماما بأن العنف المادي المباشر لا يمكن أن ينجح وحده في الحفاظ على ديكتاتوريتهم لذلك نجدهم لا يتوانون على حجب هده الحقيقة الكارثية عن الأنظار و خلق الأوهام و تضليل الجماهير لتثبت سيطرتهم الحقيقية فتصبح إيديولوجيتهم "مشبعة بالنفاق أكثر فأكثر". فها هي ذي البرجوازية الكمبرادورية و الملاكون العقاريون و هم يمتصون عرق و دماء العمال و الفلاحين و يهشمون عظام الطلبة و المعطلين، يصرخون بأعلى أصواتهم –أو عبر أبواقهم و أذيالهم- منادين إلى التسامح و احترام حقوق الإنسان و نبذ العنف "بكل أشكاله" و إدانة كل من ينادي بالشعارات التي تعري هذا الواقع و تبين طرق الخروج منه رافعين راية "النضال الحضاري" و "قيم الحوار الديمقراطي الحداثي" و هاهي ذي الامبريالية تنهب و تقتل الشعوب و تستعمر البلدان و تكشف عن حقيقتها الاستعمارية و الرجعية و تلجأ إلى تخدير شعوبها و شعوب العالم نحث يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان و ترسيخ الديمقراطية و ... و ما منتدى الشرق الأوسط الكبير إلا نموذجا يفقأ أعين كل التافهين و ينير طريق كل العازمين. لكن المعبرين السياسيين و الإيديولوجيين البرجوازيين الامبرياليين و الكمبرادوريين ليسوا وحدهم من "يناضل" انطلاقا من هذه الأيديولوجية بل أيضا الانتهازيون و الإصلاحيون و الشوفينيون و ...فهؤلاء و قد حطم الواقع كل إرثهم المفلس و كشف عن عـقـمه و تفاهته يركضون اليوم حاملين ذات اليافطات الداعية إلى نبد"الأوهام" و نقد "الأفكار البالية" الغير "ديمقراطية" و إلى تبني " التفكير الديمقراطي الحداثي" ( ) إن هذا التضليل الأيديولوجي و هذا النفاق الاجتماعي يجعل التافهين يذهبون إلى حد التنكر لضرورة المقاومة و الصراع بدعوى أن الحركة العمالية، أو حركة المعطلين أو الحركة الطلابية أو الحركة الجماهيرية بشكل عام غير معنية بالصراع السياسي الدائر لكن الحياة تفضح بهتان هذه الأيديولوجية فتغذو "لغتهم" جميعا "مهذبة و فاضلة". و تصبح المناداة بالشعارات "العنيفة" محط نقد و تصبح "السياسة" التي يطبعها" و لو شيء من الكفاحية محط إدانة و هجوم. إن المحاولات التي تسعى أذيال البرجوازية في الحركة الجماهيرية اعتمادها لتطويق و شل قوة الجماهير، من خلال الصراخ بأن الجماهير لا تناضل إلا على مطالب "إجتماعية محضة" و أن نضالها ليس نضالا سياسيا و إنما هو نضال من أجل "تطبيق القانون" ( ) و نضال من أجل " الحق في الشغل" ( ) ....إلخ. إن ذلك لا يعني إزالة و عزل الحركة عن الصراع السياسي، أبدا فكل نضال طبقي إنما نضال سياسي، إن تلك المحاولات الدنيئة إنما تعني الزج بالحركة إلى السلم و الوداعة مع العدو، إنما تعني "النضال" من أجل جعل هذه الحركة ذيلا للبرجوازية لا يخدم في آخر المطاف سوى شعارات الإمبريالية و شعارات النظام و يعمق من أزمة حركة التحرر الوطني، إن القول "باللاسياسة" لا يعني في حقيقة الأمر سوى الإختباء و تضليل الجماهير، لذلك تشكل تعرية مثل هذه الخطابات