مناف الحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 05:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في شكواه الدائمة من زوجة أبيه، كان صديقي (س) يجعلني أغفل عن منظره، وعن الرائحة غير المستحبة التي كانت تنبعث أحياناً منه بسبب مرض كان يعاني منه جسده الصغير وليس لعدم طهارته.
حياة الحرمان والقسوة التي خلّفها رحيل والدته المبكر كانت حديثه اليومي الذي لم يكن يسرّ به إلا لي ونحن عائدان من المدرسة ليس فقط بسبب مكانتي لديه فحسب، وإنما لما يبدو علي من أمارات التعاطف البالغ مع معاناته.
ورغم ذلك كان مفاجئاً لي أن أعلم أنه اختفى فجأة بعد امتحانات الشهادة الإعدادية التي لم يوفق فيها ولم يعرف مكانه إلا بعد مرور زمن ليس بالقصير .
توج
توجّه إلى أقارب له في عمان بحثاً عن همسة عطف حرمها وهو في أمس الحاجة إليها.
لم تكن مأساة (س) نتيجة لا إنسانية زوجة أبيه ففي الخلفية يثوي سببان آخران :
والده ذو الفكر الديني المتشدد والذي كان يحفظ متوناً في الفقه ويعتبر أن الحقيقة المطلقة مطوية تحت جناحه فيسرف في تكفير وسبّ وقدح كل الطوائف والتيارات المغايرة لطائفته وتياره .
ويرتبط بهذا تربص أجهزة الأمن بهذا الشخص كلما ألقى درساً في المسجد وانتظاره عند خروجه لكي يستضيفوه في أقبيتهم ويوسعوه ضرباً حتى تحوّل تحت وطأةالتعذيب الذي كان يستجلبه لنفسه بنفسه إلى إنسان غير سويّ .
الأب الذاهل عن نفسه وعن أولاده جعل زوجة الأب تستفرد بصديقي وتحيله إلى ركام طفل لا يفهم معنى الحنان لأنه لم يجرّبه وجعل المرض ينشب أظفاره في جسده الأمر الذي جعل الهروب ملاذه الأخير .
تضافر في خلق هذه الحالة كيانان مستبدان نظام الاستبداد الذي لا يجد ضيراً في انتهاك آدمية المرء حتى لو وصل إلى حدّ سلب عقله .
وكيان الأب،المعادل الموضوعي لاستبداد منظومة فكرية لا تعرف التعاطي مع الآخر إلا عن طريق الإقصاء.
الفرق بين الكيانين أن الأول مجرم يمتلك أدوات العنف الجسدي ويستخدمها بكل وحشية،أما الثاني فهو مضلّل باستحواذ فكر شمولي على كيانه ولا يملك إلا عنف اللغة ذات المنحى الواحد واللون الواحد .وكانت زوجة الأب هي العنصر الأكثر طبيعية بين عناصر الحالة.
صديقي (س) هو المعادل الموضوعي لمجتمع يتصارع فيه الكيانان ولكن بعنف أكبر وفي سياق أعم وبعد أن تمكن الكيان الثاني الذي كان يمثله الأب من امتلاك أدوات العنف المادية .
الأمر الطريف أن (س) زارني بعد عشرين عاماً وكنت في أقصى درجات السرور لرؤيته وسرد لي كل الأحداث التي مرّ بها منذ هروبه من بيت أبيه وأضاف ببساطته التي عهدتها دوماً أنه سعيد في حياته في الأردن فلما استفسرت منه عن موجبات سعادته قال لي: لأنها دولة ديمقراطية!!
ترى هل سيكون هروب قسم من مجتمعنا من صراع المستبدين الذي يذرهم عرضة لأقسى الظروف الطبيعية( التي تمثلها زوجة الأب في القصة) هروباً إلى ديمقراطية كالتي سعد بها صديقي ؟
#مناف_الحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