و فضحها أمام الجماهير إحدى أهم المهمات المُناطة بالشرفاء المرتبطين بمصالح الشعب المغربي. إن النضال ضد العدو الطبقي يعني أيضا النضال ضد ممثليه و أبواقه داخل الحركة الجماهيرية، إن هؤلاء الداعين إلى نبد السياسة إنما هم بالضبط ممثلو السياسة الاستسلامية، ممثلو البرجوازية، ممثلو أيديولوجية العدو الطبقي داخل الحركة الجماهيرية. إن المقال التالي صدر بجريدة مسيرة الشعب People′s Μarch ، طبعة يناير 2004 و هو لأحد الشيوعيين الهنود، جاء بالموازاة مع المنتدى الموازي- سُمّي "مقاومة مومباي 2004 - الذي نٌظم ضد المنتدى الاجتماعي الذي نُظم بمومباي، و هو يقدم تأطيرا نظريا و سياسيا للحركة المناهضة للعولمة و يبين حدودها. و أهمية هذا المقال اليوم لازالت كبيرة نظرا للجانب النظري الذي يطرح به الرفاق الشيوعيين بالهند مسألة مقاومة الإمبريالية، و طبعا يمكن أن نقول أن المسائل النظرية المطروحة بالمقال لا يمكن حصرها في مسألة أشكال المقاومة التي أبدعتها حركة مناهضي العولمة بل هي تمتد نظريا إلى أشكال المقاومة التي تنظمها الشعوب ضد هجمات الرأسمال أي أشكال المقاومة التي تبدعها الجماهير العمالية و الفلاحية و الطلابية و المعطلين و كل فئات الشعب الكادح. 19/06/2005 عادل حمامة
الحــركة المنـاهضة للعـولمة و المنـاهضة للحـرب و مســألة إسـقـاط الإمبريالية
عندما تتعمم الأزمات حتى تشمل المجتمع ككل، يمكن أن تُجتَذب عدد متنوع من القوى إلى النضال من أجل تغيير الوضع الاجتماعي القائم. خصوصا عندما تكون مصالحها أو حتى وجودها مهددا. هذا ما يتضح حاليا على الساحة الدولية، فنحن شهود على تعبئة غير مسبوقة، تُشرك قوى اجتماعية متنوعة تحتج ليس فقط على إفساد déterioration)) شروط عيشها الشيء الذي تتحمل الطبقة المسيطرة مسؤوليته، بل أيضا تحتج تضامنا مع شعوب الدول المضطهَدة. فالحركات القوية المناهضة للحرب و العولمة التي انتشرت عبر العالم في السنين الأخيرة تمثل تطورا غير منتظر من طرف القادة الإمبرياليين، الذين كانوا يحلمون بانتصار سهل بعد انهيار خصومهم في الإتحاد السوفييتي. لقد حاول الإمبرياليون أن يجعلونا نبتلع كون فكرة الحلم الكبير الهادف إلى تغيير العالم و الوصول إلى عالم أفضل قد ماتت مع زوال الإتحاد السوفييتي و الصين الإشتراكية. و أنه ابتداءً من اليوم، سيبقى العالم كما هو، أي خاضعا للرأسمالية. و قد كرروا منذ زمن ليس بالبعيد أن الرأسمالية قد كسبت الحرب الوحيدة ضد الشيوعية و أننا قد بلغنا "نهاية التاريخ". إن الشخصيات المرموقة للإمبريالية تذيع على الملء أن أي نظام لا يستطيع تعويض نظامهم و أن أية أيديولوجية تهدف إلى تغييره مُهمَلة و غير ذات جدوى. فالأيديولوجيات قد ماتت، كما يزعمون، و قوى السوق هي التي ستحدد مسار الأحداث سواء على مستوى كل بلد على حدة أو على المستوى الدولي. و في هذا الإطار الجديد، لن تكون مختلف الدول سوى مجرد قواعد تخدم تسهيل دوران رأس المال و توسعه؛ كما أن مفاهيم الحرية و السيادة ستكون أشياء من الماضي. و هكذا، فكما هو الأمر بالنسبة لمفاهيم الاشتراكية و الشيوعية، ستفقد "المفاهيم القديمة" كالقومية و الوطنية و التحرر الوطني، معانيها في إطار النظام العالمي الجديد. فالإمبرياليون إذن يعضون الشعوب بإقبار أحلامها بعالم أفضل، و بدون رجعة. و بكلمة واحدة، فقد زعموا أن الشعوب ينبغي أن تكف عن البحث عن وسائل لتغيير العالم. إلا أن الواقع قد أدركهم بأسرع مما كانوا يعتقدون. ففي الفترة التي تلت انهيار الإتحاد السوفييتي، شهدنا، فعلا، تنامي حركة واسعة ضد العولمة و الحرب الإمبرياليتان. إذ تعلمت الجماهير الشعبية انطلاقا من أوضاعها الخاصة، أن العالم الجديد الذي وُعدت به لم يُبنَى على شيء سوى الهجمات الشرسة على وسائل عيشها، و على الاقتطاعات المُكَثَّفة من الخدمات الاجتماعية، و الإغلاقات الكاملة لبعض القطاعات الصناعية. و كل هذا، تحت ذريعة إعادة الهيكلة الاقتصادية الضرورية و التي لا مفر منها، إلخ. و فوق كل ما أتت به النظام العالمي الجديد لشعوب العالم، هناك حالة حرب دائمة، مما سمح لها بالإدراك على أنه كلما طال أمد وجود الإمبريالية، لن تعرف أهوال الحرب حداًّ. إذن ففي كل البلدان، نهضت الجماهير الشعبية لتقول لا للحرب و لا للعولمة.
ســـــيـــاتــــل و بــــعــد إن أول نهوض شعبي لسنوات التسعين قد تم في المكسيك في يناير 1995 ، مع انتفاضة الفلاحين في دولة شياباس(Etat du chiapas) . هذه الإنتفاضة التي أعطت الإشارة للجماهير الشعبية عبر العالم بأنه من الممكن و من الضروري التمرد ضد قوى السوق، و ضد نظام لا يعمل سوى على إهلاكها بشكل ممنهج. و بعد أربع سنوات على أبعد تقدير، و بالضبط في سياتل، امتدت الحركة إلى جماهير الدول الإمبريالية. و هي إشارة إلى أن تغييراً هو في طريقه إلى أن يحدث في مزاج الناس، هنا أيضا. فالكفاحية لم تعد، بعد الآن، ظاهرة يمكننا أن نربطها فقط بشعوب الدول المُضطَهَدة. إذ أن المزيد تلو المزيد من الناس، في الدول الرأسمالية المتقدمة، قد انجذبوا هم أيضاً إلى التفكير في مسألة معرفة كيفية مواجهة العنف الذي تستعمله الطبقات المُسَيطرة للدفاع عن سُلطتها. فالرصاص و القنابل لم تعد مخصصة فقط للأشخاص الملَوَّنين، "المتوحشين و المتخلفين"، في دول العالم الثالث. و اغتيال كارلو غلياني من طرف الشرطة الإيطالية، في جنوةGénes))، شكل طبعا التجلي الأكثر حدة؛ لكن الجماهير واجهت أيضا الضرب بالمطرقة، و الرمي بالرصاص المطاطي، و غازات لاكروموجين، و التعذيب و السجون و الاعتقالات الاحتياطية – في سياتل بداية، لكن أيضا في دافوس، و كالغاري، و براغ، و غوتبورغ و في العديد من المدن الأخرى في العالم "الأبيض و المتحضر". Qui plus est ، فإطلاق النار كان يأتي من نفس القوات المسلحة التي تنشر الموت و الدمار في مناطق أخرى من العالم. حيث أن أماكن التجمعات التي كانت تنطلق منها المظاهرات قد أُعلنت مناطق حرب، إذ منذ أن تتجرأ جماهير المعارضات و المعارضين على اللجوء إلى ممارسة أكثر كفاحية و مجابَهة، تعتبرها السلطات مُجَرَّد قوى معادية. لقد كانت هناك بالفعل مختلف أشكال الإحتجاجات، من الإعتصامات السلمية حتى الهجوم بالقذائف و عرقلة الشوارع، كل هذا يتم تزامنا مع كل اللقاءات و القمم التي تعقدها مجموعة الثمانية (G8)، و البنك العالمي، و صندوق النقد الدولي، و منظمة التجارة العالمية، تقريبا. و حول مسألة معرفة كيفية و مغزى معارضة العولمة. (هذه المعارضة التي تهدف إلى تحويلها إلى شيء مقبول أكثر و تعويضها بشيء آخر؟)، ظهرت عدة إجابات بدأت تدور و تشَكل مادة للنقاشات، إنطلاقا من وجهة النظر التي تم اتخاذها تجاه الإمبريالية و تحطيمها المحتمل. ففي سياتل كنا شُهودا على أعمال سلمية للجماهير أكتر مما هي عنيفة. فعدد كبير ممن شاركوا فيها تمنوا ألا تمس العولمة نمط عيشهم. وآخرون كانوا يعتقدون أنها مستحبة لكن كان ينبغي أن يضفى عليها طابع أكتر إنسانية. وكان هذا موقف أغلب المنظمات غير الحكومية و الديمقراطيين والليبراليين الذين شاركوا فيها. فهذه القوى كانت ترغب أساسا في الضغط على الزعماء الامبرياليين لإجراء بعض الإصلاحات، و تعديل هذه السياسة او تلك التي تمس هذه الوضعية الخاصة أو تلك مثل وضعية المرأة، و البيئة، و استغلال الخيرات الطبيعية، و التنمية. كل هذا كان موضع أكثر مساءلة في شوارع سياتل. بينما قوى أخرى حددت بشكل صحيح النظام الرأسمالي .و الامبريالي باعتباره أصل كل المشاكل، مع رفضها الذهاب بعيدا باتجاه بديل اشتراكي نظرا لأن الكثيرين لازالوا تحت تأثير الدعاية الامبريالية حول "أهوال الشيوعية" ويخشون دوما العودة إلى دولة من نمط السوفيت. هؤلاء الناس يرفضون إدراك أن ما انهار أمامنا في الواقع سنة 1991، ليس الشيوعية وإنما فقط شكل آخر للرأسمالية ألا وهو رأسمالية الدولة. و البعض الآخر يهاب بصدق أن تتكرر الأخطاء التي ارتكبت بالفعل في عهد دولة دكتاتورية البروليتاريا على عهد ستالين، ويحتفظون في ذاكرتهم فقط بصورة عن فترة ستالين كما تم وصفها من طرف أعداء الطبقة العاملة دون مراعاة أن الأمر يتعلق بأول محاولة تاريخية لتحويل نظام قديم غير عادل، لا إنساني، دام لآلاف السنين؛ وبالتالي فإن العديد من الأخطاء من بين تلك التي ارتكبت كانت محتومة في البداية. فتجربة الإتحاد السوفييتي تشكل في الحقيقة مجهودا عظيماً للتحرر يستهدف وضع حد للاضطهاد والمظالم و لاستغلال الإنسان من طرف الإنسان. و بالفعل لم يسبق أن كان هناك جهد بمثل هذه الأهمية في تاريخ البشرية. فالأمر يتعلق بمعركة ضارية من أجل تحقيق حلم يستمر أيضا اليوم و سيبقى حيا إلى أن يحقق المجتمع الشيوعية. و في نفس الوقت، كان هناك آخرون شطبوا تماما الاشتراكية من برامجهم، و كأن الأمر يتعلق بصدفة، خصوصا الأحزاب التي كانت مرتبطة بالاشتراكية الامبريالية السوفييتية، و رغم ذلك يسمون أنفسهم اشتراكيين ديمقراطيين. فهذه الأحزاب قد تخلت على طريق الثورة و غيرت الغطاء منذ زمان. و يمكن القول أن هذه الأحزاب و القوى التي تحوم حولها عاجزة عن الدفاع عن الاشتراكية و الشيوعية كبديل للنظام الإمبريالي المسيطر –حتى لو رغبت في ذلك- ، إذ أن منطلقاتها هي أن أي بديل غير ممكن. و أخيرا، كما نعرف ثمة عدد كبير و متنوع من القوى البرجوازية الصغيرة المناهضة للرأسمالية تستمد أصولها الأيديولوجية من الفوضوية، و هي تردد بشكل مدوي و قوي أن الإمبريالية يجب أن تسقط، لكنها لم تقدم حتى القليل من الأفكار الملموسة فيما يتعلق بمعرفة ما ينبغي و يمكن أن نستعيض به عنها-إن لم يكن أنهم لا يستحضرون الدولة غداة إزالتها. فحتى لو أن هذه القوى ترغب فعلا في إسقاط الدولة على صورتها الحالية، فهي بالمقابل لا تطرح إلا تشكيل مجموعة قواعد صغيرة لتدير شؤون المجتمع. و رغم ذلك فقد خاضت عدة أشكال أكثر كفاحية.إن مجموع المقاربات و المواقف التي أوردناها بإيجاز قد أعطت إشعاعا نسبيا خارج دائرة الذين و اللواتي يتبنونها.
تـــكــتــيكات مــتــنـوعــة
إن المظاهرات العديدة ضد الحرب و العولمة قد فتحت المجال لتوظيف عدد كبير من التكتيكات. فغالبا ما تم الذهاب إلى حدود تحديد مناطق أكثر دقة تسمح للمشاركين و المشاركات باستعمال أشكالهم النضالية المفضلة.حيث تتمركز التنظيمات النقابية، التي تسعى إلى تربية أعضائها على ضرورة التخلص من الرأسمالية، في المناطق المدعاة "سلمية"، كما هو الحال بالنسبة للمنظمات غير الحكومية و منظمات المجتمع المدني الأخرى. بينما الشباب الثوري الذي لا يرى أي مستقبل في إطار العولمة، خاض أشكالا أكثر كفاحية. و قد تم تبرير هذا التصنيف (أي تقسيم المناطق إلى "كفاحية" و "سلمية") بالقول أنه ينبغي الحفاظ على الوحدة بين متخلف القوى المتواجدة في الحركة. فكل مجموعة ينبغي ألا تهتم بشؤون الأخرى، لكن في الواقع، ففي كل مرة يجتمع فيها عدد كبير من الأشخاص-كما حصل في سياتل و في مناطق أخرى- تختلط الجماهير بشكل عفوي. و يتعرض الكثيرون من اللواتي والذين احترفوا الإيمان باللاعنف لضرب مبرح، نظرا لأن الهجمات المباغتة للشرطة و القوات شبه العسكرية لم تكن لتتجنبهم. إن مجابهة الإمبريالية ليست مجرد مسألة مهرجان أو مظاهرة متساهلةRelachée))، إننا نواجه سلطة يبدو ألا أحد يستطيع إيقافها و هي لا تتردد عند الحاجة عن اقتراف الجرائم الأشد بشاعة ضد الشعوب و الأمم المُضطَهَدة. فالقوة العظمى في الأرض، التي تسعى إلى الدفاع بأي ثمن عن مقامها الأول كقوة دولية عظمى هي ذاتها التي تضغط أكثر من أجل العولمة. فباسم الحرب على الإرهاب تستعمل ترسانتها الحربية ضد الشعوب و الأمم المُضطهَدة و ترفض الإعتراف بكل الجرائم التي اقترفتها ضد الإنسانية. فلا يمكن إقناعها بعقل سليم و لا دفعها إلى الإصغاء إلينا، إن اللغة الوحيدة التي تفهمها هي تلك التي استعملها الفيتناميون و الفيتناميات، إنها اللغة التي أجاب بها الجزائريون في تلك الفترة على الإمبرياليين الفرنسيين. فالحركة السلمية الواسعة للثمانينات لم تُفلح في منع استعمال الأسلحة النووية في أوربا و لم تُفلح في إقناع الإمبرياليين الأمريكيين و البريطانيين بعدم غزو افغانستان و العراق و هذا رغم المعارضة النشيطة للملايين من الناس عبر العالم- فاليوم، فقط القوى التي تقاوم في هذين البلدين هي التي سترغم الولايات المتحدة على الإنسحاب و ليس المعارضة السلمية. فبالفعل إذا أردنا أن نمنعها من إرسال جيوشهاses mercenaires لاحتلال البلدان الأخرى ينبغي أن نكبدها الخسارة في ميدانها الخاص. و في آخر التحليل، فإن الإمبريالية و جيوشها يجب أن تتم إزالتها و تصفيتها في بلدانها الأصلية. إذ إن نظامها يزرع الحرب و المأساة و الجوع و الموت للملايين من الناس عبر العالم، فعالم جديد لا يمكن أن يبنى إلا على أنقاض هذا الدمار، إذن فشعوب العالم تواجه تحدي الدفع بتاريخ الإنسانية إلى مرحلة جديدة حيث سنتخلص أخيرا من هذا الغول الذي هو الإمبريالية. فعلى عكس ما يزعمه فوكوياما، فإن التاريخ لم ينته بعد، بل بالعكس نحن على أبواب فجر عهد ذهبي جديد لم تعرفه البشرية حتى اليوم. ما من شك على أن الشعوب تواجه مسألة معرفة كيف نصل إلى قلب الإمبريالية، و بما سنستعيض عنها. و حتى اليوم فالماركسية وحدها هي التي اتضح أنها تمتلك القدرة و الإرادة على تقديم جواب عن ذلك. وليس ثمة أيديولوجية أخرى في مستوى تقديم بديل آخر، فكل البدائل الأخرى التي ظهرت في لحظة أو أخرى انتهت إلى التموقع على أرضية الإمبريالية و قبول فكرة عدم إمكانية الخروج منها، فنهاية استغلال الإنسان للإنسان تمنح أسس بناء مجتمع جديد، و هذا يستلزم مجهودا عظيما للتنظيم من أجل مجابهة و تعويض النظام اللاإنساني الذي نعيش فيه اليوم. إلى أن نصل إلى الشيوعية، يجب بدءا أن تحصل ثورات ديمقراطية و اشتراكية من بلد لآخر، فالدول الوطنية توجد دائما على عكس ما تزعم الإمبريالية حينما تقول أن العولمة ستجعل من العالم قرية صغيرة، فهذه القرية في الواقع مليئة بالفوارق و التنوع و المظالم و الإستغلال و الإضطهاد الذي تقوم به قلة من البلدان ضد أغلبية من الأمم الفقيرة و المتخلفة، و التي تمثل ما يسمى بدول العالم الثالث. فالتراجعات التي عرفتها الاشتراكية في روسيا و الصين ساهمت بالفعل في نشر نوع من الاستخفاف بصدد الشيوعية. فالنظام الذي سيلي الرأسمالية سيكون عرضة لسلسلة من المشاكل التي لا مفر منها، لكن فقط بالتعلم دوما من هذه التجارب، سيظهر نظام أفضل، اشتراكي. أما فيما يخص وجهة نظر الفوضوية فنتيجة عدم الحاجة إلى حركة منظمة لقلب النظام الحالي فإن الدول الإمبريالية و الرجعية الأعلى تنظيما مكلفة بحل ذلك. فليست العروض(spectales) على شاكلة المنتدى الإجتماعي العالمي و لا الأعمال المتفرقة و غير المتناسقة لعدد قليل من المناضلات و المناضلين هي التي ستحطم الرأسمالية. فعند الاقتضاء عندما نصل إلى ذلك ستبدو كل الجهود التي بُدلت غير ذات جدوى إذا لم نتحقق من أن النظام الجديد في مستوى المهمة، إذا تحدثنا تنظيميا و ذاتيا. فالرأسمالية لن تصبح فجأة أكثر إنسانية بمجرد أن يتم إسقاطها، فهي لن تدَّخر جهدا من أجل استعادة وضعها القديم ( كما رأيناه في روسيا و الصين). لقد واجه المناضلون و المناضلات النشطاء داخل الحركة المناهضة للعولمة بالفعل السلطة المسلحة الكاذبة للرأسمال؛ و التي تتحكم اليوم في العالم كله عم طريق قواتها المسلحة القاتلة، و جهاز دولتها الأكثر تطورا، و السجون لكن خصوصا باستعمال أداتها الأيديولوجية و الدعائية للتحكم في عقلية الناس. فإذا رغبنا في يوم ما في تحطيم العدو، ينبغي أن نتحرر من كل التأثيرات البرجوازية. إن الكثيرين يزعمون عدم الإنحياز إلى أية أيديولوجية، لكنهم في الواقع يتبنون إحداها، و بدقة: إنها الأيديولوجية التي تضع مصالحهم الخاصة فوق مصالح المجتمع. و الموقف شكل أحد أشكال الهجوم الإيديولوجي للطبقة المسيطرة التي تحاول أن تجعلنا نعتقد أن الأيديولوجيات قد انتهت. و الواقع أنه لإسقاط الإمبرياليين ينبغي امتلاك الأيديولوجية الثورية للبروليتاريا-أي الماركسية. ينبغي التخلص من الأفكار الما بعد عصرية للبرجوازية التي تنفي القوانين التي تتحكم في المجتمع. إن شعوب العالم قد تم دفعها إلى التدخل و طرح العديد من الأسئلة، و ينبغي للناس أن يتمكنوا من إيجاد الإجابات المناسبة، و أن يعرفوا كيف يحددون العدو و كيف يتخلصون منه. إن غرس المذاهب الذي تم التعرض له منذ عقود بواسطة الدعاية الرجعية و نمط التفكير البرجوازي ينبغي إن نصارعه على الدوام إذ فقط هكذا نستطيع التغلب عليه. إن الأفكار الليبرالية البرجوازية السلمية التي تمنعنا من أن نرى بشكل صحيح حقيقة النظام الذي نعيش فيه، ينبغي مصارعتها و هزمها. سواء أخذت شكل "المجتمع المدني"، أو "الحركات الإجتماعية"، أو "المنتديات الإجتماعية"، أو أية أصناف أخرى كيفما كانت، إن الأفكار السلمية، تُضعف حدة النضالات الشعبية و تمنع الشعوب من الهجوم على العدو بالطريقة المناسبة، أي المنظمة
#عادل_حمامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيار البديل الجذري المغربي// في خدمة الرجعية يفصل التضامن م
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 585
-
أحكام ظالمة ضد مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجبهة تند
...
-
السيد الحوثي: العدو اعتدى على متظاهرين بسوريا واطلق عليهم ال
...
-
سلطات مدينة إيربيت الروسية تقرر نزع ملابس -ديد ماروز- عن تمث
...
-
صحيفة تركية: أنقرة ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في
...
-
صحيفة: تركيا ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في سجنه
-
ترامب يخاطب -اليساريين المجانين- ويريد ضم كندا وغرينلاند وقن
...
-
من الحوز إلى تازة: دخان مدونة الأسرة وانعكاسات تمرير قانون ا
...
-
الجبهة الديمقراطية تندد باعتقال السلطة أحد قادتها خلال مسيرة
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|